اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

7:55 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 20/5/2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

النص القراني المتمم للايه الثالثه والاربعين من سوره النور نص معجز لاحتوائه علي عدد من الحقائق العلميه التي لم يدركها اهل العلوم المكتسبه الا في العقود المتاخره من القرن العشرين‏.‏ وسوره النور سوره مدنيه‏، اياتها اربع وستون‏، ويدور محورها الرئيسي حول عدد من التشريعات الالهيه التي تحكم سلوك المسلم‏، وتضبط اخلاقه ومعاملاته‏، وتحدد له ما يجب ان يتمسك به من اداب في كل من حياته الخاصه والعامه‏، كما تحدد ضوابط العلاقات في داخل الاسره المسلمه صونا لحرماتها‏، وحفاظا عليها من التفكك والانهيار‏، انطلاقا من كونها محضن الصغار‏، ولبنه بناء المجتمع المسلم‏...!!‏
ولذلك اوردت سوره النور عددا من الحدود الشرعيه من مثل حد الزنا‏، وحد القذف‏، وضوابط درء الشبهات كاللعان وغيرها‏، وذلك صونا للمجتمعات الانسانيه من الفساد والاباحيه والفوضي واختلاط الانساب‏.‏
وقد سميت السوره باسم سوره النور لورود الاشاره في الايه الخامسه والثلاثين منها الي حقيقه ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والارض‏.‏ وتبدا السوره الكريمه بتاكيد انها من جوامع سور القران الكريم‏، التي انزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)، وفرض فيها علي عباده فرائض الزمهم بها‏، كما انزل عددا من اياته البينات تذكره للناس‏;‏ ومن اول هذه الفرائض تحريم الزنا‏، ووضع الحدود الرادعه للواقعين فيه‏;‏ وتبشيع هذه الجريمه بتاكيد علي ان‏...‏ الزاني لا ينكح الا زانيه او مشركه والزانيه لا ينكحها الا زان او مشرك وحرم ذلك علي المومنين‏;‏ وتشير السوره الي اشاعه فريه الافك‏، وتجرم الخائضين فيها‏، وتبرئ المظلومين من دنسها‏، موكده ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ لايحب ان تشيع الفاحشه بين المومنين‏.‏
وتحذر سوره النور من اتباع خطوات الشيطان‏، وتحض علي الانفاق في سبيل الله‏، وتنهي عن الخوض في اعراض الناس‏، وعن قذف المحصنات الغافلات المومنات‏;‏ وتوكد ان السنه الخائضين في اعراض الناس وايديهم وارجلهم سوف تشهد عليهم يوم القيامه بما كانوا يعملون‏.‏
وتنهي سوره النور عن دخول البيوت دون استئذان وسلام علي اهلها‏، وتامر بغض البصر‏، وحفظ الفرج‏، وستر العورات‏، وبالاحتشام وعدم التبرج بزينه‏، وتضع ضوابط الزواج‏، وتحرم البغاء واستغلال الجواري للكسب الدنيوي الرخيص من وراء هذه الجريمه غير الانسانيه وغير الاخلاقيه‏، وتدعو الي عتق رقاب الارقاء‏، والي بناء المساجد‏، والقيام علي تطهيرها‏، وعمارتها‏، بيوتا لله في الارض‏، ومنارات للهدي‏، ومراكز للدعوه الي دين الله‏، يعبد فيها الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏(‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏)، ويسبح فيها المومنون بحمده صباح مساء‏، لا يشغلهم عن ذلك شيء من شواغل الدنيا وملهياتها‏، او زخارفها‏، وزيناتها‏;‏ وذلك طمعا في مرضاه الله‏، وتجنبا لسخطه وغضبه‏;‏ وتحسبا لاهوال يوم القيامه الذي تتقلب فيه القلوب والابصار‏، وتبشرهم السوره الكريمه بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يجزيهم احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله‏، فهو‏(‏ سبحانه‏)‏ يهب ما يشاء لمن يشاء‏، ولا حدود لعطائه‏...!!‏
وفي المقابل توكد سوره النور ان الكفار في الاخره سوف يجدون اعمالهم التي اقترفوها في الدنيا‏(‏ متصورين انها اعمال نافعه‏)‏ وكانها سراب خادع‏، لا قيمه له ولا وزن عند الله الذي سوف يوفيهم حسابهم‏، والله سريع الحساب‏...!!‏
وتشبه السوره تخبط الكفار في ظلمات الشرك والكفر والضلال بالواقف في قاع بحر عميق وسط ظلمات متكاثفه تحدثها ظلمه كل من السحاب‏، والامواج السطحيه‏، والامواج العميقه‏، فلا يكاد يري شيئا من حوله‏، وتقرر انه‏:...‏ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏.‏
وتوكد الايات ان جميع من في السماوات والارض يسبح لله الذي له ملك السماوات والارض وملك كل شيء واليه المصير‏، وتصف مراحل تكون السحب الركاميه وما يصاحبها من ازجاء‏، وتاليف وركم‏، وانزال لما فيها من ماء وثلج وبرد‏، وحدوث للبرق‏، وتشير الي تبادل الليل والنهار‏، والي خلق كل دابه من ماء‏، والي عدد من الوسائط التي تتحرك بها تلك الدواب‏، وكلها من الدلائل البينه علي طلاقه القدره الالهيه‏.‏
وتحذر سوره النور من النفاق والمنافقين‏، وتفضح دخائل نفوسهم‏، وما جبلوا عليه من الكذب‏، والمكر‏، والاحتيال‏، والحنث في الايمان‏، ونقض العهود والمواثيق‏،(‏ تماما كما يفعل الصهاينه المجرمون اليوم‏)، وتقارن بين مواقف كل من المنافقين والمومنين‏، وتامرهم بطاعه الله ورسوله فان اعرضوا فما علي الرسول الا البلاغ‏.‏ وتوكد سوره النور ان وعد الله قائم للذين امنوا وعملوا الصالحات بان يستخلفهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم‏، وان يمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم‏، وان يبدلهم من بعد خوفهم امنا ما داموا يعبدون الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يشركون به شيئا‏، وان‏...‏ من كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون‏.‏ وتعاود الايات الامر باقام الصلاه‏، وايتاء الزكاه‏، وطاعه الرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ خاصه في الامر بالجهاد في سبيل الله‏، موكده ان الذين كفروا ليسوا بمعجزين في الارض‏، وان ماواهم النار وبئس المصير‏، كما تعاود الي المزيد من ضوابط السلوك في البيت المسلم‏، وفي حضره رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهو نموذج للتعامل مع ايه قياده اسلاميه وتجعل هذا الادب في التعامل من صفات المومنين الملتزمين باوامر الله ورسوله‏، وتحذر من مخالفه تلك الاوامر درءا لفتن الدنيا وعذاب الاخره‏.‏
وتختتم سوره النور بالتاكيد مره اخري ان لله ما في السماوات والارض‏، وانه‏(‏ تعالي‏)‏ عليم بما في قلوب خلقه‏(‏ لا تخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء‏)، وانهم جميعا سوف يرجعون اليه فينبئهم بما فعلوا في الدنيا ويجازيهم باعمالهم‏.‏
والايات الكونيه التي استشهدت بها سوره النور علي صدق ما جاء بها من حقائق واحكام ايات عديده منها ما يلي‏:‏
‏(1)‏ حقيقه ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والارض‏، وضرب المثل لهذا النور بتشبيه علمي دقيق‏(‏ ولله المثل الاعلي‏).‏
‏(2)‏ التشبيهات الدقيقه بظواهر السراب‏، وبالظلمات المركبه فوق قيعان البحار العميقه‏، وبحقيقه ان من لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏.‏
‏(3)‏ تاكيد حقيقه تسبيح كل ما في السماوات والارض لله‏.‏
‏(4)‏ وصف تكون السحب الركاميه والظواهر المصاحبه لتكوينها بدقه بالغه‏، ونسبه ظاهره البرق الي البرد‏، وهي حقيقه لم يدركها العلماء الا في اواخر القرن العشرين‏.‏
‏(5)‏ تبادل‏(‏ تقليب‏)‏ الليل والنهار‏.‏
‏(6)‏ خلق كل دابه من ماء‏.‏
‏(7)‏ الاشاره الي امكانيه تصنيف الدواب علي اساس من طريقه مشيها‏.‏
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه مستقله‏، ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي انزال البرد من السحب الركاميه‏، وعلاقه ذلك بحدوث ظاهره البرق‏، وقبل الولوج في ذلك لابد من استعراض لاقوال عدد من المفسرين في شرح هذا النص القراني المعجز‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):...‏ وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏.‏
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ وقوله‏:(‏ وينزل من السماء من جبال فيها من برد‏)‏ قال بعض النحاه‏:(‏ من‏)‏ الاولي لابتداء الغايه‏، والثانيه للتبعيض‏، والثالثه لبيان الجنس‏، ومعناه ان في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد‏، واما من جعل الجبال ههنا كنايه عن السحاب فان‏(‏ من‏)‏ الثانيه عنده لابتداء الغايه لكنها بدل من الاولي والله اعلم‏، وقوله تعالي‏:(‏ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏)‏ يحتمل ان يكون المراد بقوله‏:(‏ فيصيب به‏)‏ اي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد‏، فيكون قوله‏:(‏ فيصيب به من يشاء‏)‏ رحمه لهم‏(‏ ويصرفه عن من يشاء‏)‏ اي يوخر عنهم الغيث‏، ويحتمل ان يكون المراد بقوله‏:(‏ فيصيب به‏)‏ اي بالبرد نقمه علي من يشاء لما فيه من اتلاف زروعهم واشجارهم‏،(‏ ويصرفه عن من يشاء‏)‏ رحمه بهم‏، وقوله‏:(‏ يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏)‏ اي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الابصار اذا اتبعته وتراءته‏....‏

وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه رحمه واسعه‏)‏ ما نصه‏:...(‏ وينزل من السماء‏)(‏ من‏)‏ زائده‏(‏ جبال فيها‏)‏ في السماء‏، بدل باعاده الجار‏(‏ من برد‏)‏ اي بعضه‏(‏ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏)(‏ يكاد‏)‏ يقرب‏(‏ سنا برقه‏)‏ لمعانه‏(‏ يذهب بالابصار‏)‏ الناظره له اي يخطفها‏.‏
وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعه‏)‏ ما نصه‏:...‏ وهو في هيئه الجبال الضخمه الكثيفه فيها قطع البرد الثلجيه الصغيره‏...‏ ومشهد السحب كالجبال ليبدو كما يبدو لراكب الطائره وهي تعلو فوق السحب او تسير بينها فاذا المشهد مشهد الجبال حقا بضخامتها‏، ومساقطها‏، وارتفاعاتها‏، وانخفاضاتها‏، وانه لتعبير مصور للحقيقه التي لم يرها الناس‏، الا بعدما ركبوا الطائرات‏.‏
وهذه الجبال مسخره بامر الله وفق ناموسه الذي يحكم الكون‏، ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏...‏ وتكمله المشهد الضخم‏(‏ يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏)‏ ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض‏، علي طريق التناسق في التصوير‏.‏
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعه‏)‏ ما نصه‏:...(‏ سنا برقه‏)‏ اي شده ضوء برق السحاب ولمعانه‏.‏ يقال‏:‏ سنا يسنو سنا‏، اي اضاء‏.‏
وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزي الله كاتبيه خيرا‏)‏ ما نصه‏:...‏ والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفه التي تشبه الجبال في عظمتها بردا‏، كالحصي ينزل علي قوم فينفعهم او يضرهم تبعا لقوانينه وارادته‏، ولا ينزل علي اخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار‏، ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالابصار لشدته‏، وهذه الظواهر دلائل قدره الله الموجبه للايمان‏.‏
وجاء في تعليق الخبراء بالهامش الملاحظتان التاليتان‏:‏
‏(1)‏ لا يعرف التشابه بين السحب والجبال الا من يركب طائره تعلو به فوق السحاب فيراها من فوق كانها الجبال والاكام‏، واذا لم تكن تلك الطائرات موجوده في عصر النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فانه يكون ذلك دليلا علي ان هذا الكلام من عند الله الذي يعلم ما علا وما انخفض‏.‏
(2)‏ تسبق هذه الايه الكريمه ركب العلم فانها تتناول مراحل تكون السحب الركاميه وخصائصها‏.‏ وما عرف علميا في العهد الاخير من ان السحب الممطره تبدا علي هيئه وحدات يتالف عدد منها في مجموعات هي السحب الركاميه اي السحب التي تنمو في الاتجاه الراسي‏، وترتفع قممها الي علو‏(15)‏ الي‏(20)‏ كيلو مترا فتبدو كالجبال الشامخه‏!.‏
كما ان هذه السحب هي وحدها التي تجود بالبرد‏، وتشحن بالكهرباء‏، وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسله تكاد تكون متصله‏(40‏ تفريغا في الدقيقه الواحده‏)‏ فيذهب ببصر الراصد من شده الضياء‏....‏

فهم النص القراني في ضوء المعارف المكتسبه
اولا‏:‏ النصف الاول من الايه الكريمه‏:‏
في النصف الاول من الايه الكريمه رقم‏(43)‏ من سوره النور التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ مخاطبا خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ والخطاب من بعده للناس كافه بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يولف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله‏....‏
‏(‏النور‏:43)
سبق وان ذكرنا في مقال سابق ان الفعل‏(‏ يزجي‏)‏ معناه يسوق سوقا رفيقا‏(‏ من زجي الشيء‏، يزجيه‏، تزجيه‏، وازجاء اي دفعه برفق‏.‏
وقد اثبتت الدراسات الحديثه ان الرياح‏(‏ المصرفه حسب المشيئه الالهيه‏)‏ هي التي تثير السحاب‏، وان السحاب في بدء استثارته يكون في كثير من الاحوال علي هيئه القطع الصغيره المتناثره في صفحه السماء الدنيا‏، ثم تاتي الرياح لتسوق هذه القطع الصغيره المتناثره من السحاب سوقا رفيقا‏(‏ وهو الازجاء‏)، ولما كانت سرعه تحرك قطع السحاب الصغيره ابطا من سرعه الرياح التي تسوقها‏، فان عمليه ازجائها تستغرق وقتا من الزمن حتي تودي في النهايه الي تجميعها في كتله سحابيه ضخمه‏، ولذلك استخدم القران الكريم حرف العطف ثم الذي يدل علي الترتيب مع التراخي‏;‏ ويزداد بطء السحابه في تحركها كلما زادت كتلتها‏، وكلما قربت من منطقه التجمع‏(‏ حيث يولف الله تعالي بينها اي يضم بعضها الي بعض في التئام ومواءمه‏)، وهنا تتلاحم مكونات السحب الصغيره المجتمعه علي بعضها البعض وتمتزج امتزاجا كاملا في جسم واحد كبير‏(‏ وهو المقصود بالتالف‏)، ومع بطء تحرك هذا التجمع السحابي الكبير تزداد سرعه التيارات الهوائيه الصاعده الي داخله‏، ويزداد ارتفاع مكوناته الي اعلي‏، ويودي ذلك الي جلب مزيد من بخار الماء الي داخله‏;‏ وباستمرار ارتفاع مكونات هذا التجمع السحابي الي مستويات عليا من نطاق المناخ‏(‏ نطاق الرجع‏)‏ حيث الانخفاض المستمر في كل من الضغط ودرجه الحراره تزداد الفرص لتكثف ما به من بخار الماء‏، مما يزيد في سرعه التيارات الهوائيه الصاعده الي داخل هذا التجمع من السحب‏، وبالتالي الي زياده تدفق بخار الماء الي قلبه‏، وزياده نموه‏، وكذلك زياده فرصه في الارتفاع الي اعلي علي هيئه اعداد من سلاسل السحب التي تاخذ شكل السلاسل الجبليه‏، ذات القمم السامقه‏، والتي تتعدد بتعدد التيارات الهوائيه الصاعده الي داخلها‏، والمرتفعه بمكوناتها الي اعلي مستويات تصلها قوه اندفاع تلك التيارات الصاعده‏، وهذه التيارات الهوائيه الصاعده تكون في اعلي سرعاتها في وسط السحب‏، وتتضاءل سرعاتها علي الاطراف فيظهر تاثيرها علي هيئه النافورات المتدفقه بمائها الي اعلي‏، او فوهات البراكين الثائره التي تلقي بملايين الاطنان من الحمم الي اعلي فتتساقط متجمعه ومتكدسه علي جوانب المخروط البركاني‏، وتودي هذه العمليه الي القاء السحب بعضها فوق بعض علي جوانب تيارات الهواء الصاعده بما فيها من بخار الماء المتكثف لتتجمع حول القمه المتكونه‏، وهذا هو المقصود‏(‏ بالركم‏)‏ لان‏(‏ الركم‏)‏ في اللغه هو القاء الشيء بعضه فوق بعض‏[‏ من‏(‏ ركم‏)‏ الشيء‏(‏ يركمه‏)(‏ ركما‏)(‏ فارتكم‏)‏ و‏(‏تراكم‏)‏ اي اجتمعت اجزاوه شيئا فوق شيء فاصبح‏(‏ ركاما‏)(‏ مركوما‏)‏ او‏(‏ مرتكما‏)‏ او‏(‏ متراكما‏)‏ بعضه علي بعض‏];‏ و‏(‏ركم‏)‏ السحاب يودي الي نموه الراسي باستمرار علي هيئه سلسله من القمم الجبليه المفصوله بعدد من التلال والهضاب والاوديه‏;‏ وكلما زاد نمو تجمعات السحب راسيا زاد سمكها وزاد ركمها‏، ومن هنا كانت تسميه هذا النوع من تجمعات السحب باسم السحب الركاميه‏(‏ او المركومه‏) ( Cumuliform or Heap Clouds)‏ وترجمه هذا التعبير الانجليزي هو السحب المكدسه او المتجمعه علي هيئه اكوام متراصه فوق بعضها تمييزا لها عن غيرها من انواع السحب‏، وابرازا لدور الركم في تكوينها‏.‏
ومن السحب الركاميه انواع منخفضه الي متوسطه الارتفاع‏(‏ يزيد ارتفاع قواعدها علي كيلو مترين فوق مستوي سطح البحر‏)، ومنها السحب العاليه التي تجاوز قممها الخمسه عشر كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏، وتتجاوز قواعدها السته كيلو مترات فوق هذا المستوي‏.‏
ونظرا لكثره ما بها من بللورات الثلج وحبات البرد وقطرات الماء شديده البروده‏;‏ فان السحب الركاميه العاليه المعروفه باسم السمحاق الركامي والمتوسطه المعروفه باسم السحب الركاميه المتوسطه تظهر احيانا علي شكل اعداد كبيره من الكريات البيضاء المتراصه في صفوف منتظمه‏، وان كانت تاخذ اشكالا متموجه في بعض الاحيان‏.‏ وتتكون السحب الركاميه المنخفضه الارتفاع والمعروفه باسم السحب الركاميه المزنه والمزن الركاميه علي هيئه كتل جبليه الشكل ذات نمو راسي واضح‏، وقواعد افقيه تقريبا‏.‏
وتشتمل السحب الركاميه علي بللورات الثلج في قممها‏، وعلي خليط من حبات البرد وقطرات من ماء شديد البروده في وسطها‏، وعلي قطرات الماء البارد في قاعدتها‏;‏ وتصاحبها عاده ظواهر البرق والرعد وهطول المطر وسقوط حبات البرد وبللورات الثلج‏.‏
ومن السحب الركاميه المنخفضه ما يشبه سلاسل التلال بدلا من سلاسل الجبال لقله سمكها نسبيا‏، ولتوقف عمليات الركم دون الارتفاعات المناسبه‏، وهي لقله ارتفاعها لا يتكون بداخلها البرد ولا الثلج‏، ولا يصاحبها برق ولا رعد‏، واذا امطرت فلا ينزل منها الا الماء‏.‏ وتتحرك السحب الركاميه الي حيث اراد الله‏(‏ تعالي‏)‏ لها ان تصل‏، وتظل عوامل الركم فيها مستمره مادامت تيارات الهواء الصاعده الي قلبها مندفعه بقوه تمكنها من الاحتفاظ بحمولتها من قطيرات الماء‏، وحبات البرد وبللورات الثلج‏;‏ وعندما تضعف قوه الرياح الصاعده التي يصرفها الله تعالي كما يصرف غيرها من انواع الرياح بعلمه وقدرته وحكمته او عندما تزيد حموله هذا التجمع من السحب علي قدره حملها فان عمليه الركم تتوقف وتبدا مكوناتها في الهبوط الي الارض‏، واول ما ينزل منها الماء‏، وقد يصاحبه او يتلوه نزول البرد الذي يتلوه نزول الثلج‏;‏ ولذلك تقول الايه الكريمه‏...‏ فتري الودق يخرج من خلاله‏....‏
والفاء من حروف العطف التي تدل علي الترتيب والتعقيب مع الاشتراك وبدونه‏، و‏(‏الودق‏)‏ هو المطر‏، و‏(‏من خلاله‏)‏ اي من فتوق السحاب الركامي ومخارجه‏، لان‏(‏ خلال‏)‏ جمع‏(‏ خلل‏)‏ علي وزن جبال وجبل‏;‏ وقد ثبت علميا انه بتباطو سرعه التيارات الهوائيه الصاعده او توقفها تتكون مناطق خلخله في قاعده السحب الركاميه فينزل منها الماء باراده الله‏(‏ تعالي‏)‏ وتقديره اولا من مناطق الخلخله تلك التي تظل تتسع لتشمل قاعده السحابه باكملها حين يسود تيار الهواء الهابط‏، وقد يصاحبه كل من البرد والثلج او يتلوه تباعا‏، وذلك حسب ارتفاع ومكونات السحابه الركاميه وتوزيع درجات الحراره والرطوبه فيها‏.‏

ثانيا النصف الثاني من الايه الكريمه‏:‏
في النصف الثاني من الايه الكريمه يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏..‏ وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏*(‏ النور‏:43)‏
ومعني ذلك انه بعد‏(‏ ازجاء السحاب‏)‏ اي سوقه سوقا رفيقا‏، و‏(‏التاليف بينه‏)‏ اي ضم بعضه الي بعض في التئام ومواءمه‏، وبعد‏(‏ ركمه‏)‏ اي تكديسه فوق بعضه بعضا بواسطه حركه التيارات الهوائيه الصاعده في داخل هذا التجمع من السحب‏، و‏(‏خروج الودق‏)‏ اي المطر من خلاله‏، ينزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ من السماء‏(‏ اي من هذه السحب الركاميه‏).(‏ من جبال‏)‏ اي من السحب الركاميه المرتفعه التي تشبه الجبال في شكلها وارتفاعها وقممها‏،(‏ فيها من برد‏)‏ اي في هذه الجبال من السحب الركاميه التي تعلو قممها عن خمسه عشر كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر يوجد البرد‏، والبرد لغه هو مايبرد من المطر في الهواء فيتجمد ويصلب وعلي ذلك فهو يشمل الثلج ايضا‏، وهما لايتكونان في الغلاف الغازي للارض الا في السحب الركاميه‏، وهي توصف بانها سحب برده اي ذات برد وثلج‏، اي ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ ينزل من السحب الركاميه المرتفعه القمم كالجبال شيئا مما فيها من برد وثلج فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏).‏
ومما ينزل من السحب الركاميه البرد الذي عاده ما يصاحب بالعواصف البرقيه الرعديه‏، ويصل حجم حبيباته الي عده سنتيمترات في طول قطرها‏، وتكون في هذه الحاله ظاهره مدمره خاصه للنباتات ولبعض الحيوانات وبالتالي للانسان‏، كما قد تصيب بعض المنشئات باضرار بالغه‏، ومن هنا كان البرد من جند الله‏، ينزله حسب تقديره ومشيئته في المكان والزمان المحددين انتقاما من العاصين‏، وابتلاء للصالحين‏، وعبره للناجين‏.‏
‏(‏يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏)‏ والضمير في‏(‏ برقه‏)‏ يعود علي البرد‏، بمعني ان مرد ظاهره البرق يعود الي‏(‏ البرد‏)‏ وهي حقيقه لم تدركها العلوم المكتسبه الا في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين‏، و‏(‏السنا‏)‏ هو الضوء الساطع‏، و‏(‏سنا برقه‏)‏ اي شده ضوء برقه‏،(‏ ويذهب بالابصار‏)‏ اي يخطفها فيفقدها البصر بالتماعها من شده ضوء البرق‏، فسبحان الذي نسب ظاهره البرقللبرد من قبل الف واربعمائه سنه‏، ولم يدركها الانسان الا في اواخر القرن العشرين‏.‏

كيفيه تكون البرد في داخل السحب الركاميه
تصل قمم السحب الركاميه عاده الي ارتفاعات قد تتجاوز الخمسه عشر كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏(‏ اي تتجاوز نطاق الرجع باكمله‏)، وفي هذه الارتفاعات الشاهقه تنخفض درجه الحراره انخفاضا شديدا حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر فوق خط الاستواء‏، كذلك يتناقص الضغط الجوي من سطح البحر باستمرار مع الارتفاع حتي يصل الي واحد من الف من قيمته بعد ارتفاع مقداره‏48‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏، وتعين هذه الظروف علي تكثف بخار الماء في السحابه ونمو قطيرات الماء فيها الي احجام تعتبر نسبيا كبيره‏، وتجمد هذه القطيرات علي هيئه بلورات الثلج في قمم السحب الركاميه العاليه اذا توافرت لها نوي التبلور‏، ويتحول في وسطها الي خليط من البرد والماء الشديد البروده‏، ويتكون البرد في درجات اقل من الصفر المئوي وحتي اربعين درجه مئويه تحت الصفر‏، ويتكون البرد في الاجزاء الوسطي من السحب الركاميه نتيجه لسقوط بلورات الثلج من قمم تلك السحب الي اواسطها حيث تكثر قطيرات الماء المبرد تبريدا شديدا والتي تتجمد‏، بمجرد اصطدامها بالكتل الثلجيه الهابطه والتحامها بها او باصطدامها مع بعضها البعض فتتكون كرات او اقراص من الثلج غير المتبلور حول نواه من بلوره او كتله ثلجيه‏، او بدونها‏، وذلك لان قطرات الماء شديده البروده تكون في حاله غير مستقره‏، فاذا اصطدمت ببعضها البعض او باي جسم اخر فانها تتجمد في الحال‏.‏
ولايهطل الثلج‏(‏ الجليد‏)‏ الا في المناطق البارده التي تصل فيها درجه الحراره الي مادون الصفر المئوي‏، والا مع توافر نوي التكثف الملائمه في قمم السحب الركاميه‏.‏
وبللورات الثلج وكذلك حبيبات البرد تنمو بتصادمها مع بعضها البعض علي هيئه صفائح رقيقه حتي تقارب اقطارها السنتيمتر فتنزل بقدر الله وحيث يشاء الي الارض التي قدر ان يصيبها به‏.‏
ويتساقط الجليد في شتاء المناطق البارده علي مساحات واسعه‏، ويظل ينمو علي سطح الارض من سنتيمترات قليله في السمك الي عده امتار‏، ويسبب تجمعه فوق سطح الارض هبوطا عاما في درجه الحراره لبرودته مما يودي الي بروده الجزء الملاصق له من الغلاف الغازي للارض‏، ولقيامه بعكس نسبه كبيره من الاشعاع الشمسي‏، ولذلك تبقي درجه حراره الجو في المناطق المكسوه بالجليد في حدود الصفر المئوي او دونه علي الرغم من سطوع الشمس‏، وقد يودي تراكم الجليد الي شل حركه المواصلات‏، واتلاف المحاصيل الزراعيه لتكسرها بتجمع كتل الثلج فوقها‏، ولتمزق اوعيتها الخشبيه بتجمد العصاره الغذائيه فيها‏، وعلي الرغم من ذلك فقد يكون لنزول الثلج وما يصاحبه من ظواهر الصقيع مردودا ايجابيا علي بعض اشجار الفاكهه المتساقطه الاوراق اذ تحتاج هذه الاشجار لنجاح اثمارها ونموها الي فتره من السكون خلال الشتاء بتساقط اوراقها وتكسر بعض فروعها مما يحفزها علي النمو والاثمار في الربيع والصيف التاليين‏، ولذلك قال‏(‏ تعالي‏):‏
‏...‏ وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏...‏
اي يضر به من يشاء ويصرف ضرره عمن يشاء‏، او ينفع به من يشاء ويصرف نفعه عمن يشاء بعلمه وحكمته وقدرته‏.‏
ويبدا تساقط الجليد عاده في مناطق خطوط العرض العاليه ابتداء من شهر ديسمبر‏، ويستمر متقطعا طيله فصل الشتاء‏، كما يغطي الجليد قمم الجبال العاليه طيله السنه تقريبا‏، ويسمي الارتفاع الذي تظهر عنده الثلوج الدائمه باسم‏(‏ حد الثلج الدائم‏)، ويتراوح ارتفاع هذا الحد بين‏1،2‏ كيلو متر في بلد شمالي كالنرويج الي خمسه كيلو مترات ونصف الكيلو متر في بلد افريقي مثل تنزانيا‏، والي سته كيلو مترات ونصف الكيلو متر في بلد امريكي جنوبي مثل المكسيك‏، وعندما يذوب بعض هذا الجليد الذي تراكم طوال فصل الشتاء في كل من فصلي الربيع والصيف قد يكون سببا في فيضان بعض الانهار فيضانا مغرقا في بعض الحالات‏.‏

دور البرد في حدوث ظاهره البرق
الي منتصف الثمانينيات من القرن العشرين بقي تعريف البرق بانه تفريغ كهربي بين سحابتين تحمل كل منهما شحنه كهربيه مختلفه‏، او بين جزءين مختلفين من سحابه واحده كل منهما يحمل شحنه كهربيه مختلفه‏،واذا ما تمت عمليه التفريغ الكهربي تلك بين السحب والارض سميت الظاهره باسم الصاعقه‏.‏
ويصاحب ظاهره البرق انطلاق حراره عاليه قد تصل الي عشرات الالاف من الدرجات المئويه مما يودي الي تسخين فجائي وشديد لكتل من الهواء التي ينتشر البرق فيها فتتمدد فجاه‏، وينتج عن تمددها سلسله من امواج التضاغط والتخلخل في الهواء المحلي ينتج عنها امواج صوتيه علي هيئه جلجله او فرقعات شديده تظل تتردد وتنعكس بين السحب الركاميه وقواعدها‏، وبينها وبين الغلاف الغازي للارض او المرتفعات المحيطه بها‏، او بينها وبين سطح الارض مباشره‏، وتعرف هذه الموجات الصوتيه وتردداتها ورجعها باسم الرعد‏.‏
في اواخر الاربعينيات من القرن العشرين اثبتت التجارب المختبريه انه عند انصهار الثلج تتولد شحنات كهربائيه لاتتوقف حتي تتم عمليه الانصهار‏.‏
وعلي العكس من ذلك اثبتت التجارب المعمليه ان الماء عند تجمده من محلول ملحي يتولد تيار كهربائي مصاحب بفرق جهد كهربي ملحوظ بين كتله الثلج والمحلول المائي المالح المغموسه فيه وعلي السطح الفاصل بينهما‏، وان هذا الفرق في الجهد الكهربي يتلاشي باكتمال عمليه التجمد‏.‏
كذلك ثبت ان شحنه كهربائيه يمكن ان تنتقل بين بلورتين من بلورات الثلج بمجرد اصطدامهما‏، وقد اشارت هذه النتائج المعمليه الي امكانيه ان يكون نمو بلورات الثلج وحبيبات البرد وانصهارها داخل السحب الركاميه هو احد اسباب تولد الشحنات الكهربائيه في داخل تلك السحب‏، وبالتالي لتكون ظاهرتي البرق والرعد فيها‏:‏
وبعد ذلك لاحظ اخصائيو الارصاد الجويه ان تيارا كهربائيا يتولد في اثناء سقوط كل من الثلج والبرد والمطر وانه ينساب الي اعلي‏، في اتجاه معاكس لاتجاه سقوطها من السحب الركاميه‏.‏
وفي منتصف الستينيات من القرن العشرين ثبت بالملاحظه تولد قوه كهربائيه عند تلامس قطعتين من الثلج في درجتي حراره مختلفتين او عند انزلاق احداهما علي الاخري وذلك بالتاثير الحراري‏، وان وجود فقاعات هوائيه حبيسه في داخل تلك البلورات الثلجيه يوثر في نوع الشحنه الكهربائيه من ناحيه كونها موجبه او سالبه‏.‏
كذلك تتولد شحنات كهربائيه عند تصادم قطرات الماء الشديده البروده مع بلورات الثلج او حبات البرد او مع اي خليط منهما ومعني ذلك ان شحنات كهربائيه تتولد عندما يتحول الماء من حال الي حال‏:‏ من الماء شديد البروده الي البرد او الي الثلج‏، كما تتولد عند تصادم او ملامسه اي من هذه الحالات مع بعضها البعض‏، وكلما طرا علي كل حاله من حالات الماء الصلبه والسائله والغازيه طاريء يغير من شكلها او حجمها‏، او كتلتها‏، او درجه حرارتها‏.‏
هذه التجارب والملاحظات المتكرره انتهت في الثمانينيات من القرن العشرين الي اعتبار البرد بمعناه الشامل للماء شديد البروده‏، ولحبات البرد ولبلورات الثلج‏، هو المولد الحقيقي لشحنات الكهرباء ومن ثم لظاهره البرق‏.‏
وحبات البرد هي تلك الحبات الكريه وشبه الكريه التي تتكون من راقات من الثلج علي هيئه اضافات متتاليه لثلج جاف غير متبلور علي هيئه الزبد فوق احدي نوي التبلور‏، سواء كانت تلك النواه بلوره من الثلج او قطعه منه او هباءه من الغبار او الهباب الناجم عن عمليات الاحتراق المختلفه‏، او مما تقذف به البراكين عبر فوهاتها من غازات وابخره‏، او ماينتج عن احتراق الشهب باحتكاكها بالغلاف الغازي للارض في اجزائه العليا‏، او من الاملاح المختلفه التي يمكن ان تحملها الابخره المتصاعده من اسطح البحار والمحيطات‏، او غير ذلك من ملوثات الهواء‏.‏
وعندما يتم تكثف بخار الماء تحت الصفر المئوي بحوالي الثلاثين درجه فانه يتحول الي ثلج مباشره عند توافر نوي التكاثف الصلبه‏، دون مروره بمرحله قطران الماء السائل‏،
اما اذا حدثت عمليه التكثف في هذه الدرجات المنخفضه من الحراره دون توافر نوي التكثف الصلبه تتكون نقط من الماء شديد البروده الذي لايتجمد علي الرغم من الانخفاض الشديد لدرجه الحراره الي ما دون درجه تكون الجليد‏، وتظل نقط الماء الشديد البروده تلك في حاله من عدم الاستقرار يجعلها قابله للتجمد بمجرد تصادمها مع بعضها البعض او مع اي جسم صلب‏، وبذلك يتكون البرد‏، وبتكونه ينشا البرق‏، ويصاحبه الرعد‏، وتنزل الثلوج والبرد وتهطل الامطار باذن الله‏، وذلك لان ضغط التشبع بالنسبه للماء السائل اكبر من ضغط التشبع بالنسبه الي الثلج في نفس درجه الحراره‏، ومن هنا فان سحابه ركاميه بها مقادير كافيه من قطرات الماء الشديد البروده تصبح مهياه لانزال المطر باذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ بمجرد تجمد تلك القطرات‏.‏
والسحابات الركاميه عاده ماتكون لها قمم ناصعه البياض لتوافر بلورات الثلج فيها‏، وبمجرد تساقط شيء من تلك البلورات الثلجيه الي المنطقه الوسطي من السحابه وهي غنيه بقطرات من الماء الشديد البروده يبدا البرد في التشكل‏، وتنشط ظاهرتا البرق والرعد‏، وتكون السحابه مرشحه لانزال الماء بامر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ وبرحمه منه وفضل علي هيئه رخات قليله تبدا من وسط السحابه‏، ثم لاتلبث ان تنتشر في كل قاعدتها‏.‏
ومصدر الشحنات الكهربائيه المندفعه من السحب الركاميه الي سطح الارض وبالعكس اثناء هطول كل من الامطار والثلوج يوجد علي ارتفاعات تكاد تنحصر بين سطحين في الغلاف الغازي للارض تتراوح درجتي حرارتهما بين‏(15)‏ درجه مئويه تحت الصفر‏، و‏(25)‏ درجه مئويه تحت الصفر‏، وعلي الرغم من اختلاف انواع السحب الركاميه مكانا‏، وزمانا‏، وبناء‏، وفي عوامل التكوين الا ان هذا الحيز الحراري يبقي ثابتا‏.‏
ويصحب عمليه تكون كل من الثلج والبرد تخلق مجال كهربائي اذا وصل تركيز بلورات الثلج في الحيز المحصور بين‏(-15‏ م‏)،(-25‏ م‏)‏ الي عشر بلورات في اللتر الواحد‏.‏
من هنا توصل العلماء في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين الي ان البرد بمعناه الواسع هو السبب الرئيسي في تكون ظاهره البرق والتي يصاحبها الرعد باذن الله‏(‏ تعالي‏)، وهي حقيقه سبق القران الكريم بتاكيدها من قبل الف واربعمائه سنه وذلك في الايه التي نحن بصددها‏(‏ رقم‏(43)‏ من سوره النور‏)‏ التي اكدت ازجاء السحاب‏، ثم التاليف بينه‏، ثم جعله ركاما‏، ثم انزال الودق من خلاله‏، وفصل بين المراحل الثلاث الاولي بحرف العطف‏(‏ ثم‏)‏ الذي يفيد الترتيب مع التراخي لان كل مرحله منها تستغرق فتره زمنيه حتي تتم‏، فلما وصل الي المرحله الرابعه فصلها بحرف العطف‏(‏ ف‏)‏ والذي من معانيه الترتيب مع التعقيب لان نزول المطر باذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يتم بعد اتمام عمليه الركم مباشره‏، وان هذا الماء ينزل من خلال وسط قاعده السحابه الركاميه اولا وهي منطقه ضعف تنتج عن توقف اندفاع تيارات الهواء الصاعد او ضعفها‏، وغلبه تيار الهواء الهابط عليها‏، ثم بعد ذلك ينزل من جوانب قاعده السحابه او منها كلها‏.‏
كذلك فان وصف السحب الركاميه بلفظ الجبال‏، وقصر نزول البرد عليها‏، وحدوث البرق بلمعانه الخاطف‏، ونسبه البرق الي البرد‏، كل ذلك من الحقائق العلميه التي لم تصل اليها المعارف المكتسبه الا بعد مجاهده طويله استغرقت الاف العلماء‏، ومئات السنين حتي تبلور شيء من فهم الانسان لها في العقود المتاخره من القرن العشرين‏، وسبق القران الكريم بالاشاره اليها في ايه واحده نري فيها من الايجاز‏، والشمول‏، والكمال‏، والجمال‏، والدقه في التعبير والاحاطه بالمعاني مالا يقدر عليه الا الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فلم يكن لاحد من البشر ادراك لهذه الحقائق الكونيه الا في العقود الثلاثه الماضيه‏، فصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد الذي تلقي هذا القران عن ربه‏، والحمد لله الذي انزل هذا القران بعلمه‏، وحفظه بوعده وعهده‏.‏

إرسال تعليق