اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

7:51 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 13/5/2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

هذا النص القراني المعجز جاء في مطلع الثلث الاخير من سوره النور‏، وهي سوره مدنيه‏، وعدد اياتها اربع وستون‏، وقد سميت بهذا الاسم لورود الاشاره في الايه الخامسه والثلاثين منها الي حقيقه كونيه عليا موداها ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والارض‏..‏
ويدور المحور الرئيسي للسوره حول عدد من التشريعات الالهيه التي تحكم سلوك المسلم واخلاقه ومعاملاته‏، والاداب الاجتماعيه التي يجب ان يتمسك بها في حياته الخاصه والعامه‏، وضوابط العلاقات في داخل الاسره المسلمه‏، والبيت المسلم‏، صيانه للحرمات‏، وحفاظا علي المجتمعات المسلمه من كل اسباب التفكك والانهيار‏....!!‏
ومن الاداب السلوكيه التي فرضتها السوره الكريمه علي اصحاب رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في زمن الوحي ‏(‏ والتي تنسحب علي المسلمين في كل زمان ومكان‏)‏ انهم اذا كانوا في معيه رسول الله وهم قائمون علي امر مهم من امور المسلمين‏، لايجوز لهم ان يتركوه حتي يستاذنوا فياذن لهم‏.‏
واوردت السوره الكريمه عددا من الحدود الشرعيه التي فرضها الله‏(‏ تعالي‏)‏ صونا للمجتمعات الانسانيه من الفساد‏،والاباحيه‏، والفوضي‏، من مثل حدود الزنا‏، والقذف‏، واللعان‏، وعالجت قضايا الاسره‏، والاداب التي تحكم سلوك كل فرد من افرادها‏، والحلول للمشكلات التي يمكن ان تعترض سبيلها‏...!!‏
وتبدا سوره النور بالتاكيد علي انها من جوامع سور القران الكريم‏، انزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ كما انزل بقيه سور هذا الكتاب العزيز علي خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وفرض فيها علي عباده فرائض الزمهم باتباعها‏، كما انزل عددا من اياته البينات كي تكون تذكره للناس الي قيام الساعه‏...!!‏
وتحذر سوره النور من اتباع خطوات الشيطان‏، وتامر بالانفاق في سبيل الله‏، وتنهي عن الخوض في اعراض الناس‏، وعن قذف المحصنات الغافلات الممومنات‏، وتوكد ان الخبيثات من الزوجات للخبيثين من الازواج والخبيثين من الازواج للخبيثات منهن‏، وان الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات‏، وتنهي عن دخول البيوت دون الاستئذان والسلام علي اهلها‏، وتامر بغض البصر‏، وحفظ الفرج‏، وبالاحتشام وستر العورات‏، وعدم التبرج بزينه‏، وتضع ضوابط للزواج‏، وتحرم البغاء‏، وتوكد ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والارض‏، وتضرب مثلا لهذا النور‏(‏ولله المثل الاعلي‏)، وتدعو الي بناء المساجد بيوتا لله‏(‏ تعالي‏)‏ في الارض‏، وتامر بالقيام علي تطهيرها‏، وتعظيمها‏، وعمارتها‏، ورفع شانها كي تكون دوما منارات للهدي‏، ومراكز للدعوه الي دين الله‏، ومساجد يعبد فيها الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏(‏ بغير شريك‏، ولاشبيه ولامنازع‏)، ويسبح المومنون بحمده صباح مساء‏، لايشغلهم عن ذلك شاغل من شواغل الدنيا بزخارفها وزينتها‏، فلايجوز للمومن بالله ان ينشغل عن اقام الصلاه في المساجد علي اوقاتها‏، وايتاء الزكاه عند استحقاقها‏، باقدارها‏، وحدودها‏، وفي مصارفها الشرعيه‏، وذلك كله طمعا في مرضاه الله‏(‏ تعالي‏)، وفي كرمه‏، وفضله‏، ورحمته‏، وتجنبا لغضبه وسخطه‏، وخوفا من اهوال يوم القيامه التي تضطرب لها القلوب‏، وتزيغ الابصار‏..‏ فالله‏(‏ تعالي‏)‏ يعطي مايشاء لمن يشاء من عباده‏، ولاحدود لعطائه‏، وذلك انطلاقا من تمام ربوبيته‏، وكمال قدرته‏، وطلاقه مشيئته‏، وفيض جوده‏، وعظيم احسانه‏.....!!‏
وفي مقابل هذا الموقف من المومنين فان الكفار سوف يفاجاون في الاخره برويه اعمالهم التي اقترفوها في الدنيا‏(‏وهم يظنون انها اعمال نافعه‏)‏ وكانها سراب خادع‏، يخدع الظمان في هجير الصحراء فيراه ماء يجري في القيعان علي سطح الارض حتي اذا جاءه لم يجده شيئا‏، ووجد الله عنده فوفاه حسابه‏، والله سريع الحساب‏*.‏
وتشبه السوره الكريمه تخبط الكفار في ظلمات الضلال بالواقف في قاع البحر العميق‏، وسط ظلمات متراكمه‏، متكاثفه‏، بعضها فوق بعض‏، تحجبه عن رويه يده اذا اخرجها ورفعها امامه‏، واضافت السوره ان من لم يهده الله للايمان فلن يهتدي ابدا‏.‏ وتوكد ان جميع من في السماوات والارض يسبح لله الذي له ملك كل شيء واليه المصير‏....!!‏
وتحدثت الايات عن تكون السحب الركاميه‏، وعما ينزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ منها من ماء وبرد‏، وعما يصاحب ذلك من ظواهر كالبرق‏، كما تحدثت عن تقلب الليل والنهار‏، وعن خلق كل دابه من ماء‏، وعن انزال الايات المبينات للحق‏، وعن هدايه الله‏(‏ تعالي‏)‏ لمن يشاء من خلقه الي دينه الحق الذي هو الاسلام كما انزله علي فتره من الرسل واتمه وحفظه في بعثه الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
وتحذر الايات في هذه السوره المباركه من النفاق والمنافقين‏، وتصفهم باحط الصفات‏، وتقارن بين مواقفهم ومواقف المومنين‏، وتفضح دخائل نفوس المنافقين وما جبلوا عليه من الكذب‏، والمكر‏، والاحتيال‏، والحنث في الايمان‏، ونقض العهود والمواثيق‏، وتوكد الايات ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ خبير بما يعملون‏...، وعلي الرغم من ذلك كله فان الايات توصي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ان يامر هولاء المنافقين في زمره من يامر من عباد الله بطاعه الله ورسوله‏، فان جوبه ذلك بالاعراض فان ما علي الرسول الا البلاغ‏، وما عليهم الا السمع والطاعه‏...!!‏
وتوكد الايات في سوره النور ان وعد الله‏(‏ تعالي‏)‏ قائم للذين امنوا وعملوا الصالحات من عباده في كل زمان ومكان ان يستخلفهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم‏، وان يمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم‏، وان يبدلهم من بعد خوفهم امنا ماداموا يعبدون الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي التوحيد الخالص لايشركون به شيئا‏، وان‏..‏ ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون‏.‏
وتامر الايات مجددا باقام الصلاه‏، وايتاء الزكاه‏، وطاعه الرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في كل اوامره خاصه في الامر بالجهاد في سبيل الله‏، وذلك طلبا لرحمه الله‏(‏ تعالي‏)، وتوكد ان الذين كفروا ليسوا بمعجزين في الارض‏، وان ماواهم النار وبئس المصير‏، كما توكد انه ليس علي اهل الاعذار من حرج او اثم في القعود عن الجهاد في سبيل الله‏...!!‏
وتختتم سوره النور بوصف الذين امنوا والتزموا باوامر الله ورسوله‏، وتامر بتوقير هذا الرسول الخاتم صلي الله عليه وسلم ودعائه بافضل مايمكن ان يدعي به‏..‏ وتحذر من مخالفه امره او الخروج عن منهجه وسنته‏، لان ذلك قد يكون سببا في تعرضهم لفتنه في الدنيا ولعذاب اليم في الاخره‏،
وتوكد الايات في ختام السوره مره اخري ان لله مافي السماوات والارض‏، وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ عليم بما في قلوب خلقه من الايمان والكفر‏، وانهم جميعا سوف يرجعون اليه فينبئهم بما فعلوا في الدنيا ويحاسبهم عليه‏، ويجازي كلا بعمله‏، وهو‏(‏ تعالي‏)‏ لا تخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء‏.‏

والايات الكونيه التي استشهدت بها سوره النور علي صدق ما جاء بها من حقائق واحكام ايات عديده منها مايلي‏:‏
‏(1)‏ ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو نور السماوات والارض‏.‏
‏(2)‏ ضرب المثل لهذا النور الالهي بمشكاه‏..‏ فيها مصباح المصباح في زجاجه الزجاجه كانها كوكب دري يوقد من شجره مباركه زيتونه لاشرقيه ولاغربيه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور‏...‏
‏(3)‏ تشبيه اعمال الكافرين بالتشبيه العلمي الرائع‏..‏ كسراب بقيعه يحسبه الظمان ماء حتي اذا جاءه لم يجده شيئا‏...‏
‏(4)‏ التشبيه بالظلمه المركبه فوق قيعان البحار العميقه التي تغشاها الامواج الداخليه ومن فوقها الامواج السطحيه ومن فوقها السحب‏، وكل منها يحجب جزءا من اشعه الشمس فيودي الي تلك الظلمه المتراكبه الحالكه‏، والامواج الداخليه في كل من البحار العميقه والمحيطات لم تعرف الا في القرن العشرين‏.‏
‏(5)‏ التاكيد علي حقيقه ان من لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏، وفي ذلك اشاره ضمنيه الي حقيقه لم يكتشفها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين موداها ان صور الحياه فوق قيعان البحار العميقه والمحيطات قد زودها الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بوسائل اناره ذاتيه‏، ولولا ذلك ماكان لها من نور‏.‏
‏(6)‏ التاكيد علي حقيقه ان كل ما في السماوات والارض يسبح بحمد الله‏(‏ تعالي‏)‏ ويقدسه ويمجده في عباده تسخيريه لايدركها كثير من الناس‏.‏
‏(7)‏ التاكيد علي ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يسوق السحاب بقدرته وارادته الي حيث يشاء‏(‏ اي يزجيه‏)، وتتم هذه العمليه ببطء يسمح لقطع السحاب المختلفه من الاقتراب والالتحام مع بعضها البعض‏(‏ ثم يولف بينه‏)، والتراكم وتكاثف بعضها فوق بعض‏(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ حتي يزداد سمكها وترتفع الي اعلي فيزداد تكثف بخار الماء فيها‏، ونمو قطيرات الماء الناتجه من هذا التكثف بالتدريج حتي تنزل مطرا من خلال تراكمات السحاب باذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ والي حيث يشاء
‏(‏فتري الودق يخرج من خلاله‏)، كما قد تتجمد بعض قطيرات الماء نظرا للارتفاع الهائل الذي تصل اليه فينزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بردا من هذه السحب المتراكمه كالجبال وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء‏، وان نور برق البرد في هذه السحب الركاميه يكاد يذهب بابصار الناظرين اليه من شدته‏.‏
‏(8)‏ التاكيد علي قدره الله البالغه في تقليب الليل والنهار‏.‏
‏(9)‏ خلق كل دابه من ماء‏.‏
‏(10)‏ الاشاره الي امكانيه تصنيف الدواب علي اساس من طريقه مشيها‏(‏ والله خلق كل دابه من ماء فمنهم من يمشي علي بطنه ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي اربع يخلق الله مايشاء ان الله علي كل شيءقدير‏*.‏
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه خاصه مستقله ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي النقطه السابعه والتي تشير فيها الايه الثالثه والاربعون من سوره النور الي تكون المزن الركاميه‏، والي انزال كل من المطر والبرد منها باراده الله‏(‏ تعالي‏)، والي ماقد يصاحب ذلك من برق ورعد‏، وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض لاقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الايه الكريمه‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي‏:‏
الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يولف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏*(‏ النور‏:43)‏
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:‏ يذكر تعالي انه يسوق السحاب بقدرته اول ماينشئها وهي ضعيفه وهو الازجاء‏،(‏ ثم يولف بينه‏)‏ اي يجمعه بعد تفرقه‏،(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ اي متراكما اي يركب بعضه بعضا‏،(‏ فتري الودق‏)‏ اي المطر‏،(‏ يخرج من خلاله‏)‏ اي من خلله‏، وقوله‏:(‏ وينزل من السماء من جبال فيها من برد‏)‏ قال بعض النحاه‏:(‏ من‏)‏ الاولي لابتداء الغايه‏، والثانيه للتبعيض‏، والثالثه لبيان الجنس‏، ومعناه‏:‏ ان في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد‏، واما من جعل الجبال ههنا كنايه عن السحاب فان‏(‏ من‏)‏ الثانيه عنده لابتداء الغايه لكنها بدل من الاولي والله اعلم‏، وقوله تعالي‏:(‏فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏)‏ يحتمل ان يكون المراد بقوله‏:(‏فيصيب به‏):‏ اي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد‏، فيكون قوله‏:(‏ فيصيب به من يشاء‏)‏ رحمه لهم‏(‏ ويصرفه عن من يشاء‏)‏ اي يوخر عنهم الغيث‏، ويحتمل ان يكون المراد بقوله‏:‏
‏(‏فيصيب به‏)‏ اي بالبرد نقمه علي من يشاء لما فيه من اتلاف زروعهم واشجارهم‏،(‏ويصرفه عن من يشاء‏)‏ رحمه بهم‏، وقوله‏:(‏يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏)‏ اي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الابصار اذا اتبعته وتراءته‏....‏
وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه برحمته الواسعه‏)‏ مانصه‏:(‏الم تر ان الله يزجي سحابا‏)‏ يسوقه برفق‏(‏ ثم يولف بينه‏)‏ بضم بعضه الي بعض فيجعل القطع المتفرقه قطعه واحده‏(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ بعضه فوق بعض‏(‏ فتري الودق‏)‏ المطر‏(‏يخرج من خلاله‏)‏ مخارجه‏،(‏ وينزل من السماء‏)(‏ من‏)‏ زائده‏(‏ جبال فيها‏)‏ في السماء بدل باعاده الجار‏(‏ من برد‏)‏ اي بعضه‏(‏ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء‏)(‏ يكاد‏)‏ يقرب‏(‏ سنا برقه‏)‏ لمعانه‏(‏ يذهب بالابصار‏)‏ الناظره له‏:‏اي يخطفها‏.‏
وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعه‏)‏ مانصه‏:‏
ومشهد اخر من مشاهد هذا الكون التي يمر عليها الناس غافلين‏، وفيها متعه للنظر‏، وعبره للقلب‏، ومجال للتامل في صنع الله واياته‏، وفي دلائل النور والهدي والايمان‏.....، والمشهد يعرض علي مهل وفي اطاله‏، وتترك اجزاوه للتامل قبل ان تلتقي وتتجمع‏.‏ كل اولئك لتودي الغرض من عرضها في لمس القلب وايقاظه‏، وبعثه الي التامل والعبره‏، وتدبر ما وراءها من صنع الله‏.‏ اذ يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان الي مكان‏، ثم تولف بينه وتجمعه‏، فاذا هو ركام بعضه فوق بعض‏، فاذا ثقل خرج منه الماء‏، والوبل الهاطل‏، وهو في هيئه الجبال الضخمه الكثيفه‏، فيها قطع البرد الثلجيه الصغيره‏..‏ ومشهد السحب كالجبال ليبدو كما يبدو لراكب الطائره وهي تعلو فوق السحب او تسير بينها‏، فاذا المشهد مشهد الجبال حقا‏، بضخامتها‏، ومساقطها‏، وارتفاعاتها وانخفاضاتها‏، وانه لتعبير مصور للحقيقه التي لم يرها الناس‏، الا بعد ماركبوا الطائرات‏.‏
وهذه الجبال مسخره بامر الله‏، وفق ناموسه الذي يحكم الكون‏، ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء‏، ويصرفه عمن يشاء‏..‏ وتكمله المشهد الضخم‏:(‏ يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏)‏ ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض‏، علي طريق التناسق في التصوير‏.‏
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحم الله كاتبها رحمه واسعه‏)‏ ما نصه‏:(‏ الم تر ان الله‏):‏ دليل من الاثار العلويه علي كمال قدرته تعالي وانفراده بالخلق والتدبير‏.(‏ يزجي سحابا‏)‏ يسوقه سوقا رفيقا الي حيث يريد‏.‏ يقال‏:‏ زجي الشيء يزجيه تزجيه‏، دفعه برفق‏، كزجاه وازجاه‏.(‏ ثم يجعله ركاما‏)‏ متراكما بعضه فوق بعض‏.‏ يقال‏:‏ ركم الشيء يركمه ركما‏، اذا جمعه والقي بعضه علي بعض‏.‏ وتراكم وارتكم الشيء‏:‏ اجتمع‏، والركام‏:‏ الرمل المتراكم‏.(‏ الودق‏)‏ اي المطر‏.‏ وهو في الاصل مصدر ودق السحاب يدق ودقا‏، اذا نزل منه المطر‏.(‏ خلاله‏)‏ اي فتوقه ومخارجه‏.‏ جمع خلل‏، كجبال وجبل‏..(‏ سنا برقه‏)‏ اي شده ضوء برق السحاب ولمعانه‏.‏ يقال‏:‏ سنا يسنو سنا‏، اي اضاء‏.‏
وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزي الله كاتبيه خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:‏ الم تر ايها النبي ان الله يسوق بالريح سحابا‏، ثم يضم بعضه الي بعض ويجعله متراكما‏، فتري المطر يخرج من خلال السحاب‏، والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفه التي تشبه الجبال في عظمتها بردا‏، كالحصي ينزل علي قوم فينفعهم او يضرهم تبعا لقوانينه وارادته ولا ينزل علي اخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار‏.‏
ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالابصار لشدته‏، وهذه الظواهر دلائل قدره الله الموجبه للايمان‏.‏
وجاء في الهامش الملاحظتان التاليتان‏:‏
‏1‏ لا يعرف التشابه بين السحب والجبال الا من يركب طائره تعلو به فوق السحاب فيراها من فوق كانها الجبال والاكام‏، واذا لم تكن تلك الطائرات في عصر النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فانه يكون ذلك دليلا علي ان هذا الكلام من عند الله الذي يعلم ما علا‏، وما انخفض‏.‏
‏2‏ تسبق هذه الايه الكريمه ركب العلم‏.‏ فانها تتناول مراحل تكون السحب الركاميه وخصائصها‏.‏ وما عرف علميا في العهد الاخير من ان السحب الممطره تبدا علي هيئه وحدات يتالف عدد منها في مجموعات هي السحب الركاميه‏:‏ اي السحب التي تنمو في الاتجاه الراسي‏، وترتفع قممها الي علو‏15‏ او‏20‏ كيلو مترا فتبدو كالجبال الشامخه‏.‏
كما ان هذه السحب هي وحدها التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء‏، وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسله تكاد تكون متصله‏(40‏ تفريغا في الدقيقه الواحده‏)‏ فيذهب ببصر الراصد من شده الضياء‏.‏ وهذا هو عين ما يحدث للملاحين والطيارين الذين يخترقون عواصف الرعد في المناطق الحاره‏.‏ وينجم عن فقد البصر هذا اضرار بليغه تشكل خطرا حقيقيا علي اعمال الطيران وسط العواصف الرعديه‏.‏

السحب الركاميه في منظور العلوم المكتسبه
اولا‏:‏ تكون السحب‏:‏
تتكون السحب نتيجه لتكثف بخار الماء في الهواء الرطب علي هيئه قطيرات دقيقه من الماء‏، ويتم مثل هذا التكثف بتبريد الهواء الدافئ الرطب اما بالتقائه مع جبهه بارده‏، او بارتفاعه الي اعلي بطفوه فوق الجبهه البارده او بارتطامه بالسلاسل الجبليه‏، وفي كل الاحوال يكون تصريف الرياح وارسالها بمشيئه الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الوسيله الفاعله في حركه الهواء الرطب افقيا وراسيا‏.‏
وتساعد حركه الرياح حراره الشمس التي تصل الارض بكميات متفاوته نظرا لميل محور دوران الارض حول نفسها امام الشمس علي دائره البروج بزاويه قدرها ست وستون درجه ونصف‏.‏ والارض تجري كذلك في مدارها حول الشمس وهي مائله بهذا القدر‏، وعلي ذلك فان اشعه الشمس تتعامد علي خط الاستواء‏، وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين‏، وميلا متوسطا بينهما‏، مما يودي الي تباين كبير في توزيع درجات الحراره علي سطح الارض‏، وعند هذا التباين تنتج حركه صاعده للهواء الساخن‏، وحركه هابطه للهواء البارد‏، كذلك فان دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق يعين علي دفع الهواء المحيط بالمنطقه الاستوائيه في اتجاه الغرب‏، والي تكون عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل من قطبي الارض علي هيئه دوره عامه للرياح شديده الانتظام حول الارض‏، منها الدوائر الحاره‏، والمعتدله والبارده والجبهات الهوائيه الفاصله بينها‏.‏ وبالاضافه الي ذلك فان الظروف الجغرافيه المحليه تزيد من تعقيد الصوره العامه لحركات الرياح التي تكون دافئه ورطبه فوق المحيطات المداريه‏، وحاره‏/‏ جافه فوق الصحاري‏، وبارده‏/‏ جافه فوق المناطق المكسوه بالجليد‏.‏
وتتدخل تضاريس سطح الارض مثل السلاسل الجبليه‏، والتلال‏، والهضاب‏، والسهول والمنخفضات و الكتل المائيه المختلفه في زياده تعقيد الصوره‏، ففي الصيف تسخن اليابسه اكثر من الكتل المائيه‏، وفي الشتاء تحتفظ الكتل المائيه بالحراره لمده اطول فتكون ادفا من اليابسه‏، فينشا عن تلك الفروق في درجه الحراره حركه للرياح تعرف باسم نسيم البر والبحر‏، كما تنشا دوره للرياح بين الجبال والاوديه والمنخفضات المحيطه بها‏.‏
وهذه الحركات الافقيه للكتل الهوائيه من مناطق الضغط المرتفع الي مناطق الضغط المنخفض تصاحبها حركات راسيه الي اعلي‏، فاذا سخنت كتله من الهواء الي درجه تمايزها عن الكتل الهوائيه المجاوره لها فانها ترتفع الي اعلي حيث يتناقص ضغطها‏، وتنخفض درجه حرارتها‏، ويبدا ما فيها من رطوبه في التكثف اذا وصلت درجه الحراره فيها الي نقطه التشبع‏(‏ نقطه تكون الندي‏)، فتتحول الكتله الهوائيه الرطبه الي سحابه من انواع السحب المتعدده‏.‏
وبتصريف الرياح افقيا وراسيا ينقسم الغلاف الغازي المحيط بالارض الي اعداد من الكتل الهوائيه المتجاوره والمتمايزه في صفاتها الطبيعيه وتركيبها الكيميائي‏، وكل كتله من هذه الكتل الهوائيه تمثل بكميه هائله من الهواء المتجانس فيما بينه خاصه في درجتي الحراره والرطوبه النسبيه‏، وتمتد كل كتله منها لعده كيلو مترات افقيا ولمئات حتي الاف الامتار راسيا‏، ويفصل بينها حدود واضحه تعرف باسم الجبهات الهوائيه‏.‏
والغلاف الغازي للارض يقدر سمكه بعده الاف من الكيلو مترات‏، وتقدر كتلته باكثر قليلا من سته تريليونات من الاطنان‏(6.120*1510‏ طن‏)، والغالبيه العظمي من هذه الكتله‏(99%)‏ يقع دون ارتفاع‏50‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏، وعلي ذلك فان حركه الرياح تكاد تتركز اساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض‏.‏
ويتناقص ضغط الهواء بالارتفاع في الغلاف الغازي للارض من حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع‏(1.0336‏ كيلو جرام‏/‏ سم‏2)‏ عند مستوي سطح البحر الي حوالي الجرام علي السنتيمتر المربع‏(1.0336‏ جرام‏/‏ سم‏2)‏ عند ارتفاع‏48‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏، والي قرابه الصفر عند ارتفاع ستين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏
والغلاف المائي للارض تقدر كميته بحوالي‏1.36‏ مليار كيلو متر مكعب‏، ويغمر ماء الارض اكثر قليلا من‏71%‏ من مساحه سطحها‏، واغلب هذا الماء‏(97.2%)‏ مخزون في البحار والمحيطات‏، واغلب الباقي‏(‏ حوالي‏2.15%‏ من مجموع ماء الارض‏)‏ موجود علي هيئه جليد فوق قطبي الارض‏، وفي قمم الجبال العاليه‏، والباقي‏(0.65%)‏ موجود في البحيرات العذبه‏، وفي خزانات الماء تحت سطح الارض‏، وفي المجاري المائيه المختلفه من الانهار والجداول وغيرها‏.‏
وتقوم حراره الشمس بتبخير‏380.000‏ كيلو متر مكعب من ماء الارض سنويا‏، اغلبها‏(320.000‏ كيلو متر مكعب‏)‏ من اسطح البحار والمحيطات‏، والباقي‏(60.000‏ كيلو متر مكعب‏)‏ يصعد من اليابسه بالبخر ومن تنفس الانسان والحيوان ونتج النبات‏، وهذا البخار تدفعه حركه الرياح جانبيا وراسيا علي هيئه هواء رطب الي مناطق ابرد او اقل ضغطا فتبدا فيه عمليات التكثف علي هيئه قطيرات متناهيه الدقه من الماء فتتكون السحب‏، ثم تدفع تيارات الرياح بهباءات الغبار وغيرها من نوي التكثف الي داخل السحب فتعين علي المزيد من تكثف بخار الماء ونمو قطيراته الي الحجم الذي يسمح بنزولها مطرا او بردا او ثلجا‏، وتحرك الرياح تلك السحب المثقله بالماء‏(‏ المزن‏)‏ الي حيث يشاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ لها ان تنزل فينزلها‏(‏ سبحانه‏)‏ بقدر معلوم‏.‏
وحينما يصل ماء المطر الي المنطقه المقسوم لها ان ينزل عليها هذا القدر من الماء بتقدير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ فانه يجري علي سطح اليابسه يشرب منه كل حي بالقدر المقسوم‏، كما يقوم بدور مهم في تفتيت صخور الارض وتكوين التربه‏، وشق الفجاج والسبل‏، ويخزن جزء معلوم منه في صخور الارض المنفذه وينتهي المطاف بالباقي الي البحار والمحيطات ليعاود الكره من جديد‏.‏
والماء المختزن تحت سطح الارض قد يشارك في تغذيه بعض الانهار والبحيرات والمستنقعات‏، وقد تتفجر عنه الصخور فيخرج علي هيئه عدد من الينابيع الفواره او العيون‏، كما قد يحفر عليه عدد من الابار‏.‏
وتسقط الامطار علي البحاروالمحيطات بمعدل‏284.000‏ كيلو مترا مكعبا في السنه‏، وعلي اليابسه بمعدل‏96.000‏ كيلو مترا مكعبا‏، وذلك في دوره معجزه تعرف باسم دوره الماء حول الارض وفي ذلك يقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ ما من عام بامطر من عام ولكن الله يصرفه‏.‏

ثانيا‏:‏ تكون السحب الركاميه‏:‏
بتصريف الرياح حسب علم الله ومشيئته ينقل بخارالماء من مناطق البخر علي هيئه الكتل الهوائيه الدافئه الرطبه الي مناطق التكثيف البارده مكونا السحب التي تلقح بنوي التكثف بفعل الرياح التي يصرفها الله‏(‏ تعالي‏)‏ ايضا بعلمه وحكمته وارادته فتتحول هذه السحب الي سحب قادره علي انزال الماء تعرف باسم السحب الممطره‏(‏ او المزن‏)‏ يسوقها الله‏(‏ تعالي‏)‏ الي حيث يشاء‏.‏
وعلي ذلك فان من العوامل الفاعله في تكثف بخار الماء في داخل الكتل الهوائيه الرطبه وتكون السحب هو تبردها بدرجه كافيه حتي تصل الي نقطه الندي فيبدا البخار المتجمع في تلك الكتل الهوائيه الرطبه في التكثف علي هيئه قطيرات مائيه‏، وتتبرد الكتل الهوائيه الرطبه اما بالتقائها مع كتل هوائيه بارده‏، واما برفعها الي مستويات اعلي من مستوي سطح البحر بعده مئات بل الاف من الامتار‏، مما يتسبب في فقدانها الكثير من حرارتها بوجودها في وسط اقل حراره‏، وبتمددها لوجدوها في وسط اقل ضغطا فتتبرد اشعاعيا‏، ومع التبرد ترتفع درجه الرطوبه النسبيه فيها‏، ويبدا ما تحمله كتله الهواء الرطب من بخار الماء في التكثف علي هيئه قطيرات الماء فتتكون السحب‏، وتتحدد قاعده السحابه الواحده بناء علي كل من درجه الحراره والرطوبه في كتله الهواء الصاعده وشده الرياح التي تدفعها‏، بينما تتحدد قمه السحابه وحجمها علي هذه العوامل ذاتها بالاضافه الي قوه حركه الدفع الي اعلي وطبيعته‏.‏
ومن العناصر الفاعله والموديه الي مزيد من تكثف بخار الماء في داخل السحب المثقله به هي نوي التكثف التي يسوقها الله‏(‏ تعالي‏)‏ مع الرياح المصرفه‏، وهي عباره عن هباءات دقيقه من الغبار والهباب‏، والمركبات الكيميائيه التي لها جاذبيه خاصه لبخار الماء‏(‏ مثل كبريتات النوشادر‏)‏ وبعض الاملاح الناتجه عن تبخر ماء البحار والمحطيات‏، وغير ذلك مما يمكن ان يعلق بالهواء‏.‏
فعندما يرسل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الرياح فتدفع بكتله من الهواء الرطب الدافئ فوق كتله من الهواء البارد فانها تتبرد‏، ويبدا ما بها من بخار الماء في التكثف علي هيئه قطيرات مائيه فتتكون سحب منخفضه نسببا لها هيئه طباقيه ولذا تعرف بالسحب الطباقيه‏ (Stratiformor Layered Clouds)‏ وهي تتكون من طبقات افقيه تقريبا تمتد لمئات من الكيلو مترات المربعه‏، بسمك عده مئات من الامتار‏، وتدفعها رياح عموديه علي اتجاه جبهتها تزودها ببخار الماء‏، ولذلك فهي عاده ما تكون من اغزر انواع السحب امطارا واوسعها انتشارا باذن الله‏(‏ تعالي‏).‏
وعلي العكس من ذلك فانه عندما يرسل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الرياح فتدفع بكتله من الهواء البارد في اتجاه كتله من الهواء الدافيء الرطب‏، فان كتله الهواء البارد تقطع كتله الهواء الدافيء بمقدمتها‏(‏ الجبهه الهوائيه البارده‏)‏ وبتكرار عمليه سوق السحب في اتجاه بعضها بعضا‏(‏ الازجاء‏)، والتاليف بينها فانها تداوم الي نصفين ترفع احدهما الي اعلي‏، وتحتوي النصف الاخر في الارتفاع الي اعلي علي هيئه متراكمه مكدسه متراكبه فوق بعضها بعضا‏، ومع مداومه الارتفاع يبدا بخار الماء في كتله الهواء المرتفعه في التكثف علي هيئه قطيرات مائيه دقيقه مكونه تجمعات من السحب العاليه المتراكبه تعرف باسم السحب الركاميه‏(
Cumuliformor Heap Clouds)‏ وهي عباره عن اكوام من السحب المكدسه فوق بعضها بعضا بما يشبه سلاسل الجبال المفصوله بعدد من الاخاديد والاوديه العميقه التي قد يصل ارتفاعها الي اكثر من‏15‏ كيلو مترا‏، مما يعكس الارتفاع المتكرر والمتعدد للهواء المشبع ببخار الماء علي مدي طويل من الزمن‏، ومع الارتفاع الي مستويات تتعدي مستوي الركود المناخي يحدث الانخفاض الشديد في درجه الحراره مما يسمح بتكون بللورات من الثلج في قمه جبال السحب الركاميه يليه الي اسفل حبيبات البرد وقطرات من الماء الشديد البروده‏، ثم قطرات الماء البارد‏، والسحب الركاميه‏، هي النوع الوحيد من السحب المعروفه لنا والمصاحبه بظواهر الرعد والبرق و بنزول كل من البرد والثلج‏.‏
وعلي ذلك فان تكون السحب الركاميه يتطلب ان تسوق الرياح باذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قطعا من السحاب المتناثر بطريقه مستمره ولفتره محدده حتي تتلاقي وتتحد وتتالف في مناطق تعرف باسم مناطق التجمع‏ Convergence Zones وهو ما سماه القران الكريم بتعبير الازجاء‏، وهذا الازجاء او السوق البطيء لقطع السحاب يزيد من تركيز بخار الماء في مثل هذا التجمع من السحب‏، وذلك لان سرعه تحرك هذه السحب تكون ابطا من سرعه الرياح المثيره لها‏، خاصه اذا كان حجم السحابه كبيرا‏، وذلك بسبب تاثير قوه الاعاقه‏ (Drag Force)‏ وهذا ما يسبب التحام وتالف تلك السحب‏.‏
كذلك فان سرعه الرياح تتباطا بصفه عامه كلما اتجهنا الي مناطق التجمع حتي تتلاحم السحب مع بعضها البعض باراده الله‏(‏ تعالي‏)، ولعل هذا هو المقصود من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يولف بينه‏..‏ وعندما تلتحم سحابتان او اكثر‏(Cloud-merging)‏ فان تيار الهواء الصاعد داخل تجمعهما يزداد شده‏، وعنفا‏، وسرعه مما يعين علي جلب المزيد من بخار الماء الي قمه هذا التجمع التراكمي للسحب‏، ويزيد من معدلات التكثف فيه‏، وبازدياد سرعه تيار الهواء الصاعد فانه يدفع بالتجمع المتراكم الي مزيد من الارتفاع الي اعلي‏، وتكون سرعه التيارات الهوائيه الصاعده اعلي ما تكون في وسط هذا التجمع للسحب الركاميه‏، مما يودي الي المزيد من ركم مكوناتها والدفع بها الي اعلي بهيئه النافوره المتدفقه او البركان الثائر الذي تتراكم طفوحه علي جانبيه‏.‏
وكلما زاد ازجاء السحب الي بعضها البعض اي تجميعها‏، زاد ركمها اي تراكمها وتكدسها‏، وزاد سمك تجمعها وبالتالي زادت قدره هذا السحاب المركوم علي انزال المطر والبرد باذن الله وزادت ظواهر الرعد والبرق فيه‏، وسمي بالمزن الركاميه‏(‏ او السحاب الركامي الممطر‏)، والانواع الشاهقه الارتفاع من المزن الركاميه تتكون من بلورات الثلج في قمتها‏، ومن خليط من حبات البرد وقطرات ماء شديد البروده في وسطها‏، وقطرات ماء بارد فقط في قاعدتها‏.‏
وتتحرك السحب الركاميه الي حيث شاء الله تعالي لها ان تصل‏، وتظل عمليه الركم مستمره فيها مادامت تيارات الهواء الصاعده قادره علي رفع مزيد من بخار الماء‏، وعندما تثقل حموله هذا السحاب المركوم ينزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ حيث يشاء بقدر معلوم علي هيئه مطر‏، او برد‏، او ثلج‏، او علي هيئه خليط منها جميعا وذلك حسب مكونات التجمعات المزنيه المركومه وتوزيع درجات الحراره والرطوبه فيها واسفل منها‏، ويتكون البرد بين درجات تتراوح بين ما دون الصفر المئوي واربعين درجه تحت الصفر‏، وقد تنمو حبات البرد الي حجم البرتقاله‏، وهي مدمره للزراعه‏، وينزل المطر من قاعده المزن الركاميه علي هيئه زخات متفرقه في باديء الامر‏، ثم لا تلبث ان تشمل معظم قاعدتها حيث تسود التيارات الهابطه في نهايه عمر المزن الركاميه‏.‏
ان معرفه السحب الركاميه لم يدركها الانسان الا بعد رياده السماء بواسطه الطائرات‏، وهذا الفهم لطبيعه وتكون السحب الركاميه لم تصل اليه العلوم المكتسبه الا في اواخر القرن العشرين‏، ومن هنا ياتي وصف القران الكريم لها بهذه الدقه والاحاطه والشمول شهاده صدق علي ان القران العظيم هو كلام الله الخالق‏، وان الرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي‏، ومعلما من قبل خالق السماوات والارض فسبحان الذي انزل القران الكريم‏، انزله بعلمه‏، وانزل فيه قوله الحق‏:‏
الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يولف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله‏، وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار‏.(‏ النور‏:43)‏
وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا القران العظيم وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏.‏

إرسال تعليق