
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 25 نوفمبر 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"
يروي عن قبيصه بن المخارق ( رضي الله عنه) انه قال: سمعت رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) يقول: العيافه، والطيره، والطرق، من الجبت ( رواه ابو داود باسناد حسن).
والعيافه هي الزجر، اي زجر الطير بقصد التيمن او التشاوم باتجاه طيرانه، فان طار الي جهه اليمين تيمن واستبشر، وان طار الي جهه اليسار تشاءم وانقبض; الطيره هي التشاوم; والطرق هو الضرب بالحصي ضرب من التكهن; والجبت كلمه تطلق علي كل ما عبد من دون الله، او كل مطاع في معصيه الله، واصل الجبت هو الجبس وهو الذي لاسير فيه، فابدلت التاء من السين; ولذلك تطلق لفظه الجبت علي الشيطان، كما تطلق علي الصنم، والكاهن، والساحر وعلي السحر ذاته، وعلي كل باطل يصرف العبد عن التوحيد الخالص لله، ويدخله في دائره الشرك او الكفر بالله; والكلمه واضحه الدلاله في هذا الحديث الشريف علي الشرك بالله ( اعاذنا الله تعالي منه).
وكل من العيافه، والطيره، والطرق هو في حقيقته انصراف عن التوكل الكامل علي الله، ولجوء الي التحايل من اجل استشراف الغيب.. خوفا منه، وحذرا من مفاجاته، وهو من الامور المنهي عنها شرعا، ولذلك يروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) انه قال: من اتي عرافا فساله عن شيء، فصدقه، لم تقبل له صلاه اربعين يوما ( رواه مسلم في صحيحه); وفي روايه اخري: من اتي كاهنا او عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل علي محمد( صلي الله عليه وسلم) وعن ابن عباس( رضي الله عنهما) انه قال: قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): من اقتبس علما من النجوم، اقتبس شعبه من السحر زاد ما زاد( رواه ابو داود باسناد صحيح)
والمقصود بعلم النجوم هنا هو التنجيم، والتنجيم خرافه لا اساس لها من العلم، اما علوم الفلك، ودراسه النجوم او غيرها من اجرام السماء بالملاحظه والاستنتاج، او بالتجربه والملاحظه والاستنتاج فهو امر مرغوب فيه، ومندوب اليه، وموكد عليه، وهو من فروض الكفايه التي لايجوز للامه ان تتخلف عنها بجملتها.
ولتاكيد هذا المعني يروي عن معاويه بن الحكم( رضي الله عنه) انه قال: قلت يارسول الله اني حديث عهد بجاهليه، وقد جاءنا الله( تعالي) بالاسلام، وان منا رجالا ياتون الكهان؟ قال( صلي الله عليه وسلم): فلا تاتهم، قلت: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: ذلك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدهم، قلت: ومنا رجال يخطون؟ قال: كان نبي من الانبياء يخط، فمن وافق خطه، فذاك( رواه مسلم في صحيحه).
عن ام المومنين عائشه( رضي الله تبارك وتعالي عنها) قالت: سال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) اناس عن الكهان، فقال: يلبسوا بشيء، فقالوا: يارسول الله انهم يحدثوننا احيانا بشيء فيكون حقا؟ فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): تلك الكلمه من الحق يخطفها الجني، فيقرها في اذن وليه، فيخلطون معها مائه كذبه( متفق عليه).
وفي روايه للبخاري عن السيده عائشه( رضي الله عنها) انها سمعت رسول الله( صلي الله عليه وسلم) يقول: ان الملائكه تنزل في العناق وهو السحاب فتذكر الامر قضي في السماء، فيسترق الشيطان السمع، فيسمعه، فيوحيه الي الكهان، فيكذبون معه مائه كذبه من عند انفسهم. وهذا كله ياتي انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالي في سوره الجن: وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وانهم ظنوا كما ظننتم ان لن يبعث الله احدا وانا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وانا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا( الجن:6 9)..
وتاتي المعارف الحديثه كلها متطابقه مع كلام الله( سبحانه وتعالي) ومع احاديث رسول الله( صلي الله عليه وسلم) فتثبت ان كلا من العيافه، والطيره، والطرق، والكهانه، والتنجيم، وقراءه الطالع وغير ذلك من محاولات الاطلاع علي الغيب هي خرافات لا اساس لها من الصحه، وان الحظ اذا كان بعيدا عن كلام الله تعالي، وعن هدي رسوله( صلي الله عليه وسلم) هو ايضا من الخرافات التي لا يلجا اليها الا اصحاب النفوس المريضه، والافهام السقيمه، وللتدليل علي ذلك نعرض لعمليه التنجيم وهي الادعاء الباطل بان للابراج السماويه التي يولد في ظلها الانسان تاثيرا علي شخصيته وسلوكه، وهو ادعاء لا اساس له من الصحه، اولا للمسافات الشاسعه الفاصله بيننا وبين النجوم المكونه لبرج من تلك الابراج، وثانيا لان تلك النجوم تبدو لنا من فوق سطح الارض كتكوين واحد يوحي بهيئه محدده وهي في الحقيقه قد يكون كل نجم معها منطويا في تجمع مختلف من التجمعات النجميه المعروفه لنا من مثل المجرات او التجمعات المجريه المتباعده، وثالثا لان هذه المسافات الشاسعه التي تفصل بيننا وبين تلك النجوم تضعف من تاثير شده جذبها للارض ككل بشكل واضح، فضلا عن طفل منزو في لفافته، في غرفه من غرف احد البيوت المتناثره في ركن من اركان الارض..!!!
ولطالما استخدمت هذه المجالات الغيبيه عبر تاريخ البشريه في ابتزاز البسطاء والسذج والجهله من البشر، او اصحاب المشاكل الاجتماعيه والازمات النفسيه وادخالهم في دهاليز من الظلم والحيره والضلال... ومن هنا كان تحذير المصطفي ( صلي الله عليه وسلم) من كل ذلك، خاصه ان شياطين الانس والجن لم يتوقفوا لحظه عن تطوير محاولاتهم لارهاق البسطاء من الناس بانماط متجدده من تلك الضلالات والتي تنشر في كافه وسائل الاعلام المعاصره من قراءه للطالع وضرب بالرمل وطرق بالحصي وبالشعير الي غير ذلك; في محاوله للتنبو بالمستقبل، وقراءه لكل من الكف والفنجان وهمس للصدف وفتح بورق اللعب، وتنويم مغناطيسي، وادعاء بمعرفه الهندسه الداخليه للنفس الانسانيه، وبالقدره علي اعاده برمجتها، الي غير ذلك من الامور الغيبيه التي نهانا رسولنا( صلي الله عليه وسلم) عن الخوض فيها من قبل الف واربعمائه من السنين مما يوكد وصف القران الكريم له بالخلق العظيم، وبانه لاينطق عن الهوي، ان هو الا وحي يوحي.
إرسال تعليق