
وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الاكل ان في ذلك لايات لقوم يعقلون*.( الرعد:4)
12/12/2002
هذه الايه الكريمه جاءت في مطلع سوره الرعد، وهي سوره مكيه، واياتها43 بعد البسمله، وقد سميت بهذا الاسم لورود الاشاره فيها الي حقيقه ان الرعد وهو من الظواهر الجويه المتكرره يمثل صوره من صور تسبيح تلك الظواهر لله تعالي انطلاقا من قوله( سبحانه وتعالي): تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا*.( الاسراء:44) يدور المحور الرئيسي لسوره الرعد حول قضيه العقيده، ومن ركائزها توحيد الله، وتنزيهه( تعالي) عن الشريك والشبيه والمنازع وعن كل وصف لايليق بجلاله، والخضوع له وحده بالعبوديه الكامله، والايمان بملائكته وكتبه ورسله، وبالوحي الخاتم الذي اوحاه الي خاتم انبيائه ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين)، والايمان كذلك بحتميه البعث والحساب والجنه والنار، كما جاء في كل رسالات السماء وتكامل وحفظ في القران الكريم وفي سنه خاتم الانبياء والمرسلين عليه وعليهم اجمعين من الله تعالي افضل الصلاه وازكي التسليم.
وقد استهلت سوره الرعد باربعه من الحروف الهجائيه المقطعه هي( المر)، وهذه المقطعات هي من اسرار القران الكريم التي لم يستطع العلم الكسبي ان يصل الي تفسيرها بعد.
وبعد هذا الاستهلال انتقلت السوره الكريمه بالخطاب الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) موكده ان القران الكريم هو الوحي الالهي الخاتم الذي انزله ربنا( تبارك وتعالي) عليه، وان كان اكثر الناس لايومنون بذلك. واستشهدت بعدد من الحقائق الكونيه علي وجود الله وعلي طلاقه قدرته في ابداع الخلق، وهيمنه سلطانه علي الكون وعلي كل من فيه وما فيه، واستنكرت موقف الكافرين من قضيه البعث، واستبعادهم لامكانيه حدوثه بعد تحلل الاجساد وتحولها الي تراب، وتعرض الايات لشيء من عقاب هولاء المكذبين في يوم القيامه، والذين كانوا من فرط جهلهم وضلالهم يستعجلون وقوع عذاب الله بهم بدلا من طلب الهدايه منه، وقد مضت عقوبات امثالهم من الامم التي كفرت من قبل بربها فاهلكها الله( تعالي) بذنوبها، ولايزال الايمان والكفر يقسم البشريه كلها الي فسطاطين متمايزين حتي يوم الدين، والله( تعالي) غفار للذنوب ولكنه في الوقت نفسه شديد العقاب.
كذلك تنعي سوره الرعد علي الكافرين طلبهم للمعجزات والايات الحسيه بدلا من القران الكريم، جحودا به، وانكارا لفضله وهو المعجزه الكبري لخاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين)، وترد الايات الكريمه في سوره الرعد بان رساله الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كانت ولاتزال هي رساله كل نبي وكل رسول من قبل، الا وهي الهدايه الي دين الله والانذار من عذابه.
واستعرضت سوره الرعد جانبا من صفات الله( تعالي) ومنها احاطه علمه بكل شيء، ودقه من صنعه في كل شيء، وانه( سبحانه) هو الكبير المتعال، الذي ليس لخلقه من دونه من وال، وهو( تعالي) خالق البرق ومنشيء السحاب الثقال، وهو الذي يسبح الرعد بحمده والملائكه من خيفته، والذي يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، وهو الذي يسجد له من في السماوات ومن في الارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال، وهو خالق كل شيء، وهو الواحد القهار، وهو رب السماوات والارض ومن فيهن، القائم علي كل نفس بما كسبت.
كذلك ساقت سوره الرعد عددا من الامثال لكل من الحق والباطل، والهدي والضلال، ولسلوك كل من المصلحين في الارض والمفسدين فيها، واوضحت جزاء كل صنف من هذه الاصناف، ومايزت بين الجنه ونعيمها والنار وجحيمها، كما مايزت بين الدنيا والاخره، وقررت ان الحياه الدنيا ليست الا متاعا عارضا وان الاخره هي دار القرار، وان الله( تعالي) يضل من يشاء ويهدي اليه من اناب، وانه( سبحانه وتعالي) قد ارسل خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) في امه قد خلت من قبلها امم ليتلو عليهم القران الكريم معجزته الكبري وهم يكفرون بالرحمن كما يكفرون بالقران، ولله الامر جميعا.. ولايزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعه او تحل قريبا من دارهم حتي ياتي وعد الله ان الله لايخلف الميعاد*.( الرعد:31).
وفي مواساه رقيقه لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) تذكر الايات انه اذا كان نفر من الكفار والمشركين قد استهزا بما ارسل به من حق فقد استهزيء برسل من قبله فاملي الله( تعالي) للذين كفروا ثم اخذهم بعقاب شديد. كذلك تنعي الايات علي الذين اشركوا بالله مكرا وصدا عن السبيل وتصف شيئا من عذابهم في الحياه الدنيا وتقرر ان عذاب الاخره اشق ومالهم من الله من واق.
وتصف الايات في سوره الرعد جانبا من الجنه وتقرر انها جزاء المتقين وان جزاء الكافرين والمشركين هو النار، كما تقرر ان الذين اغفوا شيئا من علم الكتب المنزله من قبل من شانهم ان يفرحوا بما انزل الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) لانه الصوره النهائيه التي تكاملت فيها كل الرسالات السماويه السابقه فهو امتداد لها وتاكيد عليها، اما الذين يتخذون التدين وسيله للتحزب الاعمي والتعصب غير البصير فانهم يومنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ويشترون بايات الله ثمنا قليلا، وفي مقابله هولاء تدعو الايات في سوره الرعد خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) الي ان يقول:
... انما امرت ان اعبد الله ولا اشرك به اليه ادعو واليه مئاب* (الرعد:36)
وتوكد الايات له( صلي الله عليه وسلم) ان القران الكريم انزله الله( تعالي) باللغه العربيه حكما للناس فيما بينهم، وحاكما علي جميع الكتب السماويه السابقه ومن ثم فلايجوز مسايره المشركين من اهل الكتاب فيما ذهبوا اليه من شرك بعد ماجاءه من علم قائم علي التوحيد الخالص لله( تعالي) بغير شريك ولاشبيه ولامنازع، والا فماله من الله من ولي ولا واق.
وتخاطبه( صلي الله عليه وسلم) الايات بان تعجب المشركين من ان الله( تعالي) قد جعل له ازواجا وذريه، وقد خصه بانزال القران الكريم عليه وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذريه وما كان لرسول ان ياتي بايه الا باذن الله لكل اجل كتاب*( الرعد:38).

وتوكد الايات ان الله( تعالي) يمحو مايشاء من شرائع، ويثبت مايشاء، وان عنده اصل كل ذلك، وانما علي رسول الله البلاغ، وعلي الله الحساب.
كما توكد حقيقه انقاص الارض من اطرافها وان الله( تعالي) يحكم... لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب*( الرعد:41)
وتشير الايات الي مكر الكافرين والمشركين في الامم التي سبقت كفار ومشركي قريش فتقول: وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبي الدار*( الرعد:42) وتختتم سوره الرعد بخطاب كريم من الله( تعالي) الي خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) انه اذا كان من مراء كل من الكافرين والمشركين، وصلفهم وعنادهم انكارهم لنبوته( صلي الله عليه وسلم) فان الله( تعالي) شاهدا علي صدق نبوته، وان كل من عنده علم من الكتب السماويه السابقه يجد عنده مايوكد ذلك، والتنزيل الخاتم ينطق بقول الحق( تبارك وتعالي):
ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (الرعد:43)
من الاشارات الكونيه في سوره الرعد
جاء في سوره الرعد اشارات الي عدد غير قليل من حقائق الكون وافاقه وظواهره نوجز منها مايلي:
(1) رفع السماوات بغير عمد مرئيه.
(2) تسخير الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي.
(3) مد الارض( بمعني تكويرها)، وخلق الجبال رواسي فيها، وعلاقه ذلك بتكون الانهار وتدفقها بالماء.
(4) خلق الثمرات النباتيه( وخلق كل شيء) في زوجيه واضحه.
(5) اغشاء الليل بالنهار في اشاره ضمنيه رقيقه الي كرويه الارض والي دورانها حول محورها امام الشمس.
