بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 20 أغسطس 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

" وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ " (الطارق:1-3)
يستهل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ سورة الطارق بقسم عظيم يقسم به ـ سبحانه ، وهو الغني عن القسم ـ بكلٍ من السماء والطارق ، ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهية الطارق ، ويحدده بالنجم الثاقب ، فيقول ـ عز من قائل ـ مُخاطِباً خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ : " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ " (الطارق:1-3) .
وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من الطارق ، فمنهم من قال : " إن الوصف ينطبق على كل نجم ، ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته ، ولا ضرورة لهذا التحديد ، بل إن الإطلاق أولى ليكون المعنى : والسماء ونجومها الثاقبة للظلام ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء... " كما قال صاحب الظلال ـ يرحمه الله رحمة واسعة ـ ، ومنهم من قال : " إنه الثريا أو النجم الذي يُقال له كوكب الصباح ، أو نجم آخر محدد بذاته ,ومنهم من قال : " إن الوصف ينطبق على الشهب التي وصفها القرآن الكريم بأنها ثاقبة ، كما في قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : " إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ " (الصافات:10) " ، وذلك على الرغم من الفروق الضخمة بين كل من النجم والكوكب والشهاب .
ولكن الواضح من الآيات أن القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بـ " الطَّارِقِ " ووصفه بالنجم الثاقب ، فما هو هذا النجم المحدد الذي استوجب هذا القسم القرآني التفخيمي ، وجاء مقروناً بالسماء على عظم شأنها ؟ خاصة أن القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به ، وإلى ضرورته لاستقامة الكون ومكوناته ، أو لاستقامة الحياة فيه ، أو لكليهما معاً؛ وذلك لأن الله ـ تعالى ـ غني عن القسم لعباده ، كما سبق وأن أشرنا وكررنا لمرات عديدة .
وعندي أن معنى الطارق النجم الثاقب لا ينجلي إلا بمعرفة دقيقة لطبيعة النجوم وأنواعها ومراحل تكونها؛ لأن هذه قضية علمية صرفة ، وكطبيعة كل الإشارات الكونية في القرآن الكريم لابد من توظيف المعارف العلمية لفهم دلالاتها ، حيث لا يمكن لتلك الدلالات أن تتضح في الإطار اللغوي وحده .
المدلول اللغوي للفظة الطارق :
لفظة الطارق اسم فاعل من الطرق بمعنى الضرب بشدة ، وأصل الطرق الدق ، ومنه سميت المطرقة التي يُطرق بها ، وهذا هو الأصل ، ولكن استخدمت اللفظة مجازاً لتدل على الطريق أي السبيل ، لأن السابلة تطرقها بأقدامها ، ثم صارت اسماً لسالك الطريق ، باعتبار أنه يطرقها بقدميه ، ولفظة الطريق تُذكَّر وتُؤنَّث ، وجمعها أطرقة ، وطرق .
كذلك استُخدم لفظ الطريقة بمعنى الوسيلة أو الحالة،واستخدم الطرق والمطروق للإشارة إلى ماء السماء الذي تطرقه الإبل بعد سقوطه على الأرض ، واستخدم لفظ الطارق على سبيل المجاز للتعبير عن كل ما جاء بليل ، فسُمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه إلى طرق الأبواب المُغلَقة ، ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل ، ثم زيد في توسيعه حتى أطلق على الصور الخيالية البادية لبعض الناس بالليل ،وطريقة القوم وطرائقهم أماثلهم وخيارهم ، والطرائق الفرق والطرق .
والطرق أيضا الضرب بالحصى ، وهو من الكهانة والتكهن ، والطُّرَّاق هم المُتكهِّنون ، والطوارق هن المتكهنات .
آراء المفسرين في الطارق النجم الثاقب :
ذكر ابن كثير قول قتادة وغيره من متقدمي المفسرين ـ يرحمهم الله جميعاًً ـ ما نصه : " إنما سمي النجم طارقاً ، لأنه إنما يُرى بالليل ، ويختفي بالنهار " ، ويؤيده ما جاء بالحديث : " إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن " (أخرجه الإمامان أحمد ومالك) ، وأضاف قول ابن عباس ـ رضي الله تبارك وتعالى عنهما ـ في شرح الثاقب بالمضيء ، وأشار إلي قول عكرمة ـ رضي الله عنه ـ : هو مضيء ومُحرِق للشيطان .
وذكر صاحب الظلال ـ يرحمه الله ـ : " إن هذا الوصف ينطبق على جنس النجم ، ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص ، ولا ضرورة لهذا التحدي ، بل إن الإطلاق أولى ليكون المعني : والسماء ونجومها الثاقبة للظلام ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء... "
وذكر مخلوف ـ يرحمه الله ـ: "... المراد هنا النجم البادي بالليل ، وأضاف : " النَّجْمُ الثَّاقِبُ " أي المضيء ، كأنه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه ، والمراد به الجنس ، فإن لكل كوكب ضوءاً ثاقباً ، أو هو معهود وهو الثريا ، أو النجم الذي يقال له (كوكب الصباح)... "
ووافق كل من الصابوني ـ أمد الله في عمره ـ ، وأصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ـ جزاهم الله خيراًً ـ ، ما قال به ابن كثير ـ يرحمه الله ـ ، على الرغم من أن القسم واضح الدلالة على نجم محدد بذاته ، وفيه من التحديد والتخصيص ما لا يمكن تجاهله ، فلو كان الوصف بالطارق ينطبق على كل نجم ، ما خصص في هذه الآية الكريمة بهذا التحديد الدقيق ، ولما أعطي اسماً مُحدَّداً ـ الطارق ـ ، ولا صفة محددة ـ النجم الثاقب ـ ، ولما ورد به القسم مع السماء بهذه الصورة المُفخَّمة ، ولما وُجِّه السؤال إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ عقب القسم مباشرة : " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ " ، ولما أتى الجواب قاطعاًً ، حاسماً من الله ـ تعالى ـ بقوله ـ عز من قائل ـ : " النَّجْمُ الثَّاقِبُ " .
والنجوم قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة ، أربع منها بالإفراد (النجم) ، وتسع بالجمع (النجوم) ، ولم يوصف أيٌ منها بالطارق النجم الثاقب ، إلا في هذه السورة المُبارَكة التي نحن بصددها ، والتي حملت اسم الطارق تأكيداً أن الطارق نجم مُحدًّد بذاته ، ولكي نفهم حقيقة هذا النجم الطارق الثاقب ، لابد لنا من التعرف على أنواع النجوم ، لنجد ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف القرآني المحدد .
ما هي النجوم ؟ :
النجوم هي مصابيح السماء الدنيا ، وهذه المصابيح السماوية عبارة عن أجرام غازية في غالبيتها ، ضخمة الحجم ، ولكنها تبدو لنا ضئيلة لتعاظم أبعادها عنا ، فأقرب النجوم إلينا ـ وهي الشمس ـ تبعد عنا بنحو مائة وخمسين مليون كيلومتر (149,6 مليون كيلومتر) ، وأقرب نجوم مجرتنا إلينا بعد الشمس، واسمه الأقرب القنطوري (Proxima Centauri) يُقدَّر بعده عنا بأكثر من أربعة آلاف مليون مليون كيلومتر (4 ,3 من السنين الضوئية) ، ومن النجوم ما يبعد عنا بأكثر من عشرة بلايين من السنين الضوئية .
والنجوم أجرام سماوية شديدة الحرارة ، مُلتهِبة ، مُشتعِلة ، ومضيئة بذاتها ، يغلب على تركيبها غاز الإيدروجين ، ويليه في الكثرة غاز الهيليوم ، والقليل من العناصر الأخرى الأثقل وزناً ، وتُحتوى مادة النجوم الغازية ـ في أغلبها ـ بعملية التجاذب الداخلي إلى مركز النجم الناتجة عن دورانه حول محوره ، وتؤدي هذه العملية إلى اتحاد نوى ذرات الإيدروجين مع بعضها البعض بالاندماج أو الانصهار النووي (Nuclear Fusion) .
وينطلق عن ذلك كميات هائلة من الطاقة على هيئة عدد من الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي من أهمها الضوء والحرارة ، ويؤدي تسلسل عملية الاندماج النووي من عنصر إلى آخر ، إلى تكوين عناصر أعلى في وزنها الذري باستمرار ، مما يؤدي بدوره إلى تعقيد كلٍ من التركيب الكيميائي والبناء الداخلي للنجم ، الذي يتقلص حجمه بالتدريج ، وتزداد كثافته بطريقة مُطِّردة ، وترتفع درجة حرارته باستمرار ، فيمر بذلك في عدد من الأطوار المُتتالِية حتى نهاية حياته ، وتُسمى هذه المراحل المُتتالِية بدورة حياة النجم .
دورة حياة النجوم :
خُلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني ، الذي نشأ عن انفجار الجرم الأولي للكون ـ فتق الرتق ـ ، ولا تزال النجوم تتخلق أمام أنظار الفلكيين من دخان كلٍ من السدم والمسافات بين النجمية وبين المجرية ، عبر مراحل مُتتالِية ، وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسم دوامات تركيز المادة (Material Accretion Whorls or Vertigos) التي تعمل على تكثيف المادة في داخل سحابات الدخان بفعل عملية التجاذب التثاقلي (Gravitational Attraction)،فتؤدي إلى إحداث تصادمات مُتكرِّرة بين جسيمات المادة ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارتها حتى تصبح قادرة على بث الأشعة تحت الحمراء، فيولد ما يسمي بالنجم الابتدائي (Pro-or Proto-Star)، وتستمر جزيئات المادة في هذا النجم الأولي في التجمع والانجذاب أكثر نحو المركز حتى تتجمع الكتلة اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي ، فتزداد الاصطدامات بينها ، ويزداد الضغط إلى الدرجة التي تسمح ببدء التفاعلات النووية الاندماجية بين نوى ذرات الإيدروجين ، فيتوهج النجم الأولي وتنطلق منه الطاقة ، وينبثق الضوء المرئي ، وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل إلى طور النضج المُسمى باسم نجوم النسق الرئيسي (Main Sequence Stars) .
ويستمر النجم في هذا الطور غالبية عمره (90% من عمره) ، حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحرارة والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم .
وينتج عن استمرار التفاعلات النووية في داخل نجم النسق الرئيسي استهلاك كميات كبيرة من غاز الإيدروجين الذي تُحولِّه إلى الهيليوم ، وبالتدريج تتخلق العناصر الأثقل مثل الكربون ، والنيتروجين ، والأوكسجين ، وفي مراحل لاحقة يتحول لب النجم إلى الحديد ، فتتوقف عملية الاندماج النووي ، ويدخل النجم في مرحلة الاحتضار على هيئة النموذج الأول لانفجار المستعر الأعظم (TypeI Supernova Explosion ) ينتهي به إلى دخان السماء عبر مراحل من العمالقة الحمر (Red Giants)، ثم مرحلة النجوم الزرقاء شديدة الحرارة والمحاطة بهالة من الإيدروجين المُتأيَّن والمعروفة باسم السدم الكوكبية (Planetary Nebulae)، ثم مرحلة الأقزام البيض (White Dwarfs) إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم قليلة نسبياً ـ في حدود كتلة الشمس تقريبا ـ ، أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم عدة مرات قدر كتلة الشمس ، فإنه يمر بمراحل من العمالقة العظام (Supergiants) ، ثم النموذج الثاني لانفجار المستعر الأعظم (TypeII Supernova Explosion) الذي تتبقي عنه النجوم النيوترونية (Neutron Stars)، أو الثقوب السود (Black Holes)، والتي أسمِّيها باسم النجوم الخانسة الكانسة (The Concealedor Hidden Sweeping Stars)كما يصفها القرآن الكريم ، والتي تبتلع كل ما تمر به، أو يصل إلى أفق حدثها (Event Horizon) من مختلف صور المادة والطاقة ، ثم ينتهي بها المطاف إلى دخان السماء عن طريق تفككها وتبخر مادتها عالية الكثافة ، كما يعتقد غالبية الدارسين لموضوعات الفيزياء الفلكية ، وإن كانوا لم يتمكنوا بعد من تحديد كيفية حدوث ذلك .
ويرى بعض الفلكيين أن أشباه النجوم (Quasars) مُرشَّحة لتكون المرحلة الانتقالية من الثقوب السود إلى دخان السماء ، وهي أجرام شاسعة البعد عنا ، ضعيفة الإضاءة ـ ربما لبعدها الشاسع عنا ـ ، منها ما يطلق أقوى الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا ويعرف باسم أشباه النجوم الراديوية (Quasi-Stellar Radio Sourcesor Quasars)، ومنها ما لا يصدر مثل تلك الموجات الراديوية ويعرف باسم أشباه النجوم غير الراديوية (Radio-Quiet Quasi-Stellar Objectsor QSOs)، وغالبية نجوم السماء من النوع العادي ، أو ما يعرف باسم نجوم النسق الرئيسي (Main Sequence Stars) التي تمثل مرحلة نضج النجم وأوج شبابه ، وهي أطول مرحلة في حياة النجوم ، حيث يمضي النجم90% من عمره في هذه المرحلة ، التي تتميز بتعادل دقيق بين قوي التجاذب إلى مركز النجم ـ والناتجة عن دوران النجم حول محوره ـ ، وقوى دفع مادة النجم إلى الخارج ـ نتيجة لتمدده بالحرارة الشديدة الناتجة عن عملية الاندماج النووي في لبه ـ ، ويبقى النجم في هذا الطور حتى ينفذ وقوده من غاز الإيدروجين ، أو يكاد ينفد ، فيبدأ بالتوهج الشديد حتى تصل شدة إضاءته إلى مليون مرة قدر شدة إضاءة الشمس ، ثم يبدأ في الانكدار التدريجي حتى يُطمس ضوؤه بالكامل ، ويختفي كلية عن الأنظار على هيئة النجم الخانس الكانس (أو الثقب الأسود) ، عبر عدد من مراحل الانكدار .
ومن النجوم المُنكدِرة ما يعرف باسم السدم الكوكبية (Planetary Nebulae)، والأقزام البيض (White Dwarfs)، والنجوم النيوترونية (Neutron Stars)، ومنها النابض وغير النابض Pulsating Neutron Stars (or Pulsars)and Non-pulsating Neutron Stars،وغيرها من صور انكدار النجوم . وسبحان الذي أنزل من فوق سبع سماوات ، ومن قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق : " إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ " (التكوير:2) ، وقوله ـ عز من قائل ـ : " فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ " (المرسلات:8)، والآيات الثلاث من مظاهر الآخرة ، إلا أن من رحمة الله ـ تعالى ـ بنا ، أن يبقي لنا في سماء الدنيا من ظواهر انكدار النجوم وطمسها ، ما يؤكد إمكانية حدوث ذلك في الآخرة بكيفيات ومعدلات مغايرة لكيفيات ومعدلات الدنيا ، لأن الآخرة لها من السنن ما يغاير سنن الدنيا .
أحجام النجوم :
تتفاوت النجوم في أحجامها تفاوتاً كبيراً ، فمنها العماليق العظام (Supergiants) التي تزيد أقطارها عن أربعمائة ضعف قطر الشمس ـ أي نحو خمسمائة وستين مليون كيلومتر ـ ، ومنها الأقزام البيض (White Dwarfs) التي لا تتعدى أطوال أقطارها واحداً من مائة من طول قطر الشمس في المتوسط ـ أي لا تتعدى 14000 كيلومتر ـ ، ومنها النجوم النيوترونية (Neutron Stars) التي لا يتعدى طول قطر الواحد منها ستة عشر كيلومتراً ، ومنها النجوم الخانسة الكانسة (أو ما يعرف باسم الثقوب السود) (Concealed or Hidden Sweeping Stars (or Black Holes) التي يتضاءل فيها قطر النجم إلى ما لا يستطيع العقل البشري أن يتصوره ، وهي صورة واقعية راهنة تعيد إلي الأذهان نقطة البداية الأولي التي انفجرت فخلق الله تعالى منها كل السماوات والأرض (الرتق) مع الفارق الشاسع بين النقطتين في تناهي الحجم والكتلة ، وكم الطاقة ودرجة الحرارة وغير ذلك من الصفات ، ولكنها رحمة الله (تعالى) بنا ، أن يبقي لنا في صفحة السماء ما يمكن أن يعين أصحاب البصائر على تدبر الخلق الأول ، وعلى تصور إمكانية إفنائه ، وإعادة خلقه من جديد ، وهي من القضايا التي طالما جادل فيها الكافرون والمتشككون والمنكرون بغير علم ولا هدي ولا سلطان منير .
كثافة وكتل النجوم :
كما تتفاوت النجوم في أحجامها ، فإنها تتفاوت في كل من كثافة مادتها وكتلتها ، وبصورة عامة تقل كثافة النجم كلما زاد حجمه وبالعكس ، تزداد كثافته كلما قل حجمه ، وقد لوحظ أن كثافة مادة النجوم تتفاوت بين واحد من مائة من متوسط كثافة الشمس ـ المقدرة بنحو 1,41 جرام للسنتيمتر المكعب ـ في العماليق العظام (Super giants) إلى طن واحد للسنتيمتر المكعب (610 جرام/سم3) في الأقزام البيض (White Dwarfs) إلى بليون طن للسنتيمتر المكعب (1510 جرام/سم3) في النجوم النيوترونية إلى أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة (الثقوب السود).
ويمكن تعيين كتل النجوم خاصة الثنائية والثلاثية منها ، إما بصرياً أو طيفياً بتطبيق قانون الجاذبية ، أو بتطبيق قوانين الإزاحة الطيفية (Red Shift) ـ انزياح أضواء النجوم إلى الطيف الأحمر ـ ، وهناك علاقة بين كتلة النجم ودرجة إضاءته (في مرحلة نجوم النسق الرئيسي) ، أي بين كتلة المادة التي يحتويها النجم ، وبين كمية الطاقة المُتولَّدة في جوفه ، فإذا كان النجم في حالة اتزان بين قوى الجذب إلى مركزه وقوى الدفع إلى الخارج ـ أي لا يتمدد ولا ينكمش ـ ، فإن جميع خواصه الفيزيائية تعتمد على كلٍ من كتلته وتوزيع العناصر الكيميائية في مادته .
وتُعتبر كثافة النجم دالة قوية على مرحلة تطوره ، فكلما زادت كثافة النجم ، كان أكبر عمراً وأقرب إلى نهايته من النجوم الأقل كثافة .
درجات حرارة النجوم :
تتفاوت النجوم في درجة حرارة سطحها بين 2300 درجة مطلقة في النجوم الحمراء وأكثر من خمسين ألف درجة مطلقة في النجوم الزرقاء ، ويتم قياس درجة حرارة سطح النجم بعدد من التقنيات التي منها قياسات لون النجم ؛ لأن إشعاعه يخضع لقوانين إشعاع الجسم الأسود (Black Body Radiation)
فإذا كانت درجة حرارة النجم منخفضة نسبياً ، مالت معظم الإشعاعات التي يصدرها إلى اللون الأحمر ، وإذا كانت درجة حرارته عالية مالت إشعاعاته إلى الزرقة ، وتُسمى درجة الحرارة المُقاسة باسم درجة حرارة اللون (ColourTemperature)، ومنها قياس شدة خطوط الامتصاص الطيفية لأشعة النجم في مراحل مختلفة من التأين والإثارة وتُسمى درجة الحرارة المقاسة باسم درجة الحرارة الطيفية (Spectral Temperature) .
وتتفاوت النجوم أيضاً في درجة حرارة جوفها بين عشرات الملايين في نجوم النسق الرئيسي ، ومئات البلايين من الدرجات المُطلَقة في المستعرات وما فوقها .
أقدار النجوم :
هي مقاييس عددية تعبر عن درجة لمعان النجم ، وتقاس شدة الإضاءة الظاهرية للنجم بكمية الضوء الواصل منه إلى نقطة معينة في وحدة من وحدات الزمن ، والقدر الظاهري للنجم قيمة عددية لوغاريتمية تعبر عن شدة إضاءته الظاهرية بالنسبة لغيره من النجوم ، بمعنى أن الأرقام الأقل تعبر عن درجة لمعان أعلى ، ويعتمد القدر الظاهري للنجم على كمية الطاقة المنطلقة منه في الثانية ـ القدر المطلق ـ ، وعلى بعد النجم عنا ، ويمكن معرفة القدر المُطلَق للنجم بمعرفة بعده عن الأرض ، ويبلغ مدى القدر النجمي المطلق نحو27 درجة (تتراوح بين-9 في أشدها لمعانا ، و+18 في أخفتها ) .
وتبلغ درجة لمعان الشمس (قدرها المطلق)+5 ، بينما يقترب ذلك من أقصى قدر (-9) في كلٍ من العماليق الحمر ، والعماليق العظام و المستعرات وما فوقها ، حيث تبلغ شدة إضاءة النجم أكثر من مليون ضعف إضاءة الشمس ، وتتدنى شدة الإضاءة إلى واحد من ألف من شدة إضاءة الشمس في النجوم المُنكدِرة مثل الأقزام البيض ، والنجوم النيوترونية ، إلى الطمس الكامل والإظلام التام في النجوم الخانسة الكانسة ـ الثقوب السود ـ وأشباهها من الأجرام المستترة في ظلمة الكون .
التغير في أقدار النجوم أو(النجوم المتغيرة) :
بالإضافة إلي التباين الشديد في درجة لمعان النجوم ، فإن بعض النجوم العادية (Main Sequence Stars) تتفاوت شدة إضاءة النجم الواحد منها من وقت إلى آخر ، عبر فترات زمنية تطول أو تقصر ، وبشكل مُفاجِئ أو بصورة هادئة مُتدرِّجة ، لا تكاد أن تُدرَك ، ولذلك عُرفت باسم النجوم المُتغيِّرة أو المتغيرات .
احتضار النجوم :
يبدأ النجم العادي ـ مرحلة النسق الرئيسي ـ في الاحتضار ، بالتوهج الشديد على هيئة عملاق أحمر
(Red Giant) إذا كانت كتلته الابتدائية في حدود كتلة الشمس ـ أو قريبة من ذلك ـ ، أو على هيئة عملاق أعظم (Super giant) إذا فاقت كتلته الابتدائية كتلة الشمس بعدة مرات ، وينشأ في الحالة الأولى نجم أزرق شديد الحرارة محاط بهالة من الإيدروجين المُتأيَّن ـ أي الحامل لشحنة كهربية ـ ، ويُعرف باسم السديم الكوكبي (The Planetary Nebula) الذي سرعان ما يتبرد وينكمش على هيئة ما يعرف باسم القزم الأبيض ، وقد تدب الروح في القزم الأبيض فيعاود الانفجار على هيئة عملاق أحمر ، ثم نخبو جذوته إلى قزم أبيض عدة مرات حتى ينتهي به العمر إلى الانفجار على هيئة مستعر أعظم من النمط الأول (TypeI Supernova) ، فتنتهي مادته وطاقته إلى دخان السماء لتدخل في دورة ميلاد نجم جديد .
وفي حالة النجوم فائقة الكتلة ، ينفجر نجم النسق الرئيسي على هيئة عملاق أعظم ، الذي يعاود الانفجار على هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني ، عائداً إلى دخان السماء عودة جزئية ، ومُكدِّساً جزءاً كبيراً من كتلته على هيئة نجم نيوتروني أو ثقب أسود ـ نجم خانس كانس ـ ، إما مباشرة أو عبر مرحلة النجم النيوتروني حسب الكتلة الابتدائية للنجم .
والمراحل المُتأخِّرة من حياة النجوم مثل النجوم الزرقاء الحارة ، والنجوم النيوترونية ، والنجوم الخانسة الكانسة ـ الثقوب السود ـ ، وأشباه النجوم ترسل بوابل من الأشعة والجسيمات الكونية ، أو بأحزمة مُتصِلة من الأشعة السينية أو الأشعة الراديوية عبر السماء الدنيا ، فتفقد من كتلتها باستمرار إلى دخان السماء .
ومن أهم هذه المراحل المُتأخِّرة في حياة النجوم ما يُعرف باسم النجوم النيوترونية النابضة أو النوابض ، وهي نجوم نيوترونية شديدة التضاغط ترسل بنبضات مُنتظِمة من الأشعة الراديوية المُتسارِعة في كل جزء من الثانية ، أو في كل عدد قليل من الثواني ، وقد يصل عدد النبضات إلى ثلاثين نبضة في الثانية ، ويعتمد عدد النبضات على سرعة دوران النجم حول محوره ، حيث أنه من المُعتقَد أن كل دورة كاملة للنجم حول محوره تصاحبها نبضة من نبضات الموجات الراديوية التي تسجلها المقربات ـ التليسكوبات ـ الراديوية بوضوح تام .
كيفية تكون النجوم النيوترونية :
يُعتبر انفجار العماليق العظام على هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني ، واحداً من أعظم الانفجارات الكونية المُروِّعة ، التي تؤدي إلى تدمير النجم وإلى تدمير كل ما يدور في فلكه أو يقع في طريق انفجاره من أجرام سماوية في زمن قياسي ، وذلك بتكون تيارات حمل عنيفة في داخل النجم تدفع بواسطة وابل غزير من النيوترينوات Neutrino-Driven Convection Currents ، فتقوم بتكوين دوامات مُتفاوِتة في أحجامها ، وفي شدة دورانها ، يؤدي تصادمها إلى مزيد من تفجير النجم ، وتندفع ألسنة اللهب بعنف شديد من داخل النجم إلى خارجه على هيئة أصابع عملاقة مُلتوِية ومُتكسِّرة ، وتظل طاقة النيوترينو تضخ في داخل النجم المتفجر لمسافة آلاف الكيلومترات في العمق ، مما يؤدي إلى تكرار عمليات الانفجار مرات عديدة حتى تخبوَ فتنطلق رياح عاتية مُندفِعة بتيار النيوترينو من نجم ذي كثافة فائقة قد تكون داخل حطام النجم المُنفجِر ، ويعرف هذا النجم الوليد باسم النجم النيوتروني الابتدائي ، والذي سرعان ما يتحول إلى نجم نيوتروني عادي الحجم بجاذبية قليلة نسبياً ، ثم إلى نجم نيوتروني شديد التضاغط بجاذبية عالية جداً ، وهو نجم ضئيل الحجم جداًً ، سريع الدوران حول محوره مُطلِقاً كمية هائلة من الأشعة الراديوية ، ولذا يعرف باسم النابض الراديوي (RadioPulsar)، وباقي نواتج الانفجار تُقذف إلى صفحة السماء على هيئة موجات لافحة من الكتل الغازية المُلتهِبة ، تُعرف باسم فضلات انفجار المستعرات العظمى ، وهذه الفضلات الدخانية قد تدور في مدارات حول نجوم أخرى لتتخلق منها أجرام تتبع تلك النجوم ، أو قد تنتهي إلى المادة بين النجوم لتشارك في ميلاد نجوم جديدة .
ومن رحمة الله بنا أن مثل هذه الانفجارات النجمية المُروِّعة والمُدمِّرة والمعروفة باسم انفجار المستعر الأعظم Supernova Explosion قد أصبحت قليلة جداً بعد أن كانت نشطة في بدء الخلق كما تدل آثارها الباقية في صفحة السماء ، فلا يتعدى وقوعها اليوم مرة واحدة كل عدة قرون ، فحتى سنة 1987م لم يعرف الفلكيون سوى ثلاث حالات فقط مُسجَّلة في التاريخ المُدوَّن ، وقعت إحداها في سنة 1054م ، وخلَّفت من ورائها نجماً نيوترونياً نابضاً في سديم السرطان (Crab Nebula) الذي يبعد عنا بنحو ألف فرسخ فلكي (3,300 سنة ضوئية)، ويدور هذا النابض حول محوره ثلاثين مرة في كل ثانية مُطلِقاً إشعاعاً دوَّاراً من الأشعة السينية ، وسُجلت الثانية في سنة 1604م في مجرتنا ـ درب اللبانة ـ ، ولا تزال آثار هذا الانفجار باقية على هيئة دوامات شديدة من الموجات الصدمية (Shock Waves) التي يمكن رصدها ، ووقعت الثالثة في 24/2/1987م في سحب ماجيلان الكبيرة (The Large Magellanic Clouds)، وهي إحدى المجرات المجاورة لمجرتنا .
والانفجار الواحد من هذه الانفجارات العظمى ، تفوق شدته الطاقة المُنطلِقة من جميع النجوم في مجرة كاملة ، ويكون الضوء المُصاحِب له أشد لمعاناً من ضوء المجرة بالكامل ، ويتبقى عنه نفثات كونية من أشعة جاما (Cosmological Gamma Ray Bursts) يُطلق عليها اسم (المرددات الدقيقة لأشعة جاما) .(Soft Gamma Ray Repeatersor SGRs) التي تُصدر انبثاقات هائلة من الأشعة السينية لتختفي، ثم تظهر من جديد بعد عدة شهور ، أو عدة سنوات حسب بُعدها عنا . و النفثة الواحدة التي ينفثها واحد من تلك المرددات في ثانية واحدة تساوي كل ما تنفثه الشمس من الأشعة السينية في سنة كاملة من سنينا .
وفي سنة 1992 م تمكن الفلكيون من إثبات أن مرددات الأشعة السينية تلك ، ما هي إلا نجوم نيوترونية شديدة المغنطة (Super Magnetized Neutron Stars) أطلقوا عليها اسم الممغنطات (Magnetars) وأثبتوا لها حقلاً مغناطيسياً فائق الشدة ، تفوق شدته شدة جاذبية الحقل المغناطيسي للأرض بأكثر من ألف وخمسمائة مليون مليون مرة (1667 مليون مليون مرة) ، وللشمس بنحو الألف مليون مليون مرة ، وهذه الممغنطات هي نجوم نيوترونية نابضة (Pulsating Neutron Starsor Pulsars) تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة الأشعة السينية بكميات غزيرة .
ما هو الطارق، النجم الثاقب ؟ :
ينطبق الوصف القرآني (بالطارق النجم الثاقب) على مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا، ومن أهمها النجوم النيوترونية شديدة التضاغط (Theultra-compact Neutronstars)، والمعروفة باسم النجوم النابضة (Pulsating Stars)، أو النابضات أو النوابض (Pulsars) ، وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة وحجم صغير؛ ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات فائقة مُطلِقة كميات هائلة من الموجات الراديوية، ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية (Radio Pulsars)؛ لأنها ترسل نبضات مُنتظِمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها ، وسرعة دورانها حول محورها ، وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلى ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة ، ويُعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره ، وتسجل المُقرِّبات ـ التليسكوبات ـ الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة .
ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية ، وإلا لكان لنبضاتها المُتسارِعة أثر مُدمِّر للحياة على الأرض .
ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضا أشباه النجوم (Quasars) ، وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا ، ضعيفة الإضاءة ـ ربما لبعدها البالغ عنا ـ ، ومنها ما يطلق أقوى الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا ، ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية (Radio Sources Quasars) تمييزاً لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لا تصدر موجات راديوية (Radio-Quiet Quasi-Stellarobjects (QSOs) ، وعلى الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة ، وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا ، وتبدو وكأنها على أطراف السماء الدنيا تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا .
وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا ، وتُقدَّر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس ، وهو قليل الكثافة جداً، إذ تُقدَّر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب (1510/1 جم/سم3) ، وتُقدَّر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس ، وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم على أطراف الجزء المُدرَك من الكون ، ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخرى منها لم تكتشف بعد .
وكلتا المرحلتين من مراحل حياة النجوم ـ النوابض الراديوية (Radio Pulsars)، وأشباه النجوم الراديوية (Radio Quasars) ـ يعتبر من أهم المصادر الراديوية (Radio Sources) في السماء الدنيا ، وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي تسبق الطمس و الخنوس ، كما في حالة النوابض ، أو من مراحل التحول إلى دخان السماء اللاحقة على مرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم .
ولعل هذه المراحل الراديوية المُتميِّزة في ختام حياة النجوم هي المقصودة بالوصف القرآني (الطارق النجم الثاقب)؛ لأنها تطرق صفحة السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد ، وموجاتها الراديوية الخاطفة ، والله تعالى أعلم .
وإن في سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي تلك المراحل من حياة النجوم والتي لم يعرفها الإنسان إلا في العقود المُتأخِّرة من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقة بربانية القرآن الكريم ، وبنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ـ ، الذي تلقى هذا الوحي الخاتم من قبل ألف وأربعمائة من السنين بهذه الدقة العلمية المُبهِرة في مجتمع لم يكن له من العلم أي نصيب .
وبعد هذا القسم بالسماء والطارق يأتي جواب القسم : " إن كل نفس لما عليها حافظ " (الطارق:4) .
أي أن كل نفس عليها من الله ـ تعالى ـ حافظ مُوكَّل بها من الملائكة ، يحفظها بأمر الله ، ويحفظ عنها بأمر الله كذلك ، في مراقبة دائمة ، فكما يصلنا طرق النوابض وأشباه النجوم عبر بلايين السنين الضوئية تعرج أعمالنا لحظة بلحظة إلى الله ـ تعالى ـ علام الغيوب الذي لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء!!
ثم أتبع ـ تعالى ـ ذلك بدعوة الإنسان ـ في نفس السورة ـ إلى النظر في نشأته الأولى كي يعلم أن خالقه قادر على إعادة بعثه ، وعلى محاسبته وجزائه ، فيجتهد في عمل الخير حتى يجد ما ينجيه في الآخرة ، حيث إن الأمر ليس بالهزل ، ولذلك يختتم السورة الكريمة بعدد من الآيات الكونية الأخرى وبقوله ـ تعالى ـ : " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ " (الطارق:13-14) ، ثم بإنذار ووعيد للكافرين بالله والمشركين به والمُتمرِّدين على أوامره ـ تعالى ـ بهذا الجزم الإلهي القاطع : " إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً " (الطارق:15-17) .
إرسال تعليق