بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 5 يناير 2004 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

"إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا "(البقرة:26).
هذا النص القرآني جاء في العشر الأول من سورة البقرة، وهي سورة مدنية، وعدد آياتها(286) بعد البسملة، وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى تلك المعجزة التي أجراها الله (سبحانه وتعالى) على يدي نبيه موسى (عليه السلام) حين تعرض شخص من بني إسرائيل في زمانه للقتل، ولم يعرف قاتله، فأوحي الله (تعالى) إلى عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة، وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله، ويخبرهم عن قاتله، ثم يموت، إحقاقا للحق، وشهادة لله (سبحانه وتعالى) بالقدرة على إحياء الموتى .
ومن مزايا سورة البقرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال فيها :" لا تجعلوا بيوتكم مقابر، وإن البيت الذي تقرأ البقرة فيه لا يدخله الشيطان "." من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".
يأتي القرآن، وأهله الذين يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة، وآل عمران.. يأتيان كأنهما غيابتان وبينهما شرق، أو كأنهما غمامتان سوداوان، أو كأنهما ظلة من طير صواف تجادلان عن صاحبهما".
" اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة " ويدور المحور الرئيسي لسورة البقرة حول قضية التشريع الإسلامي في العبادات والأخلاق، والمعاملات، وإن لم تغفل قضية العقيدة الإسلامية لأنها صلب الدين، كذلك حددت السورة الكريمة صفات كل من المؤمنين والمنافقين والكافرين، وسجلت قصة خلق الإنسان بدءا بأبوينا آدم وحواء (عليهما من الله السلام).
وأشارت السورة إلى عدد من أنبياء الله ورسله منهم إبراهيم، وولده إسماعيل، وحفيده يعقوب، ومن نسله موسى، وداود، وسليمان، وعيسى ابن مريم على نبينا وعليهم من الله السلام.
وبتفصيل بلغ أكثر من ثلث السورة تناولت سورة البقرة قضية أهل الكتاب، وموقفهم من الرسالة الخاتمة، ومن النبي والرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم)، وختمت بإقرار حقيقة الإيمان، وبدعاء يهز القلب والروح والوجدان، على لسان العبد مناجيا ربه (سبحانه وتعالى) بما يجب أن يقول فيقول : " رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ " (البقرة:286).
ويمكن إيجاز أهم معطيات سورة البقرة فيما يلي :
أولا : من التشريعات الإسلامية في سورة البقرة :
(1) فصلت سورة البقرة أحكام الأسرة المسلمة من الخطبة إلى الزواج، والطلاق، والمتعة، والرضاعة، والعدة، وغيرها، وأمرت باعتزال النساء في المحيض، ونهت عن نكاح المشركات والمشركين حتى يؤمنوا.
(2) وعددت المحرمات من الطعام من مثل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، كما حرمت كلا من الخمر والميسر.
(3) وشرعت سورة البقرة للقصاص في القتلى حماية للمجتمعات الإنسانية من إجرام المجرمين.
(4) وحضت على كتابة الوصية قبل الموت، وحرمت وجرمت تبديلها أو إخفاءها.
(5) وحرمت أكل أموال الناس بالباطل.
(6) ووضعت ضوابط للتعامل بالدين وكيفية كتابته، والشهادة عليه وطبيعة شهوده.
(7) وحرمت التعامل بالربا تحريما قاطعا، وهددت الواقعين فيه بحرب من الله ورسوله.
(8) وحضت على رعاية اليتيم حتى يبلع أشده، وحددت ضوابط الإنفاق في سبيل الله.
(9) وحرمت إنكار أي معلوم من الدين بالضرورة.
ثانيا : من قواعد العبادة في سورة البقرة :
(1) أمر ربنا (تبارك وتعالى) في سورة البقرة بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، وحدد آداب كل عبادة من تلك العبادات وضوابطها الشرعية، وشرعت الإنفاق في سبيل الله، والإحسان إلى الخلق بصفة عامة، واليقين بأن ذلك كله كان من قواعد العبادة في كل الشرائع السماوية السابقة، وكلها كانت إسلاما لله (تعالى)، علمه ربنا (تبارك وتعالى) لأبينا آدم (عليه السلام) وأنزله على فترة من الأنبياء والمرسلين، وأكمله وأتمه في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).
(2) الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، ردعا للمعتدين، والغاصبين، والمتجبرين في الأرض، ودفعا للمعتدين على أراضي المسلمين، وعلى دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، ومقدساتهم، على غيرهم من المستضعفين في الأرض من غير المسلمين، وذلك صونا لكرامة الإنسان، وإقامة لعدل الله في الأرض.
(3) الدعوة إلى التوجه بالدعاء لله (تعالى) وحده دون سواه وتحديد الأوقات المفضلة لذلك، وآدابه، والتزام تقوي الله في كل حال.
(4) مراعاة الأشهر الحرم وتوقيرها، وإقامة السنن التي سنها لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيها.
(5) إكرام الوالدين والإحسان إليهما، وإلى كل من ذوي القربى واليتامى والمساكين، وإلى الناس جميعا دون مَنٍ أو أذى.
ثالثا : من ركائز العقيدة في سورة البقرة :
(1) الإيمان بالله (تعالى) ربا واحدا أحدا، فردا صمدا بغير شريك ولا شبيه ولا منازع، ولا صاحبة ولا ولد، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
(2) الإيمان بالقرآن الكريم، آخر، وأتم، وأكمل الكتب السماوية التي أنزلها الله (تعالى) بالحق على فترة من الرسل، ثم جمعها في هذا الكتاب الخاتم الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله، وأبقاه محفوظا بحفظه في نفس لغة وحيه، هدي للمتقين إلى يوم الدين.
(3) الإيمان بالغيب الذي أنزله ربنا (تبارك وتعالى) في محكم كتابه، وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله (صلى الله عليه وسلم)، انطلاقا من الإيمان بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وانطلاقا من الإيمان بملائكته، وبجميع كتبه، وأنبيائه، ورسله، بغير تمييز ولا تفريق، ومن الإيمان باليوم الآخر الذي ترجع فيه كل الخلائق إلى الله خالقها، ثم ترد إلى الخلود في الحياة الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا، وهذه كلها من الغيوب التي يطالبنا الله (تعالى) بالإيمان بها، ويصف المؤمنين بها بوصف المتقين، الذين يؤمنون بجميع رسالات الله دون أدني تفريق، وبالآخرة بيقين لا يتزعزع.
(4) الإيمان بأن الله (تعالى) هو خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن من خلقه السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن، وأنه (سبحانه وتعالى) قد خلق الخلق من العدم، وأنه سوف يميتهم فردا فردا، ثم يحييهم بعثا واحدا ليعودوا إلى بارئهم الذي يعلم غيب السماوات والأرض، ويعلم ما تكسب كل نفس فيحاسبهم ويجازيهم، وهو الرحمن الرحيم، وهو شديد العقاب، وهو (تعالى) سريع الحساب، وقد وصف ذاته العلية بقوله (عز من قائل) : " اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ " (البقرة:255).
(5) الإيمان بوحدة الجنس البشري، وبانتهاء نسبه إلى أبوينا آدم وحواء (عليهما السلام)، وانطلاقا من ذلك لابد من نبذ جميع أشكال العصبيات العرقية، والاجتماعية، والدينية، وغيرها من أشكال التمييز بين الناس على أي أساس غير تقوي الله.
(6) الإيمان بأن الله (تعالى) قد علم آدم الأسماء كلها، وبذلك يكون الإنسان قد بدأ وجوده عالما، عابدا، وليس جاهلا، كافرا كما يدعي أصحاب الدراسات الوضعية في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا).
(7) الإيمان بوحدة رسالة السماء، وبأخوة جميع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله (تعالى) بالإسلام الصافي، والتوحيد الخالص لله (سبحانه)، وقد تكاملت رسالاتهم جميعا في الرسالة الخاتمة التي بعث بها النبي الخاتم والرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) بشيرا ونذيرا للعالمين إلى يوم الدين.
(8) تنزيه الله (تعالى) عن كل وصف لا يليق بجلاله من أمثال الشريك، والشبيه، والمنازع، والصاحبة، والولد، لأن هذه كلها من صفات المخلوقين، والله (تعالى) منزه عن جميع صفات خلقه، والإيمان بأن الشرك من أبشع صور الاعتقاد، وابغضها إلى الله، وهو من صور الكفر بالله، وأن من هذا الكفر منع مساجد الله (تعالى) أن يذكر فيها اسمه، أو السعي في خرابها وكلها من الأعمال التي لا يرضاها ربنا (تبارك وتعالى).
(9) الإيمان بأن الشيطان للإنسان عدو مبين، وأنه يأمر بالسوء والفحشاء، ويغري الضالين من العباد بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون، ومن هنا فإن مخالفته واجبة على كل مسلم ومسلمة، وللنجاة من حبائل هذا اللعين، لابد من الاعتصام بحبل الله المتين. وتأكيدا على هذه الحقيقة عرضت السورة الكريمة لقصة الشيطان الرجيم مع أبوينا آدم وحواء (عليهما السلام) حتى تم إخراجهما من الجنة بوسوسته، وغوايته، ثم كانت توبتهما وقبول الله (تعالى) منهما تلك التوبة، وبذلك لا يمكن أن يطول أحدا من ذريتهما أثر من معصيتهما، انطلاقا من عدل الله القائل : " وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " (الأنعام:164).
وفي ذلك يقول الحق (تبارك وتعالى) : " فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " (البقرة:37).
(10) الإيمان بأن دين الله (وهو الإسلام) قائم على السماحة واليسر، وعلى رفع الحرج عن الخلق، وأن من أصوله الثابتة أنه " لاإِكراه في الدِينْ " (البقرة:256).
(11) الإيمان بحتمية الآخرة، وبضرورتها، وبالخوف من فجائيتها وأهوالها، وفي ذلك يقول ربنا (تبارك وتعالى) : " وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " (البقرة:281).
"إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا "(البقرة:26).
رابعا : من مكارم الأخلاق التي دعت إليها سورة البقرة :
(1) الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.
(2) الوفاء بالعهود والمواثيق.
(3) الشجاعة والإقدام وحب الاستشهاد في سبيل الله.
(4) الجرأة في مناصرة الحق، وإعلان الرأي، وعدم كتمان الشهادة.
(5) الجود والكرم والإنفاق في سبيل الله.
(6) الحرص على قول المعروف، والعمل الصالح، والعفو عن الناس.
(7) بر الوالدين الذي أمر به الله (تعالى) بعد الأمر للناس جميعا بألا يعبدوا إلا إياه.
(8) الإحسان إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وإلى الناس كافة دون من أو أذى.
(9) تجنب المال الحرام بكافة صوره وأشكاله، ومن أبرزها الربا، والرشوة، والسرقة، والغش غير ذلك من صور التحايل الباطل على الكسب الحرام.
خامسا : من القصص القرآني في سورة البقرة :
جاء في سورة البقرة ذكر عدد من أنبياء الله ورسله، وذكر عدد من الحوادث التي تمت في حياتهم، أو حدثت لعدد من الصالحين من بعدهم، وذلك للاعتبار بها، وأخذ الدروس منها، وهذه يمكن إيجازها فيما يلي :
(1) قصة أبوينا آدم وحواء (عليهما السلام).
(2) قصة نبي الله موسى (عليه السلام) وقومه مع فرعون مصر، وخروجهم منها، وعبور موسي بهم البحر بمعجزة من الله (تعالى)، ثم تفجير الأرض لهم بالماء الزلال بعد العبور (عيون موسى)، وعصيانهم لله (تعالى) بعد كل هذه المعجزات التي رأوها رأي العين، وارتدادهم عن التوحيد إلى الشرك، وإلى عبادة العجل، وصعقهم عقابا على ذلك، ثم إحيائهم ورفع الطور فوقهم، وقصتهم مع القتيل وأمر الله لهم أن يذبحوا بقرة ويضربوا القتيل ببعضها فيبعثه الله تعالى من موته حتى يخبر عن قاتله ثم يموت. ومسخ الذين اعتدوا منهم في السبت إلى قردة وخنازير. وتلا ذلك كفرهم بآيات الله، وتحريفهم للتوراة، وقتلهم للأنبياء من بعد موسي بغير الحق، وعصيانهم لأوامر الله، وتعديهم لحدوده، وقصتهم مع كل من طالوت ملكهم من جهة، ومع كل من جالوت وداود (عليه السلام) ومن آمن معهما من جهة أخرى.
(3) قصص بعض أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا من بعد موسي (عليه السلام) وذلك من أمثال كل من داود وسليمان (عليهما السلام).
(4) قصة نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل (عليهما السلام)، وتعاونهما في رفع قواعد الكعبة المشرفة وإعادة بنائها، ودعوتهما إلى الله (تعالى) أن يبعث خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) في مكة المكرمة، وكذلك الإشارة إلى حوار إبراهيم (عليه السلام) مع نمرود بن كنعان (أول من ادعي الألوهية كذبا وبهتانا).
(5) قصة نبي الله يعقوب (عليه السلام) مع بنيه إذ حضره الموت، وفي ذلك يقول الحق (تبارك وتعالى) : " أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " (البقرة:133).
(6) قصة الرجل الصالح عزير. الذي مر على بيت المقدس بعد أن خربها بختنصر، وفي ذلك تقول سورة البقرة :
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أني يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير.
(7) قصة نبي الله عيسي ابن مريم (عليهما السلام).
(8) حادثة تحويل القبلة، بعد حوالي سبعة عشر شهرا من مقدم النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، وإنكار كل من اليهود والمشركين والكافرين ذلك على المسلمين، لجهلهم بأنه أمر من الله (تعالى) الذي يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم.
سادسا : من الإشارات الكونية في سورة البقرة :
(1) التفرقة الدقيقة بين كل من الضياء، والنور، والظلمات، وهي من الحقائق العلمية التي لم تدرك إلا مؤخرا جدا.
(2) تقديم حاسة السمع على حاسة البصر في هذه السورة الكريمة وفي كثير غيرها من سور القرآن الكريم، وقد ثبت علميا أن حاسة السمع تتطور جنينيا قبل حاسة البصر، وتتكامل وتنضج في الشهر الخامس من حياة الجنين، بينما لا يتكامل نضج حاسة البصر إلا عند السنة العاشرة في عمر الطفل.
(3) وصف التلازم الدقيق بين الظلمات، والرعد، والبرق، والصواعق، وهطول الأمطار الغزيرة، والإشارة إلى إمكانية خطف البصر بواسطة البرق.
(4) الإشارة إلى المراحل المتتالية في إعداد الأرض لعمارتها بالإنسان، وذلك من قبيل تمهيد سطحها، وإنزال الماء عليها وإحياء الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وإخراج الثمرات رزقا للعباد.
(5) ذكر معجزات فلق البحر لنبي الله موسي (عليه السلام)، ونجاته ومن كان معه من مطاردة فرعون وجنوده لهم، وهلاك فرعون وجنده، وكذلك تفجر اثنتي عشرة عينا بالماء بضربة من عصا موسي، ولا تزال هذه العيون المائية موجودة حتى اليوم بالمنطقة الشرقية من خليج السويس وهي معروفة باسم (عيون موسى).
(6) الإشارة إلى أمراض القلوب ومنها الخوف، والوسوسة، والشك، وقد أثبتت الدراسات النفسية أنها حقائق علمية لم تكن معروفة وقت تنزل القرآن الكريم.
وتشبيه قسوة قلوب اليهود بأنها أشد من قسوة الحجارة، لأن من الحجارة ما يلين عند تفجرها بالأنهار، أو عند تشققها وخروج الماء منها، أو عند هبوطها من خشية الله (تعالى)، وقسوة قلوب اليهود لا تلين أبدا حسب ما أثبت التاريخ من جرائمهم التي جاوزت كل حدود الرحمة، وكل حقوق الإنسان إذا كانت بأيديهم الغلبة، وما الذي يحدث على أرض فلسطين اليوم من جرائمهم الوحشية إلا صورة من تلك القسوة البالغة التي وصفهم القرآن الكريم بها من قبل أربعة عشر قرنا أو يزيد.
(7) الإشارة إلى خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وإلى الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وإلى المشرق والمغرب وأن ذلك كله لله.
(8) الإشارة إلى تصريف الرياح، وإلى السحاب المسخر بين السماء والأرض، وهي حقائق لم تكن معروفة في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده.
(9) الإشارة إلى أذي المحيض، والنصيحة باعتزال النساء فيه، وقد أثبتت الدراسات الطبية صحة ذلك.
(10) التأكيد على ما في كل من الخمر والميسر من آثام تفوق أية منافع يمكن أن تجتني من وراء الخوض في أي منهما والتجارب الإنسانية تثبت صحة ذلك، وعلى الرغم من ذلك تقرهما غالبية الدول المسلمة وتسمح بهما.
(11) الإشارة إلى أن الأشجار تزكو وتزدهر، وتجود بعطائها من الثمار في الربي المرتفعة سواء كثر عليها المطر أو قل وهو مما أثبتته الدراسات العلمية مؤخرا.
(12) الإشارة إلى البعوضة وما فوقها من الخلق، وهي من أبسط الحشرات. ولكنها تبلغ في روعة بنائها، ودقة خلقها ما تعجز البشرية كلها عن الإتيان بشيء من مثلها، كما تبلغ في خطرها على حياة الإنسان أنها تعد اليوم واحدة من أخطر الآفات الحشرية على الإطلاق.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة بها، ولذا فإنني سوف أقصر حديثي هنا على النقطة الأخيرة من القائمة السابقة والتي جاءت الإشارة إليها في الآية السادسة والعشرين من سورة البقرة، ولكن قبل الدخول إلى ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة.
من أقوال المفسرين:
في تفسير قوله (تعالى) : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهَُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ " (البقرة26).
ذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن (رحمه الله) ما نصه : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا " (البقرة26)، أي ليس الحياء بمانع لله تعالى من ضرب الأمثال بهذه المخلوقات الحقيرة والصغيرة في نظركم، كالبعوض والذباب والعنكبوت، فإن فيها من دلائل القدرة وبدائع الصنعة ما تحار فيه العقول، ويشهد بحكمة الخالق. وقد جعلوا ضرب المثل بها ذريعة إلى إنكار كون القرآن من عند الله تعالى. وفي الآية إشعار بصحة نسبة الحياء إليه تعالى. ومذهب السلف. إمرار هذا وأمثاله على ما ورد، وتفويض علم كنهه وكيفيته إلى الله تعالى، مع وجوب تنزيهه عما لا يليق بجلاله من صفات المحدثات، وأختاره الألوسي.
وذهب جمع من المفسرين إلى تأويله لإرادة لازمة، وهو ترك ضرب الأمثال بها، لأن الاستحياء من الحياء، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب ويذم به. أو هو انقباض النفس عن القبائح. وهذا المعني محال في حقه تعالى، فيصرف اللفظ إلى لازم معناه وهو الترك. (بعوضة فما فوقها) البعوض: ضرب من الذباب، ويطلق على البق المعروف وعلى الناموس. (فما فوقها) أي في الحجم. أو في المعني الذي وقع التمثيل فيه، وهو الصغر والحقارة. (وما يضل به إلا الفاسقين) الفسق: الخروج عن الطاعة.. ويقع بالقليل والكثير من الذنوب، ولكن تعورف فيما كان كثيرا، وهو أعم من الكفر. ولم يخرج كلام بقية المفسرين عن ذلك فنكتفي به.
"إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا "(البقرة:26).
من الدلالات العلمية للنص الكريم :
أولا : النص الكريم يشمل ما فوق البعوضة حجما وما هو أقل منها، وما هو أشد منها خطرا وما هو أهون منها :
من معاني هذا النص الكريم أن قدرة الله المبدعة في الخلق تتجلي في أدق المخلوقات حجما كما تظهر في أضخمها بناء، وتجليها في الكائنات المتناهية الضآلة في الحجم قد يكون أبلغ من وضوحها في الكائنات العملاقة، وكان الجهل بأخطار البعوض، وبوجود كائنات أدق منه بكثير من وراء استنكار كل من الكفار والمشركين والمنافقين ضرب المثل في القرآن الكريم ببعض الحشرات من مثل البعوض، والذباب، والنحل، والنمل، والنمل الأبيض، والفراش، والجراد، والقمل، والمن. وببعض العناكب الصغيرة مثل العنكبوت.
ولما لم يكن في زمن الوحي من يدرك من الكائنات الحية ما هو أدق من البعوضة (وذلك من مثل: الفيروسات، البكتريا، الطحالب وغيرها من البدائيات، والأوليات (الطلائعيات)، والفطريات أو الفطور، وغير ذلك من الكائنات الدقيقة ومنها المتطفل وغير المتطفل، فقد جاءت الصياغة القرآنية المعجزة بقول الحق (تبارك وتعالى) : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا " (البقرة:26).
وتعبير (ما فوقها) يشمل المعنيين المتضادين معا أي ما يفوقها ضآلة في الحجم حتى لا يري بالعين المجردة، وما يفوقها ضخامة في البنيان، وكذلك يشمل هذا التعبير القرآني أخطار البعوضة كما يشمل أخطار غيرها من كل من الكائنات الدقيقة التي لم تكن معروفة في زمن الوحي بالقرآن الكريم، والكائنات التي تفوقها حجما، لأن الفوقية في اللغة تعني الزيادة والعلو في صفة يوضحها السياق.
وقد استهان الناس في القديم بالبعوضة لضآلة حجمها، فاستنكر القرآن الكريم عليهم ذلك، واتخذها مثلا يتحدي به الكفار والمشركين قبل إن يعرف دورها في نقل العديد من الأمراض الفتاكة بكل من الإنسان وبغيره من أنواع الحيوان، بل من قبل إن يعرف الإنسان من ناقلات الأمراض ما هو دونها حجما بما يزيد على اثني عشر قرنا من الزمن.
ثانيا : النص القرآني يشير إلى خطر البعوضة :
والبعوضة هي حشرة ضئيلة الحجم من ثنائيات الأجنحة (Diptera)، تتبع مجموعة ضخمة من الحشرات تعرف باسم (FamilyCulicdae)، وتضم مابين الألفين والثلاثة آلاف نوع من البعوض. وتأتي في المرتبة الثانية تعدادا بعد النمل . ويتراوح طول البعوضة بين الثلاثة والتسعة ملليمترات، وهي مع ضآلة حجمها فان جسمها يتكون كما تتكون أجساد غيرها من الحشرات من رأس، وصدر، وبطن، ولها ثلاثة أزواج من الأرجل الطويلة النحيلة، وزوج من الأجنحة الدقيقة القوية والقادرة على الخفق المتواصل السريع الذي يصل إلى ستمائة خفقة في الثانية الواحدة، ولها قرنا استشعار في قمة الحساسية والكفاءة، وعين البعوضة عين مركبة تتألف من مئات العيينات المستقلة تشريحيا والمتكاملة وظيفيا مما يعطيها قدرة هائلة للرؤية بالليل وبالنهار في كل أطياف الضوء، ولها جميع الأجهزة الحيوانية كاملة على الرغم من ضآلة حجمها.
وأنثى البعوض تتغذي على دماء ذوي الدماء الحارة ولذلك فان لها فما ثاقبا ماصا تستخدمه في امتصاص الدم من الإنسان ومن كل حيوان ذي دم حار، وعندما تغرس مثقابها في جلد الإنسان أو الحيوان فإنها تفرز لعابها الذي يحمل مركبات عضوية تؤدي إلى احتقان الجلد، وأخري تمنع الدم من التجلط حتى يسهل امتصاصه، بينما يتغذي ذكر البعوض على رحائق الأزهار فقط. وتضع أنثي البعوض البالغة مابين المائة والأربعمائة بيضة في المرة الواحدة، والذي ينجو من افتراس الحيوانات الأخرى من بيض البعوضة قد يفقس بعد يوم أو يومين، أو يبقي في فترة كمون قد تمتد إلى الأسبوعين، ويعتمد ذلك على عوامل كثيرة، منها وفرة الماء لأنه ضروري لفقس البيض ولحياة كل من اليرقات والعذارى.
ومع ضآلة حجم البعوضة فإنها تمثل خطرا لا يستهان به على صحة كل من الإنسان والحيوان، فالبعوض الأنثى التي تتغذي على دماء كل من الإنسان وعلى دماء غيره من الحيوانات ذوات الدم الحار تصبح وسيلة خطيرة لنقل العديد من مسببات الأمراض من مثل الفيروسات، البكتيريا، الطحالب، وغيرها من البدائيات والأوليات (الطلائعيات)، ومن مثل الفطريات، وغير ذلك من الكائنات الدقيقة التي تصيب كلا من الإنسان والحيوان.
ومن الأمراض التي تنقلها البعوضة: الملاريا، الملاريا الخبيثة، داء الفيل، الحمى الصفراء، الحمى الدماغية، الحمى الشوكية، الحمى النازفة، مرض حمي أبي الركب (أو حمي تكسير العظام أو حمي الركب النازفة)، حمي الوادي المتصدع، مرض دودة القلب، الالتهاب السحائي، الالتهاب المخي، الالتهاب المخي الشوكي، وأمراض ضعف المناعة ومنها الإيدز. ومن أخطر ما تحمله البعوضة فيروسات تغزو الجهاز العصبي للإنسان مما قد يصيبه بعدد من الأمراض فائقة الخطورة من مثل مرض التهاب الدماغ والسحايا (Encephalomeningitis)، ومرض التهاب الدماغ والنخاع
(Encephalomyelitis).
والأمراض التي تنقلها البعوضة قد أدت إلى هلاك الملايين من البشر منذ بدء الخليقة وإلى يومنا الراهن حيث لا تزال تصيب الملايين في كل عام إلى أن يشاء الله، ولذلك تعد هذه الحشرة الضئيلة الحجم واحدة من أخطر الآفات الحشرية المعروفة. ومن هنا كان ضرب المثل بها في القرآن الكريم على شدة خطرها مع ضآلة حجمها، وعلى وجود ما هو أخطر وأدق منها وما هو أعظم منها حجما وخطرا من مخلوقات الله الأخرى. ومن هنا أيضا كان تحدي الله (سبحانه وتعالى) كل الكافرين والمنافقين والمشركين من أهل الجزيرة العربية، وغيرهم من أهل الأرض إلى قيام الساعة بهذه الحشرة المتناهية الصغر في الحجم، وفي زمن الوحي لم يكن احد من الناس يدرك حقيقة خطر البعوضة فكانوا يستهينون بها، وفي زماننا ـ زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه ـ تقف البشرية عاجزة أمام أخطار هذه الحشرة الصغيرة على الرغم من كل مستويات التقدم التي حققها إنسان هذا العصر.
وأنواع البعوض التي يتراوح عددها بين الألفين والثلاثة آلاف نوع نختار منها الأنواع الثلاثة التالية :
(1) بعوضة الأنفيل ((Anopheles التي تنقل طفيل مرض الملاريا (مرض البرداء) وهذا الطفيل معروف باسمPlasmodium))، كما تنقل طفيليات العديد من الأمراض الأخرى مثل طفيل مرض الفيلاريا (Filaria) الذي يسبب داء الفيل ((Elephantiasis. وتنقل فيروس حمي التهاب الدماغ المعروف باسم الحمى الدماغية Encephalitis)).
(2) بعوضة الكيولكس (Culex) التي تنقل كلا من طفيل مرض الفيلاريا، وفيروس الحمى الدماغية.
(3) البعوضة الزاعجة (Aedes) التي تنقل فيروسات الحمي الصفراء (YellowFever) والحمى الدماغية وحمى الضنك (DengueFever) المعروفة باسم حمي أبي الركب أو حمي الركب النازفة أو حمي تكسير العظام .
وتتم دورة طفيل مرض الملاريا (البرداء) بين بعوضة الأنفيل والإنسان حيث تنفذ البعوضة مسببات المرض إلى مجري دم الإنسان عند قرصه، فتحملها مجاري الدم إلى الكبد حيث يبدأ الطفيل في التكاثر لا جنسيا وفي مهاجمة خلايا الدم الحمراء التي تنفجر لتملأ مجري الدم بجراثيم المرض التي تبدأ في التكاثر جنسيا بعد عدد من الأجيال فتؤدي إلى الحمى وإلى تضخم الطحال، وإذا تعرض هذا المريض لقرصة أخرى من ناموسة الأنفيل فإن هذا الطور الجنسي من الطفيليات ينتقل إلى معدة البعوضة حيث يتم تكاثره لا جنسيا وانتقاله إلى غددها اللعابية فيصبح جاهزا لإصابة إنسان آخر تعضه هذه البعوضة، وبذلك يصاب أكثر من 270 مليون إنسان بالملاريا سنويا في كل أنحاء الأرض، ويتوفي منهم قرابة المليونين من الأفراد مما يجعل الملاريا من أكثر الأمراض انتشارا في كوكبنا الأرضي، وقد عجزت أكثر دول العالم تقدما في مجال العلوم البحتة والتطبيقية عن مقاومة أخطار البعوضة، ففي أغسطس من سنة 1995م انتشرت في مدينة نيوجيرسي (في شرق الولايات المتحدة الأمريكية) أسراب من البعوضة الزاعجة (Aedesalbopictus) وكانت تهاجم الناس بشراسة بقرصاتها المؤلمة حتى في وضح النهار وقد عرفت باسم النمر الآسيوي (TheAsianTiger) لأصولها الآسيوية، ولشراستها في الهجوم، وكانت هذه الحشرة قد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1985م بعد أن غزت كلا من جزر هاواي ومناطق من المحيط الهادي عقب الحرب العالمية الثانية (1945م)، ولا تزال هذه الحشرة الصغيرة تجتاح آلاف الأنفس من أبناء القوة العسكرية الكبرى في العالم دون أن تنفعها أسلحتها في الدفاع عنهم، ولله جنود السماوات والأرض.
ثالثا : النص القرآني يفيد أن أنثي البعوض وحدها هي الناقلة للأمراض ومن ثم كانت مناط التحدي :
إن إفراد لفظ (بعوضة)، وتأنيثه في هذا النص القرآني المعجز يشير إلى تمايز الأنثى عن الذكر في هذه الحشرة الخطيرة، وإلى تفرد الأنثى وحدها دون الذكر بهذا الخطر الداهم وهي حقيقة لم يعرفها الإنسان إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين (1897م - 1900م).
كذلك فإن تنكير لفظ (بعوضة)، وإيراد اسم الموصول (ما) أيضا منكرا مرتين يشير إلى تعدد أنواع البعوض، فضلا عن شمول كل مما هو دونها حجما، وما أكثر منها ضخامة، وكل ما هو دونها أو أكثر منها ضررا من مخلوقات الله الأخرى.
وهذه حقائق لم تصل إلى علم الإنسان إلا بعد مجاهدة استغرقت جهود آلاف من العلماء منذ نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ولا تزال مستمرة إلى اليوم، مستغرقة جهود الآلاف منهم إلى أن يشاء الله، وورودها بهذه الصياغة العلمية الشاملة والدقيقة في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على نبي أمي (عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم) وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين لما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق، ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق