اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

10:37 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 12 أغسطس 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

والنهار إذا جلاها
هذه الايه الكريمه تمثل القسم الثالث باقرب النجوم الينا الا وهي الشمس التي انزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوره باسمها في محكم كتابه‏، واستهلها بالقسم اربع مرات بهذا النجم الذي جعله‏(‏ تعالي‏)‏ مصدرا للدفء والنور علي الارض ولغير ذلك من مصادر الطاقه العديده‏، التي بدونها لم يكن ممكنا لاي شكل من اشكال الحياه الارضيه ان يوجد‏.‏
من هنا يتضح لنا جانب من جوانب الهدف من هذا القسم المغلظ بالشمس‏، والذي يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ والشمس وضحاها‏*‏ والقمر اذا تلاها‏*‏ والنهار اذا جلاها‏*‏ والليل اذا يغشاها‏*‏ ‏(‏الشمس‏:1‏ ‏4)‏
ويتلخص هذا الهدف في تنبيه الغافلين من بني البشر الي اهميه اقرب النجوم الينا‏، والي روعه الابداع الالهي في خلقه‏، ودلاله ذلك علي شيء من صفات هذا الخالق العظيم‏، وعلي انه‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب هذا الكون ومليكه‏، والهه الاوحد وموجده‏، والمتفرد بالسلطان فيه‏، بغير شريك ولاشبيه ولامنازع‏، وعلي ان الخضوع لجلاله بالعباده‏، والنزول علي اوامره بالاستسلام والطاعه هما من اوجب واجبات الوجود في هذه الحياه‏، لانهما يمثلان طوق النجاه للعباد في الدنيا والاخره‏، والا فان الله‏(‏ تعالي‏)‏ غني عن القسم لعباده‏.‏
وصفات الشمس التي اقسم بها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ ضمن سلسله طويله من القسم بتسع من اياته في الانفس والافاق ياتي جواب القسم بها كلها في قول الحق‏(‏سبحانه‏):‏
قد افلح من زكاها‏*‏ وقد خاب من دساها‏*‏ ‏(‏ الشمس‏:10،9).‏
بمعني ان فلاح الانسان قائم علي تزكيه نفسه بتقوي الله تعالي‏، والعمل بكتابه الخاتم وبسنه رسوله الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)، وبالاستعداد ليوم الرحيل من هذه الدنيا‏، وما يستتبعه من حساب وجزاء‏، وخلود في حياه قادمه‏، اما في الجنه ابدا او في النار ابدا كما علمنا كل انبياء الله ورسله وعلي راسهم خاتمهم اجمعين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم وعلي من تبعه وتبعهم باحسان الي يوم الدين‏).‏
وعلي النقيض من ذلك تكون خيبه الانسان في الدنيا وخسارته في الاخره اذا لم يحرص علي الايمان الصادق‏، والعمل الصالح‏، وداوم علي تزكيه النفس ومحاسبتها‏، وذلك لان الانسان انطلاقا من غروره وكبره‏، او من غبائه وجهله عرضه لغوايه الشيطان له علي الكفر بالله‏، او الاشراك في عبادته‏، او الخوض في معاصي الله‏، ثم يدركه الاجل قبل توبه نصوح يبرا بها الي الله فيكون في ذلك خيبته الكبري‏، وخسرانه المبين‏.‏
وهذا هو المحور الرئيسي لسوره الشمس الذي يدور حول طبيعه النفس الانسانيه‏، واستعداداتها الفطريه لقبول اي من الخير والشر‏، لان الانسان مخلوق ذو اراده حره تمكنه من الاختيار بين هذين السبيلين‏، وعلي اساس من اختياره بارادته الحره يكون جزاوه في الدنيا والاخره‏.‏
وتختتم سوره الشمس بنموذج من نماذج الامم التي عصت اوامر ربها‏، وكذبت رسله فكان عقابها ما انزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها من عذاب ونكال تستحقه‏، وامر الله نافذ لامحاله‏، وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ لايخشي احدا فيما يتخذ من قرار لانه رب هذا الكون ومليكه الذي لايسال عما يفعل‏.‏وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
كذبت ثمود بطغواها‏*‏ اذ انبعث اشقاها‏*‏ فقال لهم رسول الله ناقه الله وسقياها‏*‏ فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها‏*‏ ولايخاف عقباها‏*‏ ‏(‏ الشمس‏:11‏ ‏15)‏
وفي مقالين سابقين قمنا باستعراض القسم بالايتين الاولي والثانيه من سوره الشمس‏، وفي هذا المقال نستعرض دلاله القسم بالايه الثالثه التي يقول فيها ربنا‏(‏عز من قائل‏):‏ والنهار اذا جلاها‏*(‏ الشمس‏:3)‏
وقبل الدخول الي ذلك لابد من استعراض لدلاله اللفظين‏(‏ النهار‏)‏ و‏(‏جلاها‏)‏ من الناحيه اللغويه‏، ومن تلخيص لاراء عدد من المفسرين السابقين في شرح دلاله هذه الايه الكريمه‏.‏

الدلاله اللغويه لالفاظ الايه الكريمه
من اجل فهم الدلاله اللفظيه للايه الكريمه التي نحن بصددها‏، لابد من شرح المعني اللغوي‏، للاسم‏(‏ النهار‏)‏ وللفعل‏(‏ جلاها‏).‏
و‏(‏النهار‏)‏ لغه هو ضد الليل‏، وهو نصف اليوم الذي تشرق فيه الشمس‏، وينتشر النور‏، ويعرف بالفتره الزمنيه بين طلوع الشمس وغروبها‏، وان كان في الشريعه الاسلاميه هو الفتره الزمنيه من طلوع الفجر الصادق الي غروب الشمس‏.‏
ولفظه‏(‏ النهار‏)‏ لاتجمع كما لايجمع كثير من الكلمات العربيه من مثل السراب والعذاب‏، وان كان البعض يحاول جمعه علي‏(‏ انهر‏)‏ للقليل‏، وعلي‏(‏ نهر‏)‏ للكثير‏، وهو نادر الاستعمال‏.‏
ويقال‏(‏ انهر‏)‏ اي‏:‏ دخل في النهار‏، و‏(‏انهر‏)‏ الماء جري وسال‏، و‏(‏النهر‏)‏ بسكون الهاء وفتحها واحد‏(‏ الانهار‏)‏ وهو مجري الماء الفائض المتدفق‏، و‏(‏النهر‏)‏ ايضا هو السعه تشبيها بنهر الماء‏.‏
وقوله‏(‏ تعالي‏):‏ ان المتقين في جنات ونهر‏*‏ ‏(‏القمر‏:54)‏
فسر اهل العلم‏(‏ نهر‏)‏ هنا بالانهار او بالضياء‏(‏ والصواب هو‏:‏ بالنور‏)‏ والسعه‏، والمعني الاول اولي لمواءمته لسياق الايه الكريمه‏.‏
ويقال‏(‏ نهر‏)‏ الماء اي‏:‏ جري في الارض حافرا مجراه جاعلا منه نهرا‏، ويقال‏:(‏نهر نهر‏)‏ اي كثير الماء‏، وكل كثير جري فقد‏(‏ نهر‏)‏ و‏(‏استنهر‏)، ويقال‏(‏ انهر‏)‏ الدم اي اساله وارسله‏، ويستخدم الفعل‏(‏نهر‏)(‏ نهرا‏)، و‏(‏انتهر‏)(‏ انتهارا‏)‏ بمعني زجر زجرا بغلظه وشده‏.‏
ويقال في العربيه‏:(‏ جلا‏)(‏ يجلو‏)(‏ جلاء‏)‏ بمعني اوضح وكشف‏، لان اصل‏(‏ الجلو‏)‏ هو الكشف الظاهر‏، و‏(‏الجلي‏)‏ هو كل ماهو ضد الخفي‏.‏
يقال‏:(‏جلا‏)‏ لي الخبر‏(‏ يجلوه‏)(‏ جلاء‏)‏ اي وضحه‏، و‏(‏الجليه‏)‏ هي الاخبار اليقينيه‏، و‏(‏تجلي‏)‏ بمعني تكشف‏،.‏ و‏(‏انجلي‏)‏ عنه الهم بمعني انكشف‏، و‏(‏جلاه‏)‏ عنه اي اذهبه‏، ولذلك يقال‏،(‏ جلي‏)‏ السيف‏(‏ جلاه‏)(‏ تجليه‏)‏ اي كشفه ويقال‏(‏ جلا‏)‏ السيف‏(‏ يجلوه‏)(‏ جلاء‏(‏ اي صقله‏،، ويقال‏:(‏ جلا‏)‏ بصره بالكحل‏(‏جلاء‏(‏
‏، ولذلك يقال للكحل‏(‏ الجلاء‏).‏
و‏(‏التجلي‏)‏ قد يكون بالذات كما في قوله‏(‏ تعالي‏):‏ والنهار اذا تجلي‏*‏ ‏(‏ الليل‏:2)‏
وقد يكون بالامر والفعل من مثل قوله تعالي‏:‏ فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا‏*‏‏(‏ الاعراف‏:143).‏

ويقال‏(‏ جلا‏)‏ العروس‏(‏ يجلوها‏)(‏ جلاء‏)‏ و‏(‏جلوه‏)، و‏(‏اجتلاها‏)‏ بمعني نظر اليها‏(‏ مجلوه‏)، ويقال‏:‏ فلان ابن‏(‏ جلا‏)‏ اي مشهور‏.‏
و‏(‏الجلاء‏)‏ هو الامر‏(‏الجلي‏)‏ اي الواضح البين‏، و‏(‏الجلاء‏)‏ ايضا هو الخروج من البلد والاخراج منه‏، يقال‏:‏ لقد‏(‏ جلوا‏)‏ عن اوطانهم ولقد‏(‏ جلاهم‏)‏ او‏(‏ اجلاهم‏)‏ غيرهم‏(‏ فاجلوا‏)‏ عنها‏، ويقال كذلك‏:(‏ اجلوا‏)‏ عن الشيء اذا انفرجوا عنه‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ والنهار اذا جلاها‏*‏
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:...‏ قال مجاهد‏:(‏ والصواب هو انارها‏)، وقال قتاده‏:‏ اذا غشيها النهار‏، وتاول بعضهم ذلك بمعني‏:‏ والنهار اذا جلا الظلمه لدلاله الكلام عليها‏.(‏ قلت‏):‏ ولو ان القائل تاول ذلك بمعني‏(‏ والنهار اذا جلاها‏)‏ اي البسيطه لكان اولي‏، ولصح تاويله في قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ والليل اذا يغشاها‏)‏ فكان اجود واقوي‏، والله اعلم‏.‏ ولهذا قال مجاهد‏:(‏ والنهار اذا جلاها‏)‏ انه كقوله تعالي‏:(‏ والنهار اذا تجلي‏)، واما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله علي الشمس لجريان ذكرها‏،...‏
‏*‏ وجاء في الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏:(‏ والنهار اذا جلاها‏)‏ بارتفاعه‏(‏ اي‏:‏ ظهرت فيه‏).‏
‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمه واسعه‏)‏ مانصه‏:‏
ويقسم بالنهار اذا جلاها‏..‏ مما يوحي بان المقصود بالضحي هو الفتره الخاصه لا كل النهار‏..‏ والضمير في‏(‏ جلاها‏)..‏ الظاهر انه يعود الي الشمس المذكوره في السياق‏..‏ ولكن الايحاء القراني يشي بانه ضمير هذه البسيطه‏.‏ وللاسلوب القراني ايحاءات جانبيه كهذه مضمره في السياق لانها معهوده في الحس البشري يستدعيها التعبير استدعاء خفيا‏.‏ فالنهار يجلي البسيطه ويكشفها‏.‏ وللنهار في حياه الانسان اثاره التي يعلمها‏.‏ وقد ينسي الانسان بطول التكرار جمال النهار واثره‏.‏ فهذه اللمسه السريعه في مثل هذا السياق توقظه وتبعثه للتامل في هذه الظاهره الكبري‏.‏
‏*‏ وجاء في صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعه‏)‏ مانصه‏:(‏ والنهار اذا جلاها‏)‏ اي جلي الشمس واظهرها‏، فانها تتجلي اذا انبسط النهار ومضت منه مده‏، وهو وقت الضحي والضحاء‏.‏ وقيل‏:‏ جلي الدنيا‏، اي وجه الارض وماعليه‏.‏
‏*‏ وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏وبالنهار اذا اظهر الشمس واضحه غير محجوبه‏.‏
‏*‏ وجاء في صفوه التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خيرا‏)‏ مانصه‏:‏
‏(‏والنهار اذا جلاها‏)‏ اي واقسم بالنهار اذا جلا ظلمه الارض بضيائه وكشفها بنوره‏، وقال ابن كثير‏:‏ اذا جلا البسيطه واضاء الكون بنوره‏.‏

النهار في القران الكريم
ورد ذكر النهار في مقابله الليل في القران الكريم سبعا وخمسين‏(57)‏ مره‏، منها اربع وخمسون‏(54)‏ مره بلفظ النهار‏، وثلاث‏(3)‏ مرات بلفظ نهارا‏، كذلك وردت الفاظ الصبح والاصباح‏، وبكره‏، والفلق والضحي ومشتقاتها بمدلول النهار او بمدلول اجزاء منه في ايات اخري كثيره‏، كما وردت كلمه اليوم احيانا بمعني النهار‏.‏
وذلك من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏
قال موعدكم يوم الزينه وان يحشر الناس ضحي‏*‏ ‏(‏ طه‏:59)‏
يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاه من يوم الجمعه فاسعوا الي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون‏*‏ ‏(‏ الجمعه‏:9)‏
اياما معدودات فمن كان منكم مريضا او علي سفر فعده من ايام اخر‏..* ‏(‏ البقره‏:184)‏
فمن لم يجد فصيام ثلاثه ايام في الحج وسبعه اذا رجعتم‏....*‏ ‏(‏ البقره‏:196).‏
فمن لم يجد فصيام ثلاثه ايام‏...*‏ ‏(‏ المائده‏:89).‏
سخرها عليهم سبع ليالي وثمانيه ايام حسوما‏...*‏ ‏(‏ الحاقه‏:7).‏
‏...‏ وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما امنين‏*‏ ‏(‏ سبا‏:18)‏
والنهار في القران الكريم يمتد من الفجر الصادق الي الغروب وذلك لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
واقم الصلاه طرفي النهار وزلفا من الليل‏...*‏ ‏(‏ هود‏:114)‏

الدلاله العلميه للايه الكريمه
في الايات الاربع الاولي من سوره الشمس يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
والشمس وضحاها‏*‏ والقمر اذا تلاها‏*‏ والنهار اذا جلاها‏*‏ والليل اذا يغشاها‏*‏
وضمير الغائب في هذه الايات يعود علي الشمس كما هو واضح من سياق السوره الكريمه‏، ومن قواعد اللغه العربيه‏، ومن شروح المفسرين الذين لم تختلف شروحهم الا في تفسير قول الله‏(‏ تعالي‏):‏ والنهار اذا جلاها فاعادوا ضمير الغائب هنا مره الي الشمس‏، ومره الي الظلمه‏، وثالثه الي البسيطه اي الارض‏، وذلك لان الناس قد درجوا عبر التاريخ علي فهم ان طلوع الشمس هو الذي يجلي ظلمه الليل وينير وضح النهار‏.‏
فكيف يمكن ان يكون النهار هو الذي يجلي الشمس؟
ولكن في مطلع الستينيات من القرن العشرين بدا نشاط رياده الفضاء‏، وفوجيء هولاء الرواد بحقيقه مذهله موداها ان الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبيه اجزائه‏، وان طبقه النهار المنيره عباره عن حزام رقيق جدا لايتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏، يغلف نصف الارض المواجه للشمس ويتحرك علي سطحها بمعدل دورانها حول محورها امام الشمس‏، وانه بمجرد تجاوز تلك الطبقه الرقيقه من نور النهار تبدو الشمس قرصا ازرق باهتا في صفحه سوداء حالكه السواد‏، وكذلك تتضح مواقع النجوم بنقاط زرقاء باهته لاتكاد تري‏.‏
وبدراسه هذه الظاهره المبهره والتي سبق للقران الكريم ان اشار اليها من قبل الف واربعمائه سنه بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون‏*‏ لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون ‏(‏ الحجر‏:15،14).‏
وبقوله‏(‏ سبحانه‏):‏ وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون‏*‏ ‏(‏ يس‏:37).‏
وبقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ اانتم اشد خلقا ام السماء بناها‏*‏ رفع سمكها فسواها‏*‏ واغطش ليلها واخرج ضحاها‏*‏ ‏(‏ النازعات‏:27‏ ‏29)‏
وفي محاوله لتفسير السبب في ظلمه الكون ونور طبقه النهار المحدوده بحدود نصف الارض المواجه للشمس وبسمك لايتعدي المائتي كيلو متر اتضح ان الغالبيه العظمي من اشعه الشمس هي اشعه غير مرئيه‏، وان الجزء المرئي منها لايري الا بعد انعكاسه وتشتته لمرات عديده علي عدد من الاجسام من مثل جزيئات العناصر والمركبات المكونه للطبقه الدنيا من الغلاف الغازي للارض‏، وما بها من هباءات الغبار‏، وقطيرات الماء‏، وبخاره‏.‏
ولما كان الغلاف الغازي للارض تتضاءل كثافته بالارتفاع حتي لاتكاد ان تدرك‏، كما يتضاءل محتواه من هباءات الغبار والرطوبه بصفه عامه‏، توقفت عمليات تشتيت ضوء الشمس وعكسه علي المائتي كيلو متر السفلي من هذا الغلاف الغازي فقط والتي يري فيها نور النهار‏، وبقي الكون في ظلام دامس‏، وبقي موقع الشمس علي هيئه قرص ازرق وسط هذا الظلام‏، كما بقيت مواقع النجوم نقاطا زرقاء باهته في بحر غامر من ظلمه الكون الشامله
ويوكد ذلك تناقص ضغط الغلاف الغازي للارض من نحو الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع عند مستوي سطح البحر الي اقل من واحد من المليون من هذا الضغط في الاجزاء العليا من غلاف الارض الغازي‏،وتحت مثل هذه الضغوط التي لاتكاد ان تدرك تبدا مكونات الجزئيات في هذا الغلاف الغازي في التفكك الي ذراتها وايوناتها بفعل الاشعه الكونيه القادمه من الشمس ومن غيرها من نجوم السماء‏، ويساعد علي قله الضغط سياده الغازات الخفيفه من مثل الايدروجين والهيليوم علي حساب الغازات الاثقل نسبيا من مثل الاوكسجين والنيتروجين‏، ويعين علي تخلخل الهواء الارتفاع الشديد في درجات الحراره التي تصل الي اكثر من الفي درجه مئويه في الجزء المسمي بالنطاق الحراري‏، وفي النطاق الخارجي من الغلاف الغازي للارض‏، وعلي ذلك فان الجزء المرئي من موجات الاشعاع الشمسي لاتكاد تجد ما تنعكس او تتشتت عليه فلا تري الا في المائتي كيلو متر السفلي من الغلاف الغازي للارض حيث تتوفر جسيمات الانعكاس والتشتت فيتضح هذا النور الابيض الجميل الذي يميز فتره النهار علي الارض والذي يعطي بتقدير من الله الخالق لكل شيء لونه من مثل السماء‏، والشمس‏، والسحاب‏، وماء البحر وغيره وذلك بسبب تحلل هذا النور الابيض الي اطيافه السبعه وامتصاص بعضها‏، وعكس البعض الاخر‏، ومعني ذلك ان النهار وهو الذي يجلي لنا الشمس‏، اي يجعلها واضحه جليه لاحاسيس المشاهدين من اهل الارض‏، وليس العكس كما ظل الناس يعتقدون عبر التاريخ‏، فلولا طبقه النهار‏(‏ وهي المائتي كيلو متر السفلي من الغلاف الغازي الملاصق لنصف الارض المواجه للشمس‏)‏ ومابه من كثافه غازيه‏، ورطوبه‏، وهباءات غباريه ما تجلت لنا الشمس ابدا‏،.‏ وهذه حقيقه علميه لم يدركها الانسان الا بعد رياده الفضاء‏.‏
ولذلك يصف القران الكريم النهار بانه مبصر في اكثر من ايه وذلك من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏
الم يروا انا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ان في ذلك لايات لقوم يومنون‏*(‏ النمل‏:86).‏
ويصف الصبح بانه هو الذي يسفر اي ينير وينكشف فيقول‏(‏ سبحانه‏):‏ والليل اذ ادبر‏*‏ والصبح اذا اسفر‏*‏
‏(‏ المدثر‏:33).‏
ويصف النهار بانه هو الذي يتجلي فيقول ‏(‏ عز من قائل‏):‏ والليل اذا يغشي‏*‏ والنهار اذا تجلي‏*‏
‏(‏ الليل‏:2،1)‏

اشعه الشمس
تنتج الطاقه في الشمس من عمليه الاندماج النووي لنوي كل اربع ذرات من غاز الايدروجين لتنتج نواه واحده من نوي ذرات الهيليوم‏، ولما كانت كتله ذره الايدروجين تساوي‏1،0078‏ وحده ذريه فان كتله اربع ذرات منها تساوي ‏1،0078*4=4،0312‏ وحده ذريه‏.‏
ولما كانت كتله ذره الهيليوم‏=4،003‏ وحده ذريه‏.‏ فان الفرق بين كتله ذرات الايدروجين الاربع المندمجه مع بعضها البعض‏، وكتله ذره الهيليوم الناتجه عن هذا الاندماج وهو عباره عن‏00،0282‏ وحده ذريه ينطلق علي هيئه طاقه مما يشير الي تساوي كل من الماده والطاقه‏.‏ وتبعث هذه الطاقه في كميات متتابعه تسمي الفوتونات‏(‏ جمع فوتون‏)‏ في موجات كهرومغناطيسيه لاتختلف عن بعضها البعض الا في طول موجه كل منها ومعدل ترددها‏، تعرف باسم اطياف الموجات الكهرومغناطيسيه‏.‏
فالطيف الكهرومغناطيسي عباره عن سلسله متصله من مجموعات تلك الامواج المكونه من الفوتونات والتي لاتختلف فيما بينها الا في سرعه تردداتها‏، واطوال موجاتها‏.‏
وتتفاوت موجات الطيف الكهرومغناطيسي في اطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبه لاقصرها وهي اشعه جاما‏، وبين عده كيلو مترات بالنسبه لاطولها وهي موجات الراديو‏(‏ او الموجاات اللاسلكيه‏)، وياتي بين هذين الحدين عدد من الموجات التي تترتب حسب تزايد طول الموجه من القصير الي الطويل علي النحو التالي‏:‏ الاشعه السينيه‏، والاشعه فوق البنفسجيه‏، والاشعه المرئيه‏، والاشعه تحت الحمراء‏.‏
اما الاشعاعات المرئيه فيتراوح طولها الموجي بين‏(0،4‏ و‏0،7)‏ ميكرون‏(‏ والميكرون‏=‏ جزء من مليون جزء من المتر‏)‏ وتميز عين الانسان من اطياف الضوء المرئي‏:‏ الاحمر‏، والبرتقالي‏، والاصفر‏، والاخضر‏، والازرق‏، والنيلي‏، والبنفسجي‏.‏
والطيف الضوئي في الحقيقه عباره عن عدد لا نهائي من الالوان المتدرجه في التغير‏، وان كانت عين الانسان لا تستطيع ان تميز منها الا هذه الالوان السبعه فقط‏.‏
والطيف الاحمر هو اطول موجات الضوء المرئي واقلها ترددا‏، بينما الطيف البنفسجي هو اقصرها واعلاها ترددا‏.‏
والمسافه بين قمتين متجاورتين للموجه يعرف باسم طول الموجه‏، وعدد مرات ارتفاع وانخفاض الموجه في الثانيه الواحده يعرف باسم تردد الموجه‏، وحاصل ضرب الرقمين ثابت ويساوي سرعه الضوء‏(‏ حوالي‏300،000‏ كيلو متر في الثانيه‏).‏
وكل موجات الطيف الكهرومغناطيسي لها صفات الضوء المرئي الا انها لا تري فهي قابله للانعكاس‏، وقادره علي الانكسار وعلي التحرك في الفراغ‏، علي عكس الموجات الصوتيه التي لا تتحرك في الفراغ‏.‏
والاشعه الصادره من الشمس تمثل كل موجات الطيف الكهرومغناطيسي من اقصرها وهي اشعه جاما الي اطولها وهي موجات الراديو‏، واغلبها اشعه غير مرئيه لعين الانسان‏، وهي متداخله تداخلا شديدا مع بعضها البعض ولذلك لا يري الضوء الابيض الا بعد العديد من عمليات الانعكاس والتشتت لاشعه الشمس علي ملايين الجسيمات الصلبه والسائله والغازيه الموجوده في الطبقه الدنيا من الغلاف الغازي للارض من مثل هباءات الغبار‏، وبخار الماء وقطراته‏، وجزيئات الغازات المختلفه من مثل النيتروجين والاوكسجين وثاني اوكسيد الكربون‏، فالضوء المنظور لابد من انعكاسه وتشتته حتي يمكن لعين الانسان ان تراه‏.‏
وهنا يتضح لنا جانب من الجوانب العلميه في هذا القسم القراني‏:‏ والنهار اذا جلاها
لان الذي يجلي الشمس لعين الانسان هو كثره انعكاس الضوء الصادر منها الي الارض وتشتته علي الجسيمات الصلبه والسائله والغازيه الموجوده بتركيز معين في نطاق الجزء الاسفل من الغلاف الغازي للارض‏(‏ الي ارتفاع مائتي كيلو متر تقريبا فوق مستوي سطح البحر‏)‏ وباقي المسافه بيننا وبين الشمس‏(‏ والمقدره بحوالي‏150‏ مليون كيلو متر في المتوسط‏)‏ بل باقي الجزء المدرك لنا من الكون يغرق في ظلام دامس بالنسبه لعين الانسان التي تري الشمس خارج نطاق طبقه نور النهار قرصا ازرقا في صفحه سوداء‏.‏ وهذه الطبقه الرقيقه من نور النهار تدور مع دوران الارض حول محورها امام الشمس وعندما يدخل ضوء الشمس الي الطبقه الدنيا من الغلاف الغازي للارض فانه يتعرض للعديد من عمليات الانعكاس والتشتت‏، فيعطي لكل من السحاب والشمس والسماء والبحر لونه الخاص به‏، وهذا معناه ان النهار هو الذي يجلي لنا الشمس اي يجعلها واضحه جليه لاحاسيس المشاهدين لها من اهل الارض‏، وليست الشمس هي التي تجلي لنا النهار كما كان يعتقد كل الناس عبر التاريخ حتي بدء رحلات الفضاء في منتصف الستينيات من القرن العشرين‏.‏
وعلي ذلك فان هذه الايه وحدها تكفي لاقامه الحجه علي اهل عصرنا عصر التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه بان القران الكريم لا يمكن ان يكون صناعه بشريه‏، بل هو كلام الله الخالق الذي انزله بعلمه‏، علي خاتم انبيائه ورسله‏، وحفظه بحفظه وارادته وقدرته‏، بنفس لغه وحيه‏(‏ اللغه العربيه‏)‏ علي مدي اربعه عشر قرنا والي ان يرث الله الارض ومن عليها‏، محتفظا بروعه اسلوبه وجمال اياته‏، وضبط حروفه وكلماته وسمو دعوته ووضوح اشراقاته بجلال الربوبيه المتلالئه بين كلماته‏، وبصدق حديث الخالق عن خلقه‏، وبكمال ما جاء به من دين‏، ودقه ما رواه من سير الاولين‏، وتحقق نبوءاته التي جاءت كعين اليقين‏، وروعه وقعه علي اسماع وعقول وقلوب المستمعين‏، وجميل خطابه الي كل ذي عقل سليم‏..!!‏

وقد جاء كل ذلك في زمن لم يكن للانسان فيه نصيب من العلم الكوني‏، وفي بيئه لم يتوافر فيها شيء من ذلك‏، وظل العالم لقرون لا يعرف حقيقه ان النهار هو الذي يجلي لنا الشمس حتي بدات رحلات الفضاء وفهم عدد محدود من العلماء طبيعه الماده ومساواتها بالطاقه‏، وبناء المركبات من جزيئات الماده‏، وبناء الجزيئات من الذرات‏، وبناء الذره من نواه في الوسط تحمل اغلب كتله الذره وفيها الجسيمات الموجبه‏(‏ البروتونات‏)‏ والمتعادله‏(‏ النيوترونات‏)‏ ويدور حولها عدد مكافيء من الجسيمات السالبه‏(‏ الاليكترونات‏)، ويتكون كل جسيم من هذه الجسيمات من لبنات بناء اقل عرفت باسم اللبنات الاوليه للماده التي بدا اكتشافها يتوالي حتي تم اكتشاف جسيمات كسريه الشحنه يعرف احدها باسم الكوارك‏، وتم اكتشاف تلك الكواركات‏ (Quarks)‏ في منتصف الستينيات من القرن العشرين‏، ثم في سنه‏1984‏ م تم اقتراح نظريه الاوتار الفائقه‏ (The Superstrings Throry)‏ والتي تفترض ان اللبنات الاوليه للماده تتكون من اوتار متناهيه الضاله‏، فائقه الدقه‏، سريعه الاهتزاز وذلك في محاوله لتوحيد القوي الثلاث في الذره وهي القوه الكهرومغناطيسيه‏، والقوه النوويه الشديده والضعيفه‏، وهناك امال عريضه لدي علماء العصر في ضم قوي الجاذبيه الي هذه القوي الثلاث في قوه واحده تعبر عن وحده الخالق الاعظم‏.‏
ونظريه الاوتار فائقه الدقه التي تصور اللبنات الاوليه للماده علي انها مكونه من اوتار متناهيه الضاله في الحجم‏، فائقه الدقه في الحركه والاهتزاز‏، تصور تلك الجسيمات علي هيئه حلقات من اوتار رنينيه دقيقه جدا بدلا من ان تكون علي هيئه نقاط ماديه‏، وان الاهتزازات الرنينيه المختلفه لتلك الااوتار هي التي تحدد ملامح الجسيم الاولي للماده من حيث الكتله والشحنه‏، وهي بذلك توكد التساوي بين الماده والطاقه وتعتبرهما وجهان لعمله واحده توكد وحدانيه الخالق العظيم‏.‏ كما تدعم تحول الماده في قلب الشمس الي طاقه‏، وانبثاق تلك الطاقه علي هيئه اطياف من الموجات الكهرومغناطيسيه المتداخله والتي تتحلل في النطاق السفلي من الغلاف الغازي للارض فيعطينا هذا الضوء الابيض المرئي الذي ينير نهار الارض ويجلي لنا الشمس‏.‏
فسبحان الذي انزل هذه الايه القرانيه المعجزه والنهار اذا جلاها
التي توكد ان فتره النهار التي تعتري نصف الارض المواجه للشمس بسمك لا يتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر بما فيها من هباءات الغبار‏، والرطوبه‏، وكثافه الغازات‏، هي التي تعكس موجات الضوء المنظور من اشعه الشمس وتشتته فيظهر لنا بهذا النور الابيض المبهج ويجلي لنا الشمس‏.‏
وهي حقيقه استغرقت جهود الالاف من العلماء والعشرات من القرون حتي امكن لعدد قليل من العلماء ان يتعرفوا عليها‏، وورودها في كتاب الله الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه بهذا الوضوح القطعي لمما يجزم بان القران الكريم هو كلام الله الخالق‏، وان النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض‏، فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين‏.‏

إرسال تعليق