(6) خلق الغلاف الصخري للارض علي هيئه قطع متجاورات، وجعل الصخور المكونه لكل منها قطعا متجاورات كذلك لانها صخور مختلفه النشاه، متباينه في صفاتها الطبيعيه والكيميائيه، ومن ثم في انواع التربه الناتجه عن تحللها( بالتجويه والتحات)، وفي تباين كل من ذلك في قدرته علي الانبات تحت الظروف البيئيه( المناخيه والتضاريسيه) المختلفه.
(7) خلق جنات من اعناب في الارض، وخلق الزرع والنخيل من اصل واحد ومن اصول متفرقه، يسقي بماء واحد، ويفضل الله( تعالي) بعضها علي بعض في الاكل. وفي ذلك اشاره واضحه الي تنوع المجتمعات النباتيه علي التربه الواحده التي تسقي بماء واحد في الظروف البيئيه الواحده، وفي ذلك تعظيم لهذا التنوع في قطع الارض المتجاورات، ذات التركيب الصخري والمعدني المختلف، وتحت الظروف البيئيه المختلفه، وما يمكن ان ينتجه ذلك من انواع متعدده من التربه ومن البيئات الزراعيه المتعدده. وفي تنوع النباتات الناميه في البيئه الواحده الماح الي ما اودعه الله( تعالي) من اسرار في كل نبته من نبات الارض تحاول علوم الوراثه اليوم تفسيرها بالشفره الوراثيه الخاصه بكل نوع، ولما يحدث من تنوع في الصفات الوراثيه اثناء عمليه التلقيح بين الخلايا الذكريه والانثويه في النوع الواحد وانعكاسات ذلك علي الاختلافات في الطعوم والالوان والاحجام والاشكال.
(8) الاشاره الي حقيقه تحول اجساد الاحياء الي تراب الارض بعد الموت، والي حقيقه بعثها من تراب الارض مره اخري.
(9) الاشاره الي حقيقه علم الله( تعالي) بما تحمل كل انثي وبما تغيض الارحام وما تزداد وان كل شيء عنده بمقدار.
(10) الاشاره الي تكوين كل من الرعد والبرق وارسال الصواعق وعلاقه ذلك بانشاء السحاب الثقال.
(11) الاشاره الي حقيقه ان كل من في السماوات والارض يسجد لله تعالي طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال.
(12) المقابله العلميه الدقيقه بين الظلمات والنور..
(13) الاشاره الي عمليه انزال الماء من السماء بقدر الله، وتدفقه في الاوديه كل بقدره ايضا بمشيئه من الله وارادته وتقديره.
(14) تشبيه الحق بما يمكث في الارض مما ينفع الناس من الثروات المعدنيه التي تحملها السيول، وتشبيه الباطل بالزبد الطافي علي وجه السيل او الخبث الذي يطفو فوق سطح الفلذات النفيسه حال صهرها لتنقيتها مما تحمله من شوائب.
(15) الاشاره الي حقيقه انقاص الارض من اطرافها، والي استخدامات تلك الحقيقه في مقامات التشبيه والمجاز.
(16) التاكيد علي وجود البشارات بمقدم خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) في جميع الكتب السماويه السابقه علي بعثته الشريفه.
(17) التاكيد علي قيمه العقل في حياه الانسان. وعلي حتميه توظيفه في التفكير الجاد والتدبر العميق في الانفس والافاق حتي يتمكن الانسان من فهم حقيقه وجوده ودوره في الحياه.
من اقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي:
وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الاكل ان في ذلك لايات لقوم يعقلون( الرعد:4)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه:.. اي اراض يجاور بعضها بعضا، مع ان هذه طيبه تنبت ماينفع الناس وهذه سبخه مالحه لا تنبت شيئا، ويدخل في هذه الايه اختلاف الوان بقاع الارض، فهذه تربه حمراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجره، وهذه سهله، وهذه سميكه، وهذه رقيقه، والكل متجاورات، فهذا كله مما يدل علي الفاعل المختار لا اله الا هو، وقوله:( وجنات من اعناب وزرع ونخيل) يحتمل ان تكون عاطفه علي جنات فيكون( وزرع ونخيل) مرفوعين، ويحتمل ان يكون معطوفا علي اعناب فيكون مجرورا.. وقوله:( صنوان وغير صنوان) الصنوان هي الاصول المجتمعه في منبت واحد.. وغير الصنوان ماكان علي اصل واحد.. وقوله:( يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الاكل).. اي هذا الاختلاف في اجناس الثمرات والزروع في اشكالها والوانها وطعومها وروائحها واوراقها وازهارها.. مع انها كلها تستمد من طبيعه واحده وهو الماء.. ففي ذلك ايات لمن كان واعيا، وهذا من اعظم الدلالات علي الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الاشياء وخلقها علي مايريد ولهذا قال تعالي:( ان في ذلك لايات لقوم يعقلون).
* وجاء في كل من تفسير الجلالين والظلال وصفوه البيان لمعاني القران وصفوه التفاسير والمنتخب في تفسير القران الكريم كلام مشابه، الا ان الخبراء اضافوا علي هامش المنتخب مانصه:
تشير الايه الكريمه الي علوم الاراضي والبيئهواثرها علي صفات النبات فمن المعروف علميا ان التربه الزراعيه تتكون من حبيبات معدنيه مختلفه المصدر والحجم والترتيب، ومن الماء ومصدره المطر، ومن الهواء، ومن الماده العضويه التي يرجع وجودها الي بقايا النبات والاحياء الاخري التي توجد علي سطح التربه او في داخلها، وفضلا عن ذلك توجد ملايين الكائنات الحيه الدقيقه التي لا تري بالعين المجرده لصغر حجمها وتختلف اعدادها من عشرات الملايين الي مئاتها في كل جرام من التربه السطحيه الزراعيه. ان النظره الشامله لصفات التربه الطبيعيه والكيميائيه والحيويه ان دلت علي شيء فانما تدل علي قدره الخالق وروعه الخلق، فالارض كما يقول الزراعيون بحق تختلف من شبر الي شبر.
ومعروف للعلماء ان اي نقص في احد المواد الاساسيه للتغذيه يتبعه تغيير مميز تظهر اعراضه علي النبات، ولذلك يعمد الزراعيون الي تعويض النقص بالتسميد الملائم، وعوامل البيئه اكثر من ان تحصي ولها اثر ملحوظ علي النمو والاثمار سواء اكان النبات متحد الاصل او مختلفه فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو علي كل شيء قدير.
من الدلالات العلميه للايه الكريمه
في هذه الايه الكريمه عدد من الحقائق العلميه التي يمكن ايجازها فيما يلي:
اولا: في قوله( تعالي):( وفي الارض قطع متجاورات): يشمل هذا التعبيرالقراني المعجز الحقائق التاليه:
(1) تكون الغلاف الصخري للارض من عدد من الالواح المتجاوره والتي يقدر عددها باثني عشرلوحا ارضيا كبيرا بالاضافه الي عدد من الالواح الصغيره، ويفصل هذه الالواح عن بعضها البعض شبكه هائله من الخسوف الارضيه التي تتراوح اعماقها بين65 كيلو مترا،150 كيلو مترا، ويبلغ طولها عشرات الالاف من الكيلو مترات، والتي تحيط بالارض احاطه كامله وكانها صدع واحد متعرج يشبهه العلماء باللحام علي كره التنس.
وكل واحد من الواح الغلاف الصخري للارض له منشوه الخاص به، وبالتالي تتباين هذه الالواح في تركيبها الصخري والمعدني وفي متوسط كثافه مادتها وسمكها.
(2) تكون كل واحد من الواح الغلاف الصخري للارض من الانواع الرئيسيه الثلاثه للصخور وهي: الصخور الناريه والرسوبيه والمتحوله بتفرعاتها المختلفه، والتي تشكل قطعا متجاوره في كل واحد من الواح الغلاف الصخري للارض، تتباين فيما بينها في صفاتها الطبيعيه والكيميائيه وفي مظاهرها الخارجيه، واشكالها علي سطح الارض.
فالصخور الناريه علي سبيل المثال تنقسم الي مجموعات حامضيه وفوق حامضيه، ومجموعات متوسطه الحامضيه، ومجموعات قاعديه وفوق قاعديه، وكل مجموعه من تلك المجموعات منها الصخور عميقه المنشا، عاليه التبلور، التي تبلغ فيها البلورات احجاما كبيره، ومنها الصخور الناشئه في اعماق متوسطه من القشره الارضيه، وبالتالي فهي متوسطه التبلور ومتوسطه حجم البلورات، ومنها الصخور البركانيه الزجاجيه( اي عديمه التبلور) او دقيقه البلورات، وبالمثل تتباين الصخور الرسوبيه والمتحوله تباينا شديدا، وحسب غلبه اي من هذه المجموعات الصخريه في اي من اجزاء الغلاف الصخري للارض يكون التباين في القطع المتجاوره المكونه لكل واحد من هذه الالواح، وبالتالي للغلاف الصخري للارض.
(3) تباين انواع التربه الناتجه من تحلل كل نوع من انواع هذه الصخور( بفعل عوامل التعريه المختلفه خاصه عوامل التجويه والتحات) تباينا شديدا بتباين صخر المصدر واختلاف تركيبه الكيميائي والمعدني، وبتباين الظروف البيئيه( من المناخ والتضاريس والانواع السائده من صور الحياه وغيرها) بحيث تختلف التربه المغطيه لكل نوع من انواع الصخور المكونه لكل واحد من الواح الغلاف الصخري للارض اختلافا هائلا من بقعه الي اخري علي هيئه قطع متجاورات، مما اعطي للارض قدرا هائلا من التنوع في صفاتها الطبيعيه والكيميائيه وفي قدرتها علي الانبات.
وعلي ذلك فان الارض تتباين الي قطع متجاورات بتباين الالواح المكونه لغلافها الصخري، وبتباين انواع الصخور المكونه لكل واحد من تلك الالواح، وبتباين انواع التربه الناتجه عن تجويه وتحات كل نوع من انواع تلك الصخور تحت الظروف البيئيه المتعدده بتعدد النطق المناخيه والتضاريس وانواع الحياه السائده فيها، ومن ثم فان هذه القطع المتجاورات من الارض تتباين تباينا هائلا في قدرتها علي الانبات، وفيما تحمله من انواع الكساء الخضري ومايحمله هذا الكساء من ثمار، فقد ثبت اخيرا ان لكل نوع من انواع الحياه بيئته الخاصه التي يحيا فيها، وبذلك يتكون الغلاف الحيوي للارض من العديد من المجالات، والمواطن، والمنظومات البيئيه التي تتميز كل منها بخصائصها الجغرافيه من التضاريس، والمناخ، وانواع الصخور، والتربه، والمجموعات الاحيائيه المرتبطه بها، فعلي سبيل المثال هناك انواع من انواع الحياه قد وهبها الله( تعالي) القدره علي التعايش مع بعضها البعض في عشره مفيده لكل نوعين متعايشين في تكافل حيوي متبادل، وقد يكون هذا التعايش مفيدا لاحدهما دون الاخر، ولكنه غير ضار بهذا الاخر، وحين يكون ضارا به تسمي العلاقه باسم التطفل. وكل كائن حي له مجاله البيئي اي موقعه في موطن بيئي محدد، من نظام بيئي معين، يشمل نوع الصخور، وانواع التربه، وتضاريس سطح الارض، والظروف المناخيه، وانواع الكائنات الحيه المتعايشه معه في نفس البيئه والتي تتفاعل معه وتوثر فيه او تتاثر به.
وتتوزع النظم البيئيه علي سطح الارض.. فتتفاوت بين المناطق الاستوائيه التي تتميز بشده الحراره وارتفاع نسبه الرطوبه، والمناطق القطبيه التي تتميز بجوها القارس البروده الجاف، والمناطق المعتدله بينهما، كما تتفاوت في الموقع الواحد بين القمم السابقه والسفوح الهابطه والسهول المنبسطه، فعلي القمم التي يزيد ارتفاعها عن ثلاثه الاف متر تتضاءل الحياه الي بعض الطحالب التي تنمو علي الجليد او في برك الماء الناتجه عن انصهار الجليد، وبين3000،2500 متر تقريبا تنتشر زهور دقيقه بين شقوق الصخور، وبين حوالي2500،2000 متر تقريبا تنتشر اشجار الصنوبر الجبلي، وبين حوالي2000،1500 متر تنتشر الغابات المخروطيه، وبين حوالي2000،1000 متر تقريبا تنتشر الغابات النفضيه، ودون ذلك تنتشر الغابات والزراعات المختلفه من السهول المنبسطه الي ارتفاع الف متر تقريبا فوق مستوي سطح البحر.
وكثير من هذه الانظمه البيئيه يتداخل في بعضه البعض بتدرج ملحوظ، وان كان البعض منها ينتهي الي حدود متميزه تتغير عندها البيئات تغيرا فجائيا.
وكل واحد من هذه النظم البيئيه معرض للتغير بتغير الظروف المناخيه بصوره تدريبيه او فجائيه او بتدخل الانسان مما يودي الي تغير الكساء الخضري او ازالته، والي هجره الحيوانات او انقراضها، وكل ذلك يساعد علي تباين الارض الي قطع متجاورات تختلف في تكوينها الصخري، وصفاتها الطبيعيه والكيميائيه، كما تختلف باختلاف التربه المتكونه فوق تلك الصخور، وباختلاف ظروفها البيئيه ومحتواها من صور الحياه، وباختلاف ذلك كله مع الزمن.
ولما كان احوال قطع الارض المتجاورات في تغير مستمر جاءت الاشاره اليها في الايه الكريمه التي نحن بصددها بالتنكير دون التعريف( قطع وليست القطع)
وهي من الومضات المبهره في هذه الايه الكريمه.
هذه الحقائق لم يدركها العلم الكسبي الا في العقود المتاخره من القرن التاسع عشر وفي ثنايا القرن العشرين، وورودها في كتاب الله المنزل في اوائل القرن السابع الميلادي علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم)، في امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين لما يقطع بان القران الكريم هو كلام الله الخالق، ومما يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوه وبالرساله فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين.
ثانيا: في قوله( تعالي)'( وجنات من اعناب وزرع ونخيل) اشاره الي عدد من الحقائق العلميه في هذه النباتات نوجزها فيما يلي:
(1)( وجنات من اعناب): جاء ذكر العنب في احد عشر موضعا من كتاب الله منها موضعان بصيغه الافراد( عنب وعنبا) وتسعه مواضع بصيغه الجمع( اعناب واعنابا)، وفي اغلب هذه الحالات جاء ذكر النخل بالافراد والجمع مع ذكر العنب او الاعناب.
وثمره العنب ثمره مميزه فبالاضافه الي محتواها العالي من المواد السكريه بالنسبه الي جميع الفواكه الاخري فانها تحتوي علي العديد من الفيتامينات من مثل فيتامين( ا)،( ج)، وعلي المواد العضويه من مثل البروتينات النباتيه، والاحماض، والخمائر، واملاح العديد من العناصر مثل البوتاسيوم، والصوديوم، والكالسيوم، والفوسفور، والحديد، وغيرها من المركبات العضويه وغير العضويه التي توجد في ثمره العنب بنسب متوازنه، مما يجعلها انسب انواع الغذاء ومن انقي مايمكن ان يتناوله الانسان من ثمار.
ولذلك اثبت العنب فعاليه ملحوظه في تنقيه الدم من السميات، والفضلات والرواسب العضويه وغير العضويه ومن الفيروسات والفطريات والجراثيم المسببه للعديد من الامراض، وفي تقويه مناعه الجسم، وفي تجديد بناء خلاياه المتهدمه خاصه اذا تم تناوله وحده علي معده خاليه اي بعد صيام يوم كامل، ولفتره تتراوح بين خمسه وسبعه اسابيع متواصله.
وتعزي سرعه تفاعل العنب مع جسم الانسان الي امتصاص الجسم له مباشره دون الحاجه الي هضمه.
وقد استخدم العنب بنجاح في علاج العديد من الامراض من مثل النقرس، الامراض الروماتيزميه، الامراض الناتجه عن الاصابه بدوده البلهارسيا، فقر الدم، وامراض الجهاز الهضمي والاخراجي، والتنفسي، والتهابات الكبد والمثانه، والالتهابات والقرح الداخليه والخارجيه، وتقيحات الفم واللثه وتسوس الاسنان، وامراض السرطان في حالات كثيره خاصه في مراحلها الاوليه. وقد اكتشف اخيرا ان ثمره العنب تحتوي علي مركب شديد الفعاليه في مقاومه امراض السرطان وغيره من الامراض المستعصيه في مراحلها المختلفه ويعرف هذا المركب باسم( ريزفيراترول=Resveratrol) وهذا المركب موجود في ثمار72 نبات اخر منها التوت، الفول السوداني، وبعض البقول مثل الحمص والفول البلدي والعدس ولكن بنسب اقل من نسب وجوده في العنب. وقد شهد بذلك كل من( الدكتوره جوهانابراندت) التي شفاها الله( تعالي عن طريق تناولها العنب بعد صراع مع هذا المرض الخبيث( السرطان) استمر لتسع سنوات، ونشرت قصتها في كتاب بعنوان قصه الاكتشاف طبع بمدينه نيويورك سنه1928 م وتم نشره عده مرات بعد ذلك.
كما شهد بذلك( السيد/ باسيل شاكلتون) بعد صراع مع الفشل الكلوي استمر زهاء الاربعين عاما، ونشر كتابا بعنوان التداوي بالعنب(TheGradeCure) ذكر فيه قصته وقصه( الدكتوره جوهانا براندت) وغيرهما من القصص التي تروي فضل العنب في علاج العديد من الامراض. وقد قام بترجمه الكتاب الاخير الدكتور محمد الشيخ عمر وقامت بطبعه موسسه المدني(68 شارع العباسيه بالقاهره) وتقوم بتوزيعه مجانا مكتبه الدكتور عبدالرحمن عمر نصيف( في مدينه جده بالمملكه العربيه السعوديه) وعصير العنب مركز ومخفف يعتبر من المطهرات القويه، وتستخدم محاليله المخففه في تطهير كل من الاذان، والانف، والفم، والحنجره، كما يمكن استخدامه علي هيئه ضمادات في معالجه الجروح والتقيحات الخارجيه، وثمره العنب يمكن تجفيفها وتحويلها الي زبيب دون ان ينقص ذلك من قيمتها الغذائيه والعلاجيه التي يظل الزبيب محتفظا بها لفترات طويله.
هذه الفوائد الجليله لثمره العنب وغيرها مما لم يكتشف بعد ربما كان من وراء ذكر القران الكريم له علي وجه الخصوص في احد عشر موضعا من عشر سور كريمه، ووصف مناطق زراعته بالوصف جنات في اغلب ما ذكر فيه من ايات، وجعله من ثمار الجنه، وان كانت الجنه غيب لا يعلمه الا الله، وكانت سننها وقوانينها واوصاف الاشياء فيها مغايره للدنيا وما فيها من خلائق وان جاء الوصف في( سوره النبا) من باب تقريب الامر لاهل الدنيا ولكنه يبقي تشريفا لشجره العنب ولثمرتها الطيبه المباركه.
(2)( وزرع ونخيل): لفظه زرع هنا تشمل كل انواع الزروع( النباتات) وذكرها هنا وفي مواضع: اخري كثيره من القران الكريم تبلغ المواضع العشره( غير اربعه مواضع اخري جاءت فيها بصيغه الفعل او الفاعل) جاء ليوكد كل انواع النبات مع التركيز علي انواع خاصه منها كالاعناب والنخيل في الايه التي نحن بصددها، وكالتين والزيتون والرمان والموز( الطلح) في مواضع اخري تاكيدا علي اهميه خاصه في كل منها تميزها عن بقيه الثمار والزروع.
والنخيل من الاشجار دائمه الخضره، وتتميز بساق طويله باسقه تنتهي بمجموعه من الاوراق في قمتها، وليست لها فروع، وهي لا تسقط اوراقها التي تستر براعمها في قمتها الا بفعل الانسان وثمار النخيل من( بسر)، و(رطب)، و(بلح)، و(تمر)، يعتبر من الثمار النباتيه المتميزه بقيمه غذائيه عاليه، فالتمر الجاف يحتوي علي مواد كربوهيدراتيه بما فيها من السكريات بنسب تزيد علي70%، وعلي ماء بنسبه13%، والياف بنسبه10%، وعلي مواد دهنيه بنسب تصل الي2.5%، وعلي املاح معدنيه بنسب تصل الي1.5%، وعلي فيتامينات( ا)،( ب)،( ج) وبروتينات وهرمونات ومضادات حيويه بالنسب المتبقيه.
ومن هذه الهرمونات، ما تيتكون من تسعه احماض امينيه، ويشبه هرمون الادكستيوسين الذي يلعب ادوارا مهمه في جسم الانسان ذكرا كان ام انثي من مثل ايقاف النزيف، وعلي ادرار اللبن والمساعده علي يسر المخاض، وعلي اندمال الوحم وانقباضه بعد الولاده، وعلي ترقيق المشاعر، وتثبيت الفواد، وانشراح الصدر، وجلاء الاحزان عند الجنسين، ومنها هرمون الاستروجين الذي له وظائف كثيره في جسم الانسان من اهمها ضبط توازن كل من الدهون والاملاح في الجسم، ومن اهم مكونات التمر املاح المغنسيوم والمنجنيز والحديد التي توجد بنسب مناسبه وبصوره سهله الامتصاص بواسطه جسم الانسان والاول له تاثير بالغ علي الغدد الموجوده بالجسم بما في ذلك الغدد الصماء التي تقوم علي افراز الهرمونات، وله دور كذلك في تهدئه الجهاز العصبي، وسلامه كل من العظام والاسنان، وفي زياده معدلات نمو الخلايا، ومرونه الانسجه، ومقاومه السموم الحمضيه، وخفض حراره الجسم وترطيبه، اما المنجنيز فاملاحه مهدئه للاعصاب، ومرققه للمشاعر والعواطف، ومزيله للهموم والمخاوف، ومطمئنه للنفس، والحديد يلعب دوراهما في بناء الماده الحمراء في الدم، ويصل الي الاطفال الرضع عن طريق لبن الامهات في اثناء الرضاعه الطبيعيه.
من هنا كان تركيز القران الكريم علي النخيل لتميزه علي غيره من النباتات ولاهميه ثمره البالغه، ولذلك جاء ذكره في عشرين ايه قرانيه مباركه في ست عشهر سوره، ومن هذه الايات ما ذكر( النخله) مفرده كما جاء في سوره مريم مرتين لتحديد نخله معينه بذاته، ومنها ماذكر( النخل) معرفا في عشر ايات، وما ذكر( نخيل) بصيغ الجمع غير المعرفه سبع مرات، و(نخلا) مره واحده.
ثالثا: في قوله( تعالي):( صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الاكل) يعرف العلماء اليوم اكثر من اربعمائه الف نوع من انواع النباتات، منها حوالي250.000 نوع من انواع النباتات الزهريه التي اعطاها الله( تعالي) القدره علي انتاج غذائها بعمليه التمثيل الضوئي، وحوالي150.000 نوع من النباتات غير الزهريه التي ليست لها قدره علي القيام بعمليه التمثيل الضوئي فتتغذي بطرائق اخري.
وكل نوع من هذه النباتات مرتبط ارتباطا وثيقا ببيئته المحكومه بوضعه الجغرافي من التضاريس والمناخ، وتباين انواع الصخور والتربه ووفره الماء او قلته، وتعدد الكائنات المصاحبه له وغير ذلك من عوامل، ولكنه محكوم اكثر بشفرته الوراثيه التي تتحكم في صفاته وقدراته المختلفه ومنها قدرته علي اختيار انواع محدده من عناصر ومركبات الارض التي تحيا عليها لتعطي ثمارا او حبوبا وبذورا خاصه لكل منها طعمه، ورائحته، ولونه، وشكله، وحجمه، مع اتفاق كل الظروف البيئيه المحيطه فكل نوع من انواع النبات كاي كائن حي له عدد من مجدد من الصيغيات يميز عن غيره، وكل واحد من هذه الصيغيات يحمل عود من المورثات( الجينات) يصدر كل منها التعليمات اللازمه للخليه لتصنيع بروتين محدد، ومع تباين المورثات من نبات الي اخر تتباين البروتينات المنتجه بداخل الخلايا، ومن ثم تتباين ثمارها طعوما ورائحه والوانا واشكالا واحجاما وهي متماثله من نوع واحد( صنوان) او غير متماثله من انواع متعدده( غير صنوان) تسقي بماء واحد ويفضل الله( تعالي) بعضها علي بعض في الاكل.
ويتم هذا التنوع بين افراد النوع الواحد من النبات في اثناء عمليه التكاثر واتحاد المورثات بين الخلايا الذكريه والانثويه بنسب مختلفه، فتتنوع الثمار تحت نفس الظروف البيئيه وفي النوع الواحد( صنوان)، كما يتم بين الانواع المختلفه في البيئه الواحده( غير صنوان) وبين البيئات المختلفه حتي تتعدد الثمار والحبوب والمنتجات النباتيه لتفي بكل احتياجات الحياه علي الارض.
وفي الايه الكريمه اشاره الي علوم التصنيف والوراثه والبيئه والاراضي وهي حقائق لم تتكشف للانسان الا بصوره بدائيه في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي ولم يتم تبلورها الا في العقود المتاخره من القرن العشرين، وورودها في كتاب الله الذي انزل في مطلع القرن السابع الميلادي بهذه الدقه العلميه والشمول والاحاطه لمما يقطع بان القران الكريم هو كلام الله الخالق، ويشهد بالنبوه وبالرساله للنبي الخاتم الذي تلقاه ولذلك نزلت الايه يقول الحق( تبارك وتعالي) ان في ذلك لايه لقوم يعقلون.. فصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق