بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 2 سبتمبر 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

والقمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم
ذه الايه الكريمه جاءت في نهايه النصف الاول من سوره يس، وهي سوره مكيه، واياتها(83)، ويدور المحور الرئيسي للسوره حول قضيه العقيده الاسلاميه، ومن اسسها الايمان بالله الخالق: الها واحدا لا شريك له في ملكه، ولا منازع له في سلطانه، ولا شبيه له من خلقه، والايمان بالقران الكريم، اخر كتب الله، والكتاب المنزل علي خاتم انبيائه ورسله، والايمان ببعثه هذا النبي والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) الذي ختمت ببعثته النبوات، وتكاملت في رسالته كل رسالات السماء، والايمان بالبعث والنشور، والحساب والخلود في الاخره اما في الجنه ابدا او في النار ابدا.
وقد سميت السوره بهذا الاسم لاستهلالها بالحرفين المقطعين( يس)، والحروف المقطعه التي استفتحت بها تسع وعشرون سوره من سور القران الكريم، والتي تضم نصف عدد اسماء حروف الهجاء الثمانيه والعشرين تعتبر سرا من اسرار القران الكريم التي لم يتم اكتشافها بعد، وان بذلت محاولات عديده في سبيل ذلك.
وقد تكون هذه الاحرف الهجائيه المقطعه رموزا الي كلمات، او معان، او اعداد معينه، او اسماء للسور التي وردت في اوائلها، او وسيله قرع للاسماع والقلوب كي تنشط وتتنبه لتلقي القران الكريم، او انها جعلت للدلاله علي صدق رسول الله( صلي الله عليه وسلم) من حيث نطقه باسماء الحروف وهو امي، والامي لا يعرف اسماء الحروف وان نطق باصواتها، وقد تكون للتنبيه علي اعجاز القران الكريم الذي صاغه الله( تعالي) من جنس تلك الحروف الهجائيه التي يتكلم بها العرب.. ويعجزون من الاتبان بشيء من مثله، وقد تكون كل ذلك وغيره.
ويروي عن ابن عباس( رضي الله عنهما) قوله: ان يس معناها ياايها الانسان في لهجه طيء، وقيل انها من اسماء رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بدليل توجيه الخطاب اليه في جواب القسم بالقران الحكيم وذلك بقول الحق( سبحانه وتعالي): انك لمن المرسلين* وقيل ان معناها: ياسيد البشر، والله( تعالي) اعلم.
وبعد هذا الاستهلال يقسم ربنا تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم بالقران الحكيم( اي المتضمن للحكمه والناطق بها، والمحكم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمصون من الضياع والتحريف) وهذا القسم بالقران الحكيم جاء تاكيدا علي صدق نبوه ورساله خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) التي حاول نفر من الكفار والمشركين التشكيك فيها قديما كما فعل كفار قريش وحديثا كما يفعل الذين لا يزالون يحاولون..!! واقسم الله( تعالي) بالقران الحكيم علي ان الاسلام العظيم هو صراطه المستقيم، وهو دينه القويم الذي اوحي به الي كل نبي والي كل رسول، وان القران الكريم هو تنزيل من الله العزيز الرحيم يحمله هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) الي قومه الذين لم يسبق لابائهم ان تلقوا مثل هذا الوحي فبقوا في غفله عن الدين، الذي جاء المصطفي لينذرهم به، وينذر من بعدهم العالم باسره، وذلك لان الغالبيه العظمي من كفار قريش، ومن بعدهم غالبيه اهل الارض اليوم هم من غير المومنين، الذين تمادوا في الغي والضلال، وفي تكذيب الرساله الخاتمه فحق عليهم عذاب الله وانتقامه...!! وتصف الايات بعد ذلك جانبا من احوال هولاء الكافرين المعرضين عن الحق، وهم نمط للكفر في القديم والحديث واحد..!!
واستعرضت سوره يس عددا من الشواهد الكونيه المبهره الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه، والناطقه بالوهيه الخالق( سبحانه وتعالي)، وربوبيته ووحدانيته، والمنذره في نفس الوقت من عواقب التكذيب بالوحي الخاتم. ومن اجل ذلك اوردت السوره الكريمه قصه اهل القريه التي كذبت رسل ربها، وجحدت نصح الناصحين من ابنائها، بعد ان بعث الله( تعالي) اليهم بثلاثه من رسله فكذبوهم، واوفد اليهم رجلا منهم ينصحهم بضروره الايمان الخالص بالله، والتوحيد المطلق لجلاله فقتلوه، وادخله الله( تعالي) الجنه، ولم يمهل قومه المجرمين فدمرهم من بعده تدميرا..!!
ومن الغريب ان الناس لايعتبرون بسير الامم البائده والتي اهلكها الله( تعالي) بكفرها، ومااكثر القصص القراني في ذلك..!!.
واستعرضت السوره الكريمه موقف المعرضين عن الهدايه الربانيه، والمكذبين بالاخره، ووصفت جانبا من سلوكياتهم، وصورا لنفسياتهم، وطرائق تفكيرهم، وعرضت لجوانب من ضلالهم وحيرتهم في الدنيا، ولضياعهم وهلاكهم في الاخره، ومن مواقفهم يوم البعث الذي استعرضت جانبا من اهواله، من مثل نفخه الصور الاولي التي تعرف باسم نفخه الفزع الاكبر، والتي تصدر اعلانا عن نهايه الحياه الدنيا، ثم تاتي نفخه الصعق التي يصعق بها كل من في الارض فيموتون، ثم تكون بعد ذلك نفخه البعث والنشور التي يخرج بها الناس مذهولين من القبور، فيعلموا ان وعد الله حق..!!
وتمايز السوره الكريمه بين مصائر اهل الجنه ومصائر اهل النار في الاخره، فالضالون المكذبون الذين اتبعوا خطوات الشيطان وهو عدو لهم فاضلهم عن طريق الهدايه الربانيه الحقه خسروا في الدنيا والاخره، وهم في النار يصطلون، واصحاب الجنه في النعيم يرفلون.
وتوكد سوره يس ان طول الاجل في الحياه الدنيا منتكس للانسان من القوه الي الضعف، ومن الزياده الي النقص مما يوكد عجز الانسان امام قدره خالقه، وحتميه الضعف والموت عليه.
وتدافع الايات عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) الذي اتهمه كفار قريش زورا بالشعر، كي يدعموا ادعاءهم الباطل ان القران الكريم من نظمه هو... فيرد ربنا( تبارك وتعالي) عليهم بقوله( عز من قائل):
وماعلمناه الشعر وماينبغي له ان هو الا ذكر وقران مبين* لينذر من كان حيا ويحق القول علي الكافرين*( يس:70،69)
وتثبت الايات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بخطاب من الحق( تبارك وتعالي) اليه يقول فيه( سبحانه):
فلا يحزنك قولهم انا نعلم مايسرون ومايعلنون*( يس:76)
وتنتهي سوره يس الي تمجيد الله( تعالي) وتنزيهه عن كل وصف لا يليق بجلاله، هذا الاله الخالق العظيم الذي بيده ملكوت السماوات والارض وملكوت كل شيء، والذي اليه وحده مرجع كل الخلائق للحساب والجزاء، ولذلك ختمت بهذه الايه الجامعه التي تهتز لها القلوب والعقول والابدان والتي تنطق بالحق الذي لا مراء فيه فتقول:
فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون*( يس:83)
والايات الكونيه التي استشهدت بها سوره يس علي صدق ماجاء بها من عقائد وقصص واحكام هي ايات كثيره منها مايلي:
(1) قدره الله تعالي علي احياء الموتي.
(2) قدرته( تعالي) علي تدوين اعمال الخلق واثارهم.
(3) احياء الارض الميته بانزال المطر عليها وانباتها بالنباتات المنتجه للحبوب، وملئها بجنات من نخيل واعناب، وتفجير العيون من خلالها.
(4) خلق كل شيء.. من زوجين.
(5) سلخ النهار من الليل اشاره الي دوران الارض حول محورها امام الشمس، والي رقه طبقه النهار، والي حقيقه ان الظلمه هي الاصل في الكون، وان النور نعمه عارضه فيه.
(6) جري الشمس لمستقر لها.
(7) دوران القمر حول الارض في منازل محدده، متدرجا في مراحل متتاليه حتي يعود هلالا كالعرجون القديم.
(8) جري كل من الشمس والقمر والارض وبقيه اجرام السماء كل في فلكه المحدد له.
(9) حمل الافراد من ذريه ادم الذين نجوا من الطوفان مع نوح( علي رسولنا وعليه من الله السلام) في الفلك المشحون.
(10) خلق وسائل الركوب الاخري.
(11) شهاده الايدي والارجل علي اصحابها يوم القيامه.
(12) خلق الانعام وتذليلها للانسان.
(13) خلق الانسان من نطفه.
(14) ان الذي خلق قادر علي البعث، لانه( تعالي) هو العليم بكل خلق.
(15) جعل الشجر الاخضر مصدرا للنار( اي للطاقه)
(16) ان خالق السماوات والارض قادر علي ان يخلق مثلهم وهو الخلاق العليم.
(17) ان من صفات الالوهيه ان يقول الله( تعالي) للشيء: كن فيكون.
(18) ان الله( تعالي) بيده ملكوت كل شيء، وان كل شيء عائد اليه( سبحانه وتعالي).
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه خاصه، ولذا فسوف اقصر الحديث هنا علي النقطه السابعه فقط في القائمه السابقه الا وهي نقطه دوران القمر حول الارض في منازل محدده، ومتدرجا في مراحل متتاليه حتي يعود هلالا كالعرجون القديم والحكمه من هذه المنازل وهذا التشبيه وجوانب السبق العلمي في هذه الايه الكريمه، وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض اقوال عدد من المفسرين السابقين في شرحها.
من اقوال المفسرين
في تفسيرقوله( تعالي):
والقمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم*( يس:39)
* ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه:... ثم قال جل وعلا:( والقمر قدرناه منازل) اي جعلناه يسير سيرا اخر، يستدل به علي معني الشهور، كما ان الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال( عز وجل):( يسالونك عن الاهله قل هي مواقيت للناس والحج). وقال تعالي:( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) الايه، وقال تبارك وتعالي:( وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا ايه الليل وجعلنا ايه النهار مبصره لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا)، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في اخره علي ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار....، اما القمر فقدره منازل يطلع في اول ليله من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليله الثانيه ويرتفع منزله، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وان كان مقتبسا من الشمس، حتي يتكامل نوره في الليله الرابعه عشره، ثم يشرع في النقص الي اخر الشهر، حتي يصير( كالعرجون القديم) قال ابن عباس: وهو اصل العذق، وقال مجاهد( العرجون القديم):' اي العذق اليابس، يعني اصل العنقود من الرطب اذا عتق ويبس وانحني، ثم بعد هذا يبديه الله تعالي جديدا في اول الشهر الاخر.
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) ما نصه:( والقمر) بالرفع والنصب، وهو منصوب بفعل يفسره ما بعده( قدرناه) من حيث سيره( منازل) ثمانيه وعشرين منزلا في ثمان وعشرين ليله من كل شهر، ويستتر ليلتين ان كان الشهر ثلاثين يوما، وليله ان كان تسعه وعشرين يوما( حتي عاد) في اخر منازله في راي العين( كالعرجون القديم) كعود الشماريخ[ جمع شمراخ وهو عيدان عنقود النخيل الذي عليه الرطب] اذا عتق، فانه يرق ويتقوس ويصفر.
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه جزاء ما قدم للاسلام والمسلمين) ما نصه:... والعباد يرون القمر في منازله تلك، يولد هلالا، ثم ينمو ليله بعد ليله حتي يستدير بدرا، ثم ياخذ في التناقص حتي يعود هلالا مقوسا كالعرجون القديم. والعرجون هو العذق الذي يكون فيه البلح من النخله.....
* وجاء في صفوه البيان لمعاني القران( رحم الله كاتبه رحمه واسعه) ما نصه:( والقمر قدرناه منازل) اي قدرنا سيره في منازل، ينزل كل ليله في منزل لا يتخطاه، ولا يتقاصر عنه، علي تقدير مستو من ليله المستهل الي الثمانيه والعشرين، ثم يستتر ليلتين ان كان الشهر تاما، وليله ان نقص يوما فاذا كان في اخر منازله رق وتقوس( حتي عاد) اي صار في راي العين( كالعرجون القديم) اي العتيق اليابس، وهو عود العذق ما بين الشماريخ الي منبته من النخله، والعذق: القنو من النخل وهو كالعنقود من العنب، والشماريخ: جمع شمراخ وشمروخ، وهو العيثكال الذي عليه البسر. وسمي عرجونا من الانعراج وهو الانعطاف، شبه القمر به في دقته وتقوسه واصفراره.
* وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم( جزي الله كاتبيه خيرا) ما نصه: والقمر جعلناه بتدبير منا منازل، اذ يبدو اول الشهر ضئيلا، ثم يزداد ليله بعد ليله، الي ان يكتمل بدرا، ثم ياخذ في النقصان كذلك، حتي يعود في مراه كاصل العنقود من الرطب اذا قدم فدق وانحني واصفر.
* وذكر صاحب صفوه التفاسير( جزاه الله خيرا) مانصه:
(والقمر قدرناه منازل) اي والقمر قدرنا مسيره في منازل يسير فيها لمعرفه الشهور، وهي ثمانيه وعشرون منزلا في ثمان وعشرين ليله ينزل كل ليله في واحد منها لا يتخطاها ولا يتعداها، فاذا كان في اخر منازله دق واستقوس( حتي عاد كالعرجون القديم) اي حتي صار كغصن النخل اليابس، وهو عنقود التمر حين يجف ويصفر ويتقوس....
القمر في القران الكريم
جاء ذكر القمر في القران الكريم سبعا وعشرين مره، كما جاءت الاشاره الي مراحله المختلفه تحت مسمي الاهله مره واحده، ويكون مجموع ذلك ثمان وعشرين مره وهي ايام رويه القمر في كل شهر، وعدد منازله اليوميه، ولا يمكن ان ياتي هذا التوافق الدقيق بمحض الصدفه لان مثل هذه المقابلات في القران الكريم اكثر من ان تحصي، وانها لو خدمت خدمه احصائيه دقيقه لاصبحت من اوضح جوانب الاعجاز العلمي في القران الكريم.
وهذه الايات قمت بتصنيفها في مقال سابق، الي عدد من المجموعات التي يمكن ايجازها فيما يلي:
(1) ايتان تصفان القمر في رويتين من روي اثنين من رسل الله، احداهما في حال اليقظه والاخري في المنام( الانعام:77، يوسف:4)
(2) ايتان تصفان الشمس والقمر مره بانهما حسبانا( اي وسيلهلحساب الزمن) والاخري بانهما بحسبان( اي يجريان بحساب دقيق مقرر معلوم)( الانعام:96، الرحمن:5)
(3) احدي عشره ايه، منها ما يتحدث عن خلق كل من الشمس والقمر، وسجودهما لله تعالي، وتسخيرهما بامره ليكونا في خدمه خلق الله الي اجل مسمي، واعتبارهما ايتين من ايات الله، ومنها ما ينهي عن السجود لهما، ويامر بالسجود لخالقهما وحده( الاعراف:54، الرعد:2، ابراهيم:33، النحل:12، الانبياء:33، الحج:18، العنكبوت:61، لقمان:29، فاطر:13، الزمر،5، فصلت:37)
(4) ايتان توكدان طبيعه كل من الشمس والقمر، وتفرقان بينهما بان الشمس ضياء، والقمر نور( يونس:5، نوح:16)
(5) ثلاث ايات تتحدث عن منازل القمر واطواره، او عن احد تلك الاطوار( البقره189، يس:39، الانشقاق:18)
(6) ايه واحده تشير الي دوران كل من الشمس والقمر والارض في مدار محدد له( يس:40)
(7) ايه واحده تثبت معجزه انشقاق القمر لرسول الله( صلي الله عليه وسلم)( القمر:1)
(8) ايتان يقسم في كل منهما ربنا( تبارك وتعالي) بالقمر تعظيما لابداع خلقه لان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده( المدثر:32، الشمس:2)
(9) ايتان تتحدثان عن نهايه القمر في يوم القيامه( القيامه:9،8).
منازل القمر في القران الكريم
عرف الناس منذ القدم دوره القمر من المحاق الي المحاق او من الهلال الي الهلال، واستخدموها في تحديد الزمن، والتاريخ للاحداث، ولاحظوا ان القمر في دورته تلك يقع في كل ليله من ليالي الشهر القمري بين ثوابت من النجوم او من تجمعاتها الظاهريه، وسموا كلا منها منزلا من منازل القمر، وعرفوا ان عدد تلك المنازل ثمانيه وعشرين بعدد الليالي التي يري فيها القمر.
ويشير القران الكريم الي منازل القمر بقول الحق( تبارك وتعالي):
والقمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم*( يس39).
وقوله( عز من قائل):
هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون*( يونس:5)
وقوله( سبحانه): يسالونك عن الاهله قل هي مواقيت للناس والحج...*( البقره:189)
منازل القمر في علم الفلك
يدور القمر حول الارض في مدار شبه دائري يبلغ طوله حوالي2،4 مليون كيلو متر تقريبا، ويبلغ متوسط نصف قطره384،400 كيلو متر، وفي اثناء هذه الدوره يقع القمر علي خط واحد بين الارض والشمس فيواجه الارض بوجه مظلم تماما، وتسمي هذه المرحله باسم مرحله الاقتران، ويعرف القمر فيها باسم المحاق، وتستغرق هذه المرحله ليله الي ليلتين تقريبا، ثم يبدا القمر في التحرك ليخرج من هذا الوضع الواصل بين مراكز تلك الاجرام الثلاث فيولد الهلال الذي يحدد بمولده بدايه شهر قمري جديد، ويقع هذا الهلال في اول منزل من منازل القمر، ويمكن رويته بعد ساعات من ميلاده اذا امكن مكثه لمده لا تقل عن عشر دقائق بعد غروب الشمس، وكان الجو علي درجه من الصفاء تسمح بذلك.
وباستمرار تحرك القمر في دورته البطيئه حول الارض تزداد مساحه الجزء المنير من وجهه المقابل لكوكبنا بالتدريج حتي يصل الي التربيع الاول في ليله السابع من الشهر القمري، ثم الي الاحدب الاول في ليله الحادي عشر، ثم البدر الكامل في ليله الرابع عشر، وفيها تكون الارض بين الشمس من جهه، والقمر من الجهه الاخري علي استقامه واحده.
وبخروج القمر عن هذه الاستقامه مع كل من الارض والشمس تبدا مساحه الجزء المنير من وجهه المقابل للارض في التناقص بالتدريج فيتحول الي مرحله الاحدب الثاني في حدود ليله الثامن عشر، ثم الي التربيع الثاني في ليله الثالث والعشرين، ثم الي الهلال الثاني في ليله السادس والعشرين من الشهر القمري، ويستمر في هذه المرحله لليلتين حتي يصل الي مرحله المحاق في اخر ليله او ليلتين من الشهر القمري حين يعود القمر الي وضع الاقتران بين الارض والشمس من جديد.
ولما كان القمر يقطع في كل يوم من ايام الشهر القمري حوالي12 درجه من درجات دائره البروج[360 درجه علي29،5 يوم=12،2 درجه] فانه يقع في كل ليله من ليالي الشهر القمري في منزل من المنازل التي تحددها ثوابت من النجوم او من تجمعاتها الظاهريه حول دائره البروج، وهذه المنازل ثمانيه وعشرون منزلا بعدد الليالي التي يري فيها القمر، وتعرف باسم منازل القمر.
ولما كان القمر في جريه السنوي مع الارض حول الشمس يمر عبر البروج السماويه الاثني عشر التي تمر بها الارض في كل سنه من عمرها، والتي تحدد بواسطتها شهور السنه الشمسيه، فان كل منزل من منازل القمر اليوميه يحتل مساحه في برج من هذه البروج.
ونتيجه لميل مستوي مدار القمر حول الارض علي مستوي مدار الارض حول الشمس بمقدار(5 درجات،8 دقائق) فان المسار الظاهري لكل من الشمس والقمر علي صفحه السماء من نقطه شروق كل منهما الي نقطه غروبه يبدو متقاربا بصفه عامه، وان تبع القمر الشمس في اغلب الاحوال.
وبصرف النظر عن دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق امام الشمس، ودوران القمر حول الارض في نفس الاتجاه فان كلا من الشمس والقمر يظهران في الافق مرتفعين من جهه الشرق، وغائبين في جهه الغرب، وان كان اغلب ظهور القمر هو بالليل لصعوبه رويته في وضح النهار.
والقمر يسير في اتجاه الشرق بمعدل نصف درجه تقريبا في المتوسط في كل ساعه(360 درجه/29،5 يوم من ايام الشهر القمري=12،3 درجه).\(12،2 درجه/24 ساعه في اليوم=0،51 درجه في الساعه)، بينما تقطع الشمس درجه واحده في اليوم تقريبا:
(مجموع زوايا دائره البروج=360 درجه علي365،25 يوم( من ايام السنه الشمسيه)=0،99 درجه/ يوم تقريبا). من ان القمر يبقي في سباق دائم مع الشمس، الا انه يتاخر كل يوم في غروبه من40 الي50 دقيقه عن اليوم السابق، تبعا لاختلاف كل من خطوط الطول والعرض.
فالهلال الجديد يولد ويري في الافق الغربي بعد غروب الشمس بقليل، وياخذ ظهور القمر في التاخر عن غروب الشمس فيري في طور التربيع الاول في وسط السماء، ويتاخر ظهوره لفتره اطول بعد الغروب في مرحله الاحدب الاول، ويري وهو اقرب الي الافق الشرقي، وفي مرحله البدر يتفق ظهور القمر في الافق الشرقي مع غياب الشمس في الافق الغربي لوجودهما علي استقامه واحده مع الارض، وبعد الخروج عن هذه الاستقامه ياخذ القمر في التباطو في الظهور يوما بعد يوم بمعدل خمسين دقيقه في المتوسط حتي يصل مجموع التاخير في ظهوره الي حوالي خمس ساعات بعد غروب الشمس وذلك في طور التربيع الثاني، ويستمر التباطو في ظهور القمر حتي يري الهلال الثاني في وضح النهار، وفي طور المحاق الذي لا يري فيه القمر من فوق سطح الارض( لوقوعه بينها وبين الشمس) يغيب القمر مع مغيب الشمس تماما لوجودهما علي استقامه واحده.
وبمجرد خروج القمر من مرحله المحاق ورويه الهلال الوليد بعد غروب الشمس يولد شهر قمري جديد مع بدء اشراق الشمس علي جزء من وجه القمر المقابل للارض، والذي كان يعمه ليل القمر في وقت الاقتران. ويتفاوت زمن اقتران النيرين( الشمس والقمر) بسبب ان كلا من مدار القمر حول الارض ومدار كل من الارض والقمر حول الشمس ليس تام الاستداره بل علي شكل بيضاني( اي علي هيئه قطع ناقص)، ومن قوانين الحركه في مدار القطع الناقص ان السرعه المحيطيه تخضع لقانون يسمي باسم قانون تكافو المساحات مع الزمن، وهذا القانون يقتضي اختلاف مقدار السرعه علي طول المحيط، فعندما يقترب القمر من الارض تزيد سرعته المحيطيه فتزداد بالتالي القوه الطارده( النابذه) المركزيهبينهما للحيلوله دون ارتطام القمر بالارض وتدميرهما معا، وعلي العكس من ذلك فانه عند ابتعاد القمر في مداره البيضاني عن الارض فان سرعته المحيطيه تتناقص والا انفلت من عقال جاذبيه الارض الي نهايه لا يعلمها الا الله.
وتتراوح سرعه دوران القمر في مداره بين3888 كيلو مترا في الساعه،3483 كيلو مترا في الساعه( بمتوسط3675 كيلو مترا في الساعه). كذلك تتفاوت سرعه سبح الارض في فلكها حول الشمس بين29،274 كيلو متر في الثانيه،30،274 كيلو متر في الثانيه. وبجمع الفرق بين اعلي واقل سرعتين لكل من القمر في مداره، والارض في مدارها اتضح انه يقابل الفرق في اطوال الاشهر القمريه بين(27،3215) يوما في مده الدوره النجميه للقمر،(29،5306) يوما في دورته الاقترانيه. والدوره النجميه للقمر حول الارض تحسب باعتبار ان الارض ثابته لا تتحرك حتي يتم القمر دورته الكامله حولها، والدوره الاقترانيه للقمر تاخذ في الحسبان دوران الارض حول محورها مع دوران القمر حول محوره.
من اوجه الاعجاز العلمي في الايه الكريمه
* نظرا للارتباط الشديد بين مراحل اشكال القمر المتتاليه من الهلال الوليد الي التربيع الاول الي الاحدب الاول، الي البدر، ثم الاحدب الثاني، ثم الهلال الثاني، ثم المحاق، الي الهلال الوليد للشهر القمري الجديد، وبين منازل القمر الثمانيه والعشرين وهي مواقعه اليوميه المتتاليه في السماء بالنسبه الي نجوم تبدو مواقعها قريبه ظاهريا فان التعبير منازل القمر يمكن اطلاقه علي مراحل القمر المتتاليه وعلي منازله المتوافقه مع تلك المراحل( اي مواقعه المتتاليه في السماء) باعتبار المنازل جمع( منزل) وهو المنهل والدار.
* والقمر يبدا ميلاده بهلال دقيق، ثم يتدرج في النمو حتي يصبح بدرا كاملا، ثم يعاود التناقص في الحجم حتي يصير كالعرجون القديم، ثم يختفي لمده يوم او يومين في مرحله المحاق، وتتكرر هذه الدوره في كل شهر قمري حتي يرث الله الارض ومن عليها.
* وضوء الشمس يغمر نصف القمر باستمرار فينعكس من فوق سطحه المظلم نورا ينير ظلمه ليل الارض، وكل مايستطيع اهل الارض ادراكه من هذا النور يختلف من يوم الي يوم تبعا لموضع كل من الارض والقمر والشمس في صفحه السماء.
والجزء المرئي من نور القمر قبل اكتماله بدرا يعرف باسم( قوس النور)، اما البدر الكامل فيعرف باسم( دائره النور)، ونظرا لترنح القمر في دورانه حول محوره، ولضخامه حجم الشمس بالنسبه الي حجم القمر فان ضوء الشمس ينير اكثر من نصف سطح القمر بقليل، ولذلك فانه يمكن ان يري خيط رفيع من النور يحيط بالقمر عند ميلاد الهلال.
* والدائره التي يراها سكان الارض من القمر تعرف باسم دائره الرويه، والمساحه التي يمكن لهم رويتها من القمر( قوس النور) هو نتيجه العلاقه الوضعيه بين كل من دائره النور ودائره الرويه، وهما يتطابقان في كل من مرحله البدر والمحاق، ويتعامدان في كل من التربيع الاول والاخير، وبين هذين الموضعين يتحرك القمر عبر مراحل وسطيه من الاحدب الي الهلال.
* وتقدير هذه المنازل القمريه فيه من الدلاله علي طلاقه القدره الالهيه ما فيه لاهميته في معرفه الزمن، وتقديره، وحسابه باليوم والاسبوع والشهر والسنه، وفي التاريخ للعبادات والاحداث والمعاملات والحقوق، ولما فيه من تاكيد علي ضبط سرعه القمر ضبطا دقيقا من اجل الحيلوله دون ارتطامه بالارض فيفنيها وتفنيه، او انفلاته من عقال جاذبيتها فينتهي الي نهايه لا يعلمها الا الله، وفي نفس الوقت الارتباط الدقيق بين سرعه دوران كل منهما حول محوره، فاذا زادت احداهما قلت الاخري بنفس المعدل. ولما كانت سرعه دوران الارض حول محورها في تناقص مستمر بمعدل جزء من الثانيه في كل قرن من الزمن، فان سرعه دوران القمر في تزايد مستمر بنفس المعدل تقريبا مما يودي الي تباعد القمر عن الارض بمقدار ثلاثه سنتيمترات في كل سنه، وهذا التباعد سوف يخرج القمر في يوم من الايام من اسار جاذبيه الارض ليدخله في نطاق جاذبيه الشمس فتبتلعه تحقيقا للنبوءه القرانيه التي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي):
فاذا برق البصر* وخسف القمر* وجمع الشمس والقمر*( القيامه:7 9)
ومن هنا كانت هذه الاشاره القرانيه المعجزه الي وصف مراحل القمر المتتاليه في كل شهر والتي يقول فيها ربنا( سبحانه وتعالي: والقمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم*( يس:39)
ويضاف الي هذه المعجزات القرانيه التي لا تنتهي ابدا، وصف المرحله الاخيره من مرالح الدوره الشهريه للقمر بالعرجون القديم. وهو العنقود من الرطب( العذق) اذا يبس وانحني، واصفر لونه وهو عند يبوسه علي النخله ينحني تجاهها فكذلك الهلال الثاني ينحني بطرفيه تجاه الارض، بينما الهلال الوليد ينحني بهما بعيدا عنها.. فما اروع هذا التشبيه القراني..!
هذه الحقائق عن القمر لم يدركها العلم الكسبي الا بعد مجاهده استغرقت الاف العلماء وعشرات القرون، وورودها في ايه واحده من كتاب الله الذي انزل علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم)، وفي امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين، ومن قبل الف واربعمائه سنه مما يقطع بان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي انزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله، وتعهد بحفظه فحفظ بنفس لغه وحيه( اللغه العربيه): حفظ حفظا كاملا، حرفا حرفا، وكلمه كلمه، وايه ايه، وسوره سوره، كما هو مرتب في بلايين النسخ المطبوعه والمستنسخه علي الشرائط الممغنطه وعلي غيرها من وسائط التسجيل، والمنقول نقلا متواترا عبر اربعه عشر قرنا، والمحفوظ في بلايين الصدور بنفس ترتيب المصحف الشريف، فظل محتفظا بجلال الربوبيه والالوهيه الذي يتراءي بين اياته، وباشراقاته النورانيه، وصدق حديثه في كل قضيه من قضاياه، فالحمد لله علي نعمه الاسلام، والحمد لله علي نعمه القران، والصلاه والسلام علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه، وعلي اله وصحبه، وعلي كل من تبع هداه، ودعا بدعوته الي يوم الدين، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق