بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 7 أكتوبر 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد
7/10/2002
هاتان الايتان الكريمتان جاءتا في اخر الربع الاول من سوره الفجر، وهي سوره مكيه، يدور محورها الرئيسي حول قضيه البعث بعد الموت، وهي من القضايا الاساسيه في العقيده الاسلاميه.
وتبدا السوره الكريمه بقسم من الله( تعالي) بالفجر، وهو يمثل الفتره الزمنيه التي يبزغ فيها اول خيط من الشفق الصباحي علي جزء من سطح الارض فيعمل ذلك علي محو ظلمه الليل بالتدريج حتي شروق الشمس، ويبدا ذلك بوضع الجزء من الارض الذي يبزغ عليه الفجر في وضع تبدو الشمس منه وكانها علي بعد18،5 درجه تحت الافق، وتظل ترتفع في حركتها الظاهريه حول الارض، والتي تتم بدوران الارض حول محورها امام الشمس حتي ظهور حافه الشمس العليا عند الافق فتشرق الشمس. والفجر الصادق يمثل اول النهار من الناحيه الشرعيه.
وظاهره الفجر تدور مع الارض في دورتها اليوميه حول محورها امام الشمس، فتنتقل من منطقه الي اخري بانتظام حتي تمسح سطح الارض كله بالتدريج، وهي ظاهره تصاحب بقدر من الصفاء البيئي والنقاء لا تساويها فتره اخري من فترات اليوم في ذلك فتتميز بالنداوه، والرقه والهدوء، وبانعكاس ذلك كله علي مختلف انواع الخلائق، وربما كان ذلك وغيره من مبررات هذا القسم الالهي بالفجر، والله( تعالي) غني عن القسم لعباده، والمقصود من ورود الايه القرانيه بصيغه القسم هو تنبيهنا الي اهميه الامر الذي جاء به القسم.
ويلي القسم بالفجر قسم ثان ب( ليال عشر) وقد قيل فيها انها الليالي العشر الاواخر من شهر رمضان، ومن ضمنها ليله القدر التي وصفها الحق( تبارك وتعالي) بانها خير من الف شهر، وياتي في مقابلتها الايام العشر الاوائل من شهر ذي الحجه، وفيها يوم عرفه الذي وصفه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) بانه افضل يوم عند الله، ووصف العشر من ذي الحجه بانه ما من ايام بافضل منها عند الله.
ثم ياتي قسم ثالث بالشفع والوتر وفيه قيل ان المقصود بذلك الصلاه، ومنها الشفع كالصلاه الثنائيه والرباعيه، ومنها الوتر كالمغرب وختام الصلاه في اخر الليل.
ويلي ذلك قسم رابع بالليل اذا يسر واصل السري هو السير بالليل، واسناد ذلك الي الليل قيل فيه انه مجاز بمعني يسري فيه( وحذفت ياوه في الايه الكريمه وصلا ووقفا)، وقيل انه ليس بمجاز، وذلك لتعاقب كل من الليل والنهار علي سطح الارض بفعل دوران الارض حول محورها امام الشمس حتي يخرج نصفها المظلم من انطباق ظلمه السماء علي ظلمه الارض وذلك بدخول طبقه نور النهار بينهما، وانتقال ظلمه ليل الارض الي جزء اخر منها كان يعمه نور النهار، ولا يخفي علي عاقل فوائد تعاقب كل من الليل والنهار علي سطح الارض، وعلي الحياه الارضيه.
وبعد القسم بهذه الايات الخمس، وبما لها من قيمه في انتظام حركه الحياه تتساءل سوره الفجر: هل في ذلك قسم لذي حجر؟ اي لذي لب وعقل وبصيره؟
وجواب القسم محذوف وتقديره: ليعذبن الله( تعالي) كل كافر ومشرك ومنكر للبعث، وكل مفسد في الارض، وكل متجبر علي الخلق.. ودلاله ذلك هو سرعه الاستشهاد بمصارع عدد من الامم البائده من مثل اقوام عاد وثمود وفرعون، وقد اشارت الايات الي صفه لازمت كل امه منهم، والمحت الي شيء من تجبرهم وطغيانهم وافسادهم، وذكرت كيف صب الله( تعالي) علي كل منهم عذابه صبا، جزاء ما اقترفوه من اثام.. واكدت ان الله( تعالي) قائم دوما بالمرصاد لكل متجبر علي الخلق وكل مفسد في الارض وان سنه الله واحده في اخذ الطغاه المفسدين في كل زمان ومكان باقسي انواع العقاب، واشد الوان العذاب..!!
وبعد ان جمعت الايات في سوره الفجر مصارع عدد من عتاه المفسدين في الارض، واكدت ان الله( تعالي) لهم ولامثالهم دوما بالمرصاد، انتقلت بالحديث الي شيء من طبائع النفس الانسانيه امام قضيه بسط الرزق وقبضه، وما فيها من ابتلاء للعباد، فالصالح يشكر النعمه، ويصبر علي المحنه، وغير ذلك تبطره النعمه التي يراها تكريما لشخصه، وتضجره المحنه التي يراها اهانه لكرامته، وترد الايات بان انسانا هذا شانه مخلوق اناني لا يفكر الا في ذاته، قد جبلت نفسه علي عدم الاكتراث باكرام اليتيم، ولا بالتحاض علي اطعام المسكين، وبالنهم الشديد في اقتسام الميراث، وبالحب الجم للمال، ثم تذكر الايات فورا بالاخره وما فيها من اهوال حين تدك الارض دكا دكا، كنايه عن تدمير الكون كله، ثم بعثه وبعث كافه الخلائق فيعرضون امام ربهم( لا تخفي منهم خافيه) والملائكه وقوف صفا صفا بين يدي الله( تعالي) ثم يوتي بجهنم في هذا الموقف العصيب الذي يتقرر فيه مصير كل واحد من الخلق، وحينئذ يتذكر الانسان مافرط فيه من حياته الدنيا حين لايفيد التذكر بشيء، ويتمني لو انه كان قد قدم شيئا لهذا الموقف الرهيب..!!
وتصف الايات جانبا من عذاب الكفار والمشركين في ذلك اليوم العصيب الذي يقول فيه الحق( تبارك وتعالي): فيومئذ لايعذب عذابه احد* ولا يوثق وثاقه احد
بينما يسمع نداء الحق( سبحانه وتعالي) علي كل نفس طيبه بقوله( عز من قائل):
ياايتها النفس المطمئنه* ارجعي الي ربك راضيه مرضيه* فادخلي في عبادي وادخلي جنتي( الفجر:27 30)
والاعجاز في سوره الفجر يشمل فيما يشمل القسم بخمس من ايات الله لم تكن اهميتها معروفه في زمن الوحي ولا لقرون متطاوله من بعده، بالاضافه الي وصف شيء من دخائل النفس الانسانيه، ووصف عدد من المظاهر والاحداث المصاحبه للاخره، وهي من الغيوب المطلقه التي لا سبيل امام الانسان لمعرفه شيء عنها الا من خلال وحي السماء.
اما الاعجاز التاريخي في هذه السوره المباركه فهو ابلغ جوانب الاعجاز فيها لاشتماله علي ذكر ثلاثه من طواغيت التاريخ القديم هم قوم عاد، ومدينتهم ارم ذات العماد، وقوم ثمود الذين وصفتهم الايات الكريمه بانهم هم.. الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الاوتاد وهذه الامم كانت قد بادت قبل بعثه رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمئات السنين، ولم تكن الامه العربيه امه تدوين وتوثيق، هذا فضلا عن بعد اراضي تلك الامم البائده عن مكه المكرمه بمئات بل بعشرات المئات من الكيلومترات في زمن لم تكن وسائل المواصلات ميسره:
وذكر قوم عاد في القران الكريم يعتبر اكثر انبائه باخبار الامم البائده اعجازا، وذلك لان هذه الامه قد ابيدت اباده كامله بعاصفه رمليه غير عاديه.. طمرتهم وردمت اثارهم حتي اخفت كل اثر لهم من علي وجه الارض، وبسبب ذلك انكرت الغالبيه العظمي من الاثريين والمورخين وجود قوم عاد، واعتبروا ذكرهم في القران الكريم من قبيل القصص الرمزي لاستخلاص العبر والدروس، بل تطاول بعض الكتاب فاعتبروهم من الاساطير التي لا اصل لها في التاريخ، ثم جاءت الكشوف الاثريه في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين بالكشف عن مدينه ارم واثبات صدق القران الكريم في كل ما جاء به عن قوم عاد، وانطلاقا من ذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي هذا الكشف الاثري المثير الذي سبق وان سجلته سوره الفجر في الايات(6 8) من قبل الف واربعمائه من السنين، وان دل ذلك علي شيء فانما يدل علي حقيقه ان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي انزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله، وحفظه لنا بنفس لغه وحيه التي اوحي بها( اللغه العربيه) فظل محتفظا بصياغته الربانيه، واشراقاته النورانيه، وبصدق كل حرف وكلمه واشاره فيه.
وقبل البدء في الحديث عن ارم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد* لابد من استعراض سريع لقوم عاد في القران الكريم، ولشرح عدد من كبار المفسرين القدامي والمعاصرين لهذه الايات القرانيه الثلاث.
قوم عاد في القران الكريم
جاء ذكر قوم عاد في سورتين من سور القران الكريم سميت احداهما باسم نبيهم هود( عليه السلام) وسميت الاخري باسم موطنهم الاحقاف، وفي عشرات الايات القرانيه الاخري التي تضمها ثماني عشره سوره من سور القران الكريم جاء ذكرهم ايضا ونختار منها ما يلي:
(1) والي عاد اخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره افلا تتقون* قال الملا الذين كفروا من قومه انا لنراك في سفاهه وانا لنظنك من الكاذبين* قال يا قوم ليس بي سفاهه ولكني رسول من رب العالمين* ابلغكم رسالات ربي وانا لكم ناصح امين* او عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم علي رجل منكم لينذركم واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطه فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون* قالوا اجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد اباونا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين* قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب اتجادلونني في اسماء سميتموها انتم واباوكم مانزل الله بها من سلطان فانتظروا اني معكم من المنتظرين* فانجيناه والذين معه برحمه منا وقطعنا دابر الذين كذبوا باياتنا وما كانوا مومنين* (الاعراف:65-72).
(2) كذبت عاد المرسلين* اذ قال لهم اخوهم هود الا تتقون* اني لكم رسول امين* فاتقوا الله واطيعون* وما اسالكم عليه من اجر ان اجري الا علي رب العالمين* اتبنون بكل ريع ايه تعبثون* وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون* واذا بطشتم بطشتم جبارين* فاتقوا الله واطيعون* واتقوا الذي امدكم بما تعلمون* امدكم بانعام وبنين* وجنات وعيون* اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم* قالوا سواء علينا اوعظت ام لم تكن من الواعظين* ان هذا الا خلق الاولين* وما نحن بمعذبين* فكذبوه فاهلكناهم ان في ذلك لايه وما كان اكثرهم مومنين* وان ربك لهو العزيز الرحيم* (الشعراء:123-140).
(3) فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقه مثل صاعقه عاد وثمود* اذ جاءتهم الرسل من بين ايديهم ومن خلفهم الا تعبدوا الا الله قالوا لو شاء ربنا لانزل ملائكه فانا بما ارسلتم به كافرون* فاما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق وقالوا من اشد منا قوه او لم يروا ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوه وكانوا باياتنا يجحدون* فارسلنا عليهم ريحا صرصرا في ايام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياه الدنيا ولعذاب الاخره اخزي وهم لا ينصرون* (فصلت:13-16)
(4) واذكر اخا عاد اذ انذر قومه بالاحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه الا تعبدوا الا الله اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم* قالوا اجئتنا لتافكنا عن الهتنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين* قال انما العلم عند الله وابلغكم ما ارسلت به ولكني اراكم قوما تجهلون* فلما راوه عارضا مستقبل اوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم* تدمر كل شيء بامر ربها فاصبحوا لا يري الا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين* ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئده فما اغني عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ماكانوا به يستهزئون* (الاحقاف:21-26).
(5) كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر* انا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر* تنزع الناس كانهم اعجاز نخل منقعر* فكيف كان عذابي ونذر* ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر* (القمر:18-22).
(6) واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتيه* سخرها عليهم سبع ليال وثمانيه ايام حسوما فتري القوم فيها صرعي كانهم اعجاز نخل خاويه* فهل تري لهم من باقيه* (الحاقه:6-8)
(7) الم تر كيف فعل ربك بعاد* ارم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد* (الفجر:6-8).
وفي غير هذه الايات جاء ذكر قوم عاد في كل من سوره التوبه(70)،( هود:50-60)، ابراهيم(9)، الحج(42)، ص(12)، غافر(31)، ق(13)، الذاريات(41)، الفرقان(38)، العنكبوت(38)، والنجم(50).
من اقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي): الم تر كيف فعل ربك بعاد* ارم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد* ( الفجر:6-8)
* ذكر ابن كثير( رحمه الله) ما نصه:( الم تر كيف فعل ربك بعاد)؟ وهولاء كانوا متمردين عتاه جبارين، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله، فذكر تعالي كيف اهلكهم ودمرهم، وجعلهم احاديث وعبرا فقال:( الم تر كيف فعل ربك بعاد* ارم ذات العماد)؟ وهولاء( عادا الاولي) وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام فكذبوه وخالفوه، فانجاه الله من بين اظهرهم ومن امن معه منهم واهلكهم( بريح صرصر عاتيه)، وقد ذكر الله قصتهم في القران، ليعتبر بمصرعهم المومنون، فقوله تعالي:( ارم ذات العماد) عطف بيان زياده تعريف بهم، وقوله تعالي:( ذات العماد) لانهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالاعمده الشداد، وقد كانوا اشد الناس في زمانهم خلقه واقواهم بطشا، ولهذا ذكرهم( هود) بتلك النعمه، وارشدهم الي ان يستعملوها في طاعه ربهم الذي خلقهم فقال:( واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطه فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون)
وقال تعالي:( فاما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق وقالوا من اشد منا قوه؟ او لم يروا ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوه) وقال ههنا:( التي لم يخلق مثلها في البلاد) اي القبيله التي لم يخلق مثلها في بلادهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم، وقال مجاهد: ارم امه قديمه يعني عادا الاولي، قال قتاده والسدي: ان ارم بيت مملكه عاد، وكانوا اهل عمد لا يقيمون، وقال ابن عباس: انما قيل لهم ذات العماد لطولهم، واختار الاول ابن جرير، وقوله تعالي:( التي لم يخلق مثلها في البلاد) الضمير يعود علي القبيله، اي لم يخلق مثل تلك القبيله في البلاد يعني في زمانهم،....، وسواء كانت العماد ابنيه بنوها، او اعمده بيوتهم للبدو، او سلاحهم يقاتلون به، او طول الواحد منهم، فهم قبيله وامه من الامم، وهم المذكورون في القران في غير ماموضع، المقرونون بثمود كما ههنا، والله اعلم.....
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) ما نصه:( الم تر) الم تعلم يا محمد( كيف فعل ربك بعاد) قوم هود عليه السلام.( ارم) هي: عاد الاولي، ف ارم عطف بيان او: بدل، ومنع الصرف للعلميه والتانيث( ذات العماد) اي: ذات الابنيه المرفوعه علي العمد، او البناء المرتفع، ففي الصحاح والعماد: الابنيه المرتفعه، وقيل: ذات الطول...( التي لم يخلق مثلها في البلاد) في بطشهم وقوتهم..
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه) مانصه:.....( عاد ارم) وهي عاد الاولي، وقيل: انها من العرب العاربه او البائده، وكان مسكنهم بالاحقاف وهي كثبان الرمال في جنوب الجزيره بين حضرموت واليمن، وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم علي عماد، وقد وصفوا في القران بالقوه والبطش، فقد كانت قبيله عاد هي اقوي قبيله في وقتها واميزها( التي لم يخلق مثلها في البلاد) في ذلك الاوان..
* وجاء في صفوه البيان لمعاني القران( رحم الله كاتبه برحمته الواسعه) مانصه:..... وعاد هو: عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، سمي اولاده باسمه.... وقيل لاوائلهم وهم الذين ارسل اليهم هود عليه السلام عاد الاولي تسميه لهم باسم ابيهم، وارم تسميه لهم باسم جدهم... وقيل لمن بعدهم عاد الاخره، و(ارم) بدل او عطف بيان ل(عاد).... وقيل: ان( ارم) قبيله من( عاد) وهي بيت ملكهم، فهي بدل من( عاد)، بدل بعض من كل.( ذات العماد) صفه لقبيله( ارم) اي ذات الاعمده التي ترفع عليها بيوت الشعر، اذ كانوا اهل خيام وعمد ينتجعون الغيوث ويطلبون الكلا حيث كان، ثم يعودون الي منازلهم، وقيل: ذات الرفعه والعزه،( لم يخلق مثلها..) صفه اخري لها، اي لم يخلق في بلادهم مثلها في الايد والشده وعظم الاجسام....
* وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم جزي الله كاتبيه خيرا مانصه: الم تعلم كيف انزل ربك عقابه بعاد قوم هود، اهل ارم ذات البناء الرفيع، التي لم يخلق مثلها في البلاد متانه وضخامه بناء...
* وذكر صاحب صفوه التفاسير( جزاه الله خيرا) مانصه:.... اي الم يبلغك يامحمد ويصل الي علمك ماذا فعل الله بعاد قوم هود؟( ارم ذات العماد) اي عادا الاولي اهل ارم ذات البناء الرفيع، الذين كانوا يسكنون بالاحقاف بين عمان وحضرموت( التي لم يخلق مثلها في البلاد) اي تلك القبيله التي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم، وشدتهم، وضخامه اجسامهم....
ارم ذات العماد في التراث الاسلامي
في تفسير ماجاء عن( قوم عاد) في القران الكريم نشطت اعداد من المفسرين والجغرافيين والمورخين وعلماء الانساب المسلمين، من امثال الطبري، والسيوطي، والقزويني والهمداني وياقوت الحموي، والمسعودي في الكشف عن حقيقه هولاء القوم فذكروا انهم كانوا من( العرب البائده) وهو تعبير يضم كثيرا من الامم التي اندثرت قبل بعثه المصطفي( صلي الله عليه وسلم بمئات السنين، ومنهم قوم عاد، وثمود، والوبر وغيرهم كثير، وعلموا من ايات القران الكريم ان مساكن قوم عاد كانت بالاحقاف( جمع حقف اي: الرمل المائل)، وهي جزء من جنوب شرقي الربع الخالي بين حضرموت جنوبا، ومعظم الربع الخالي شمالا، وعمان شرقا، كما علموا من القران الكريم ان نبيهم كان سيدنا هود( عليه السلام)، وانه بعد هلاك الكافرين من قومه سكن نبي الله هود ارض حضرموت حتي مات ودفن فيها قرب( وادي برهوت) الي الشرق من مدينه تريم.
اما عن( ارم ذات العماد) فقد ذكر كل من الهمداني( المتوفي سنه334 ه/946 م) وياقوت الحموي( المتوفي سنه627 ه/1229 م) انها كانت من بناء شداد بن عاد واندرست( اي: طمرت بالرمال) فهي لاتعرف الان، وان ثارت من حولها الاساطير.
الكشف الحديث عن ارم ذات العماد
* في سنه1984 م زود احد مكوكات الفضاء بجهاز رادار له القدره علي اختراق التربه الجافه الي عمق عده امتار يعرف باسم جهاز رادار اختراق سطح الارض Ground Penetrating Radar Or GPR فكشف عن العديد من المجاري المائيه الجافه مدفونه تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربا الي اواسط اسيا شرقا.
وبمجرد نشر نتائج تحليل الصور الماخوذه بواسطه هذا الجهاز تقدم احد هواه دراسه الاثار الامريكان واسمه نيكولاس كلاب Nicholss Clapp الي موسسه بحوث الفضاء الامريكيه المعروفه باسم ناسا (NASA) بطلب للصور التي اخذت بتلك الواسطه لجنوب الجزيره العربيه، وبدراستها اتضح وجود اثار مدقات للطرق القديمه الموديه الي عدد من ابنيه مدفونه تحت الرمال السافيه التي تملا حوض الربع الخالي، وعدد من اوديه الانهار القديمه والبحيرات الجافه التي يزيد قطر بعضها عن عده كيلو مترات.
وقد احتار الدارسون في معرفه حقيقه تلك الاثار، فلجاوا الي الكتابات القديمه الموجوده في احدي المكتبات المتخصصه في ولايه كاليفورنيا وتعرف باسم مكتبه هنتنجتون Huntington Library، والي عدد من المتخصصين في تاريخ شبه الجزيره العربيه القديم وفي مقدمتهم الامريكي جوريس زارينز Juris Zarins والبريطاني رانولف فينيس Ranulph Fiennes وبعد دراسه مستفيضه اجمعوا علي انها هي اثار عاصمه ملك عاد التي ذكر القران الكريم ان اسمها( ارم) كما جاء في سوره الفجر، والتي قدر عمرها بالفتره من3000 ق.م. الي ان نزل بها عقاب ربها فطمرتها عاصفه رمليه غير عاديه. وعلي الفور قام معمل الدفع النفاث بكاليفورنيا( معهد كاليفورنيا للتقنيه) (The Jet Propulsion Laboratories، California Institute of Technology ،J.P.L) باعداد تقرير مطول يضم نتائج الدراسه، ويدعو رجال الاعمال والحكومات العربيه الي التبرع بسخاء للكشف عن تلك الاثار التي تملا فراغا في تاريخ البشريه، وكان عنوان التقرير هو: البعثه عبر الجزيره The Trans-Arabia Expedition وتحت العنوان مباشره جاءت الايتان الكريمتان رقما8،7 من سوره الفجر، وقد ارسل الي التقرير لدراسته، وقد قمت بذلك فعلا وقدمت رايي فيه كتابه الي المسئولين بالمملكه العربيه السعوديه، وقد ذكر التقرير ان اثنين من العلماء القدامي قد سبق لهما زياره مملكه عاد في اواخر حكمها، وكانت المنطقه لاتزال عامره بحضاره زاهره، والانهار فيها متدفقه بالماء، والبحيرات زاخره بالحياه، والارض مكسوه بالخضره، وقوم عاد مستكبرون في الارض، ويشكلون الحضاره السائده فيها، وذلك قبل ان يهلكهم الله( تعالي) مباشره، وكان احد هولاء هو بليني الكبير من علماء الحضاره الرومانيه( والذي عاش في الفتره من23 م الي79 م)، والاخر كان هو الفلكي والجغرافي بطليموس الاسكندري الذي كان امينا لمكتبه الاسكندريه.وعاش في الفتره من100 م الي170 م تقريبا)، وقام برسم خريطه للمنطقه بانهارها المتدفقه، وطرقاتها المتشعبه والتي تلتقي حول منطقه واسعه سماها باسم( سوق عمان).
ووصف بليني الكبير حضاره عاد الاولي بانها لم يكن يدانيها في زمانها حضاره اخري علي وجه الارض، وذلك في ثرائها، ووفره خيراتها، وقوتها، حيث كانت علي مفترق طرق التجاره بين كل من الصين والهند من جهه وبلاد الشام واوروبا من جهه اخري، والتي كانت تصدر اليها البخور والعطور والاخشاب، والفواكه المجففه، والذهب، والحرير وغيرها.
وقد علق كثير من المتاخرين علي كتابات كل من بليني الكبير وبطليموس الاسكندري بانها ضرب من الخرافات والاساطير، كما يتشكك فيها بعض مدعي العلم في زماننا ممن لم يستطيعوا تصور الربع الخالي، وهو من اكثر اجزاء الارض قحوله وجفافا اليوم، مليئا في يوم من الايام بالانهار والبحيرات والعمران، ولكن صور المكوك الفضائي جاءت مطابقه لخريطه بطليموس الاسكندري، وموكده ماقد كتبه من قبل كل منه ومن بليني الكبير كما جاء في تقرير معهد الدفع النفاث.
ارهاصات قبل الكشف عن ارم
* في سنه1975 م تم اكتشاف اثار لمدينه قديمه في شمال غربي سوريا باسم مدينه( ابلا) (Ebla) تم تحديد تاريخها بحوالي4500 سنه مضت، وفي بقايا مكتبه قصر الحكم في هذه المدينه القديمه وجدت مجموعه كبيره من الالواح الصلصاليه( حوالي15،000 لوح) تحمل كتابات باحدي اللغات القديمه التي تم معرفه مفاتيحها وتمت قراءتها.
* في عددها الصادر بتاريخ ديسمبر1978 م نشرت المجله الجغرافيه الاهليه (National Geographic Magazine) مقالا بعنوان 'Ebla :Splendor of an unknown Empire'(vol.154،no6،pp731.-759) لكاتب باسم (HowardlaFay) جاءت فيه الاشاره الي ان من الاسماء التي وجدت علي الواح مدينه ابلا الاسم ارم علي انه اسم لمدينه غير معروفه جاء ذكره في السوره رقم89 من القران الكريم.
* بعد ذلك بعام واحد( اي في سنه1979 م) نشر اثنان من غلاه الصهاينه هما: حاييم برمانت وميخائيل ويتزمان (Chaim Bermant and Michael Wetzman) كتابا بعنوان: (Ebla-A Revelation In Archaeology) ذكرا فيه اسماء ثلاثه وجدت مكتوبه علي الواح الصلصال المكتشفه في( ابلا) هي: شاموتو( او ثمود)، و(عاد)، و(ارم) وذكرا ان هذه الاسماء الثلاثه ذكرت في السوره رقم89 من القران الكريم.
واضاف هذان الصهيونيان ان( ثمود) اسم قبيله ذكرها سارجون الثاني (Sargon II) في القرن الثامن قبل الميلاد، بينما الاسم( ارم) قد اختلف فيه فمن المورخين من اعتبره اسما لاحدي القبائل، ومنهم من اعتبره اسما لمكان، اما عن الاسم الثالث( عاد) فقد اعتبراه اسما اسطوريا، وهذا من قبيل تزييف التاريخ الذي برع فيه الصهاينه منذ القدم، وقد سبقهم في ذلك جيش من مزيفي تاريخ الجزيره العربيه علي راسهم Thomas Bertram الذي نشر في الثلاثينيات من القرن العشرين كلاما مشابها.
* في يوليو سنه1990 م تشكل فريق من البحاث في وكاله الفضاء الامريكيه (NASA) برئاسه (Charles Elachi) ومن معهد الدفع النفاث (J.P.L) برئاسه (Ronald Blom) للبحث عن( ارم ذات العماد) تحت رعايه وتشجيع عدد من الاسماء البارزه منها:
(Armand Hammar، Sir Ranulph Fiennes، George Hedges) ولكن البحث تاجل بسبب حرب الخليج.
بعد الكشف عن ارم
* في يناير سنه1991 م بدات عمليات الكشف عن الاثار في المنطقه التي حددتها الصور الفضائيه واسمها الحالي الشيصار واستمر الي مطلع سنه1998 م واعلن خلال ذلك عن اكتشاف قلعه ثمانيه الاضلاع سميكه الجدران بابراج في زواياها مقامه علي اعمده ضخمه يصل ارتفاعها الي9 امتار وقطرها الي3 امتار ربما تكون هي التي وصفها القران الكريم.
* في1992/2/17 م نشر في مجله تايم (Time) الامريكيه مقال بعنوان (Arabia صsLostSand Castle By Richard Ostling) ذكر فيه الكشف عن ارم.
* بتاريخ1992/4/10 م كتبت مقالا بعنوان اكتشاف مدينه ارم ذات العماد نشر بجريده الاهرام القاهريه لخصت فيه ما وصلني من اخبار ذلك الكشف حتي تاريخه.
* في سنه1993 م نشر بيل هاريس كتابه المعنون (Bill Harris: Lost Civilizations)
* بتاريخ1998/4/23 م نشر (Nicholas Clapp) كتابه المعنون The Roadto Ubar:
* بتاريخ1999/6/14 م نشر بيكو اير (PicoIyer) كتابه المعنون (Falling off The Map :Some Lonely Places in The World) وتوالت الكتب والنشرات والمواقع علي شبكه المعلومات الدوليه منذ ذلك التاريخ، ولكن تكتم القائمون علي الكشف نشر مزيد من اخباره حتي يتمكنوا من تزييفه والحاقه باساطير اليهود كما فعلوا من قبل في لفائف البحر الميت واثار( ابلا) وغيرها من المواقع، ولكن كل مانشر علي قلته يوكد صدق ماجاء بالقران الكريم عن قوم عاد بانهم:
(1) كانوا في نعمه من الله عظيمه ولكنهم بطروها ولم يشكروها ووصف بليني الكبير لتلك الحضاره بانها لم يكن يدانيها في زمانها حضاره اخري كانه ترجمه لمنطوق الايه الكريمه( التي لم يخلق مثلها في البلاد).
(2) ان هذه الحضاره قد طمرتها عاصفه رمليه غير عاديه وهو ماسبق القران الكريم بالاشاره اليه.
(3) ان هناك محاولات مستميته من اليهود لتزييف تاريخ تلك المنطقه ونسبه كل حضاره تكتشف فيها الي تاريخهم المزيف، ولذلك كان هذا التكتم الشديد علي نتائج الكشف حتي يفاجئوا العالم بما قد زيفوه، ومن ذلك محاوله تغيير اسم( ارم) الي اسم عبري هو اوبار (Ubar).
هذه قصه( ارم ذات العماد) مدينه قوم عاد، التي جاءت الكشوف الاثريه الحديثه باثبات ماذكر عنها في القران الكريم. وان كان نفر من الاقدمين قد حاول انكار ذلك تطاولا علي الله وكتابه، فان نفرا من المحدثين قد حاول انكاره تطاولا علي العلم واهله في زمن يتكلم فيه الرويبضه كما اخبرنا رسول الله( صلي الله عليه وسلم)، ولا حول ولا قوه الا بالله.
ويبقي ماجاء في القران الكريم من ذكر لقوم عاد ولمدينتهم( ارم ذات العماد)، ولما اصابها واصابهم من دمار بعاصفه رمليه غير عاديه صوره من صور الاعجاز التاريخي في كتاب الله تشهد له بصفائه الرباني، واشراقاته النورانيه، وبانه لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالحمد لله علي نعمه القران، والحمد لله علي نعمه الاسلام، والصلاه والسلام علي الرسول الخاتم الذي تلقاه وجاهد في سبيله حتي اتاه اليقين، وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين.
إرسال تعليق