اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

1:49 م

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي

وألقي في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون
9/12/2002
هذه الايه الكريمه جاءت في منتصف الربع الاول من سوره النحل‏، وهي سوره مكيه‏، واياتها‏128‏ بعد البسمله‏، وقد سميت بهذا الاسم لورود الاشاره فيها الي النحل‏، وما وهبه الله‏(‏ تعالي‏)‏ من فطره عجيبه مكنته من بناء خلاياه‏، وتنظيم حياته‏، وسلوك مختلف السبل بسهوله ويسر‏، واخراج هذا الشراب الذي فيه شفاء للناس من بطون اناثه‏، وقد سميت مجموعات النحل بهذا الاسم لان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد نحلها هذه القدره علي اخراج العسل‏، وميزها بها عن غيرها من الحشرات‏.‏
وتعرض سوره النحل للركائز الاساسيه التي تقوم عليها العقيده الاسلاميه ومنها حقيقه الالوهيه‏، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شئ‏، وهو رب كل شئ ومليكه‏، وحقيقه الوحدانيه المطلقه للاله الخالق فوق جميع خلقه‏، وحقيقه طلاقه القدره الالهيه التي لا تحدها حدود‏، وطلاقه الاراده الالهيه التي لا يعوقها عائق‏، وحقيقه الوحي‏، والنبوه والرساله‏، وقد انزله الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي فتره من الرسل‏، واتمه واكمله وختمه في بعثه خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)، ولذلك تعهد بحفظ رسالته الخاتمه حفظا كاملا بنص لغه وحيها‏، بينما اوكل حفظ الرسالات السابقه لاصحابها فضيعوها‏.‏
وتعرض سوره النحل لحتميه البعث‏، وهي حقيقه لازمه‏، انكرها الكافرون واستبعدوا امكانيه وقوعها في القديم‏، كما ينكرونها اليوم ويستبعدون وقوعها‏، لعجزهم عن فهم مدلول الالوهيه الحقه‏، ومن هنا انكروا وقوع عذاب الله بهم‏، وهو واقع لا محاله‏.‏
وتوكد السوره ان الحاكميه لله‏، ومن هنا كان له وحده‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الحق في التحليل والتحريم‏، وتعرض لمهام الانبياء والمرسلين في تبليغ اوامر الله لعباده الذين اعطاهم حريه الاختيار بين الايمان والكفر‏، والهدي والضلال‏، وجعل لهم علي ذلك من الثواب والعقاب ما يستحقون‏.‏
وتدعو سوره النحل الي اقامه عدل الله في الارض‏، والاحسان الي الخلق‏، والوفاء بالعهد‏، كما تدعو الي الانفاق في سبيل الله‏، والي الهجره من اجل اعلاء دينه‏، والتعريف به‏، وتحذر السوره من الوقوع في الفتن‏، ومن اشدها الكفر بعد الايمان‏، وتوكد العديد من مكارم الاخلاق وضوابط السلوك‏، وقواعد المعاملات انطلاقا من مخافه الله‏(‏ تعالي‏)‏ وخشيه حسابه‏، وتذكر باحوال الناس في حالات الضعف والقوه انتقالا من مراحل الاجنه في بطون الامهات الي الشباب والفتوه‏، ثم الهرم والشيخوخه‏، ومن احوال النعمه والرخاء الي احوال الشده والبلاء كما تذكر بلحظات الاحتضار وبمصارع الغابرين‏.‏
وتبدا السوره الكريمه بالتحذير من فجائيه الاخره في تحد واضح للذين يستعجلونها‏، وهي واقعه لا محاله‏، ويستعجلون العذاب وهو واقع بهم‏، لا فكاك منه ولا مهرب‏، ثم تثني بتسبيح الله وتنزيهه‏(‏ تعالي‏)‏ عن الشريك‏، وتوكد حقيقه انزال الوحي من الله‏(‏ سبحانه‏)‏ علي من يشاء من عباده الذين اصطفاهم من الانبياء والمرسلين لينذروا الناس بانه لا اله الا الله‏، وان علي الناس جميعا ان يتقوه وتعتب سوره النحل علي الذين كفروا انطلاقا من صلفهم وعنتهم انهم طالبوا رسلهم بان ياتوهم بالملائكه‏، او بتهديد الله لهم‏، وتشير الي عاقبه الذين طلبوا ذلك من قبل‏;‏ وتنعي علي الذين اشركوا ادعاءهم الكاذب بان ذلك هو قدر الله عليهم‏، وتوكد السوره انه ما علي الرسل الا البلاغ المبين‏، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد بعث رسولا في كل امه من الامم يدعوهم الي عباده الله وحده‏، والي اجتناب الطاغوت‏، فكان منهم مصدقون مهديون‏، ومكذبون عصاه‏، وتذكر بعواقب المكذبين‏.‏
وتخاطب سوره النحل خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهو الحريص علي هدايه الخلق اجمعين بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يهدي من يضل‏، وان الضالين لا نصير لهم‏.‏
وتشيرالسوره الكريمه في اكثر من موضع منها الي انكار الكافرين للبعث‏، وتوكد انه وعد الله الذي لا يخلف وعده‏، حتي يجازي كلا بعمله‏، وان امر الله سريع النفاذ‏، وانه بين الكاف والنون‏، كما تشير الي الرسل السابقين والي رسالاتهم التي تكاملت كلها في القران الكريم الذي انزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ تبيانا لما اختلف فيه اهل الكتاب‏، وتحذر من عقاب الله للذين يمكرون السيئات‏، وتوكد حتميه الحساب‏، وحتميه الثواب والعقاب‏.‏
وتلمح سوره النحل الي حقيقه ان كل ما في السموات والارض من دواب وملائكه خاضعون لله بالطاعه والعباده‏، يسجدون له‏(‏ تعالي‏)‏ في غير استكبار‏، وتعاود التحذير من الشرك بالله رب السموات والارض ومن فيهن‏، وصاحب النعم علي جميع الخلق‏، وكاشف الضر عنهم‏.‏
وتنكر السوره الكريمه علي اهل الجاهليات القديمه كراهيتهم لخلفه البنات‏، تلك الكراهيه التي كانت تدفعهم الي واد بناتهم احياء‏.‏ وتضرب سوره النحل عددا من الامثال لتقارن بين غير الفاعلين من البشر‏، والفاعلين منهم الذين يامرون بالعدل وهم علي صراط مستقيم‏.‏
وتوكد سوره النحل ان الغيب المطلق في السموات والارض لا يعلمه الا الله‏، ومنه امر الساعه الذي لا ياتي الا بغته‏، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي كل شئ قدير‏.‏
وتستعرض السوره المباركه مواقف الظالمين من الكفار والمشركين في يوم القيامه‏، وما سوف يتعرضون له من المهانه والعذاب‏، وتوكد ان الانبياء سوف يشهدون علي اممهم‏، وان الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ سوف يشهد علي امته وعلي الذين كذبوا نبوته وجحدوا رسالته منهم ومن الامم من بعدهم‏، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد انزل عليه القران العظيم‏(‏ تبيانا لكل شيء وهدي ورحمه وبشري للمسلمين‏).‏
وتوكد سوره النحل ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي‏...، وتطالب المسلمين بالوفاء بعهد الله اذا عاهدوا‏، وبعدم نقض الايمان بعد توكيدها‏، وتشير الي ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ لو شاء لجعل الناس امه واحده‏، ولكن منهم الضال والمهتدي‏، والطالح والصالح‏، وتقرر الايات ان من عمل صالحا من ذكر او انثي وهو مومن فلنحيينه حياه طيبه ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون‏.‏ ‏(‏النحل‏:97)‏
وتامر الايات بالاستعاذه بالله من الشيطان الرجيم قبل البدء في تلاوه القران الكريم‏، وتوكد ان ليس للشيطان سلطان علي الذين امنوا‏، الذين علي ربهم يتوكلون‏، وانما سلطانه علي الذين يتولونه والذين هم به مشركون‏.‏
وتشير سوره النحل الي ان القران الكريم نزل به جبريل‏(‏ عليه السلام‏)‏ بالحق من لدن رب العالمين ليثبت الذين امنوا وهدي وبشري للمسلمين‏، كما تشير الي الادعاء الكاذب من الكافرين بان الرسول‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ يتلقي ما افاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليه به من علم علي يد بشر‏، وتستنكر افتراء الكذب علي الله‏، والكفر به الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان‏، وتقرر ان علي الكافرين غضبا من الله‏، وان لهم عذاب عظيما‏.‏
وتعرض السوره الكريمه لشئ من المحرمات في الطعام من مثل الميته والدم‏، ولحم الخنزير‏، وما اهل لغير الله به‏، الا من اضطر غير باغ ولا عاد‏، فان الله غفور رحيم‏، وتوكد ان التحليل والتحريم من سلطه الله وحده‏، ولا يجرو عليه الا كاذب علي الله‏، وتلمح الي اليهود ومخالفتهم لاوامر الله بالاعتداء في السبت‏، وتذكر نبي الله ابراهيم‏(‏ عليه السلام‏)‏ بانه كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين‏، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد اجتباه وهداه الي صراط مستقيم‏، واتاه في الدنيا حسنه‏، وجعله في الاخره من الصالحين وتامر الايات رسول الله الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ان يتبع مله ابراهيم حنيفا‏.‏
وتختتم سوره النحل بدعوه خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين‏)‏ ومن بعده دعوه كل المومنين برسالته الي ان يحملوا هذا الدين الخاتم المحفوظ بحفظ الله الي غيرهم من الامم بالحكمه والموعظه الحسنه‏، ومجادلتهم بالتي هي احسن وبالصبر علي الكافرين والمشركين والمتشككين‏، والعفو عما يلقونه منهم من اذي في سبيل تبليغ دعوه الله اليهم‏، وان عاقبوا فلا يجوز للعقاب ان يتعدي المثل‏، وان الصبر خير للصابرين‏، وتنتهي السوره بالوصيه الي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بان يصبر وبالا يكون في ضيق مما يمكر الكافرون لان الله‏(‏ تعالي‏)‏ مع الذين اتقوا والذين هم محسنون‏(‏ النحل‏:128)‏ والوصيه من بعد رسول الله‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ هي لكل مسلم يحمل رايه الاسلام الي يوم الدين‏.‏

الايات الكونيه في سوره النحل
استشهدت سوره النحل بالعديد من الايات الكونيه الداله علي حقيقه الالوهيه التي تتجلي فيها عظمه الخلق‏، وشمول النعم علي العباد‏، وتمام العلم‏، وعظيم الحكمه‏، ودقه التدبير ومن تلك الايات ما يلي‏:‏
‏(1)‏ خلق السموات والارض بالحق‏.‏
‏(2)‏ خلق الانسان من نطفه فاذا به يقابل خالقه بالجحود والنكران في اغلب الاحيان‏.‏
‏(3)‏ خلق الانعام وهي مصدر للعديد من المنافع للانسان‏.‏
‏(4)‏ خلق الخيل والبغال والحمير وغير ذلك من وسائل الركوب التي لم تكن معروفه في زمن الوحي‏، والتي ستظل في تطور مستمر مع تزايد علم الانسان وقدراته التقنيه‏، والله يخلق مالا يعلمه الانسان‏.‏
‏(5)‏ تعدد معتقدات الناس بين الضلال والهدايه‏.‏
‏(6)‏ انزال الماء من السماء للشراب وانبات الشجر والزرع ومن اهمها الزيتون والنخيل والاعناب وغيرها من الثمرات المباركات‏.‏
‏(7)‏ تسخير الارض‏(‏ بتبادل ليلها ونهارها نتيجه لكرويتها ولدورانها حول محورها امام الشمس‏)‏ وكذلك تسخير كل من الشمس والقمر والنجوم بامر الله لاستقامه الحياه في هذا الكون‏.‏
‏(8)‏ نشر مختلف صور الحياه في الارض‏، وتعدد اشكال سطحها وصخورها وعناصرها ومركباتها ومختلف الدورات فيها‏(‏ دوره الماء‏، ودوره الحياه‏، ودوره الصخور‏..‏ الخ‏).‏
‏(9)‏ تسخير البحر للانسان بما فيه من احياء ذات لحم طري‏، وهياكل تصلح لصناعه الحلي‏، وقدره علي حمل الفلك ذات الاحجام المختلفه جريا بمصالح العباد تشق عباب مائه وما فوق الماء من هواء‏.‏
‏(10)‏ القاء الجبال علي الارض رواسي لها كي لا تميد ولا تضطرب والا ما كانت صالحه للعمران‏، وارتباط تكونها بنبع الانهار من قممها‏، ودورحركه الانهار من ينابعها الي مصابها في تفتيت الصخور‏، وتكوين التربه‏، وتركيز العديد من المعادن والصخور النافعه والثروات الارضيه الاخري‏، وفي تسويه سطح الارض وشق الفجاج والسبل فيها‏.‏
‏(11)‏ جعل تضاريس الارض المختلفه علامات للاهتداء بها علي اليابسه في وضح النهار‏، وجعل النجوم علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر‏.‏
‏(12)‏ ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شئ‏، والمخلوقون لا قدره لهم علي الخلق‏.‏
‏(13)‏ وصف عقاب بعض الامم السابقه وصفا ينطبق علي ما تحدثه الزلازل في زماننا من قبل ان يدرك احد من الخلق ميكانيكيه حدوث تلك الهزات الارضيه‏.‏
‏(14)‏ تاكيد ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ خسف الارض بالذين مكروا السيئات في الماضي وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ قادر علي ان يخسفها بهم في الحاضر والمستقبل‏، وفي ذلك تاكيد علي ان فهمنا لميكانيكيه حدوث الكوارث الارضيه لا يخرجها عن كونها من جند الله يسلطها علي من يشاء من عباده عقابا للعاصين‏، وابتلاء للصالحين‏، وعبره للناجين‏.‏
‏(15)‏ ان مد الظل وقبضه صوره من صور السجود التسخيري لله‏(‏ تعالي‏)‏ في خضوع وطاعه تامين‏.‏
‏(16)‏ خلق اللبن في ضروع الانعام من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين‏.‏
‏(17)‏ جعل ثمرات النخيل والاعناب مصدرا للرزق الحسن‏، كما قد يسيء الانسان استخدامها مصدرا للسكر وفقدان الوعي‏.‏
‏(18)‏ خلق النحل ومنح اناثه القدره علي بناء بيوتها في الجبال‏، وفي الاشجار‏، وفيما يعرش لها الناس‏، وعلي جمع الرحيق وحبوب اللقاح من مختلف الزهور والثمار‏، وذلك عبر مسافات شاسعه الاتساع دون ان تضل عن بيوتها‏..‏ وتحويل ذلك في بطونها الي هذا الشراب المختلف الالوان والذي فيه شفاء للناس‏..‏
‏(19)‏ دوره الحياه بين الخلق والوفاه حتميه علي كل حي‏، ومن الاحياء الانسان الذي منه من يتوفي صغيرا او شابا‏، ومنه من يرد الي ارذل العمر ومن مظاهره فقدان الذاكره جزئيا او كليا‏.‏
‏(20)‏ تقديم خلق حاسه السمع علي خلق حاسه البصر‏.‏
‏(21)‏ ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يمسك الطيور مسخرات في جو السماء
‏(22)‏ الاشاره بلفظه الحر الي كل من الحر والبرد علي ان كلا منهما يمثل بدرجات حراره ايجابا او سلبا‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
والقي في الارض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون‏.‏ ‏(‏النحل‏:15)‏
ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ ثم ذكر الله تعالي الارض وما القي فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الارض ولا تميد‏، اي تضطرب بما عليها من الحيوانات‏، فلا يهنا لهم عيش بسبب ذلك ولهذا قال‏:(‏ والجبال ارساها‏)...‏ وقوله‏:(‏ وانهارا وسبلا‏)‏ اي جعل فيها انهارا تجري من مكان الي مكان اخر رزقا للعباد‏، ينبع في موضع وهو رزق لاهل موضع اخر‏، فيقطع البقاع والبراري والقفار‏، ويخترق الجبال والاكام‏..‏ بحسب ما اراد الله وقدر وسخر ويسر‏، فلا اله الا هو ولا رب سواه‏;‏ وكذلك جعل فيها‏(‏ سبلا‏)‏ اي طرقا يسلك فيها من بلاد الي بلاد حتي انه تعالي ليقطع الجبل حتي يكون ما بينهما ممرا ومسلكا‏، كما قال تعالي‏:(‏ وجعلنا فيها فجاجا سبلا‏).‏
‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ كلام مشابه في اختصار غير مخل‏.‏
‏*‏ كذلك جاء كلام مشابه في‏(‏ الظلال‏)‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعه‏، وان كان قد نعي علي العلم الحديث انه يعلل وجود الجبال والرواسي ولكنه لا يذكر وظيفتها‏.‏ والقران يذكر انهاتحفظ توازن الارض‏....‏
‏*‏ وجاء في صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحم الله كاتبها‏)‏ ما نصه‏:‏ رواسي جبالا ثوابت‏.(‏ ان تميد بكم‏)‏ كراهه ان تميد‏..‏ او لئلا تميد‏، اي تميل بكم وتضطرب‏، يقال‏:‏ مادت السفينه تميد ميدا‏، اذا تحركت ومالت‏، ومادت الاغصان‏:‏ تمايلت‏.‏
‏*‏ وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ وجعل الله في الارض جبالا ثابته تحفظها ان تضطرب‏، وجعل فيها انهارا تجري فيها المياه الصالحه للشرب والزرع‏، وطرقا ممهده لتهتدوا بها في السير الي مقاصدكم‏.‏
‏*‏ وذكر صاحب صفوه التفاسير‏(‏ جزاه الله خيرا‏)‏ كلاما مشابها لا اري لزوما لتكراره‏.‏

الدلالات العلميه للايه الكريمه
من الدلالات العلميه المبهره في هذه الايه الكريمه استخدام تعبير الالقاء لوصف تكون الجبال‏، ووصف الجبال بانها رواس للارض خشيه ان تميد بما عليها من خلق‏، وربط تكون كل من الانهار والسبل بتكون الجبال‏، وفيما يلي تفصيل ذلك‏:‏
اولا‏:‏ وصف عمليه تكون الجبال بتعبير الالقاء‏:‏
توصف الجبال بانها اشكال ارضيه بارزه فوق سطح الارض‏، تتسم بقممها العاليه‏، وسفوحها المنحدره‏، وبوجودها في مجموعات علي هيئه اطواف‏، او منظومات‏، او سلاسل‏، او احزمه‏،.‏ او مجموعات من تلك الاحزمه الجبليه التي تكون عاده متوازيه او قريبه من التوازي مع بعضها البعض‏، وان كانت بعض الجبال توجد علي هيئه مرتفعات فرديه وحيده بصوره جبل واحد‏.‏ والمرتفعات الفرديه تتكون عاده من الطفوح البركانيه علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ الجبال البركانيه تتكون بعمليات القاء للطفوح البركانيه‏:‏
يقسم الغلاف الصخري للارض بواسطه عدد من الخسوف الارضيه التي تتراوح اعماقها بين‏65‏ كيلو مترا و‏150‏ كيلو مترا الي حوالي الاثني عشر لوحا كبيرا بالاضافه الي عدد اقل من الواح الغلاف الصخري الصغيره‏.‏
ولما كانت هذه الالواح تطفو فوق نطاق لدن‏، شبه منصهر يعرف باسم نطاق الضعف الارضي فان البراكين تكثر عند الحدود الفاصله بين تلك الالواح خاصه عند حدود التباعد بينها‏، ومعظم هذه البراكين تلقي بحممها من اسفل الي اعلي وتظل تلك الحمم تتراكم فوق بعضها البعض لتكون كتلا جبليه معزوله من الصخور البركانيه تصل ارتفاعاتها الي الاف الامتار فوق مستوي سطح البحر لان معظم هذه البراكين يستمر في نشاطه لفترات تتراوح بين‏20‏ و‏30‏ مليون سنه‏، وان كان بعضها قد يستمر نشاطه لاكثر من مائه مليون سنه‏.‏
ومن امثله الجبال البركانيه جبل ارارات‏(5100‏ متر‏)‏ في تركيا‏، وجبل اتنا‏(3300‏ متر‏)‏ في صقليه‏، وجبل فيزوف‏(1300‏ متر‏)‏ في ايطاليا‏، وجبل كيليمنجارو‏(5900‏ متر‏)‏ في تنزانيا‏، وجبل كينيا‏(5100‏ متر‏)‏ في كينيا‏.‏
‏(2)‏ الجبال المطويه تتكون بعمليات القاء الصخور المتلونه فوق قيعان المحيطات فوق حواف القارات‏:‏ تمثل سلاسل الجبال المطويه ذروه التطور في تكون النطق الجبليه‏، ولذلك فهي تمثل بالمنظومات الجبليه الكبري في العالم‏، وتتكون هذه النظم الجبليه من انواع مختلفه من الصخور الرسوبيه والناريه والمتحوله‏(‏ وكلها ينتج عن عمليه القاء‏)، كما تعتريها انماط بنيويه عديده من الطي والتصدع‏، والتصدع الراكب والمتداخلات والطفوح البركانيه ولعمليات الالقاء من اسفل الي اعلي ومن اعلي الي اسفل في كل نمط من هذه الانماط البنيويه دور اساسي لا يمكن اغفاله‏.‏
وتدل الملاحظات الميدانيه علي ان تكون الجبال المطويه يسبقه تكون احواض ارضيه عملاقه تقدر اطوالها بمئات الكيلو مترات واتساعها بعشرات الكيلو مترات‏، واعماقها بعده مئات من الامتار‏، ولكن قيعانها تهبط تحت اوزان ما يتجمع فيها مما يودي الي تراكمات من الصخور الرسوبيه المتبادله مع الطفوح البركانيه يزيد سمكها علي‏1500‏ متر‏، وكل من الفتات الصخري والرسوبيات التي تتكون بطريقه كيميائيه او بطريقه عفويه لتكون هذا السمك الهائل من الصخور الرسوبيه تلقي كلها من اعلي ماء البحار الي قيعانها بعمليه القاء حقيقيه‏، والطفوح البركانيه المتداخله فيها والمتبادله معها تلقي اثناء الثورات البركانيه من اسفل الي اعلي‏.‏
كذلك فان تلك الاحواض الارضيه تكونت بفعل اعداد من الصدوع الخسفيه العميقه التي تظل في حركه دائبه للهبوط بتلك الاحواض ببطء مما يعين علي تجمع تلك التراكمات السميكه من الصخور الرسوبيه والبركانيه وكلتاهما تتكون بعمليه القاء من اعلي الي اسفل او من اسفل الي اعلي او بهما معا‏، واحدا تلو الاخر‏.‏
كذلك تشير الدراسات الميدانيه الي ان حركه الواح الغلاف الصخري للارض تلعب دورا مهما في عمليه بناء هذه السلاسل والمنظومات الجبليه الشديده الطي والتكسر‏، فعند اصطدام لوحين من الواح الغلاف الصخري المكون لقاع المحيط تتكون سلسله من الجزر البركانيه علي هيئه اقواس فوق قاع المحيط‏.‏
وعندما يصطدم قاع المحيط باحدي القارتين المحيطتين به ويبدا في الهبوط تحتها تتكون اعمق اغوار هذا المحيط ويتجمع في هذا الغور بالالقاء من اعلي الي اسفل كم هائل من الرسوبيات التي تتضاعف بالتدريج الي الصخور الرسوبيه‏، كما يتبادل مع هذه الصخور الرسوبيه كم هائل من الطفوح البركانيه التي يلقي بها من اسفل الي اعلي‏.‏
وتتسم عمليه انزلاق قاع المحيط تحت قاره مجاوره بكشط هذا السمك الهائل من الصخور الرسوبيه والبركانيه‏(‏ المتجمعه في الغور الاخدودي العميق الناتج عن عمليه هبوط قاع المحيط تحت القاره‏)‏ وبتعفنه والقائه فوق حافه القاره الراكبه تتكون سلسله جبليه من السلاسل المطويه والمتكسره بمحاذاه الاخدود البحري الهابط بالتدريج تحت القاره‏، وباستمرار عمليه الهبوط يكشط المزيد من الصخور الرسوبيه البحريه وما تضمه من طفوح بركانيه من فوق قاع المحيط الهابط تحت القاره وتلقي فوق حافه القاره لتضاف الي سلسله الجبال المتكونه فوق طرف القاره‏، كذلك تنشط كل من الطفوح البركانيه والمتداخلات الناريه لتكون قلب وقواعد السلسله الجبليه المتكونه وذلك بالانصهار الجزئي للوح الهابط‏، وبازاحته كتلا من الصهاره من نطاق الضعف الارضي الذي تغوص فيه‏.‏
وفي بعض الاحيان قد تتحرك احدي القارات في اتجاه قاره مقابله لها دافعه امامها قاع المحيط الفاصل بين القارتين فيهبط تحت القاره المقابله بالتدريج حتي يتم استهلاكه بالكامل فتصطدم القارتان ببعضهما اصطداما عنيفا يكون من نتائجه هبوط القاره الدافعه هبوطا جزئيا تحت القاره الراكبه‏، وتكون اعلي السلاسل الجبليه علي حافه القاره الراكبه وذلك بكشط كل الصخورالرسوبيه والبركانيه من فوق قاع المحيط الهابط والقائها علي حافه القاره الراكبه مع القاء كم هائل من المتداخلات والطفوح البركانيه والصخور المتحوله في قلب السلسله الجبليه المتكونه بالعديد من الطي والتكسر‏.‏
وتكثر الصدوع بصفه خاصه علي امتداد حواف سلاسل ونظم الجبال المطويه‏، وبعض هذه الصدوع من النوع العادي‏، ولكن معظمها من الصدوع التجاوزيه‏(‏ الدسريه‏)‏ ذات الميول المنخفضه والتي تمتد الي مئات الكيلو مترات دافعه امامها كتلا هائله من الصخور المتباينه كتله فوق الاخري لعده كيلو مترات وهي صوره من اروع صور الالقاء‏.‏
ثانيا‏:‏ وصف الجبال بانها رواسي‏:‏
يقسم الغلاف الصخري للارض الي نحو اثني عشر لوحا كبيرا بالاضافه الي عدد من الالواح الصغيره وذلك بواسطه شبكه من الصدوع الخسفيه‏(‏ الخسوف الارضيه المكونه بواسطه عمليات تصدع الغلاف الصخري للارض‏)، وهي خسوف تتراوح اعماقها بين‏65‏ كم‏، و‏150‏ كم وتطفو الواح الغلاف الصخري للارض فوق نطاق من الصخور شبه المنصهره يعرف باسم نطاق الضعف الارضي‏، ولذلك فان هذه الالواح الصخريه تنزلق فوق نطاق الضعف الارضي مع دوران الارض حول محورها‏، وباندفاع الصهاره الصخريه بملايين الاطنان عبر الصدوع والخسوف الفاصله بينها‏، خاصه تلك الخسوف الموجوده في الواح الغلاف الصخري المكونه لقيعان كل محيطات الارض واعداد من بحارها والتي تتسع باستمرار في ظاهره تعرف باسم ظاهره اتساع قيعان المحيطات‏، وبذلك تنتقل الواح الغلاف الصخري للارض باستمرار في حركه لا يبطئ من عنفها الا تكون السلاسل الجبليه التي تثبت القارات في قيعان البحار والمحيطات بواسطه اوتاد الجبال‏، كما يمكن بواسطتها تثبيت قاره في قاره اخري‏.‏
فالجزء البارز من الجبال فوق سطح الارض هو في الحقيقه ليس الا القمم البارزه لكتل هائله من الصخور التي تطفو في نطاق الضعف الارضي كما تطفو جبال الجليد في ماء البحر المحيط ومن هنا كان وصف القران الكريم للجبال بالرواسي وصفا معجزا‏، لان الجبال ترسو باوتادها في نطاق الضعف الارضي كما ترسو السفينه في ماء البحر علي مرساتها‏، و‏(‏الرواسي‏)‏ من الجبال الثوابت الرواسخ‏، ووحداتها‏(‏ راسيه‏).‏
ووجود الجبال بكتلها الغائره في الغلاف الصخري للارض والطافيه في نطاق الضعف الارضي يقلل من شده ترنح الارض في دورانها حول محورها‏، ويجعل حركتها اكثر انتظاما وسلاسه تماما كما تفعل قطع الرصاص التي توضع حول اطار السياره للتقليل من رجرجتها وانتظام حركتها وبذلك اصبحت الارض موهله للعمران بمختلف صور الحياه‏.‏
ثالثا‏:‏ ربط تكون كل من الانهار والسبل بتكون الجبال‏:‏
يعرف النهر بماء يتدفق في مجري محدد‏(‏ له حواف تعرف باسم الشرف النهريه‏)‏ من مناطق مرتفعه في اتجاه البحر‏، او في اتجاه بحيره داخليه‏، او حوض صحراوي‏، او نهر اكبر‏.‏
وتغذي الانهار بماء المطر الذي يسقط فوق مرتفعات الارض من مثل الجبال‏، كما يمكن ان تغذي الانهار من ماء العيون‏، او من تسربات الماء المخزون في طبقات تحت سطح الارض ومن ذوبان الجليد من اماكن تجمعه في قمم الجبال ومن اطراف حقول الجليد‏، ولكن عند تكون اعداد من البحيرات في المناطق المرتفعه تكون قدرتها علي امداد الانهار بالماء المتدفق اكبر‏.‏
كذلك يمكن ان يفقد جزء من ماء النهر بالبخر او بالتسرب الي الخزانات المائيه تحت سطح الارض‏، والفرق بين كم الماء الذي يغذي النهر والفاقد منه هو الذي يتحكم في استمراريه او انقطاع تدفق الماء في مجري النهر‏.‏
ومن هنا كان ربط القران الكريم بين تكون الجبال وتدفق الانهار في الايه الكريمه التي نحن بصددها وفي غيرها من ايات القران العظيم‏.‏
كذلك فان مجاري الانهار تتعرض للانتقال البطئ مع الزمن او للجفاف وذلك مع تغير الظروف المناخيه‏، او تغير سرعه جريان الماء في مجراه‏، وهي مرتبطه بمعدل انحدار المجري‏، وطبيعه الصخور التي شق فيها مجراه وشكل المقطع الراسي للمجري‏، ومع جفاف مجري النهر او تغييره يترك المجري القديم سبيلا ميسرا لحركه كل من الانسان والحيوان‏، ومن هنا كان ربط القران الكريم بين ذكر الانهار والسبل حيث ان الانهار من اعظم وسائل شق الطرق بين الجبال والتلال والهضاب في مناطق التضاريس الارضيه الوعره‏.‏

خاتمه‏:‏
هذه الحقائق العلميه عن كل من الجبال والانهار والسبل بدا الانسان في جمع اطرافها في بطء شديد عبر القرون المتعاقبه ولم يبدا في بلوره تصور صحيح لها الا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي‏، ولم يكتمل هذا التصورالا في منتصف الستينيات من القرن العشرين‏.‏
وورود هذه الحقائق في الايه الكريمه التي نحن بصددها وفي غيرها من ايات القران العظيم مما يقطع بان القران هو كلام الله الخالق الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏، ويجزم بنبوه النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وبانه كان موصولا بوحي السماء‏، ومعلما من قبل خالق السماوات والارض الذي انزل في محكم كتابه قوله الحق‏:‏
ويري الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الي صراط العزيز الحميد‏(‏ سبا‏:6)‏

إرسال تعليق