اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

7:26 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 11 مارس 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

هذا النص القراني جاء قبل منتصف سوره الرعد بقليل، وهي سوره مكيه‏/‏ مدنيه، عدد اياتها ثلاث واربعون، وبها سجده تلاوه واحده، وقد سميت باسم هذه الظاهره الجويه الرعد لاشارتها الي حقيقه تخفي علي كل الغافلين من الخلق المكلفين، وهي ان الرعد كغيره من الظواهر الكونيه هو صوره من صور تسبيح تلك الظواهر لله الخالق الذي انزل في محكم كتابه قوله الحق‏:...‏ وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم‏..(‏ الاسراء‏:44)‏
ومحور سوره الرعد الاساسي هو قضيه العقيده بتفاصيلها من توحيد الالوهيه، والربوبيه، والدينونه لله الخالق وحده‏(‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏)‏ والايمان بملائكته، وكتبه، ورسله، وبخاتمهم اجمعين سيدنا محمد بن عبدالله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه، ودعا بدعوته الي يوم الدين‏)‏ والايمان بحتميه البعث، وبضروره الحساب، وبالخلود في حياه قادمه اما في الجنه ابدا، او في النار ابدا‏..!!‏
وتبدا سوره الرعد باربعه حروف مقطعه المر والحروف المقطعه التي جاءت في مطلع تسع وعشرين سوره من سور القران الكريم، التي تضم اسماء نصف عدد حروف الهجاء العربيه الثمانيه والعشرين، تعتبر من الاسرار التي لم تكتشف بعد في كتاب الله‏.‏
تؤكد السوره لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ان القران الكريم الذي انزل اليه من ربه هو الحق ولكن اكثر الناس لايومنون ثم تعرض لعدد من ايات الله في الكون الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق، وذلك في مقام الاستشهاد علي قدرته ‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في افناء خلقه، واعاده بعثهم من جديد، وبعث الكون كله من حولهم، وذلك لان حجه الكافرين في كفرهم كانت ولا تزال هي عجزهم عن فهم امكانيه البعث بعد تحلل الاجساد وتحولها الي تراب، ناسين او متناسين ان الله علي كل شيء قدير‏.‏ وتعرض الايات لعقاب المكذبين بالبعث يوم القيامه، وذلك لان الكفر بالبعث كفر بالله‏(‏ تعالي‏)‏ وتكذيب لكتبه ورسله‏..!!‏ وتعجب من استعجال الكافرين لعذاب الله، بدلا من سوال رحمته وهدايته، وكانهم لم يعتبروا بما حصل للامم من قبلهم، وتوكد ان الله ‏(‏ تعالي‏)‏ لذو مغفره للناس علي ظلمهم، وانه لشديد العقاب‏..‏
وتذكر الايات ان الكافرين كانوا يستعجلون نزول المعجزات الحسيه، وكان القران الكريم مع عظم قدره لم يكن كافيا لاقناعهم‏!!‏ وتوكد لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ان هذا الموقف من الكفار لايضيره لانه قد ارسل لقومه منذرا وهاديا، كما ارسل من قبله من رسل الله لاقوامهم، وان الله يعلم كل شيء، وهو‏(‏ تعالي‏)‏ علام الغيوب، وان كل شيء عنده بمقدار، وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو الذي يحفظ خلقه، فقد اوكل بكل عبد من عباده ملائكه يحفظونه الي ان ياتي امر الله الذي لا يغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم، وانه لا راد لامره، وان له دعوه الحق، بينما دعاء الكافرين في ضلال‏!!‏
وتوكد الايات ان كل ما في الكون يسجد لله‏(‏ تعالي‏)‏ طوعا وكرها، وحتي ظلالهم في تحركها بالغدو والاصال تمثل صوره من صور الخضوع لله بالطاعه والامتثال لاوامره‏!!‏
وتامر الايات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بسوال الكافرين عن رب السموات والارض، وياتي الجواب صريحا قاطعا‏:‏ الله رب السماوات والارض وتعيب علي الكافرين اتخاذهم اولياء من دون الله، لايملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا، ولم يخلقوا شيئا والله خالق كل شيء وهو الواحد القهار، وتتساءل الايات‏:‏ هل يستوي الاعمي والبصير؟ ام هل تستوي الظلمات والنور؟ وتشبه باطل الكافرين بالزبد الطافي علي وجه الماء المتدفق في الاوديه اثناء السيل، او علي وجه مايصهر من خامات المعادن الفلزيه النفيسه والنافعه، وتشبه الحق الذي انزله الله تعالي بما يمكث في مجاري السيل وتحت خبث الفلزات من نفيس المعادن ونافعها، وتتحدث عن مصير كل من المومنين والكافرين يوم القيامه، وتعرض لشيء من صفات كل منهم، وتوكد ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وانه يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لايحب، فلا يتخيل الكافر او المشرك الذي اعطي في الدنيا حظا وفيرا ان هذا يمكن ان يكون شاهدا له انه علي الحق، وتوكد الايات ان فرح الكافرين والمشركين بالحياه الدنيا هو مجرد غرور لانها متاع موقت اذا قورنت بالخلود في الاخره‏!!*‏
وتكرر الايات تساول الكافرين عن المعجزات الحسيه التي كانوا يرون ضروره تنزلها تاييدا لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وترد عليهم بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يضل من يشاء ممن اراد الضلاله، ويهدي من يشاء ممن طلب الهدايه، وان المومنين تطمئن قلوبهم بذكر الله، لان القلوب المومنه لاتطمئن الا بذكره‏..!‏
وتخاطب الايات رسول الله ‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ موكده ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد ارسله في امه قد خلت من قبلها امم ليتلو عليهم الذي اوحي اليه، وتدعوه ان يعلن ايمانه بالتوحيد الخالص لله تعالي، والتوكل الكامل عليه وحده، والايمان الصادق بان اليه عود ورجوع كل موجود‏!!‏ وتذكر انه لو ان كتابا اذا تليت اياته تحركت بها الجبال عن مواضعها وتصدعت بها الارض وغارت عن مناسيبها وخوطب بها الموتي فاجابوا من داخل قبورهم‏..‏ لكان هو القران الكريم‏..‏ وعلي الرغم من ذلك فان كثيرا من الكفار والمشركين في صد عنه، وعناد له، وتامر عليه وعلي اهله وخاصته، ولله الامر جميعا‏!‏
وتطمئن الايات الذين امنوا بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ لو يشاء لهدي الناس جميعا، وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ يعاقب الذين كفروا في الدنيا قبل الاخره، فلا يزالون باعمالهم تصيبهم القوارع الشديده او تنزل قريبا منهم‏..‏ حتي ياتي امر الله، والله لا يخلف الميعاد‏.‏
وتثبت الايات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بان الرسل من قبله قد استهزيء بهم، كما استهزا الكافرون والمشركون بما يدعو اليه من الحق، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد اخذ الذين استهزاوا برسله اخذا وبيلا، وان عذابهم في الاخره اشد وابقي، وان ليس لهم من واق من عذاب الله‏.‏
ولضلال الكافرين، ومكرهم، وشركهم بالله‏(‏ تعالي‏)‏ اضلهم الله، واكد ان عقباهم النار، وهو القائم علي كل نفس بما كسبت، والمجازي كلا بما يستحق‏!!‏ وفي المقابل‏:‏ تعرض الايات لشيء من اوصاف الجنه التي وعد الله بها المتقين، وتوكد انه علي الذين اوتوا علم الكتب المنزله من قبل ان يفرحوا بما انزل الي خاتم الانبياء والمرسلين لانه الصوره النهائيه التي تكاملت فيها كل رسالات السماء السابقه، وان كفر بذلك عدد من الاحزاب المنكره للدين، او الجاحده لما انزل علي خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏ 
وتشير الايات الي ان انزال القران الكريم حكما عربيا، ومعجزه خالده، وباقيه الي يوم الدين، هو معجزه هذا النبي الخاتم، الذي يحذره ربه من اتباع اهواء الكافرين بعد الذي جاءه من العلم، وانه ما كان لرسول ان ياتي بمعجزه الا باذن الله، وان لكل اجل كتابا، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يمحو ما يشاء، ويثبت وان عنده ام الكتاب.
وتشير الايات الي انقاص الارض من اطرافها كاحدي الحقائق الكونيه الشاهده علي طلاقه القدره الالهيه، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، كما تشير الي مكر الامم السابقه، وتوكد ان لله المكر جميعا فهو‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم ماتكسب كل نفس وسوف يعلم الكفار لمن عقبي الدار، وتختتم السوره الكريمه بخطاب لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بانه اذا كان الكافرون ينكرون بعثته الشريفه فالله‏(‏ تعالي‏)‏ يشهد بصدقها كما يشهد بها كل من عنده علم الكتاب، ويكفيه ذلك عن كل شاهد‏:‏ ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب‏.‏ ‏(‏الرعد‏:43)‏

ومن الايات الكونيه التي استعرضتها سوره الرعد مايلي‏:‏
‏(1)‏ رفع السماوات بغير عمد مرئيه
‏(2)‏ تسخير الشمس والقمر، كل يجري لاجل مسمي
‏(3)‏ مد الارض، وخلق كل من الرواسي والانهار فيها
‏(4)‏ خلق الثمار في زوجيه واضحه
‏(5)‏ اغشاء الليل بالنهار
‏(6)‏ توزيع البركات في الارض علي قطع متجاورات، وجنات من اعناب، وزرع ونخيل، صنوان وغير صنوان، يسقي بماء واحد، ويفضل الله بعضها علي بعض في الاكل‏.‏
‏(7)‏ علم الله تعالي بما تحمل كل انثي، وما تغيض الارحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار
‏(8‏‏)‏ تقسيم الكون الي عالم الغيب وعالم الشهاده، وكله امام علم الله واحد، لان الغيب المكنون الذي لا تدركه عيون البشر وحواسهم مكشوف لعلم الله الذي لاتخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء‏..‏
‏(9)‏ عدد من الظواهر الكونيه المبهره كالرعد‏.,‏ والبرق، والصواعق
‏(10)‏ انشاء السحاب الثقال وانزال المطر منه
‏(11)‏ سجود كل من في السماوات والارض لله‏(‏ تعالي‏)‏ طوعا وكرها، وظلالهم بالغدو والاصال‏.‏
‏(12)‏ الاقرار بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء
‏(13)‏ انقاص الارض من اطرافها
‏(14)‏ تشبيه الباطل بزبد السيل او زبد الفلزات المصهوره، وتشبيه الحق بما يمكث في الارض مترسبا من ماء السيل من مثل الجواهر والمعادن النفيسه والنافعه، او يبقي بعد صهر الفلزات الثمينه والمفيده مع عدد من المواد لتخليصها مما قد يكون فيها من شوائب علي هيئه الخبث‏(‏ الزبد‏).‏
كل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي مقال خاص بها، ولكني سوف اركز هنا فقط علي قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏): انزل من السماء ماء فسالت اوديه بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليه او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال‏ (‏ الرعد‏:17)‏
ولكن قبل ذلك لابد من استعراض الدلاله اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه، ولاقوال عدد من المفسرين السابقين فيها‏.‏

الدلاله اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه
من الالفاظ الوارده في الايه الكريمه والتي تحتاج الي بيان دلالتها اللغويه ما يلي‏:‏
‏(1)‏ الزبد‏:(‏ الزبد‏)‏ في العربيه مثل‏(‏ زبد الماء‏),‏ و‏(‏زبد البعير‏),‏ و‏(‏زبد الذهب او الفضه‏)‏ وغيرها، هو فقاعات هوائيه بها قليل من بخار الماء وبعض الجسيمات الصلبه علي هيئه الرغوه‏:‏ وتنشا عن التحريك الشديد للسوائل او غليها او تخمرها، وعن صهر الفلزات وغليانها، والزبد‏(‏ الخبث‏)‏ في الحاله الاخيره قد يتصلب ويجمد ولكنه يبقي مشابها لغثاء السيل في امتلائه بالفراغات والقاذورات، ولذلك تطلق لفظه‏(‏ الزبد‏)‏ علي كل امر تافه حقير، لان هذا‏(‏ الزبد‏)‏ عاده لا قيمه له، ولا فائده منه‏.‏
و‏(‏الزبد‏)‏ عاده ما يعلو سطح الماء عند اشتداد حركته ويسمي الغثاء‏(‏ من مثل غثاء السيل‏),‏ ويعلو سطح ما بقدر من السوائل او الجوامد عند غليانها علي هيئه الرغوه ويسمي الوضر او الخبث ويقال‏:(‏ ازبد‏)‏ الشراب اي صار ذا‏(‏ زبد‏)‏ اذا تخمر ويقال‏:‏ بحر‏(‏ مزبد‏)‏ اي مائج يقذف‏(‏ بالزبد‏),‏ و‏(‏الزبد‏)‏ اشتق اسمه من‏(‏ الزبد‏)‏ لمشابهته اياه في اللون، ويقال‏:(‏ زبده‏)‏ اي اطعمه‏(‏الزبد‏)‏ كما يقال‏:(‏ زبدته‏)(‏ زبدا‏)‏ اي اعطيته مالا وفيرا كالزبد كثره، او اطعمته‏(‏ الزبد‏),‏ وفي الحديث الشريف‏:‏ انا لا نقبل زبد المشركين، و‏(‏الزباد‏)‏ نور يشبه الزبد بياضا‏.‏
‏(2)‏ جفاء‏:(‏ الجفاء‏)‏ في العربيه هو القطيعه وكل ما هو ضد البر، ولذا يقال‏:(‏ جفوته‏)(‏ اجفوه‏)(‏ جفوه‏)‏ و‏(‏جفاء‏)‏ اي هجرته وقطعت كل صله لي به، وهو بالنسبه لي‏(‏ مجفو‏),‏ ويقال‏:(‏ تجافي‏)‏ جنبه عن الفراش اي نبا عنه، و‏(‏استجفاه‏)‏ اي عده‏(‏ جافيا، كما يقال‏:(‏ جفت‏)‏ القدر و‏(‏اجفت‏)‏ و‏(‏اجفات زبدها‏(‏ اجفاء‏)‏ اي القته الي خارجها، و‏(‏اجفات‏)‏ الارض اي اصبحت قاحله‏(‏ كالجفاء‏)‏ بذهاب خيرها‏.‏
‏(3)‏ مكث‏:(‏ المكث‏)‏ بضم الميم وكسرها اللبث والثبات والانتظار، يقال‏:(‏ مكث‏)(‏ مكثا‏)‏ ومكثا‏)‏ و‏(‏تمكث‏)‏ اي بقي وتلبث فهو‏(‏ ماكث‏)‏ وهم‏(‏ ماكثون‏),‏ والامر‏(‏ امكثوا‏)‏ اي ابقوا وتلبثوا‏.‏

اقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي‏: انزل من السماء ماء فسالت اوديه بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليه او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال‏.‏ ‏(‏الرعد ايه‏17).‏
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:‏ اشتملت هذه الايه الكريمه علي مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه، فقال تعالي‏:(‏ انزل من السماء ماء‏)‏ اي مطرا‏,(‏ فسالت اوديه بقدرها‏)‏ اي اخذ كل واد بحسبه، فهذا كبير وسع كثيرا من الماء وهذا صغير وسع بقدره‏..(‏ فاحتمل السيل زبدا رابيا‏),‏ اي فجاء علي وجه الماء الذي سال في هذه الاوديه زبد عال عليه، هذا مثل، وقوله‏:(‏ ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليه او متاع‏)‏ الايه، هذا هو المثل الثاني وهو ما يسبك في النار من ذهب او فضه‏(‏ ابتغاء حليه‏)‏ اي ليجعل حليه، او نحاسا او حديدا فيجعل متاعا فانه يعلوه زبد منه، كما يعلو ذلك زبد منه‏(‏ كذلك يضرب الله الحق والباطل‏),‏ اي اذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له، كما ان الزبد لا يثبت مع الماء، ولا مع الذهب والفضه مما يسبك في النار، بل يذهب ويضمحل، ولهذا قال‏:(‏ فاما الزبد فيذهب جفاء‏)‏ اي لا ينتفع به، بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي، ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح، وكذلك خبث الذهب والفضه والحديد والنحاس يذهب ولا يرجع منه شيء ولا يبقي الا الماء وكذلك الذهب ونحوه ينتفع به، ولهذا قال‏:(‏ واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال‏)..‏
وجاء في الجلالين رحم الله تعالي كاتبيه ما نصه‏:‏ ثم ضرب مثلا للحق والباطل فقال‏:(‏ انزل‏)‏ تعالي‏(‏ من السماء ماء‏)‏ مطرا‏(‏ فسالت اوديه بقدرها‏)‏ بمقدار ملئها‏(‏ فاحتمل السيل زبدا‏)(‏ رابيا‏)‏ عاليا عليه، والزبد هو ما علي وجهه من قذر ونحوه‏(‏ ومما توقدون‏)‏ بالتاء والياء‏(‏ عليه في النار‏)‏ من جواهر الارض كالذهب والفضه والنحاس‏(‏ ابتغاء‏)‏ طلب‏(‏ حليه‏)‏ زينه‏(‏ او متاع‏)‏ ينتفع به كالاواني اذا اذيبت اي انصهرت ‏(‏ زبد مثله‏)‏ اي‏:‏ مثل زبد السيل، وهو خبثه الذي ينفيه الكير‏(‏ كذلك‏)‏ المذكور‏(‏ يضرب الله الحق والباطل‏)‏ اي يضرب مثلهما‏(‏ فاما الزبد‏)‏ من السيل ومما اوقد عليه من الجواهر والمعادن‏(‏ فيذهب جفاء‏)‏ باطلا مرميا به، وهذا مثل الباطل‏(‏ واما ما ينفع الناس‏)‏ من الماء والجواهر والمعادن‏(‏ فيمكث‏)‏ يبقي‏(‏ في الارض‏)‏ زمانا، وهذا مثل الحق، كذلك الباطل يضمحل وينمحق وان علا علي الحق في بعض الاوقات، والحق ثابت باق‏(‏ كذلك‏)‏ المذكور‏(‏ يضرب‏)‏ يبين‏(‏ الله الامثال‏).‏
وجاء في تفسير الظلال رحم الله تعالي كاتبه رحمه واسعه ما نصه‏:‏ ثم نمضي مع السياق، يضرب مثلا للحق والباطل، للدعوه الباقيه والدعوه الذاهبه مع الريح، للخير الهاديء والشر المنتفخ، والمثل المضروب هنا مظهر لقوه الله الواحد القهار، ولتدبير الخالق المدبر المقدر للاشياء، وهو من جنس المشاهد الطبيعيه التي يمضي في جوها السياق‏:(‏ انزل من السماء ماء فسالت اوديه بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا‏..)‏ الايه‏.‏
وانزال الماء من السماء حتي تسيل به الوديان يتناسق مع جو البرق والرعد والسحاب الثقال في المشهد السابق، ويولف جانبا من المشهد الكوني العام الذي تجري في جوه قضايا السوره وموضوعاتها وهو كذلك يشهد بقدره الواحد القهار‏..‏
وان تسيل هذه الاوديه بقدرها، كل بحسبه، وكل بمقدار طاقته ومقدار حاجته يشهد بتدبير الخالق عز وجل وتقديره لكل شيء‏..‏ وهي احدي القضايا التي تعالجها السوره‏..‏ وليس هذا او ذلك بعد الا اطارا للمثل الذي يريد الله تعالي ليضربه للناس من مشهود حياتهم الذي يمرون عليه دون انتباه‏.‏
ان الماء لينزل من السماء فتسيل به الاوديه، وهو يلم في طريقه غثاء فيطفو علي وجهه في صوره الزبد حتي ليحجب الزبد الماء في بعض الاحيان، هذا الزبد نافش راب منتفخ‏.‏ ولكنه بعد غثاء، والماء تحته سارب ساكن هاديء‏..‏ ولكنه هو الماء الذي يحمل الخير والحياه‏..‏ كذلك يقع في المعادن التي تذاب تصهر لتصاغ منها حليه كالذهب والفضه، او انيه او اله نافعه للحياه كالحديد والرصاص، فان الخبث يطفو وقد يحجب المعدن الاصيل، ولكنه بعد خبث يذهب ويبقي المعدن في نقاء‏.‏
ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياه، فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابيا طافيا ولكنه بعد زبد او خبث، ما يلبث ان يذهب جفاء مطروحا لا حقيقه له ولا تماسك فيه، والحق يظل هادئا ساكنا، وربما يحسبه بعضهم قد انزوي او غار او ضاع او مات، ولكنه هو الباقي في الارض كالماء المحيي والمعدن الصريح ينفع الناس‏(‏ كذلك يضرب الله الامثال‏)‏ وكذلك يقرر مصائر الدعوات، ومصائر الاعتقادات، ومصائر الاعمال والاقوال‏..‏ وهو الله الواحد القهار، المدبر للكون والحياه، العليم بالظاهر والباطن، والباقي والزائل‏.‏
وذكر صاحب صفوه البيان لمعاني القران رحمه الله تعالي رحمه واسعه ما نصه‏:(‏ انزل من السماء ماء‏)‏ ضرب الله مثلين للحق هما الماء الصافي، والجوهر الصافي، اللذان ينتفع بهما، ومثلين للباطل‏:‏ هما زبد الماء، وزبد الجوهر، اللذان لا نفع فيهما‏(‏ فسالت اوديه بقدرها‏)‏ فسالت المياه في الاوديه بمقدارها الذي عينه الله تعالي، واقتضته حكمته في نفع الناس، او بمقدارها قله وكثره بحسب صغر الاوديه وكبرها، والاوديه جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثره، ويطلق علي الفرجه بين الجبلين‏.(‏ فاحتمل السيل‏)‏ اي فحمل الماء السائل في الاوديه‏(‏ زبدا‏)‏ وهو ما يعلو علي وجه الماء عند اشتداد حركته ويسمي الغثاء، وما يعلو علي القدر عند الغليان كالرغوه ويسمي الوضر والخبث‏.(‏ رابيا‏)‏ عاليا مرتفعا فوق الماء، طافيا عليه، وهنا تم المثل الاول، ثم ابتدا في الثاني فقال‏(‏ ومما يوقدون عليه في النار‏)‏ اي ومن الذي يفعلون عليه الايقاد في النار كالذهب والفضه والنحاس والرصاص وغيرها من المعادن‏,(‏ ابتغاء حليه‏)‏ اي لاجل اتخاذه حليه للزينه والتجمل كالاولين‏(‏ او متاع‏)‏ او لاجل اتخاذه متاعا يرتفق به كالاخرين‏. (‏ زبد مثله‏)‏ اي مثل ذلك الزبد في كونه رابيا فوقه، فقوله‏(‏ زبد‏)‏ مبتدا موخر خبره‏(‏ مما يوقدون‏),(‏ كذلك يضرب الله الحق والباطل‏)‏ اي يضرب مثلهما للناس للاعتبار‏,(‏ فاما الزبد فيذهب جفاء‏)‏ فاما الزبد الذي من كل من السيل ومما يوقدون عليه في النار فيذهب مرميا به مطروحا، يقال جفا الماء بالزبد اي اذا قذفه ورمي به، وجفات القدر‏:‏ رمت بزبدها عند الغليان، واجفات به واجفاته‏.‏
وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم جزاهم الله تعالي خيرا مانصه‏:‏
فهو الذي انزل عليكم الامطار من السحاب، فتسيل بها الانهار والوديان كل بالمقدار الذي قدره الله تعالي لانبات الزرع واثمار الشجر، والانهار في جريانها تحمل ما لا نفع فيه ويعلو علي سطحها، فيكون فيها ما فيه نفع فيبقي، وما لا نفع فيه يذهب، ومثل ذلك الحق والباطل، فالاول يبقي والثاني يذهب، ومن المعادن التي يصهرونها بالنار مايتخذون منها حليه كالذهب والفضه ومنافع ينتفعون بها كالحديد والنحاس، ومنها ما لا نفع فيه يعلو السطح، وان ما لا نفع فيه يرمي وينبذ، وما فيه النفع يبقي، كذلك الامر في العقائد‏:‏ ما هو ضلال يذهب، وما هو صدق يبقي، وبمثل هذا يبين الله سبحانه الحقائق، ويمثل بعضها ببعض لتكون كلها واضحه بينه‏.‏
وجاء في الهامش‏:‏ بين الله شبيهين للحق هما الماء الصافي والمعدن الصافي ينتفع بهما وبين شبيهين للباطل هما زبد الماء وزبد المعادن المذابه‏(‏ المنصهره‏)‏ لا نفع منها فقال‏:‏ انزل من السحاب مطرا فسالت مياه اوديه بمقدارها في الصغر والكبر فحمل الماء السائل زبدا عاليا علي وجه الماء يسمي غثاء، ومن بعض المعادن التي يوقد الناس عليها في النار كالذهب والفضه والنحاس والرصاص طالبين عمل حليه او متاع ينتفع به كالاواني وغيره‏.‏ا زبد مثل زبد الماء في كونه عاليا فوق سوائل منصهر المعادن يسمي خبثا كهذا المذكور من الماء وزبده والمعدن وزبده، بين الله عزوجل للناس الحق والباطل، فالحق كالماء الصافي والمعدن الصافي والباطل كالزبد الذي لاينتفع به‏.‏
فاما الزبد الناشيء عن السيل والمعادن فيذهب مرميا به، واما ما ينفع الناس من الماء والمعادن فيبقي في الارض للنفع كهذين المثلين في الجلاء والوضوح يبين الله عزوجل الامثال للناس فيبصرهم بالخير والشر‏.‏

مفهوم الايه الكريمه في ضوء المعارف الحديثه
يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ انزل من السماء ماء فسالت اوديه بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليه او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال (‏الرعد‏:17).‏
هذا المثل القراني الرائع يشبه الباطل الدنيا بالزبد الذي يطفو فوق اسطح السيول المتدفقه بالماء في الاوديه الضيقه والواسعه علي حد سواء، او بما يشبهه من الزبد الذي يطفو فوق اسطح المعادن الفلزيه النفيسه والنافعه حينما يتم صهرها مع بعض المواد لتنقيتها من الشوائب العالقه بها، وفي الحالتين يتضح ان الزبد الذي يحمله السيل‏(‏ غثاء السيل‏),‏ والزبد الذي يطفو فوق اسطح الفلزات المصهوره‏(‏ خبث الفلزات‏)‏ لاقيمه لهما، ولا فائده في اي منهما، وكلاهما نهايته النبذ والالقاء‏..‏ وكذلك الباطل‏...!!‏
وفي المقابل يشبه هذا المثل القراني الحق بما يمكث في الارض مما ينتفع به الناس في الحالتين‏:‏ ففي حاله السيول الجاريه في الاوديه ينتفع الناس بمائها والماء سر من اسرار الحياه كما ينتفعون بما يحمله السيل من ثروات معدنيه كبيره تترسب بالتدريج علي طول الوادي الذي يندفع فيه السيل، وذلك مع تباطو سرعه جريان الماء المتدفق في الاوديه وتناقص قدرته علي الحمل، فتترسب هذه المعادن كل حسب حجم حبيباته وكثافته النوعيه‏:‏ الاثقل فالاقل كتله بالتدريج حتي يتم تمايز حموله تلك السيول من المعادن، وتركيز كل منها في مناطق محدده من مجاري السيول، وتعرف هذه الترسيبات المعدنيه باسم رسوبيات القراره‏(PlacerDeposits),‏ وكثير من الثروات الارضيه تتجمع بمثل هذه الطريقه لوجودها اصلا بنسب ضئيله في صخور الارض، ويتم ذلك بتكرار هذه العمليه لمرات عديده عبر الاف السنين ان لم يكن عبر الاف بل عشرات الالاف من القرون، وهذه حقيقه لم تكن معروفه وقت تنزل القران الكريم، ولا لقرون متطاوله من بعد نزوله، ولذلك ركز الاقدمون من المفسرين علي ان ما يمكث في الارض بعد ذهاب غثاء السيل‏(‏ اي زبده‏)‏ جفاء هو الماء، وما يستفاد به منه في حياه الناس من شرب، وسقيا للحيوانات، وري للنباتات والمزروعات‏..‏
وفي حاله خامات الفلزات النفيسه منها كالذهب والفضه والبلاتين، والمفيده كالحديد والنحاس والرصاص والقصدير وغيرها فانه يضاف الي تلك الخامات بعض المواد التي تساعد علي انصهارها، وعلي تنقيتها مما فيها من شوائب، وهذه المواد المساعده من مثل الحجر الجيري، والرمل، وثاني اكسيد المنجنيز وغيرها تتحد مع ما بتلك الفلزات من شوائب عند صهرها وتطفو بها فوق سطح الفلز المنصهر مكونه مايعرف باسم خبث الفلزات، وهذا الخبث ينفصل تماما عن الفلز المنصهر الصافي، وحينما يترك ليتبرد يتجمد علي هيئه طبقه زجاجيه سوداء، مليئه بالفقاعات الهوائيه، تشبه الي حد بعيد غثاء السيل وما يحمل معه من شوائب، وبانفصال طبقه الخبث يصبح الفلز في درجه عاليه من الصفاء والنقاء، وبهذا يشبه القران الكريم الحق في صفائه ونقائه‏.‏
والتشبيه في الحالتين‏:‏ تشبيه الباطل بالزبد الجافي، وتشبيه الحق بما يمكث في الارض فينتفع به الناس جاء علي قدر من الدقه اللغويه والعلميه، والاحاطه والشمول بالمعني المقصود لم تكن متوافره لاحد من الخلق وقت تنزل القران الكريم ولا لاكثر من عشره قرون بعد تنزله‏..‏ مما يقطع بان القران الكريم هو كلام الله الخالق، ويشهد بالنبوه والرساله للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه‏(‏ صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏).‏
فمن الامور الثابته اليوم ان دورا من الادوار المنوطه بماء الارض والماء اصلا هو سر من اسرار الحياه منذ اللحظه الاولي لانبثاقه من داخل الارض الي خارجها‏(‏ خلال فتره دحوها‏)‏ وبدا دورته حول الارض هو شق المجاري المائيه والاوديه، وتسويه سطح الارض، والتعاون علي تعريه الصخور ونحتها، وتفتيت مكوناتها، واذابه مايقبل الذوبان من تلك المكونات وحمله الي مياه البحار والمحيطات، وترك الباقي علي هيئه تربه الارض، او حمله ايضا الي البحار والمحيطات والبحيرات والمنخفضات علي هيئه الرسوبيات التي تتضاغط تدريجيا لتكون الصخور الرسوبيه‏.‏
ومن المعروف ان صخور الارض تتكون من المعادن، وان تلك المعادن تتباين في تركيبها الكيميائي، وفي صفاتها الفيزيائيه‏(‏ الفطريه‏)‏ فمنها مايتحمل عمليات التعريه ويقاومها فيبقي لفتره طويله، ومنها ما لايقوي علي ذلك فيبلي بسرعه فائقه، ومنها ما هو عالي الكثافه فيرسب في الماء، ومنها ما هو اقل كثافه من الماء فيحمله الماء الي مسافات بعيده ويظل عالقا به لفترات طويله، وحينما تحمل السيول الجارفه هذا الفتات الصخري منحدره به من قمم الجبال الشاهقه الي سفوحها الهابطه والسهول المحيطه بها، قد تنتهي به الي قيعان البحار والمحيطات او الي دالات داخليه في قلب السهول والسهوب الصحراويه، وتقوي السيول علي حمل الفتات الصخري طالما كانت مندفعه بسرعات عاليه، ولكن حينما تضعف سرعه التيار المائي تتناقص قدرته علي حمل الفتات الصخري فيبدا في ترسيبه في مجري الوادي الذي يتحرك فيه السيل بالتدريج حسب كتله مايحمل من فتات، وبهذه الطريقه يتمايز هذا الفتات الصخري حسب حجم حبيباته، والكثافه النوعيه لكل منها، فالمعادن ذات الكثافه العاليه والحبيبات الخشنه تترسب اولا، ويليها بالتدريج المعادن ذات الكثافه الاقل وحجم الحبيبات الادق، وتودي
عمليه التمايز الي تركيز عدد من جواهر الارض كالالماس والياقوت والزمرد، والزبرجد والعقيق والفيروز وغيرها وعدد من الخامات الفلزيه النفيسه من مثل الذهب والفضه والبلاتين وغيرها والنافعه من مثل الحديد والنحاس والرصاص والقصدير والزنك والمنجنيز والكروم والنيكل وغيرها، علي هيئه تجمعات رسوبيه في قيعان الاوديه التي مرت بها تلك السيول، ولعل هذا هو من دلالات قول الحق تبارك وتعالي‏:....‏ واما ماينفع الناس فيمكث في الارض‏..‏ وليس الماء فقط كما تصور السابقون من المفسرين‏..‏
كذلك في قول الحق‏(‏ سبحانه وتعالي‏):..‏ فسالت اوديه بقدرها‏..‏ نري انه بالاضافه الي حجم الوادي ضيقا وسعه‏(‏ وبالتالي قله في كم الماء المندفع فيه وكثره‏)‏ لعل من المقصود ايضا هو الطريق الذي يسلكه الماء مارا بمناطق ممعدنه او غير ممعدنه؟ وباي نوع وقدر من التمعدن؟ لان هذا من تقدير الله كما نوعا‏..‏
اما المواد الخفيفه والغثائيه التي تحملها فقاقيع الهواء المتكونه بسبب سرعه اندفاع الماء في الوادي علي هيئه زبد السيل او غثائه، فيتكون من الاتربه الدقيقه، وبقايا المعادن المسحوقه او الرقيقه، والقش، وغيره من فتات النباتات، مما لا قيمه له، ولا نفع منه، ولذا يجمع تحت اسم غثاء السيل ويعبر به عن كل تافه وحقير‏.‏
ويحمل السيل غثاءه فوق سطح مائه حتي يلقي به علي جوانب الوادي او دلتاه الداخليه او في عرض البحر فلا يكاد يبقي له من اثر‏..!!‏
وعلي ذلك فان عوامل التعريه وبخاصه الماء‏(‏ سائلا ومتجمدا‏)‏ قد لعبت، ولا تزال تلعب، دورا مهما في تهيئه الارض لكي تكون صالحه للعمران، ومن اهم هذه الادوار بالاضافه الي كون الماء مصدرا من مصادر الحياه وسرا من اسرار الله فيها هو دور الماء في تفتيت الصخور، وتكوين التربه والرسوبيات المختلفه، وفرز ما فيها من معادن غير قابله للذوبان في الماء، ومقاومه لعمليات البري والتفتيت، وتركيزها عبر نقلها من مكنوناتها في داخل الصخور بعد تفتيتها، وحملها بواسطه السيول، وترسيبها في مجاري الاوديه والانهار ودالاتها، وعلي شواطئ البحار وفي مستنقعاتها، مع تباطو سرعه جريان السيل، وتناقص قدره الماء علي الحمل، ومن هنا كانت تسميه تلك الرسوبيات باسم رسوبيات القراره، اما علي شواطئ البحار فتقوم عمليات المد والجزر بحمل الخفيف من المعادن وتركيز الثقيل منها علي الشواطئ تحت مسمي الرمال السوداء‏.‏
ويعد كل من الذهب والفضه والقصدير من الثروات الارضيه المهمه التي تركز في رسوبيات القراره، وتستخرج من رواسب الاوديه، ومن قيعان ودالات بعض الانهار، ولذا تعتبر رسوبيات القراره من المصادر التعدينيه الهامه والميسره علي وجه الارض‏.‏
وقد قامت السيول المائيه في القديم ولاتزال تقوم بازاله ما بطريقها من نباتات، وحملها الي عدد من البحيرات الداخليه، والمستنقعات، وشواطئ البحار، حيث تم طمرها بالرسوبيات، وتفحمها بمعزل عن الهواء مكونه طبقات من الفحم ذات القيمه الاقتصاديه العاليه، وبزياده الحراره علي تلك الطبقات الفحميه في بعض المناطق تحولت الي الغاز الطبيعي، وهو ايضا ذو قيمه اقتصاديه عاليه‏.‏
كذلك فان العديد من صور الحياه الهائمه والسابحه في مياه البحار وفي دالات الانهار، تهبط حين تموت الي قيعان البحار حيث تطمر بالرسوبيات، وتدفن في الاعماق، فتتحلل تلك البقايا مكونه كلا من النفط والغاز المصاحب له، واللذين لا تخفي اهميتهما اليوم علي عاقل‏.‏
اما ما يحمل ماء السيول من عناصر ومركبات مذابه فيه فانها تترسب ايضا بالتفاعلات الكيميائيه في مجاري الاوديه والانهار ودالاتها، وفوق قيعان البحار والبحيرات علي هيئه عدد من الركازات المعدنيه المهمه التي منها‏:‏ الحجر الجيري، الفوسفات، البوتاس، الكبريت، الملح، الجبس، الانهيدرايت، البوكسايت‏(‏ ثالث اكسيد الالومنيوم‏),‏ الماجنيزايت‏(‏ كربونات المغنيسيوم‏)‏ وغيرها‏.‏
ولعل هذا كله مما يمكن ضمه تحت مدلول النص القراني المعجز‏..‏ واما ماينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال‏.‏
هذه الدقه في التعبير، والشمول والاحاطه في الدلاله علي عدد من العمليات الارضيه التي لم يصل الانسان الي فهمها الا بعد مجاهده استغرقت عشرات الالاف من العلماء لمئات السنين‏..‏ ورودها في كتاب الله الذي انزل من قبل الف واربعمائه من السنين بهذا الاسلوب المعجز وقد جاءت في مقام التشبيه مما يشهد للقران الكريم بانه كلام الله الخالق الذي انزله بعلمه‏..‏
ويشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بانه كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والارض‏..‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين والحمد لله رب العالمين‏.‏

إرسال تعليق