اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

7:11 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
‏بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 20 أغسطس 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 


" وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ‏" (الطارق:1-3)
يستهل ربنا ـ‏ تبارك وتعالى‏ ـ‏ سورة الطارق بقسم عظيم يقسم به ‏ـ سبحانه ، وهو الغني عن القسم ـ بكلٍ من السماء والطارق ‏ ، ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهية الطارق ، ويحدده بالنجم الثاقب‏ ، فيقول ‏ـ‏ عز من قائل‏ ـ‏ مُخاطِباً خاتم أنبيائه ورسله ـ‏ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏ ـ :‏ " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ‏" ‏(‏الطارق‏:1‏-‏3)‏ .
وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من الطارق‏ ، فمنهم من قال : " إن الوصف ينطبق على كل نجم‏ ، ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته‏ ، ولا ضرورة لهذا التحديد ‏ ، بل إن الإطلاق أولى ليكون المعنى ‏:‏ والسماء ونجومها الثاقبة للظلام‏ ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء‏... "‏ كما قال صاحب الظلال ‏ـ يرحمه الله رحمة واسعة‏ ـ ، ومنهم من قال : " إنه الثريا أو النجم الذي يُقال له كوكب الصباح ‏ ، أو نجم آخر محدد بذاته ‏ ,ومنهم من قال : " إن الوصف ينطبق على الشهب التي وصفها القرآن الكريم بأنها ثاقبة ‏ ، كما في قول الحق ـ‏ تبارك وتعالى‏ ـ :‏ " إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ‏" (الصافات‏:10)‏ " ، وذلك على الرغم من الفروق الضخمة بين كل من النجم والكوكب والشهاب ‏.‏
ولكن‏ الواضح من الآيات أن القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بـ " الطَّارِقِ‏ " ووصفه بالنجم الثاقب ، فما هو هذا النجم المحدد الذي استوجب هذا القسم القرآني التفخيمي ‏ ، وجاء مقروناً بالسماء على عظم شأنها ؟ خاصة أن القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به ‏ ، وإلى ضرورته لاستقامة الكون ومكوناته‏ ، أو لاستقامة الحياة فيه‏ ، أو لكليهما معاً؛‏ وذلك لأن الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ غني عن القسم لعباده‏ ، كما سبق وأن أشرنا وكررنا لمرات عديدة‏ .

 وعندي أن معنى الطارق النجم الثاقب لا ينجلي إلا بمعرفة دقيقة لطبيعة النجوم وأنواعها ومراحل تكونها‏؛‏ لأن هذه قضية علمية صرفة ، وكطبيعة كل الإشارات الكونية في القرآن الكريم ‏‏ لابد من توظيف المعارف العلمية لفهم دلالاتها‏ ، حيث لا يمكن لتلك الدلالات أن تتضح في الإطار اللغوي وحده‏ .‏

المدلول اللغوي للفظة الطارق :
لفظة الطارق اسم فاعل من الطرق بمعنى الضرب بشدة‏ ، وأصل الطرق الدق‏ ، ومنه سميت المطرقة التي يُطرق بها‏ ، وهذا هو الأصل ،‏ ولكن استخدمت اللفظة مجازاً لتدل على الطريق أي السبيل‏ ، لأن السابلة تطرقها بأقدامها ،‏ ثم صارت اسماً لسالك الطريق‏ ، باعتبار أنه يطرقها بقدميه‏ ، ولفظة الطريق تُذكَّر وتُؤنَّث ‏ ، وجمعها أطرقة ، وطرق ‏.‏
كذلك استُخدم لفظ الطريقة بمعنى الوسيلة أو الحالة‏،واستخدم الطرق والمطروق للإشارة إلى ماء السماء الذي تطرقه الإبل بعد سقوطه على الأرض‏ ، واستخدم لفظ الطارق على سبيل المجاز للتعبير عن كل ما جاء بليل ‏ ، فسُمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه إلى طرق الأبواب المُغلَقة ‏ ، ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل ، ثم زيد في توسيعه حتى أطلق على الصور الخيالية البادية لبعض الناس بالليل ،وطريقة القوم وطرائقهم أماثلهم وخيارهم‏ ، والطرائق الفرق والطرق ‏.‏
والطرق أيضا الضرب بالحصى ،‏ وهو من الكهانة والتكهن ‏ ، والطُّرَّاق هم المُتكهِّنون‏ ، والطوارق هن المتكهنات ‏.‏

آراء المفسرين في الطارق النجم الثاقب :
ذكر ابن كثير قول قتادة وغيره من متقدمي المفسرين ‏ـ‏ يرحمهم الله جميعا‏ًً ـ ما نصه‏ :‏ " إنما سمي النجم طارقاً‏ ، لأنه إنما يُرى بالليل‏ ، ويختفي بالنهار‏ " ، ويؤيده ما جاء بالحديث‏ : "‏ إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن‏ " (أخرجه الإمامان أحمد ومالك) ، وأضاف قول ابن عباس ‏ـ رضي الله تبارك وتعالى عنهما ـ في شرح الثاقب بالمضيء ‏ ، وأشار إلي قول عكرمة ‏ـ رضي الله عنه‏ ـ :‏ هو مضيء ومُحرِق للشيطان ‏.‏

وذكر صاحب الظلال ‏ـ‏ يرحمه الله ـ :‏ " إن هذا الوصف ينطبق على جنس النجم‏ ، ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص ‏ ، ولا ضرورة لهذا التحدي ‏ ، بل إن الإطلاق أولى ليكون المعني ‏:‏ والسماء ونجومها الثاقبة للظلام‏ ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء‏... "

وذكر مخلوف ‏ـ يرحمه الله ـ:‏ "‏...‏ المراد هنا النجم البادي بالليل ‏ ، وأضاف‏ : " النَّجْمُ الثَّاقِبُ ‏"‏ أي المضيء‏ ، كأنه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه ‏ ، والمراد به الجنس‏ ، فإن لكل كوكب ضوءاً ثاقباً‏ ، أو هو معهود وهو الثريا ، أو النجم الذي يقال له ‏(‏كوكب الصباح‏)... "‏

ووافق كل من الصابوني ‏ـ أمد الله في عمره‏ ـ ، وأصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ‏ـ‏ جزاهم الله خيرا‏ًً ـ ، ما قال به ابن كثير ‏ـ‏ يرحمه الله‏ ـ ، على الرغم من أن القسم واضح الدلالة على نجم محدد بذاته‏ ، وفيه من التحديد والتخصيص ما لا يمكن تجاهله‏ ، فلو كان الوصف بالطارق ينطبق على كل نجم ‏ ، ما خصص في هذه الآية الكريمة بهذا التحديد الدقيق ‏ ، ولما أعطي اسماً مُحدَّداً ـ الطارق ـ ،‏ ولا صفة محددة ـ النجم الثاقب ـ ، ولما ورد به القسم مع السماء بهذه الصورة المُفخَّمة‏ ، ولما وُجِّه السؤال إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ‏‏ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏ ـ‏ عقب القسم مباشرة‏ : " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ‏" ، ولما أتى الجواب قاطعا‏ًً ، حاسماً من الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ بقوله‏ ـ عز من قائل‏ ـ :‏ " النَّجْمُ الثَّاقِبُ ‏" .
والنجوم قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة‏ ، أربع منها بالإفراد ‏(‏النجم‏) ، وتسع بالجمع         ‏(‏النجوم‏) ، ولم يوصف أيٌ منها بالطارق النجم الثاقب‏ ، إلا في هذه السورة المُبارَكة التي نحن بصددها ،‏ والتي حملت اسم الطارق تأكيداً أن الطارق نجم مُحدًّد بذاته‏ ، ولكي نفهم حقيقة هذا النجم الطارق الثاقب ،‏ لابد لنا من التعرف على أنواع النجوم‏ ، لنجد ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف القرآني المحدد‏ .‏

ما هي النجوم ؟‏ :‏
النجوم هي مصابيح السماء الدنيا ، وهذه المصابيح السماوية عبارة عن أجرام غازية في غالبيتها‏ ، ضخمة الحجم ‏ ، ولكنها تبدو لنا ضئيلة لتعاظم أبعادها عنا‏ ، فأقرب النجوم إلينا ـ وهي الشمس ـ تبعد عنا بنحو مائة وخمسين مليون كيلومتر ‏(149,6‏ مليون كيلومتر‏) ،‏ وأقرب نجوم مجرتنا إلينا بعد الشمس، واسمه الأقرب القنطوري ‏(Proxima Centauri) يُقدَّر بعده عنا بأكثر من أربعة آلاف مليون مليون كيلومتر ‏(4 ,3‏ من السنين الضوئية‏) ، ومن النجوم ما يبعد عنا بأكثر من عشرة بلايين من السنين الضوئية ‏.‏
والنجوم أجرام سماوية شديدة الحرارة ، مُلتهِبة ، مُشتعِلة‏ ، ومضيئة بذاتها ، يغلب على تركيبها غاز الإيدروجين ‏ ، ويليه في الكثرة غاز الهيليوم ‏ ، والقليل من العناصر الأخرى الأثقل وزناً‏ ، وتُحتوى مادة النجوم الغازية‏  ـ في أغلبها ـ‏ بعملية التجاذب الداخلي إلى مركز النجم الناتجة عن دورانه حول محوره‏ ، وتؤدي هذه العملية إلى اتحاد نوى ذرات الإيدروجين مع بعضها البعض بالاندماج أو الانصهار النووي ‏(Nuclear Fusion) .

وينطلق عن ذلك كميات هائلة من الطاقة على هيئة عدد من الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي من أهمها الضوء والحرارة ‏، ويؤدي تسلسل عملية الاندماج النووي من عنصر إلى آخر ، إلى تكوين عناصر أعلى في وزنها الذري باستمرار‏ ، مما يؤدي بدوره إلى تعقيد كلٍ من التركيب الكيميائي والبناء الداخلي للنجم ، الذي يتقلص حجمه بالتدريج ، وتزداد كثافته بطريقة مُطِّردة ، وترتفع درجة حرارته باستمرار ، فيمر بذلك في عدد من الأطوار المُتتالِية حتى نهاية حياته ،‏ وتُسمى هذه المراحل المُتتالِية بدورة حياة النجم‏ .‏

دورة حياة النجوم‏ :‏
خُلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني ‏ ، الذي نشأ عن انفجار الجرم الأولي للكون ‏ـ‏ فتق الرتق‏ ـ ، ولا تزال النجوم تتخلق أمام أنظار الفلكيين من دخان كلٍ من السدم والمسافات بين النجمية وبين المجرية ‏ ، عبر مراحل مُتتالِية‏ ، وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسم دوامات تركيز المادة ‏(Material Accretion Whorls or Vertigos) التي تعمل على تكثيف المادة في داخل سحابات الدخان بفعل عملية التجاذب التثاقلي ‏(Gravitational Attraction)،فتؤدي إلى إحداث تصادمات مُتكرِّرة بين جسيمات المادة ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارتها حتى تصبح قادرة على بث الأشعة تحت الحمراء، فيولد ما يسمي بالنجم الابتدائي‏ (Pro-or Proto-Star)، وتستمر جزيئات المادة في هذا النجم الأولي في التجمع والانجذاب أكثر نحو المركز حتى تتجمع الكتلة اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي ‏ ، فتزداد الاصطدامات بينها ‏ ، ويزداد الضغط إلى الدرجة التي تسمح ببدء التفاعلات النووية الاندماجية بين نوى ذرات الإيدروجين ‏ ، فيتوهج النجم الأولي وتنطلق منه الطاقة ‏ ، وينبثق الضوء المرئي‏ ، وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل إلى طور النضج المُسمى باسم نجوم النسق الرئيسي ‏(Main Sequence Stars) .

ويستمر النجم في هذا الطور غالبية عمره ‏(90%‏ من عمره‏) ، حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحرارة والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم‏ .‏
وينتج عن استمرار التفاعلات النووية في داخل نجم النسق الرئيسي استهلاك كميات كبيرة من غاز الإيدروجين الذي تُحولِّه إلى الهيليوم ‏ ، وبالتدريج تتخلق العناصر الأثقل مثل الكربون‏ ، والنيتروجين‏ ، والأوكسجين ، وفي مراحل لاحقة يتحول لب النجم إلى الحديد ، فتتوقف عملية الاندماج النووي ‏ ، ويدخل النجم في مرحلة الاحتضار على هيئة النموذج الأول لانفجار المستعر الأعظم ‏ (TypeI Supernova Explosion ) ينتهي به إلى دخان السماء عبر مراحل من العمالقة الحمر ‏(Red Giants)، ثم مرحلة النجوم الزرقاء شديدة الحرارة والمحاطة بهالة من الإيدروجين المُتأيَّن والمعروفة باسم السدم الكوكبية ‏(Planetary Nebulae)، ثم مرحلة الأقزام البيض (White Dwarfs) إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم قليلة نسبياً ‏ـ في حدود كتلة الشمس تقريبا‏ ـ ، أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم عدة مرات قدر كتلة الشمس‏ ، فإنه يمر بمراحل من العمالقة العظام ‏(Supergiants) ، ثم النموذج الثاني لانفجار المستعر الأعظم ‏(TypeII Supernova Explosion)‏ الذي تتبقي عنه النجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars)، أو الثقوب السود ‏(Black Holes)، والتي أسمِّيها باسم النجوم الخانسة الكانسة ‏(The Concealedor Hidden Sweeping Stars)كما يصفها القرآن الكريم‏ ، والتي تبتلع كل ما تمر به، أو يصل إلى أفق حدثها ‏(Event Horizon) من مختلف صور المادة والطاقة ‏ ، ثم ينتهي بها المطاف إلى دخان السماء عن طريق تفككها وتبخر مادتها عالية الكثافة‏ ، كما يعتقد غالبية الدارسين لموضوعات الفيزياء الفلكية‏ ، وإن كانوا لم يتمكنوا بعد من تحديد كيفية حدوث ذلك ‏.

‏ ويرى بعض الفلكيين أن أشباه النجوم ‏(Quasars)‏ مُرشَّحة لتكون المرحلة الانتقالية من الثقوب السود إلى دخان السماء ‏ ، وهي أجرام شاسعة البعد عنا‏ ، ضعيفة الإضاءة‏ ـ ربما لبعدها الشاسع عنا‏ ـ ، منها ما يطلق أقوى الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا ويعرف باسم أشباه النجوم الراديوية ‏(Quasi-Stellar Radio Sourcesor Quasars)، ومنها ما لا يصدر مثل تلك الموجات الراديوية ويعرف باسم أشباه النجوم غير الراديوية ‏(Radio-Quiet Quasi-Stellar Objectsor QSOs)‏، وغالبية نجوم السماء من النوع العادي‏ ، أو ما يعرف باسم نجوم النسق الرئيسي ‏(Main Sequence Stars) التي تمثل مرحلة نضج النجم وأوج شبابه‏ ، وهي أطول مرحلة في حياة النجوم‏ ، حيث يمضي النجم‏90%‏ من عمره في هذه المرحلة‏ ، التي تتميز بتعادل دقيق بين قوي التجاذب إلى مركز النجم ‏ـ‏ والناتجة عن دوران النجم حول محوره ـ ، وقوى دفع مادة النجم إلى الخارج ‏ـ‏ نتيجة لتمدده بالحرارة الشديدة الناتجة عن عملية الاندماج النووي في لبه‏ ـ ، ويبقى النجم في هذا الطور حتى ينفذ وقوده من غاز الإيدروجين ، أو يكاد ينفد‏ ، فيبدأ بالتوهج الشديد حتى تصل شدة إضاءته إلى مليون مرة قدر شدة إضاءة الشمس ‏ ، ثم يبدأ في الانكدار التدريجي حتى يُطمس ضوؤه بالكامل‏ ، ويختفي كلية عن الأنظار على هيئة النجم الخانس الكانس‏ (‏أو الثقب الأسود‏) ، عبر عدد من مراحل الانكدار‏ .‏

ومن النجوم المُنكدِرة ما يعرف باسم السدم الكوكبية ‏(Planetary Nebulae)، والأقزام البيض ‏(White Dwarfs)، والنجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars)، ومنها النابض وغير النابض ‏Pulsating Neutron Stars (or Pulsars)and Non-pulsating Neutron Stars‏،وغيرها من صور انكدار النجوم‏ . وسبحان الذي أنزل من فوق سبع سماوات‏ ، ومن قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق ‏:‏ " إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ‏" ‏(‏التكوير‏:2) ، وقوله‏ ـ عز من قائل‏ ـ : " فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ‏"‏  ‏(‏المرسلات‏:8)‏، والآيات الثلاث من مظاهر الآخرة‏ ، إلا أن من رحمة الله ‏ـ‏ تعالى‏ ـ بنا‏ ، أن يبقي لنا في سماء الدنيا من ظواهر انكدار النجوم وطمسها ‏ ، ما يؤكد إمكانية حدوث ذلك في الآخرة بكيفيات ومعدلات مغايرة لكيفيات ومعدلات الدنيا‏ ، لأن الآخرة لها من السنن ما يغاير سنن الدنيا ‏.‏

أحجام النجوم :
تتفاوت النجوم في أحجامها تفاوتاً كبيرا‏ً ، فمنها العماليق العظام ‏(Supergiants) التي تزيد أقطارها عن أربعمائة ضعف قطر الشمس ‏ـ‏ أي نحو خمسمائة وستين مليون كيلومتر‏ ـ ، ومنها الأقزام البيض ‏(White Dwarfs) التي لا تتعدى أطوال أقطارها واحداً من مائة من طول قطر الشمس في المتوسط‏ ـ أي لا تتعدى ‏14000‏ كيلومتر‏ ـ ، ومنها النجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars) التي لا يتعدى طول قطر الواحد منها ستة عشر كيلومتراً‏ ، ومنها النجوم الخانسة الكانسة ‏(‏أو ما يعرف باسم الثقوب السود‏) (Concealed or Hidden Sweeping Stars (or Black Holes) التي يتضاءل فيها قطر النجم إلى ما لا يستطيع العقل البشري أن يتصوره‏ ، وهي صورة واقعية راهنة تعيد إلي الأذهان نقطة البداية الأولي التي انفجرت فخلق الله تعالى منها كل السماوات والأرض ‏(الرتق‏)‏ مع الفارق الشاسع بين النقطتين في تناهي الحجم والكتلة‏ ، وكم الطاقة ودرجة الحرارة وغير ذلك من الصفات‏ ، ولكنها رحمة الله (تعالى‏)‏ بنا‏ ، أن يبقي لنا في صفحة السماء ما يمكن أن يعين أصحاب البصائر على تدبر الخلق الأول ، وعلى تصور إمكانية إفنائه ‏ ، وإعادة خلقه من جديد‏ ، وهي من القضايا التي طالما جادل فيها الكافرون والمتشككون والمنكرون بغير علم ولا هدي ولا سلطان منير ‏.‏

كثافة وكتل النجوم :
كما تتفاوت النجوم في أحجامها‏ ، فإنها تتفاوت في كل من كثافة مادتها وكتلتها ‏ ، وبصورة عامة تقل كثافة النجم كلما زاد حجمه وبالعكس ‏ ، تزداد كثافته كلما قل حجمه‏ ، وقد لوحظ أن كثافة مادة النجوم تتفاوت بين واحد من مائة من متوسط كثافة الشمس ‏ـ المقدرة بنحو ‏1,41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏ ـ في العماليق العظام ‏(Super giants) إلى طن واحد للسنتيمتر المكعب ‏(610‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في الأقزام البيض ‏(White Dwarfs) إلى بليون طن للسنتيمتر المكعب  ‏(1510‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في النجوم النيوترونية إلى أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة‏ (‏الثقوب السود‏).‏
ويمكن تعيين كتل النجوم خاصة الثنائية والثلاثية منها ‏ ، إما بصرياً أو طيفياً بتطبيق قانون الجاذبية ‏ ، أو بتطبيق قوانين الإزاحة الطيفية ‏(Red Shift) ـ انزياح أضواء النجوم إلى الطيف الأحمر‏ ـ ، وهناك علاقة بين كتلة النجم ودرجة إضاءته ‏(‏في مرحلة نجوم النسق الرئيسي‏) ، أي بين كتلة المادة التي يحتويها النجم ‏ ، وبين كمية الطاقة المُتولَّدة في جوفه ‏ ، فإذا كان النجم في حالة اتزان بين قوى الجذب إلى مركزه وقوى الدفع إلى الخارج ‏ـ‏ أي لا يتمدد ولا ينكمش‏ ـ ، فإن جميع خواصه الفيزيائية تعتمد على كلٍ من كتلته وتوزيع العناصر الكيميائية في مادته ‏.‏
وتُعتبر كثافة النجم دالة قوية على مرحلة تطوره‏ ، فكلما زادت كثافة النجم ‏ ، كان أكبر عمراً وأقرب إلى نهايته من النجوم الأقل كثافة ‏.‏

درجات حرارة النجوم :
تتفاوت النجوم في درجة حرارة سطحها بين‏ 2300‏ درجة مطلقة في النجوم الحمراء وأكثر من خمسين ألف درجة مطلقة في النجوم الزرقاء ‏ ، ويتم قياس درجة حرارة سطح النجم بعدد من التقنيات التي منها قياسات لون النجم‏ ؛‏ لأن إشعاعه يخضع لقوانين إشعاع الجسم الأسود ‏(Black Body Radiation)
فإذا كانت درجة حرارة النجم منخفضة نسبياً ‏ ، مالت معظم الإشعاعات التي يصدرها إلى اللون الأحمر‏ ، وإذا كانت درجة حرارته عالية مالت إشعاعاته إلى الزرقة‏ ، وتُسمى درجة الحرارة المُقاسة باسم درجة حرارة اللون ‏(ColourTemperature)، ومنها قياس شدة خطوط الامتصاص الطيفية لأشعة النجم في مراحل مختلفة من التأين والإثارة وتُسمى درجة الحرارة المقاسة باسم درجة الحرارة الطيفية ‏(Spectral Temperature) .‏
وتتفاوت النجوم أيضاً في درجة حرارة جوفها بين عشرات الملايين في نجوم النسق الرئيسي ‏ ، ومئات البلايين من الدرجات المُطلَقة في المستعرات وما فوقها ‏.

أقدار النجوم :
هي مقاييس عددية تعبر عن درجة لمعان النجم‏ ، وتقاس شدة الإضاءة الظاهرية للنجم بكمية الضوء الواصل منه إلى نقطة معينة في وحدة من وحدات الزمن‏ ، والقدر الظاهري للنجم قيمة عددية لوغاريتمية تعبر عن شدة إضاءته الظاهرية بالنسبة لغيره من النجوم ‏ ، بمعنى أن الأرقام الأقل تعبر عن درجة لمعان أعلى ‏ ، ويعتمد القدر الظاهري للنجم على كمية الطاقة المنطلقة منه في الثانية ‏ـ‏ القدر المطلق‏ ـ ، وعلى بعد النجم عنا‏ ، ويمكن معرفة القدر المُطلَق للنجم بمعرفة بعده عن الأرض ‏ ، ويبلغ مدى القدر النجمي المطلق نحو‏27‏ درجة‏ (تتراوح بين‏-9‏ في أشدها لمعانا ‏ ، و‏+18‏ في أخفتها ‏) .‏
وتبلغ درجة لمعان الشمس ‏(‏قدرها المطلق‏)+5 ، بينما يقترب ذلك من أقصى قدر ‏(-9)‏ في كلٍ من العماليق الحمر‏ ، والعماليق العظام و المستعرات وما فوقها‏ ، حيث تبلغ شدة إضاءة النجم أكثر من مليون ضعف إضاءة الشمس ‏ ، وتتدنى شدة الإضاءة إلى واحد من ألف من شدة إضاءة الشمس في النجوم المُنكدِرة  مثل الأقزام البيض ‏ ، والنجوم النيوترونية ، إلى الطمس الكامل والإظلام التام في النجوم الخانسة الكانسة ‏ ـ الثقوب السود‏ ـ‏ وأشباهها من الأجرام المستترة في ظلمة الكون ‏.‏
  
التغير في أقدار النجوم أو‏(‏النجوم المتغيرة‏)‏ :
بالإضافة إلي التباين الشديد في درجة لمعان النجوم‏ ، فإن بعض النجوم العادية ‏(Main Sequence Stars) تتفاوت شدة إضاءة النجم الواحد منها من وقت إلى آخر‏ ، عبر فترات زمنية تطول أو تقصر‏ ، وبشكل مُفاجِئ أو بصورة هادئة مُتدرِّجة ‏ ، لا تكاد أن تُدرَك‏ ، ولذلك عُرفت باسم النجوم المُتغيِّرة أو المتغيرات‏ .

احتضار النجوم‏ :
يبدأ النجم العادي‏ ـ مرحلة النسق الرئيسي‏ ـ في الاحتضار‏ ، بالتوهج الشديد على هيئة عملاق أحمر
‏(Red Giant) إذا كانت كتلته الابتدائية في حدود كتلة الشمس ‏ ـ أو قريبة من ذلك‏ ـ ، أو على هيئة عملاق أعظم ‏(Super giant) إذا فاقت كتلته الابتدائية كتلة الشمس بعدة مرات ‏ ، وينشأ في الحالة الأولى  نجم أزرق شديد الحرارة محاط بهالة من الإيدروجين المُتأيَّن ‏ـ أي الحامل لشحنة كهربية‏ ـ ، ويُعرف باسم السديم الكوكبي ‏(The Planetary Nebula) الذي سرعان ما يتبرد وينكمش على هيئة ما يعرف باسم القزم الأبيض ‏ ، وقد تدب الروح في القزم الأبيض فيعاود الانفجار على هيئة عملاق أحمر‏ ، ثم نخبو جذوته إلى قزم أبيض عدة مرات حتى ينتهي به العمر إلى الانفجار على هيئة مستعر أعظم من النمط الأول ‏(TypeI Supernova) ، فتنتهي مادته وطاقته إلى دخان السماء لتدخل في دورة ميلاد نجم جديد‏ .
وفي حالة النجوم فائقة الكتلة ‏ ، ينفجر نجم النسق الرئيسي على هيئة عملاق أعظم ‏ ، الذي يعاود الانفجار على هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني ‏ ، عائداً إلى دخان السماء عودة جزئية ‏ ، ومُكدِّساً جزءاً كبيراً من كتلته على هيئة نجم نيوتروني أو ثقب أسود ‏ـ‏ نجم خانس كانس‏ ـ ، إما مباشرة أو عبر مرحلة النجم النيوتروني حسب الكتلة الابتدائية للنجم ‏.
والمراحل المُتأخِّرة من حياة النجوم مثل النجوم الزرقاء الحارة ‏ ، والنجوم النيوترونية ‏ ، والنجوم الخانسة الكانسة ‏ـ‏ الثقوب السود‏ ـ ،  وأشباه النجوم ترسل بوابل من الأشعة والجسيمات الكونية‏ ، أو بأحزمة مُتصِلة من الأشعة السينية أو الأشعة الراديوية عبر السماء الدنيا ، فتفقد من كتلتها باستمرار إلى دخان السماء‏ .‏
ومن أهم هذه المراحل المُتأخِّرة في حياة النجوم ما يُعرف باسم النجوم النيوترونية النابضة أو النوابض‏ ، وهي نجوم نيوترونية شديدة التضاغط ترسل بنبضات مُنتظِمة من الأشعة الراديوية المُتسارِعة في كل جزء من الثانية ، أو في كل عدد قليل من الثواني‏ ، وقد يصل عدد النبضات إلى ثلاثين نبضة في الثانية‏ ، ويعتمد عدد النبضات على سرعة دوران النجم حول محوره ‏ ، حيث أنه من المُعتقَد أن كل دورة كاملة للنجم حول محوره تصاحبها نبضة من نبضات الموجات الراديوية التي تسجلها المقربات‏ ـ‏ التليسكوبات ـ‏ الراديوية بوضوح تام ‏.‏

كيفية تكون النجوم النيوترونية :
يُعتبر انفجار العماليق العظام على هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني ‏ ، واحداً من أعظم الانفجارات الكونية المُروِّعة ‏ ، التي تؤدي إلى تدمير النجم وإلى تدمير كل ما يدور في فلكه أو يقع في طريق انفجاره من أجرام سماوية في زمن قياسي ‏ ، وذلك بتكون تيارات حمل عنيفة في داخل النجم تدفع بواسطة وابل غزير من النيوترينوات  ‏Neutrino-Driven Convection Currents ، فتقوم بتكوين دوامات مُتفاوِتة في أحجامها ، وفي شدة دورانها‏ ، يؤدي تصادمها إلى مزيد من تفجير النجم‏ ، وتندفع ألسنة اللهب بعنف شديد من داخل النجم إلى خارجه على هيئة أصابع عملاقة مُلتوِية ومُتكسِّرة ‏ ، وتظل طاقة النيوترينو تضخ في داخل النجم المتفجر لمسافة آلاف الكيلومترات في العمق‏ ، مما يؤدي إلى تكرار عمليات الانفجار مرات عديدة حتى تخبوَ فتنطلق رياح عاتية مُندفِعة بتيار النيوترينو من نجم ذي كثافة فائقة قد تكون داخل حطام النجم المُنفجِر‏ ، ويعرف هذا النجم الوليد باسم النجم النيوتروني الابتدائي ‏ ، والذي سرعان ما يتحول إلى نجم نيوتروني عادي الحجم بجاذبية قليلة نسبياً ‏ ، ثم إلى نجم نيوتروني شديد التضاغط بجاذبية عالية جداً ‏ ، وهو نجم ضئيل الحجم جدا‏ًً ، سريع الدوران حول محوره مُطلِقاً كمية هائلة من الأشعة الراديوية‏ ، ولذا يعرف باسم النابض الراديوي‏ (RadioPulsar)، وباقي نواتج الانفجار تُقذف إلى صفحة السماء على هيئة موجات لافحة من الكتل الغازية المُلتهِبة‏ ، تُعرف باسم فضلات انفجار المستعرات العظمى ‏ ، وهذه الفضلات الدخانية قد تدور في مدارات حول نجوم أخرى لتتخلق منها أجرام تتبع تلك النجوم ‏ ، أو قد تنتهي إلى المادة بين النجوم لتشارك في ميلاد نجوم جديدة‏ .‏
ومن رحمة الله بنا أن مثل هذه الانفجارات النجمية المُروِّعة والمُدمِّرة والمعروفة باسم انفجار المستعر الأعظم‏ Supernova Explosion قد أصبحت قليلة جداً بعد أن كانت نشطة في بدء الخلق كما تدل آثارها الباقية في صفحة السماء‏ ، فلا يتعدى وقوعها اليوم مرة واحدة كل عدة قرون ‏ ، فحتى سنة ‏1987‏م لم يعرف الفلكيون سوى ثلاث حالات فقط مُسجَّلة في التاريخ المُدوَّن ‏ ، وقعت إحداها في سنة ‏1054‏م ‏ ، وخلَّفت من ورائها نجماً نيوترونياً نابضاً في سديم السرطان ‏(Crab Nebula) الذي يبعد عنا بنحو ألف فرسخ فلكي ‏(3,300‏ سنة ضوئية‏)،‏ ويدور هذا النابض حول محوره ثلاثين مرة في كل ثانية مُطلِقاً إشعاعاً دوَّاراً من الأشعة السينية ، وسُجلت الثانية في سنة ‏1604‏م في مجرتنا ‏ ـ‏ درب اللبانة‏ ـ ، ولا تزال آثار هذا الانفجار باقية على هيئة دوامات شديدة من الموجات الصدمية ‏(Shock Waves) التي يمكن رصدها‏ ، ووقعت الثالثة في ‏24/2/1987م في سحب ماجيلان الكبيرة ‏(The Large Magellanic Clouds)،‏ وهي إحدى المجرات المجاورة لمجرتنا‏ .‏
والانفجار الواحد من هذه الانفجارات العظمى ، تفوق شدته الطاقة المُنطلِقة من جميع النجوم في مجرة كاملة‏ ، ويكون الضوء المُصاحِب له أشد لمعاناً من ضوء المجرة بالكامل‏ ، ويتبقى عنه نفثات كونية من أشعة جاما ‏(Cosmological Gamma Ray Bursts)‏ يُطلق عليها اسم (المرددات الدقيقة لأشعة جاما‏) .(Soft Gamma Ray Repeatersor SGRs)‏ التي تُصدر انبثاقات هائلة من الأشعة السينية لتختفي، ثم تظهر من جديد بعد عدة شهور‏ ، أو عدة سنوات حسب بُعدها عنا‏ .‏ و النفثة الواحدة التي ينفثها واحد من تلك المرددات في ثانية واحدة تساوي كل ما تنفثه الشمس من الأشعة السينية في سنة كاملة من سنينا ‏.‏

وفي سنة ‏1992‏ م تمكن الفلكيون من إثبات أن مرددات الأشعة السينية تلك ‏ ، ما هي إلا نجوم نيوترونية شديدة المغنطة ‏(Super Magnetized Neutron Stars)‏ أطلقوا عليها اسم الممغنطات ‏(Magnetars)‏ وأثبتوا لها حقلاً مغناطيسياً فائق الشدة ‏ ، تفوق شدته شدة جاذبية الحقل المغناطيسي للأرض بأكثر من ألف وخمسمائة مليون مليون مرة ‏(1667‏ مليون مليون مرة‏) ، وللشمس بنحو الألف مليون مليون مرة‏ ، وهذه الممغنطات هي نجوم نيوترونية نابضة ‏(Pulsating Neutron Starsor Pulsars) تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة الأشعة السينية بكميات غزيرة ‏.‏

ما هو الطارق، النجم الثاقب ؟ :

ينطبق الوصف القرآني (‏بالطارق النجم الثاقب)‏ على مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا، ومن أهمها النجوم النيوترونية شديدة التضاغط ‏(Theultra-compact Neutronstars)، والمعروفة باسم النجوم النابضة ‏(Pulsating Stars)، أو النابضات أو النوابض ‏(Pulsars) ، وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة وحجم صغير‏؛ ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات فائقة مُطلِقة كميات هائلة من الموجات الراديوية، ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)؛ لأنها ترسل نبضات مُنتظِمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها‏ ، وسرعة دورانها حول محورها ‏ ، وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلى ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة‏ ، ويُعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره‏ ، وتسجل المُقرِّبات‏ ـ‏ التليسكوبات ـ‏ الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة ‏.‏
ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية ‏ ، وإلا لكان لنبضاتها المُتسارِعة أثر مُدمِّر للحياة على الأرض ‏.‏

ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضا أشباه النجوم ‏(Quasars) ، وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا‏ ، ضعيفة الإضاءة ‏ـ‏ ربما لبعدها البالغ عنا‏ ـ ، ومنها ما يطلق أقوى الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا‏ ، ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية ‏(Radio Sources Quasars)‏ تمييزاً لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لا تصدر موجات راديوية ‏(Radio-Quiet Quasi-Stellarobjects (QSOs) ، وعلى الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة ‏ ، وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا‏ ، وتبدو وكأنها على أطراف السماء الدنيا تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا ‏.‏

وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا‏ ، وتُقدَّر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس‏ ، وهو قليل الكثافة جداً، إذ تُقدَّر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب ‏(1510/1‏ جم‏/‏سم‏3) ، وتُقدَّر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس ،‏ وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم على أطراف الجزء المُدرَك من الكون‏ ، ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخرى منها لم تكتشف بعد ‏.‏
وكلتا المرحلتين من مراحل حياة النجوم ‏ـ النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)‏، وأشباه النجوم الراديوية ‏(Radio Quasars) ـ يعتبر من أهم المصادر الراديوية ‏(Radio Sources) في السماء الدنيا‏ ، وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي تسبق الطمس و الخنوس‏ ، كما في حالة النوابض ‏ ، أو من مراحل التحول إلى دخان السماء اللاحقة على مرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم ‏.‏
ولعل هذه المراحل الراديوية المُتميِّزة في ختام حياة النجوم هي المقصودة بالوصف القرآني (الطارق النجم الثاقب)؛ لأنها تطرق صفحة السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد ‏ ، وموجاتها الراديوية الخاطفة ‏ ، والله تعالى أعلم ‏.
وإن في سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي تلك المراحل من حياة النجوم والتي لم يعرفها الإنسان إلا في العقود المُتأخِّرة من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقة بربانية القرآن الكريم ‏ ، وبنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين ‏ـ‏ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‏ ـ ، الذي تلقى هذا الوحي الخاتم من قبل ألف وأربعمائة من السنين بهذه الدقة العلمية المُبهِرة في مجتمع لم يكن له من العلم أي نصيب‏ .‏

وبعد هذا القسم بالسماء والطارق يأتي جواب القسم‏ :‏ " إن كل نفس لما عليها حافظ " ‏(الطارق‏:4)‏ .
أي أن كل نفس عليها من الله ‏ـ‏ تعالى ـ‏ حافظ مُوكَّل بها من الملائكة‏ ، يحفظها بأمر الله‏ ، ويحفظ عنها بأمر الله كذلك‏ ، في مراقبة دائمة ‏ ، فكما يصلنا طرق النوابض وأشباه النجوم عبر بلايين السنين الضوئية تعرج أعمالنا لحظة بلحظة إلى الله‏ ـ تعالى‏ ـ علام الغيوب الذي لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء‏!!‏


ثم أتبع ـ تعالى ـ ذلك بدعوة الإنسان  ـ في نفس السورة ـ‏ إلى النظر في نشأته الأولى كي يعلم أن خالقه قادر على إعادة بعثه ‏ ، وعلى محاسبته وجزائه ‏ ، فيجتهد في عمل الخير حتى يجد ما ينجيه في الآخرة‏ ، حيث إن الأمر ليس بالهزل‏ ، ولذلك يختتم السورة الكريمة بعدد من الآيات الكونية الأخرى وبقوله ـ تعالى ـ ‏:‏ " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ‏" (الطارق:13-14) ، ثم بإنذار ووعيد للكافرين بالله والمشركين به والمُتمرِّدين على أوامره‏ ـ‏ تعالى ـ‏ بهذا الجزم الإلهي القاطع‏ :‏ ‏"‏ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ‏" (الطارق‏:15‏-‏17) .

إرسال تعليق