اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

12:21 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي

يروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ انه قال‏:‏ قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏): ‏لايركب البحر الا حاج او معتمر او غاز في سبيل الله،‏ فان تحت البحر نارا،‏ وتحت النار بحرا‏.‏ ‏(‏سنن ابي داود‏:‏ كتاب الجهاد‏)‏

والحديث اخرجه ابو داود في سننه‏(‏ حديث رقم‏2489)‏ في اول كتاب الجهاد،‏ وكذلك اخرجه البيهقي في سننه ‏(‏ الجزء الرابع،‏ صفحه‏443)‏
وغيرهما مرفوعا بلفظ ان تحت البحر نارا،‏ وتحت النار بحرا،‏ واخرجه ابن شيبه في مصنفه ‏(‏ الجزء الاول،‏ ص‏131)‏ موقوفا علي عبدالله بن عمرو بن العاص بلفظ‏: ‏ان تحت البحر نارا،‏ ثم ماء ثم نارا وذكر ان رجال اسناده ثقات‏.‏
وقيل في الروايه المرفوعه السابقه ان اسنادها ضعيف،‏ ولكن الحاكم في المستدرك ‏(‏ الجزء الرابع،‏ ص‏596)‏ اخرج له شاهدا من حديث يعلي بن اميه قال‏:‏ قال رسول الله ‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ان البحر هو جهنم وقال‏:‏ صحيح الاسناد،‏ ووافقه الامام الذهبي في تلخيص المستدرك علي ذلك،‏ وعليه يكون الحديث بمجموع طريقته حسنا علي الاقل،‏ ومن ضعفه فقد نظر الي طريقته الضعيفه وحدها نظرا لصعوبه فهم دلاله الحديث‏.‏

فقد ذكر ابن كثير في البدايه‏(‏ الجزء الثاني،‏ ص‏144‏ طبعه دار هجر يقول في معني كون البحر جهنم ان البحر يسجر يوم القيامه ويكون من جمله جهنم‏.‏

وما اروع ما في كتاب عون المعبود في شرح سنن ابي داود للعظيم ابادي‏(‏ الجزء السابع،‏ ص‏167)‏ في شرح معني ان تحت البحر نارا قال‏:‏قيل هو علي ظاهره،‏ فان الله علي كل شيء قدير‏.‏
وقال الخطابي في شرح سنن ابي داود‏:‏ هو تفخيم الامر بالبحر وتهويل من شانه‏.‏

وذكر ابن حجر شاهدا لصدد هذا الحديث يقويه ويرقي به الي مرتبه الحسن وذلك في كتابه التلخيص ‏(‏ الجزء الثاني ص‏221)‏ من حديث لابن عمر‏ (‏ رضي الله عنهما‏) (‏ حديث رقم‏955),‏ وبذلك يكون الحديث بمجموعه كله حسنا،‏ علي الرغم من عجيب ما فيه من معان علميه دقيقه لم يتوصل الانسان الي ادراك شيء منها الا في اواخر القرن العشرين‏.‏
والحديث الشريف الذي نحن بصدده يتفق بدقه بالغه مع القسم القراني الوارد في مطلع سوره الطور،‏ والذي يقسم فيه ربنا تبارك وتعالي‏ (‏ وهو الغني عن القسم‏)‏ بالبحر المسجور فيقول‏ (‏ عز من قائل‏):‏

والطور‏*‏ وكتاب مسطور‏*‏ في رق منشور‏*‏ والبيت المعمور‏*‏ والسقف المرفوع‏*‏ والبحر المسجور‏*‏ ان عذاب ربك لواقع‏*‏ ماله من دافع‏* (‏ الطور‏:1‏ ‏8)‏
ولم يستطع العرب في وقت تنزل القران الكريم ان يستوعبوا دلاله القسم بالبحر المسجور،‏ لان عندهم‏:‏ سجر التنور يعني اوقد عليه حتي احماه،‏ والماء والحراره من الاضداد،‏ فالماء يطفيء الحراره والحراره تبخر الماء،‏ فكيف يمكن للاضداد ان تتعايش في تلاحم وثيق دون ان يلغي احدها الاخر؟

وقد دفعهم ذلك الي نسبه الامر للاخره استنادا الي ماجاء في سوره التكوير من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
واذا البحار سجرت‏* (‏ التكوير‏:6)‏

ولكن الايات في مطلع سوره التكوير كلها تشير الي امور مستقبليه في الاخره،‏ والقسم في مطلع سوره الطور كله بامور واقعه في حياتنا‏...!!!‏
واضطر ذلك مجموعه من المفسرين الي البحث عن معني لغوي للفعل سجر غير اوقد علي الشيء حتي احماه،‏ ووجدوا من معاني سجر ملا وكف،‏ وفرحوا بذلك فرحا شديدا لانه فسر الامر لهم بمعني ان الله ‏(‏ تعالي‏)‏ يمن علي البشريه كلها بانه قد ملا منخفضات الارض بالماء وحجزها وكفها عن مزيد من الطغيان علي اليابسه‏.‏

ولكن حديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي نتناوله في هذه العجاله يوكد ان تحت البحر نارا،‏ وان تحت النار بحرا

والرسول‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ لم يركب البحر في حياته الشريفه مره واحده،‏  فمن كان يضطره الي الخوض في امر غيبي كهذا لولا ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد اخبره به لانه ‏(‏ سبحانه‏)‏ يعلم بعلمه المحيط ان الانسان سيكتشف هذه الحقيقه الكونيه المبهره في يوم من الايام فانزلها في كتابه الكريم،‏ وعلمها لخاتم الانبياء والمرسلين لتبقي شاهده ابد الدهر علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق وان هذا النبي الخاتم الذي تلقاه ماينطق عن الهوي‏...!!‏

بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 18 نوفمبر 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

إرسال تعليق