بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 8-4-2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

هذه الايه الكريمه جاءت في نهايه السدس الاول من سوره( المومنون)، وهي سوره مكيه، واياتها مائه وثماني عشره ايه، ويدور محورها الرئيسي حول قضيه الايمان، وصفات المومنين، ودلالات وموشرات ذلك، ومقارنته باضداده من الكفر بالله او الشرك به( تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا).
وقد استهلت السوره الكريمه باثبات الفلاح للمومنين، واستعراض جانب من صفاتهم، واثبات ميراث جنات الفردوس لهم خالدين فيها ابدا، وتابعت بالاشاره الي عدد من ايات الله في الانفس والافاق، تشهد له( سبحانه وتعالي) بكمال الالوهيه، والربوبيه، والوحدانيه، وبطلاقه القدره المبدعه في الخلق مما يثبت له( سبحانه) القدره علي الافناء والبعث، وقد كانا دوما من حجج الكافرين والمتشككين والمعاندين.
واستمرت سوره( المومنون) بعد ذلك في تاكيد حقيقه الايمان كما دعا اليها رسل الله اجمعين ومنهم الصفوه من لدن سيدنا نوح( عليه السلام) الي خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله وسلم عليه وعليهم اجمعين)، وعرضت السوره لشئ من قصص هولاء الانبياء والمرسلين( صلوات الله وسلامه عليهم اجمعون) الذين حملوا لاممهم الامر الالهي بالايمان بالله( تعالي) ربا، وتوحيده، وتنزيهه عن كل ما لا يليق بجلاله، والخضوع له بالطاعه والعباده والحرص علي المطعم الحلال الطيب، والعمل الصالح المفيد، وتاكيد وحده الانسانيه، ووحده الدين، هذه الانسانيه التي خالقها واحد، واصلها واحد، ودينها واحد، والي هذا الخالق العظيم الذي له ملك السماوات والارض ومن فيهن يرجع الجميع ويعودون ليحاسبوا علي اعمالهم في حياتهم الدنيا بالاحسان احسانا، وبالاساءه عقابا او غفرانا حسب مشيئه رب العالمين وامره.
وتابعت السوره الكريمه باستعراض عدد من شبهات المكذبين لدين الله الحق، الضالين عن هدايته، المحاربين لرسله وانبيائه واوليائه الي الحد الذي يدفع الرسل والانبياء، والاولياء الي الاستنصار بربهم فيهلك الله المكذبين( من امثال الصهاينه المجرمين الذين يعيثون اليوم فسادا في ارض فلسطين، بدعم من الاداره الامريكيه الفاجره الكافره، وصمت من بقيه المشركين والكافرين والمتخاذلين)، ومن سنن الله التي لا تتوقف، ولا تتخلف ان يهلك المكذبين الكافرين الفجره، وان ينجي عباده المومنين، كما سيحدث ان شاء الله( تعالي) علي ارض فلسطين، وفي كل ارض محاصره، والي ان يرث الله الارض ومن عليها.
وتمضي السوره في استعراض اختلاف الناس بعد الرسل، موكده مره اخري وحده الرساله السماويه، ووحده الجنس البشري، وان افترقوا الي مومن وكافر، وتكرر ذكر شئ من صفات كل من هاتين المجموعتين من البشر، وتشير الي مصير كل منهم في الاخره، وتوكد ان المدد لنفر من الكافرين والمشركين في هذه الحياه الدنيا هو من قبيل استدراجهم، وليس دليل خير فيهم، فالمدد بالمال والبنين، والعلو الكاذب في الارض، كما هو الحال مع كل من الامريكيين والصهاينه الغاصبين لا يمكن ان يكون الا غضبا من الله تعالي عليهم من قبيل استدراجهم حتي اذا اخذهم لم يفلتهم ان شاء الله تعالي....!!!.
وتستنكر سوره( المومنون) المواقف المعاديه من المشركين لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) في القديم كما تستنكره في الحديث دون ادني مبرر واحد، وتشير الي تعلل المشركين والكافرين بتشككهم في امكانيه البعث بعد الموت لجهلهم بطلاقه القدره الالهيه، وقياسهم علي الله( تعالي) ظلما بمعايير الناس.
وتسال سوره( المومنون) الناس عددا من الاسئله المنطقيه حتي يجيبوا بفطرتهم، وينطقوا ما يوكد تفرد الله( تعالي) بالالوهيه، والربوبيه والوحدانيه، وانه تعالي قيوم السماوات والارض ومن فيهن، المنزه عن الشريك والصاحبه والولد وانه( تعالي) بيده ملكوت كل شئ، وهو الذي يجير ولايجار عليه...
ويامر الله( تعالي) رسوله الكريم في هذه السوره المباركه( والامر بالتالي لكل المسلمين) ان يدفع بالتي هي احسن، وان يستعيذ بالله من همزات الشياطين.
وتختتم السوره بمشهد من مشاهد الاخره يهان فيه كل كافر ومشرك، ويواخذ علي مواقفه الخاطئه في الدنيا، وتنتهي باقرار التوحيد الخالص لله( تعالي)، وبالتوجيه بضروره طلب الرحمه والمغفره منه لانه( تعالي) هو ارحم الراحمين..
والاشارات الكونيه التي استشهدت بها سوره( المومنون) علي ما ورد فيها من حق اشارات عديده منها ما يلي:
(1) خلق السماوات والارض بالحق.
(2) اختلاف الليل والنهار.
(3) انزال الماء من السماء بقدر واسكانه في الارض.
(4) خلق الحياه بمختلف صورها.
(5) خلق الانسان بمراحله المختلفه( الجنينيه وما بعد الجنين) حتي يكتمل خلقه، ويتم ميلاده، ويستمر في مراحل نموه حتي وفاته، ثم بعثه وحسابه، وخلوده في حياه ابديه مقبله اما في الجنه ابدا او في النار ابدا.
(6) خلق السمع والبصر والافئده للانسان، وبث جنسه في مختلف بقاع الارض.
(7) تبادل الموت والحياه.
اقوال المفسرين
دوره الماء حول الارض
في تفسير قوله( تعالي): وانزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الارض، وانا علي ذهاب به لقادرون*.
( المومنون:18).
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: يذكر الله تعالي نعمه علي عبيده التي لا تعد ولا تحصي في انزاله القطر من السماء بقدر، اي بحسب الحاجه، لا كثيرا فيفسد الارض والعمران، ولا قليلا فلا يكفي الزرع والثمار، بل بقدر الحاجه اليه من السقي والشرب والانتفاع به،... فسبحان اللطيف الخبير الغفور، وقوله:( فاسكناه في الارض اي جعلنا الماء اذا نزل من السحاب يخلد في الارض، وجعلنا في الارض قابليه اليه، تشربه، ويتغذي به ما فيها من الحب والنوي، وقوله:( وانا علي ذهاب به لقادرون) اي: لو شئنا الا تمطر لفعلنا، ولو شئنا اذي لصرفناه عنكم الي السباخ والبراري والقفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه اجاجا لا ينتفع به لشرب ولا لسقيا لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه اذا نزل فيها يغور الي مدي لا تصلون اليه ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه ورحمته ينزل عليكم المطر من السحاب عذبا فراتا زلالا، فيسكنه في الارض، ويسلكه ينابيع في الارض، فيفتح العيون والانهار، ويسقي به الزروع والثمار، تشربون منه ودوابكم وانعامكم، وتغتسلون منه، وتتطهرون منه وتتنظفون، فله الحمد والمنه.
وجاء في باقي التفاسير كلام مشابه تماما لما ذكره ابن كثير، فيما عدا المنتخب في تفسير القران الكريم( جزي الله كاتبيه خيرا) والذي اشار في هامشه الي شئ من ارتباط هذه الايه الكريمه بدوره الماء حول الارض واضاف: وتشير هذه الايه الي الحكمه العاليه في توزيع الماء بقدر اي: بتقدير لائق حكيم، لاستجلاب المنافع ودفع المضار.. ثم معني اخر للايه الكريمه يفيد ان مشيئه الخالق جل وعلا اقتضت ان تسكن في الارض كميه معلومه من المياه في محيطاتها وبحارها تكفي لحدوث التوازن الحراري المناسب في هذا الكوكب، وعدم وجود فروق عظيمه بين درجات حراره الصيف والشتاء لا تلائم الحياه، كما في بعض الكواكب والتوابع كالقمر... كما ان مياه الارض انزلت بقدر معلوم، لا يزيد فيغطي كل سطحها، ولا يقل فيقصر دون ري الجزء البري منها.
وفي الحقيقه ان هذا السبق القراني بالاشاره الي ان اصل الماء الذي يمكن ان يستفيد به الانسان من تحت سطح الارض هو ماء المطر يعتبر جانبا من جوانب الاعجاز العلمي في كتاب الله، لان السائد عن ذلك الماء تحت السطحي في كل الحضارات السابقه علي البعثه المحمديه( علي صاحبها افضل الصلاه وازكي التسليم) من مثل الحضاره اليونانيه القديمه انه مندفع الي داخل القارات من ماء البحار والمحيطات عبر هوه سحيقه تخيلوها واسموها تاتار (Tatare).
اما ارسطو فقد افترض ان بخار ماء التربه يتكاثف في التجاويف وقد استمرت هذه الافتراضات الخاصه سائده حتي النصف الاخير من القرن التاسع عشر الميلادي(1877 م)، ولم تتبلور العلاقه بين ماء المطر والماء تحت سطح الارض الا اخيرا جدا مع بدايات القرن العشرين، وان كان برنارد باليسي BernardPalissy قد اشار الي شئ من ذلك في اواخر القرن السادس عشر الميلادي(1580 م) وكذلك ديكارت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.
دلاله الايه الكريمه في ضوء المعارف العلميه المكتسبه
الماء سائل شفاف، وهو في نقائه لا لون له ولا طعم ولا رائحه، ويتركب جزيء الماء من ذرتين من الهيدروجين وذره من الاكسجين، وترتبط هذه الذرات الثلاث مع بعضها البعض برابطتين تساهميتين تشكلان زاويه مقدارها105 درجات، مماجعل لجزيء الماء قطبين كهربيين يحمل احدهما شحنه موجبه والاخر شحنه سالبه.
والماء من اهم ضرورات الحياه، فبدونه لا تقوم، ولذلك كان خلق الحياه الباكره في الماء، وظلت الحياه في الماء منذ3،8 بليون سنه مضت والي يومنا الراهن، وحتي يرث الله الارض ومن عليها، بينما لا يتعدي عمر الحياه الارضيه علي اليابسه اربعمائه مليون سنه. واجساد الكائنات الحيه كلها يغلب علي تركيبها الماء الذي تتراوح نسبته في جسم الانسان بين93% بالنسبه للجنين في اشهره الاولي( الثلاثه الي الاربعه اشهر الاولي من حياه الجنين) الي71% في الانسان البالغ، هذا بالاضافه الي ان جميع الانشطه الحياتيه من مثل عمليات تصنيع الغذاء، وهضمه، وتمثيله، واخراجه، وعمليات الاكسده والاختزال، والانقسام، والنمو، والتكاثر، وغيرها لا يمكن لها ان تتم في غيبه الماء، فالنبات علي سبيل المثال ياخذ غذاءه من التربه عن طريق العناصر والمركبات الذائبه في ماء التربه والذي يمتصه ومحاليله بواسطه الشعيرات الجذريه، وترتفع هذه العصاره الغذائيه في الاوعيه الخشبيه للنبات بالقدره التي اعطاها الله تعالي للماء علي الارتفاع بالخاصيه الشعريه، وقدرته علي خاصيه التوتر السطحي، كذلك فان عمليات التمثيل الضوئي لا يمكن ان تتم في غيبه
الماء، وبعد الاستفاده بالقدر الكافي من الماء في بناء خلاياه وازهاره وثماره يطلق النبات الماء الزائد عن حاجته الي الجو بعمليات عديده منها النتح والتبخر.
وبالمثل فان كلا من الانسان والحيوان ياخذ القدر اللازم له من الماء عن طريق الطعام والشراب، ويفقد الزائد منه عن حاجته بواسطه العديد من العمليات من مثل التنفس، والعرق، والدموع، والاخراج، وغيرها من الافرازات الجسديه.
من الصفات الطبيعيه المميزه للماء
من الصفات الطبيعيه التي خص الله( تعالي) بها الماء والتي جعل لها اهميه قصوي للحياه مايلي:
(1) البناء الجزيئي ذو القطبيه المزدوجه: يتكون جزيء الماء من ذرتي هيدروجين تحملان شحنه كهربيه موجبه وترتبطان بذره اكسجين تحمل شحنه كهربيه سالبه بواسطه رابطتين تساهميتين تشكلان زاويه مقدارها105 درجات وهذا البناء الجزيئي المميز جعل للماء من الصفات الطبيعيه والكيميائيه مايميزه عن غيره من السوائل والمركبات الهيدروجينيه.
(2) درجتا التجمد والغليان: يتجمد الماء عند درجه4 مئويه، ويغلي عند درجه مائه مئويه، ولهاتين الخاصيتين اهميه قصوي لاستمراريه الحياه اذ يبقي الماء سائلا في درجات حراره اجساد كل الكائنات الحيه لتساعد علي اتمام جميع الانشطه الحيويه ومنها التغذيه، وتمثيل الغذاء ونقله الي الخلايا والانسجه المختلفه واتمام عمليه الاكسده والاختزال واخراج الفضلات والنمو والتكاثر وغيرها.
(3) الحراره النوعيه: ويقصد بها كميه الحراره اللازمه لرفع درجه حراره جرام واحد من الماء عند درجه4 مئويه بمقدار درجه مئويه واحده. وهي حراره نوعيه مرتفعه ممايمكن جسم الانسان واجساد غيره من الكائنات الحيه من مقاومه التغيرات الجويه المختلفه بدرجه كبيره.
(4) الحراره الكامنه: والحراره الكامنه لتبخر الماء هي الحراره اللازمه لتبخير جرام واحد من الماء دون ان تتغير درجه حرارته، وتبلغ540 سعرا حراريا، وكذلك فان الحراره الكامنه لانصهار الماء المتجمد( الجليد) اي: كميه الحراره اللازمه لصهر جرام واحد منه دون ان تتغير درجه حرارته تبلغ80 سعرا حراريا.
وارتفاع قيم الحراره الكامنه للماء يكسبه مقاومه كبيره في التحول من الحاله الصلبه الي السائله الي الغازيه، وهذه الخاصيه تجعل من الماء واحدا من افضل السوائل المستخدمه في اطفاء الحرائق اذ يستهلك كميه كبيره من الحراره. من الوسط الذي يحترق قبل ان ترتفع درجه حرارته، مما يعين علي خفض درجه الحراره والي اطفاء الحرائق.
(5) اللزوجه والتوتر السطحي: وتعرف لزوجه السائل بمقاومته للحركه، اما التوتر السطحي فهو خاصيه من خصائص السوائل الساكنه، وفيه يكون السطح الحر للسائل مشدودا لياخذ اقل مساحه ممكنه، ويتميز الماء بلزوجه عاليه نسبيا بسبب انجذاب جزيئاته الي بعض بفعل الرابطه الهيدروجينيه وتزيد هذه اللزوجه بانخفاض درجه حراره الماء لزياده قرب جزيئات الماء من بعضها البعض حتي درجه4 مئويه حين تبدا في التباعد، وتتسبب الرابطه الهيدروجينيه في زياده التوتر السطحي للماء مقارنه بالسوائل الشبيهه.
وهاتان الخاصيتان تساعدان علي مزيد من التماسك بين مواد الخليه الحيه، وعلي اكساب الخلايا شكلها الخاص وتساعدان علي امتصاص العصاره الغذائيه بواسطه الشعيرات الجذريه وعلي رفعها مقاومه الجاذبيه الارضيه الي الفروع والاوراق وحتي القمم الناميه في اعلي النبات بارتفاع يفوق الارتفاع الذي يحدثه الضغط الجوي( حوالي عشره امتار)، ويعين علي ذلك فقدان الماء من الاوراق بواسطه عمليات النتح والتبخر حيث يصل الضغط المائي اضعاف الضغط الجوي وان كان ذلك يختلف حسب نوع النبات وظروفه البيئيه وذلك لكي يستمر ارتفاع العصاره الغذائيه من الشعيرات الجذريه عبر السيقان والفروع الي الاوراق والزهور والثمار.
وتساعد لزوجه الماء وتوتره السطحي ايضا علي ابطاء عمليه فقدان الماء من الاوراق عبر ثغورها، ومن اجساد الانسان والحيوان عبر مسام الجلد، واذا خرج الماء الزائد يبقي علي سطح كل من الاوراق والجلد برهه حيث يتبخر فيبردهما ويكسبهما شيئا من الرطوبه في الجو الحار.
وتساعد خاصيتا اللزوجه والتوتر السطحي المرتفعتان نسبيا للماء في حمايه السفن والبواخر المحمله بالاحمال الثقيله من الغوص في الاعماق وذلك بدفعها الي اعلي وزياده قدرتها علي الطفو.
(6) قله كثافه الماء عند تجمده: من الثابت علميا ان قوه الرابطه الهيدروجينيه تتلاشي بين جزيئات الماء بارتفاع درجه حرارته مما يجعل جزيئات الماء منفرده في حاله التبخر، ومزدوجه او ثلاثيه في حاله السيوله حسب درجه الحراره، وفي حاله رباعيه في حاله الجليد الرخو (Snow) وفي حاله ثمانيه في حاله الجليد الصلب (Ice) وفي الحاله الاخيره يزداد الحيز المكاني الذي تشغله ثماني جزيئات مما يقلل من كثافه الجليد وهي خاصيه ينفرد بها الماء لانها لازمه لحياه الكائنات الحيه في المناطق المتجمده.
من الصفات الكيميائيه المميزه للماء
نظرا لتركيبه الجزيئي الفريد فان الماء يتميز بعدد من الصفات الكيميائيه الفريده، ومن الصفات الكيميائيه المميزه التي خص الله تعالي بها الماء مايلي:
(1) مقاومه جزيء الماء للتحلل الي ذراته: فنظرا للرابطه الهيدروجينيه القويه لجزيء الماء، ولوجود الذرات في داخل الجزيء بشكل مائل فان هذا الجزيء يصعب تحلله الي ذراته الا بنسب ضئيله(11%) وفي درجات حراره مرتفعه(2700 درجه مئويه)، وهذه الخاصيه تعين المحاليل الحيويه المختلفه علي البقاء في اجساد الكائنات الحيه.
(2) قدره الماء الفائقه علي اذابه العديد من المواد الصلبه والسائله والغازيه: ان البناء الجزيئي للماء بميل ذراته، وثنائيه قطبيته، وروابطه الهيدروجينيه جعلت من الماء اعظم مذيب يعرفه الانسان خاصه بالنسبه للمواد الموينه من مثل الاملاح والقواعد والاحماض ولذلك اطلق عليه اسم المذيب العالمي.
ويذيب الماء ثاني اكسيد الكربون مكونا حمض الكربون بينما يذوب الاكسجين في الماء متخللا جزيئاته، وفي الحاله الاولي تسهل عمليه نقل ثاني اكسيد الكربون للاستفاده به في عمليه التمثيل الضوئي التي تقوم حياه النباتات عليها، كما تسهل عمليه التخلص منه في كل من الانسان والحيوان والنبات، وفي الحاله الثانيه يعتبر ذوبان الاكسجين في الماء من ضرورات الحياه للاستفاده به في عمليات التنفس بالنسبه للكائنات التي تعيش في الماء.
(3) قدره الماء علي الاكسده والاختزال: يدخل الماء في العديد من عمليات الاكسده والاختزال، وفي الاولي تفقد العناصر اليكترونا او اكثر، بينما تكسب ذلك في الثانيه، وهي عمليات اساسيه في تفتيت الصخور، وتكوين التربه وتركيز الخامات، واعداد الغذاء لكل من النبات والحيوان والانسان، وفي اكسده الدم واختزاله، والدم يتكون اساسا من الماء.
(4) قدره الماء الفائقه علي التفاعل مع المركبات: يتحد الماء مع اكاسيد الفلزات مكونا ايدروكسيداتها ومطلقا الحراره، ومع اكاسيد اللافلزات مكونا احماضا، وهي عمليات مهمه في تفتيت صخور الارض، وتكوين التربه، وتكوين العديد من الثروات الارضيه وتركيزها.
(5) قدره الماء المحدوده علي التاين: يتاين الماء بصعوبه الي ايون الهيدروكسيل السالب، وايون الهيدروجين الموجب، ويساعد هذا التاين علي اتمام العديد من العمليات الكيمائيه اللازمه لاستمراريه الحياه.
(6) قدره الماء علي تصديع التربه وشقها:
تتكون التربه اساسا من المعادن الصلصاليه، وهذه تتكون من صفائح رقيقه جدا اعطاها الله( تعالي) القدره علي التشبع بالماء( التميو) فتتمدد الي عشرات مرات اطوالها، ويودي ذلك الي تباعد اسطحها عن بعضها البعض، فتهتز وتربو الي اعلي، وترق رقه شديده حتي تنشق لتفسح طريقا سهلا للسويقه الطريه المنبثقه من داخل البذره النابته، ولولا هذه الخاصيه ما انبتت الارض، ولا كانت صالحه للعمران وتتمدد صفائح الصلصال بالتميو لحملها شحنات كهربيه سالبه علي اسطحها، تمكنها من الاتحاد مع الشحنات الموجبه علي جزيء الماء مما يودي الي جذب تلك الصفائح متباعده عن بعضها البعض. والعكس من ذلك يحدث عند الجفاف حيث تتلاشي الروابط الكهربيه بين شحنات صفائح الصلصال وشحنات جزيء الماء عند جفافه فتتشقق الارض لشقوق سداسيه او قريبه من السداسيه مما يعين علي شيء من تهويه التربه
توزيع الماء الارضي
يعتبر كوكب الارض اغني كواكب المجموعه الشمسيه بالماء ولذا يسميه علماء الارض باسم الكوكب المائي او الكوكب الازرق، وتقدر كميه الماء الارضي بحوالي1337 مليون كيلو متر مكعب، ويوجد في الحالات السائله والغازيه والصلبه موزعا في البحار والمحيطات، والبحيرات والانهار والجداول، وغيرها من المجاري المائيه، كما يوجد علي هيئه جليد فوق القطبين وعلي قمم الجبال، وعلي هيئه مخزون مائي تحت سطح الارض، كما يوجد علي هيئه قدر من الرطوبه في كل من التربه والغلاف الغازي للارض،ويغطي الماء السائل اكثر قليلا من71% من مساحه الارض، بينما يغطي الجليد نحو9% من مساحتها ويتعذر في الطبيعه وجود ماء نقي تماما، غير ان ماء الامطار والثلوج المتساقطه تعد من انقي حالات الماء الطبيعي، ولكنه ما ان يصل الي سطح الارض حتي يبدا في اذابه جزء من املاح صخورها ويتوزع الماء الارضي علي النحو التالي:
دوره الماء حول الارض
ثبت اخيرا ان كل الماء الموجود علي سطح الارض قد اندفع الي سطحها اصلا من داخل الارض عبر ثورات البراكين، وقد سبق القران الكريم بثلاثه عشر قرنا علي الاقل بالاشاره الي تلك الحقيقه التي يصفها الحق( تبارك وتعالي) في محكم كتابه بقوله( عز من قائل):
والارض بعد ذلك دحاها* اخرج منها ماءها ومرعاها*( النازعات:30 31)
وعندما بدا هذا البخار في التصاعد من فوهات البراكين الي الغلاف الغازي للارض وجد ان الله( تعالي) قد هيا له سطحا باردا يتكثف عليه في الاجزاء العليا من نطاق التغيرات الجويه( نطاق الرجع)والذي يتميز بتبرده مع الارتفاع حتي تصل درجه حرارته الي ستين درجه مئويه تحت الصفر فوق خط الاستواء، وذلك اساسا نتيجه للبعد عن سطح الارض الذي يمتص حراره الشمس ويعيد اشعاعها الي غلافها الغازي.
وعند انخفاض درجه حراره الهواء المحمل ببخار الماء مع الارتفاع فوق مستوي سطح البحر فان رطوبته النسبيه ترتفع نظرا لانخفاض كثافته وبالتالي انخفاض ضغطه، وعندما تبلغ رطوبته النسبيه100% فان ضغطه يساوي ضغط بخار الماء، وتسمي درجه الحراره تلك باسم نقطه الندي (DewPoint) او درجه حراره التشبع ببخار الماء.
وانخفاض درجه حراره الهواء المشبع ببخار الماء بارتفاعه في نطاق التغيرات الجويه الي مادون نقطه الندي يودي مباشره الي تكثف قطرات الماء منه وانفصالها عنه فتتكون السحب وهي مجموعه من قطيرات الماء المتناهيه الضاله في الحجم( نحو عشره ميكرون في القطر)، وتبدا في التكون ابتداء من2 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر الي نحو8 كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر او اكثر من ذلك.
والهواء المحمل ببخار الماء يتبرد بارتفاعه الي المستويات العليا من نطاق التغيرات الجويه(7 الي16 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر) او باصطدامه بقمم الجبال الشاهقه، او بالتقائه مع موجه هوائيه بارده.
والهواء الجاف يتبرد بمعدل عشر درجات مئويه لكل كيلو متر ارتفاعا فوق مستوي سطح البحر، ويتناقص هذا المعدل الي ست درجات مئويه مع كل كيلو متر ارتفاع في حاله الهواء الرطب، نظرا لتاثير الحراره الكافيه علي تبخر جزء من الماء المحمول مع الهواء الرطب هذا بالاضافه الي ان ارتفاع الهواء الي اعلي يودي الي تمدده لوجوده تحت ضغط منخفض، ويودي هذا التمدد الي مزيد من الانخفاض في درجه الحراره تبعا لقوانين تمدد الغازات.
بالاضافه الي انخفاض درجه حراره الهواء المشبع ببخار الماء الي مادون درجه الندي فان سقوط ماء المطر يتطلب تكون نويات من البرد( الثلج) او وجود بعض هباءات من الغبار او الاملاح القابله للذوبان في الماء وهذه تسهم في مزيد من تجميع قطيرات الماء الي بعضها البعض وبالتالي تودي الي هطول الامطار لعجز الهواء عن حمل القطيرات الكبيره الحجم نسبيا من الماء( من عشري ملليمتر الي نصف ملليمتر في القطر) فتبدا بالتساقط علي الارض بفعل الجاذبيه
وبسقوط الماء علي سطح الارض، وعودته اليها ليجري علي سطحها سيولا جارفه، تفتت الصخور، وتشق الفجاج والسبل، وتكون الاوديه ومجاري الانهار والجداول، وتكون التربه، وتركز عددا من ثروات الارض، ثم تفيض الي المنخفضات مكونه البحيرات، والبحار والمحيطات، كما يتجمد جزء من هذا الماء علي هيئه طبقات الجليد فوق قطبي الارض، وفي قمم الجبال العاليه، ويتسرب بعض هذا الماء كذلك غير ظاهر( منكشف) الطبقات المساميه والمنفذه الي تحت سطح الارض، علي هيئه عدد من التجمعات المائيه المختزنه في صخور القشره الارضيه، ويبقي بعضه عالقا بالتربه علي هيئه رطوبه او بالغلاف الغازي للارض علي هيئه بخار الماء.
ومن هنا بدات دوره الماء حول الارض في ثبات واستقرار يشهدان لله الخالق بطلاقه القدره، وعظيم الصنعه، واتقان الخلق، فبفعل حراره الشمس يتبخر سنويا380.000 كيلو متر مكعب من الماء من الارض الي الجزء السفلي من غلافها الغازي، منها320.000 كيلو متر مكعب يتبخر من اسطح البحار والمحيطات، ويتبخر الباقي(60.000 كيلو متر مكعب) من اسطح اليابسه( من الانهار وغيرها من المجاري المائيه، ومن البحيرات، ومن النتح والبخر من اسطح النباتات، وتنفس كل من الانسان والحيوان، والبخر من الخزانات المائيه تحت سطح الارض، ومن رطوبه التربه، وهذا البخار المائي تحمله الرياح وترفعه الي الاجزاء العليا من نطاق التغيرات الجويه(7 16 كم فوق مستوي سطح البحر) حيث يتكثف مابه من بخار الماء ويعود مره اخري الي الارض مطرا، او ثلجا، او بردا، او ضبابا او ندي، ليعاود الكره مره اخري ليتم دوره الماء حول الارض.
ومن سمات احكام تلك الدوره ان مجموع كميه المطر النازله علي اسطح البحار والمحيطات سنويا(284.000 كيلو متر مكعب) يقل عما يتبخر منها بحوالي36.000 كم3، ومجموع كميه المطر الساقطه علي اليابسه سنويا(96.000 كم3) تزيد بنفس الكميه(36.000 كم3)، عن مجموع كميه البخر من سطح اليابسه(60.000 كم3) وهذه الزياده تفيض الي البحار والمحيطات حتي يبقي سطح الماء بها ثابتا في الفتره الزمنيه الواحده، ولولا دوره الماء حول الارض لفسد كل ماء الارض، ولتعرض كوكبنا لحراره قاتله بالنهار، ولبروده مجمده بالليل.
خزانات الماء تحت سطح الارض.
تنقسم خزانات الماء تحت سطح الارض الي نوعين رئيسيين كما يلي:
(1) خزانات ماء مالح او شديد الملوحه: وهذا الماء محتبس بين مسام الصخور الرسوبيه المتجمعه في البحار القديمه التي كانت تغمر مساحات كبيره من يابسه اليوم وانحسرت عنها، وبقي هذا الماء المالح بل الشديد الملوحه في بعض الاحيان محصورا بين حبيبات تلك الصخور الترسيبيه القديمه لملايين السنين حيث تزداد ملوحته باستمرار تعرضه لشيء من التفاعلات الكيميائيه( من مثل اذابه المزيد من الاملاح) والفيزيائيه( من مثل البخر).
وهذاالماء المالح عاده ما يوجد علي اعماق بعيده نسبيا من سطح الارض، ومن امثلته الماء المصاحب للنفط في مكامنه.
(2) خزانات ماء قليل الملوحه الي متوسط الملوحه.
وهو ماء متجمع من ماء المطر النازل من السماء( بمتوسط ملوحه دون20 جزءا في المليون) علي طبقات من الصخور المساميه والمنفذه فيتحرك ماء المطر فيها بفعل الجاذبيه الارضيه اولا متجها الي الاسفل اي: الي مستويات ادني من سطح الارض حيث تزداد ملوحته بالتدريج، وتستمر هذه الحركه الراسيه للماء حتي تتضاءل المساميه والنفاذيه، وهنا يبدا ماء المطر في التحرك جانبيا فوق طبقات قليله المساميه والنفاذيه( او عديمتهما) لتكون خزانا مائيا تحت سطح الارض، وان كانت الطبقات مائله فان الماء يتحرك في اتجاه ميل الطبقات حتي يصل الي الماء المالح المحصور بين حبيبات الرسوبيات التي تجمعت في البحار القديمه السابقه التي انحسرت عن الارض منذ ملايين السنين، فيتجمع الماء القليل الملوحه طافيا فوق الماء المالح والشديد الملوحه للفرق بين كثافه الماءين.
ولولا مساميه ونفاذيه بعض صخور الارض، ما تجمع ماء المطر، ولا اسكن في الارض، ولولا التغيرات الراسيه والجانبيه في كل من المساميه والنفاذيه ما امكن خزن اي من ماء المطر، ولا امكن اسكانه في صخور الارض علي هيئه مكامن مائيه لالاف بل لعشرات الالاف من السنين ان لم يكن لملايين السنين في بعض الاحوال، حتي يستفيد به اجيال من الخلق خزنه الله( تعالي) لهم بعلمه وقدرته وحكمته...!!!
ولولا حفظ هذه المكامن المائيه من اخطار الحركات الارضيه من مثل الخسوف والتصدعات الارضيه، والثورات البركانيه، والمتداخلات الناريه ما بقيت تلك المكامن المائيه بل دمرت بالكامل، ولذلك قال ربنا( تبارك وتعالي): ... وانا علي ذهاب به لقادرون( المومنون:18)
وقال( عز من قائل): قل ارايتم ان اصبح ماوكم غورا فمن ياتيكم بماء معين ( الملك:30)
وقد يغور الماء المخزون في صخور القشره الارضيه بتكون الصدوع والخسوف الارضيه، كما قد يغور بالضخ المفرط الزائد عن معدل تدفق الماء الي البئر، وفي الحالتين لا يحفظ الماء في صخور الارض او يعوضه اذا غار الا رب العالمين. ويخرج الماء من تحت سطح الارض بقوه وعنف اذا كان واقعا تحت ضغوط عاليه، وقد يخرج بطريقه طبيعيه علي هيئه العيون والينابيع الطبيعيه، التي قد تشارك في تغذيه بعض الانهار او البحيرات ولكن اذا كان الماء تحت سطح الارض تحت ضغوط منخفضه فانه لا يمكن الوصول اليه الا بتشقق الارض عنه او بالحفر عليه.
ويصف القران الكريم هاتين الحالتين بقول الحق( تبارك وتعالي):... وان من الحجاره لما يتفجر منه الانهار، وا ن منها لما يشقق فيخرج منه الماء...( البقره:74)
وتتراوح مساميه الصخور الخازنه للماء تحت سطح الارض بين20% و30% وان تدنت في بعض الحالات الي5% او زادت الي60%، وتختلف درجه اتصال هذه الفراغات مع بعضها البعض باختلاف الصخور، وتعرف هذه الخاصيه باسم النفاذيه، ويستدل بها علي قدره الصخور في انفاذ السوائل من خلالها، علما بان حركه السوائل في الصخور بطيئه بصفه عامه، وان كانت في حركه دائبه. ولولا هذا الاعداد المتقن لصخور الارض، وتمايزها في مساميتها ونفاذيتها، وظهور تلك الطبقات المنفذه علي سطح الارض، وتبادلها مع طبقات مصمته او غير منفذه، ولولا الاحكام الشديد في دوره الماء حول الارض، ولولا اخراج هذا الماء اصلا من داخل الارض ما امكن لهذا الكوكب ان يكون صالحا للحياه من اي شكل ولون، ولذلك يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بقوله( عز من قائل):
وانزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الارض وانا علي ذهاب به لقادرون.( المومنون:18)
وهي حقائق تشهد للقران الكريم بانه كلام الله الخالق، كما تشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوه وبالرساله، لانه لم يكن لاحد في زمن البعثه المحمديه الشريفه ولا لقرون متطاوله من بعدها المام باي من تلك الحقائق، فسبحان منزل القران بعلمه، والصلاه والسلام علي خاتم انبيائه ورسله، وعلي كل من تبع هداه ودعا بدعوته، واستن بسنته، والحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق