
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 13 ديسمبر 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"
روي الامام مسلم بسنده: ( ان يهوديا مر بالنبي ( صلي الله عليه وسلم) وهو يحدث اصحابه، فقالت قريش: يايهودي ان هذا يزعم انه نبي، فقال اليهودي: لاسالنه عن شيء لايعلمه الا نبي، فقال: يامحمد مم يخلق الانسان؟ فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم):يايهودي من كل يخلق، من نطفه الرجل ومن نطفه المراه، فقال اليهودي:هكذا كان يقول من قبلك) (اي من الانبياء)
وروي الطبري بسنده عن مجاهد(رضي الله عنه) انه قال: قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): ما خلق الله الولد الا من نطفه الرجل والمراه جميعا.
وروي الامام مسلم بسنده ان النبي ( صلي الله عليه وسلم) قال: ما من كل الماء يكون الولد، واذا اراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء هذه الحقائق العلميه التي تقع من علم الاجنه في الصميم والتي لم تعرف مبادوها الاوليه الا في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي،واستغرقت اكثر من قرنين من الزمن حتي تستقر في وجدان علماء الاجنه، تحدث عنها خاتم الانبياء والمرسلين ( صلي الله عليه وسلم) بهذه الدقه العلميه، والاحاطه الشموليه منذ مطلع القرن السابع الميلادي، اي قبل ان يصل اليها العلم المكتسب باكثر من عشره قرون كامله...!!
فحتي نهايه القرن الثامن عشر الميلادي كان الناس يعتقدون ان الانسان يخلق جسمه كاملا بابعاد متناهيه في الصغر من دم الحيض، وبعد اكتشاف بويضه الانثي قالوا ان الانسان يخلق كاملا فيها كما يخلق فرخ الدجاجه في بيضتها، ولكن بعد اكتشاف الحيوان المنوي نادوا بان الجنين يخلق كاملا في راس ذلك الحيوان علي الرغم من ضالته، ولم ينته الجدل بين انصار كل من هذه التصورات الخاطئه الا في نهايه القرن الثامن عشر الميلادي حين اكتشفت اهميه كل من الحيوان المنوي والبويضه في عمليه تكوين البويضه الملقحه التي ينشا عنها الجنين، ولم يتم الاتفاق علي ذلك الا في نهايه القرن التاسع عشر الميلادي.
وفي القرن العشرين ثبت لعلماء الاجنه انه من بين ملايين النطف الذكريه ( الحيوانات المنويه) التي تنزل في الدفقه الواحده لايصل منها الي قناه الرحم الا خلاصه لايتعدي عددها الخمسمائه، يتمكن واحد منها فقط من اختراق البويضه( النطفه الانثويه), فيتم تلقيحها وتكوين النطفه الامشاج التي وصفها الحق( تبارك وتعالي) في محكم كتابه، والبويضه هي ايضا جزء من ماء المراه، وهنا تتضح لمحه من لمحات الاعجاز العلمي في قول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): مامن كل الماء يكون الولد
وهذه الاحاديث النبويه الشريفه مويده بقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد خلقنا الانسان من سلاله من طين ثم جعلناه نطفه في قرار مكين ثم خلقنا النطفه علقه فخلقنا العلقه مضغه فخلقنا المضغه عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين* ( المومنون:12 14)
وبقوله( عز من قائل): هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا انا خلقنا الانسان من نطفه امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ( الانسان:2,1)
وقوله( سبحانه وتعالي): يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير (الحجرات:13)
وقوله( تعالي): يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفه ثم من علقه ثم من مضغه مخلقه وغير مخلقه لنبين لكم ونقر في الارحام مانشاء الي اجل مسمي ثم نخرجكم طفلا... (الحج:5)
وانطلاقا من هذه الحقائق العلميه الناصعه في كل من كتاب الله( تعالي), وسنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) فان علماء المسلمين كانوا علي يقين منها في الوقت الذي ظل علماء الغرب يتخبطون في ظلمه من الاساطير والخرافات علي مدي عشره قرون كامله او يزيد حتي وصلوا الي شيء من التصور البدائي لتلك الحقائق، ولم يستكملوا رويتها الا في العقود المتاخره من القرن العشرين.
فهذا ابن حجر العسقلاني رحمه الله يقول في شرح الحديث الشريف الذي نحن بصدده، وما يرتبط به من احاديث في نفس الباب ما نصه:
ويزعم كثير من اهل التشريح ان مني الرجل لا اثر له في الولد الا في عقده، وانه انما يتكون من دم الحيض، واحاديث الباب تبطل ذلك.
ويوكد هذا الكلام ابن القيم( يرحمه الله) قوله في كتابه المعنون التبيان في علوم القران ما نصه:ومني الرجل وحده لايتولد منه الولد مالم يمازحه ماده اخري من الانثي
هذا السبق بعدد من الحقائق العلميه في كل من كتاب الله، وسنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) لكل المعارف المكتسبه بعشره قرون او يزيد لايمكن تفسيره الا بكون القران الكريم كلام الله الخالق، وكون هذا النبي الخاتم، والرسول الخاتم موصولا دائما ومويدا بوحي السماء فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه، ومن تبع هداه الي يوم الدين، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق