وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القري ومن حولها

بقلم الدكتور/ زغلول النجار

نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 28 أكتوبر 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القري ومن حولها‏

28/10/2002

هذا النص القراني المعجز جاء في مطلع النصف الثاني من سوره الانعام‏، وهي سوره مكيه‏، ومن طوال سور القران الكريم اذ يبلغ عدد اياتها‏165‏ بدون البسمله‏، وقد سميت بهذا الاسم لورود ذكر الانعام فيها في اكثر من موضع‏.‏

ويدور المحور الرئيسي للسوره حول عدد من العقائد والتشريعات الاسلاميه‏، وقصص عدد من الانبياء والمرسلين السابقين علي بعثه سيدنا محمد‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏)، وقصص عدد من الامم البائده‏، وعدد كبير من الايات الكونيه الداله علي طلاقه القدره الالهيه‏;‏ ويمكن ايجاز ذلك في النقاط التاليه‏:‏

اولا‏:‏ من العقائد الاسلاميه‏:‏

‏(1)‏ الايمان بالله الخالق‏، الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور‏، الاله الواحد الاحد‏، الفرد الصمد‏، الذي لم يلد‏، ولم يولد‏، ولم يكن له كفوا احد‏;‏ الاله الحق‏، الذي لا اله غيره‏، ولا معبود سواه‏، مالك الملك‏، ومحصي اعمال الخلق‏، فاطر السماوات والارض وقيومهما‏، خالق الانسان من طين‏، ومحدد الاجل والرزق له‏، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه‏، السميع العليم‏، كاشف الضر‏، ومنزل الخير‏، القاهر فوق عباده‏، الذي يطعم ولايطعم‏، والذي لايشبهه احد من خلقه‏، ولاينازعه احد في ملكه‏، ولايشاركه احد في سلطانه‏، الباعث الشهيد‏، البر الودود‏، الغفور الرحيم‏، بديع السماوات والارض‏، رب كل شيء ومليكه‏، خالق كل شيء ومبدعه‏، والعليم بكل شيء من السر والعلن‏، والقادر علي كل شيء مهما عظم‏;‏ عالم الغيب والشهاده‏، الحكيم الخبير‏;‏ فالق الاصباح‏، وفالق كل من الحب والنوي‏، مخرج الحي من الميت‏، ومخرج الميت من الحي‏;‏احكم الحاكمين‏، واعدل العادلين‏، وخير الفاصلين الذي لايرد باسه عن القوم المجرمين‏، الغني‏، ذو الرحمه الواسعه التي لاتضيق بشيء‏;‏ منزل الكتاب‏;‏ ومرسل الانبياء والمرسلين‏;‏ الذي يدرك الابصار‏، ولاتدركه الابصار‏، وهو اللطيف الخبير‏.‏

‏(2)‏ الايمان بملائكه الله‏، وكتبه‏، ورسله‏، وبخاتمهم اجمعين‏، وبانهم ما ارسلوا الا مبشرين ومنذرين‏.‏

‏(3)‏ الايمان بعوالم الغيب التي اخبرنا بها‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ دون الخوض في هذه العوالم الغيبيه بغير علم‏.‏

‏(4)‏ الايمان بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ بجوده‏، وكرمه‏، واحسانه يجازي الحسنه بعشر امثالها‏(‏ الي سبعمائه ضعف‏)‏ ولايجازي السيئه الا بمثلها‏، ومن هنا كانت ضروره التوبه وحسن الاستغفار‏.‏

‏(5)‏ الايمان بحتميه البعث‏، وبحتميه الحساب والجزاء في الاخره‏، التي هي خلود بلا موت‏، اما في الجنه ابدا او في النار ابدا‏، ومن هنا كان وصف ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ للحياه الدنيا بانها لعب ولهو كما جاء في قوله‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وما الحياه الدنيا الا لعب ولهو وللدار الاخره خير للذين يتقون افلا تعقلون‏.‏

‏(‏ الانعام‏:32)‏

‏(6)‏ اليقين بان من عمل سوءا بجهاله ممن يومنون بالله وباياته ثم تاب من بعده واصلح فان الله غفور رحيم‏.‏

‏(7)‏ الايمان بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد اتم وحيه‏، في القران الكريم‏، رسالته الخاتمه‏، وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ قد اكمل دينه الذي انزله لعباده‏(‏ علي فتره من الرسل‏)‏ في هذه الرساله الخاتمه‏، ولذلك تعهد‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بحفظها من التبديل والتحريف الذي تعرضت له كل الرسالات السابقه‏.‏

ثانيا‏:‏ من التشريعات الالهيه في سوره الانعام‏:‏

‏(1)‏ تحريم الشرك بالله‏.‏

‏(2)‏ تحريم وقتل الاولاد من املاق‏(‏ اي من فقر‏)‏

‏(3)‏ الامر بالاحسان الي الوالدين‏.‏

‏(4)‏ تحريم قتل النفس التي حرم الله الا بالحق‏.‏

‏(5)‏ تحريم اكل مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتي يبلغ اشده‏.‏

‏(6)‏ الامر بالتزام صراط الله المستقيم وعدم اتباع السبل الملتويه فتتفرق بالناس عن سبيله‏، فيضيعون في الدنيا‏، ويذلون ويهلكون في الاخره‏.‏

‏(7)‏ الامر باقامه الصلاه وايتاء الزكاه‏، وبتقوي الله‏(‏ تعالي‏)‏ في جميع الاحوال‏.‏

‏(8)‏ تحريم الاقتراب من الفواحش ماظهر منها وما بطن‏.‏

‏(9)‏ الامر بوفاء الكيل والميزان بالقسط‏، وتحريم كل اخلال بذلك‏.‏

‏(10)‏ الامر بالعدل في القول‏، وبالاخلاص في العمل‏;‏ وبالوفاء بعهود الله‏.‏

‏(11)‏تحريم اكل كل ما لم يذكر اسم الله عليه وما اهل لغير الله به‏;‏ وكذلك تحريم اكل الميته والدم المسفوح ولحم الخنزير الا من اضطر غير باغ ولاعاد فان الله غفور رحيم‏.‏

ثالثا‏:‏ من قصص الامم البائده‏.‏

‏(1)‏ جاء ذكر عدد من انبياء الله ورسله السابقين علي بعثه النبي والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏)‏ وهم‏:‏ نوح‏، ابراهيم‏، لوط‏، اسماعيل‏، اسحاق‏، يعقوب‏، داود‏، سليمان‏، ايوب‏، يوسف‏، موسي‏، هارون‏، زكريا‏، يحيي‏، عيسي‏، الياس‏، اليسع‏، ويونس‏(‏ علي نبينا وعليهم جميعا من الله افضل الصلاه وازكي التسليم‏).‏

‏(2)‏ وصف عناد الامم الكافره الباغيه‏، ورفضها لايات ربها‏، واعراضها عنها‏، علي الرغم من اهلاك امثالها من الامم السابقه عليها‏، وقد استمرت البشريه في تكرار اخطائها الي زمن خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ولاتزال مستمره في ذلك الي زماننا الراهن‏، وحتي قيام الساعه دون استخلاص للعبر‏، واخذ للدروس‏.‏

‏(3)‏ اكدت سوره الانعام تحريف اليهود للتوراه‏، وانحرافهم عن منهج الله‏، كما اكدت تكامل كل رسالات السماء في القران الكريم الذي انزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي خاتم انبيائه ورسله لينذر به اهل مكه المكرمه ومن حولها اهل الارض جميعا‏.‏

‏(4)‏ استنكار افتراء الكذب علي الله‏، والادعاء الباطل من قبل بعض المشعوذين بتلقي شئ من الوحي‏، او بالقدره علي الاتيان بشيء من مثل القران الكريم‏، وهي افتراءات وادعاءات صاحبت مسيره الكفر والشرك وغيرهما من الانحرافات البشريه عبر التاريخ‏، الي زماننا الراهن‏، وحتي قيام الساعه‏.‏

الايات الكونيه التي استعرضتها سوره الانعام‏:‏

‏(1)‏ خلق السماوات والارض بالحق‏.‏

‏(2)‏ خلق الظلمات والنور‏.‏

‏(3)‏ خلق الانسان من طين‏، وتحديد اجله‏(‏ زمانا ومكانا‏).‏

‏(4)‏ خلق كائنات تسكن بالليل واخري تسكن بالنهار‏.‏

‏(5)‏ اثبات ان كل خلق من خلق الله يشكل امه مثل امه بني الانسان‏.‏

‏(6)‏ الاخبار من قبل الف واربعمائه سنه مضت بالتقدم العلمي والتقني المذهل الذي تحققه اليوم الامم الكافره‏، وان هذا التقدم دون التزام ديني‏، واخلاقي وروحي سوف يكون وبالا عليهم‏، ومن اسباب افنائهم والقضاء عليهم‏، ونحن نري بوادر ذلك الانهيار واضحه في مختلف ارجاء الارض‏.‏

‏(7)‏ التاكيد علي ان بالكون غيوبا مطلقه لايعلمها الا الله‏(‏ تعالي‏).‏

‏(8)‏ التاكيد علي حقيقه ان النوم صوره من صور الوفاه‏، وان اليقظه من النوم صوره مصغره عن البعث بعد الموت‏.‏

‏(9)‏ التاكيد علي ظلمات كل من البر والبحر‏، بمعني ان الظلمه هي الاصل في الكون‏، وان النور نعمه يمن بها الخالق علي خلقه‏.‏

‏(10)‏ الاشاره الي توسط موقع مكه المكرمه بالنسبه الي اليابسه‏.‏

‏(11)‏ التلميح الي معجزه فلق كل من الحب والنوي لحظه الانبات‏.‏

‏(12)‏ استخدام تبادل الليل والنهار في الاشاره اللطيفه الي دوران الارض حول محورها امام الشمس‏.‏

‏(13)‏ تشبيه طلوع الصبح من ظلمه الليل بفلق الحبه او النواه لاخراج السويقه والجذير منها لحظه الانبات‏.‏

‏(14)‏ الاشاره الي الحكمه الالهيه من جعل الليل للسكن‏، وجعل النهار لعماره الارض وللجري وراء المعايش‏.‏

‏(15)‏ التاكيد علي ان الشمس والقمر يجريان بنظام محكم دقيق يمكن الانسان من حساب الزمن‏، والتاريخ للاحداث‏، واداء العبادات والحقوق‏.‏

(16)‏ خلق النجوم ومن فوائدها للانسان الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر‏.‏

‏(17)‏ الاشاره الي خلق السلاله البشريه كلها من نفس واحده‏.‏

‏(18)‏ اخراج الحب المتراكب من الخضر الذي يخلقه الله‏(‏ تعالي‏)‏ في داخل كل نباتات الحبوب‏.‏

‏(19)‏ اخراج القنوان الدانيه‏(‏ وهي العراجين المتدليه من النخل‏، جمع قنو‏، وهو العذق او عنقود التمر‏)‏ من طلوع النخل وهو اول مايبدو من ثمر النخل وهو يخرج كالكيزان‏.‏

‏(20)‏ كذلك اخراج جنات من اعناب‏، ومن الزيتون والرمان‏، مشتبها وغير متشابه وذلك بانزال الماء من السماء الي الارض‏، واعتبار ثمره اذا اثمر وينعه من الايات لقوم يومنون‏.‏

‏(21)‏ اثبات ان التصعد في السماء‏(‏ بغير وقايه حقيقيه‏)‏ يجعل صدر الصاعد ضيقا حرجا‏.‏

‏(22)‏ اخراج جنات من المعروشات وغير المعروشات‏، والنخل والزرع مختلفا اكله‏، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه مما يوكد طلاقه القدره الالهيه الخلاقه‏.‏

وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي مدارسه خاصه بها‏، ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي النقطه العاشره فقط في القائمه السابقه الا وهي توسط موقع مكه المكرمه لليابسه المستنتج من خطاب الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ الموجه الي خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقوله‏(‏ عز من قائل‏):..‏ ولتنذر ام القري ومن حولها‏...‏ وهو المبعوث رحمه للعالمين‏;‏ وقبل الدخول الي ذلك لابد من الرجوع الي اقوال عدد من كبار المفسرين‏، من القدامي والمعاصرين‏، في تفسير هذه الايه الكريمه‏.‏

من اقوال المفسرين في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏)‏

وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القري ومن حولها والذين يومنون بالاخره يومنون به وهم علي صلاتهم يحافظون‏(‏ الانعام‏:92)‏

‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:(‏ وهذا كتاب‏)‏ يعني القران‏(‏ انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القري‏)‏ يعني مكه‏(‏ ومن حولها‏)‏ من احياء العرب ومن سائر طوائف بني ادم من عرب وعجم‏، كما قال في الايه الاخري‏:(‏ قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا‏)، وقال‏:(‏ لانذركم به ومن بلغ‏)، وقال‏:(‏ ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده‏)، وقال‏:(‏ تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا‏)، وثبت في الصحيحين ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي‏)‏ وذكر منهن‏:(‏ وكان النبي يبعث الي قومه خاصه وبعثت الي الناس عامه‏)، ولهذا قال‏(‏ ربنا تبارك وتعالي‏):(‏ والذين يومنون بالاخره يومنون به‏)‏ اي كل من امن بالله واليوم الاخر يومن بهذا الكتاب المبارك الذي انزلناه اليك يا محمد وهو القران‏،(‏ وهم علي صلاتهم يحافظون‏)‏ اي يقيمون بما فرض عليهم من اداء الصلوات في اوقاتها‏).‏

‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏:(‏ وهذا‏)‏ القران‏(‏ كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه‏)‏ قبله من الكتب‏(‏ ولتنذر‏)‏ بالتاء والياء‏، عطف علي معني ما قبله‏، اي‏:‏ انزلناه للبركه والتصديق ولتنذر به‏(‏ ام القري ومن حولها‏)‏ اي‏:‏ اهل مكه وسائر الناس والذين يومنون بالاخره يومنون به وهم علي صلاتهم يحافظون خوفا من عقابها اي خوفا من عقاب تاركها‏، وخص الصلاه بالذكر لانها اشرف العبادات وافضلها بعد الايمان‏.‏

‏*‏ وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعه‏)‏ ما نصه‏:...‏ انها سنه من سنن الله ان يرسل الرسل‏، وان ينزل الله عليهم الكتب‏، وهذا الكتاب الجديد‏، الذي ينكرون تنزيله‏، هو كتاب مبارك‏..‏ وصدق الله‏..‏ فانه والله لمبارك‏...(‏ مصدق الذي بين يديه‏)‏ فهو يصدق ما بين يديه من الكتب التي نزلت من عند الله في صورتها التي لم تحرف‏، لا فيما حرفته المجامع وقالت‏، انه من عند الله ‏....‏

فاما حكمه انزال هذا الكتاب‏، فلكي ينذر به الرسول صلي الله عليه وسلم اهل مكه ام القري وما حولها‏(‏ ولتنذر ام القري ومن حولها‏)..‏ وسميت مكه ام القري لانها تضم بيت الله الذي هو اول بيت وضع للناس ليعبدوا الله فيه وحده بلا شريك‏، وجعله مثابه امن للناس وللاحياء جميعا‏، ومنه خرجت الدعوه العامه لاهل الارض‏، ولم تكن دعوه عامه من قبل‏;....‏

‏*‏ وذكر صاحب صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما نصه‏:(‏ مبارك‏)‏ القران‏،(‏ ام القري‏)‏ مكه والمراد اهلها‏;‏ وسميت بذلك لانها قبله اهل القري ومحجهم‏.(‏ ومن حولها‏)‏ من اهل المشارق والمغارب‏;‏ لعموم بعثته صلي الله عليه وسلم للناس كافه‏.‏

‏*‏ وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ وهذا القران كتاب انزلناه كما انزلنا التوراه كثير الخير‏، باق الي يوم القيامه‏، مصدق لما تقدمه من الكتب المنزله‏، مخبر عن نزولها‏، لتبشر به المومنين‏، وتخوف الكفار من اهل مكه ومن حولها في جميع انحاء الارض من غضب الله‏، اذا لم يذعنوا له‏، والذين يصدقون بيوم الجزاء يحملهم رجاء الثواب والخوف من العقاب علي الايمان به‏، وهم لذلك يحافظون علي اداء صلاتهم كامله مستوفاه‏.‏

‏*‏ وجاء في صفوه التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خيرا‏)‏ ما نصه‏:...‏ اي وهذا القران الذي انزل علي محمد صلي الله عليه وسلم مبارك كثير النفع والفائده‏(‏ مصدق الذي بين يديه‏)‏ اي يصدق اصول كتب الله المنزله كالتوراه والانجيل في اصولهما الصحيحه ‏(‏ ولتنذر ام القري ومن حولها‏)‏ اي لتنذر به يا محمد اهل مكه ومن حولها وهم سائر اهل الارض قاله ابن عباس‏;(‏ والذين يومنون بالاخره يومنون به‏)‏ اي والذين يصدقون بالحشر والنشر يومنون بهذا الكتاب لما انطوي عليه من ذكر الوعد والوعيد والتبشير والتهديد‏(‏ وهم علي صلاتهم يحافظون‏)‏ اي يودون الصلاه علي الوجه الاكمل في اوقاتها‏، قال الصاوي‏:‏ خص الصلاه بالذكر لانها اشرف العبادات‏....‏

توسط مكه المكرمه لليابسه يفسر دلاله النص القراني ام القري ومن حولها‏.‏

كانت حركه الاستشراق في جذورها حركه استخباريه‏، تجسسيه حقيره‏، معاديه للاسلام والمسلمين‏، حريصه علي تصيد كل فرصه لمهاجمه دين الله الخاتم بدون وجه حق‏، ومن القضايا التي اثاروها زورا اقتطاع هذا النص الكريم الذي نحن بصدده ولتنذر ام القري ومن حولها من القران كله وقصره علي اهل مكه وبعض القري من حولها‏، واعتباره معارضا للعديد من النصوص القرانيه الكريمه والاحاديث النبويه الشريفه التي توكد عالميه الرساله الخاتمه من مثل قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ مخاطبا خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ وما ارسلناك الا رحمه للعالمين‏(‏ الانبياء‏:107)‏ وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ وما ارسلناك الا كافه للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون‏(‏ سبا‏:28).‏

وقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي‏...‏ وذكر منهن‏:...‏ وكان النبي يبعث الي قومه خاصه وبعثت الي الناس عامه‏.‏

وفي محاوله علميه جاده لتحديد الاتجاهات الدقيقه الي القبله‏(‏ اي الي الكعبه المشرفه‏)‏ من المدن الرئيسيه في العالم باستخدام الحاسوب‏(‏ الكمبيوتر‏)‏ ذكر الاستاذ الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله برحمته الواسعه‏،(‏ الذي شغل درجه الاستاذيه لماده المساحه بكليه الهندسه في عدد من الجامعات والمعاهد العليا مثل جامعات القاهره‏، واسيوط‏، والرياض‏، وبغداد‏، والازهر الشريف‏، والمعهد العالي للمساحه بالقاهره‏)‏ انه لاحظ تمركز مكه المكرمه في قلب دائره تمر باطراف جميع القارات‏، اي ان اليابسه علي سطح الكره الارضيه موزعه حول مكه المكرمه توزيعا منتظما‏، وان هذه المدينه المقدسه تعتبر مركزا لليابسه‏، وصدق الله العظيم اذ يقول‏:‏

وكذلك اوحينا اليك قرانا عربيا لتنذر ام القري ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنه وفريق في السعير ‏(‏الشوري‏:7).‏

وقد ثبت علميا ان القارات السبع التي تكون اليابسه علي ارضنا في هذه الايام كانت في الاصل قاره واحده ثم تفتتت بفعل الصدوع والخسوف الارضيه الي تلك القارات السبع التي اخذت في التباعد عن بعضها البعض ولا تزال تتباعد‏، وبمتابعه جهود الاستاذ الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله برحمته الواسعه وجدت انه في كل الحالات واليابسه قطعه واحده‏، وبعد تفتتها الي القارات السبع مع قربها من بعضها البعض وفي كل مراحل زحف هذه القارات ببطء شديد متباعده عن بعضها البعض حتي وصلت الي اوضاعها الحاليه‏، في كل هذه الحالات كانت مكه المكرمه دائما في وسط اليابسه‏.‏

وقد ثبت علميا ايضا ان ارضنا في مرحله من مراحلها الابتدائيه كانت مغموره غمرا كاملا بالماء‏، ثم فجر الله‏(‏ تعالي‏)‏ قاع هذا المحيط الغامر بثوره بركانيه عارمه عن طريق تصدع وخسف هذا القاع‏، واخذت الثوره البركانيه تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط لتبني سلسله من سلاسل جبال اواسط المحيطات‏، ومع ارتفاع اعلي قمه في تلك السلسله فوق مستوي سطح ماء هذا المحيط الغامر تكونت اول مساحه من اليابسه علي هيئه جزيره بركانيه تشبه العديد من الجزر البركانيه المتكونه في اواسط محيطات اليوم كجزر اليابان‏، الفلبين‏، اندونيسيا‏، هاواي‏، وغيرها‏.‏

ويروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:‏ كانت الكعبه خشعه علي الماء فدحيت منها الارض‏;‏ وهذا الحديث ذكره الهروي في غريب الحديث‏(362/3)‏ وذكره الزمخشري في الفائق في غريب الحديث‏(371/1)، وذلك لان مدلوله العلمي سابق لزمانه بالف واربعمائه سنه‏;‏ والخشعه هي الاكمه المتواضعه‏;‏ فهل يمكن ان تكون ارض الكعبه المشرفه اول جزء من اليابسه ظهر فوق سطح المحيط الذي غمر الارض في مراحلها الاولي؟ هذا سوال لم تكتمل الاجابه عليه بعد‏.‏

خصوصيه انتفاء الانحراف المغناطيسي عند خط طول مكه المكرمه

اضاف الاستاذ الدكتور حسين كمال الدين‏(‏ رحمه الله رحمه واسعه‏)‏ في بحثه القيم المعنون اسقاط الكره الارضيه بالنسبه لمكه المكرمه والمنشور في العدد الثاني من المجلد الاول لمجله البحوث الاسلاميه الصادره بالرياض سنه‏1396/1395‏ ه‏(‏ الموافق‏1976/1975‏ م‏)‏ ان الاماكن التي تشترك مع مكه المكرمه في نفس خط الطول‏(39،817‏ شرقا‏)، تقع جميعها في هذا الاسقاط علي خط مستقيم‏، هو خط الشمال الجنوب الجغرافي المار بها اي ان المدن التي تشترك مع مدينه مكه المكرمه في خط الطول يكون اتجاه الصلاه فيها الي الشمال او الجنوب الجغرافي تماما والمدن التي تتجه في الصلاه الي الجنوب الجغرافي تبدا من القطب الشمالي للارض الي خط عرض مكه المكرمه‏(437‏ و‏21‏ شمالا‏)‏ واما المدن التي تقع علي خطوط العرض الممتده من جنوب مكه المكرمه الي القطب الجنوبي فان اتجاه القبله فيها يكون ناحيه الشمال الجغرافي تماما‏.‏

وكذلك الحال علي خط الطول المقابل لخط طول مكه المكرمه‏، وهو خط الطول المرقم‏(183‏ و‏140‏ درجه غربا‏)‏ فان المدن الواقعه عليه تصح الصلاه فيها نحو الشمال الجغرافي او الجنوب الجغرافي تماما حسب موقع خط عرض كل منها بالنسبه الي خط عرض مكه المكرمه‏.‏ فالمدن الواقعه الي الجنوب من خط العرض المقابل لخط عرض ام القري اي من خط عرض‏21،437‏ جنوبا الي القطب الجنوبي تتجه في صلاتها الي الجنوب الجغرافي تماما‏، والمدن الواقعه شمالا من خط العرض ذلك الي القطب الشمالي تتجه في صلاتها الي الشمال الجغرافي تماما‏.‏

اما المدينه الواقعه علي خط الطول المقابل لمكه المكرمه تماما وعلي خط عرضها تماما فان الصلاه تجوز فيها نحو اي من الشمال او الجنوب الجغرافيين تماما‏، كما تجوز في كل الاتجاهات الاخري شرقا وغربا‏، وذلك لوقوع تلك المدينه علي امتداد قطر الكره الارضيه المار بمكه المكرمه‏.‏

معني هذا الكلام انه لايوجد انحراف مغناطيسي عند خط طول مكه المكرمه‏.‏

وعند جميع الخطوط الموازيه له‏، باستثناء حاله واحده‏.‏

والسبب في ذلك ان قطبي الارض المغناطيسيين في تجوال مستمر حتي يتم انقلابهما فيصبح القطب الشمالي جنوبا والقطب الجنوبي شمالا‏، وعند ذلك يحدث الكثير من الكوارث الطبيعيه واندثارات الحياه‏، وقد ثبت حدوث مثل هذه الانقلابات المغناطيسيه في تاريخ الارض عده مرات‏.‏ وتعلل المغناطيسيه الارضيه بوجود مغناطيسي كبير يمر بمركز الارض‏، ويميل محوره حاليا بمقدار‏11،5‏ درجه بالنسبه للمحور القطبي الجغرافي للكره الارضيه‏، ويعتقد بان هذا المجال المغناطيسي ناتج عن حركه لب الارض المائع مع دوران كوكبنا حول محوره‏.‏

وعلي ذلك فان الاتجاه المغناطيسي الذي يحدد بالبوصله او بغيرها من الاجهزه المساحيه التي تستخدم الابره الممغنطه تختلف عن الاتجاه الحقيقي بزاويه تعرف باسم زاويه الانحراف المغناطيسي‏، وهي تحدد علي جميع انواع الخرائط لكي يحسب الاتجاه الحقيقي بمعرفه كل من الاتجاه المغناطيسي وزاويه الانحراف المغناطيسي‏.‏

ومن الثابت تاريخيا ان خط طول جرنيتش قد فرضته بريطانيا بالقوه ابان هيمنتها علي العالم في سنه‏1884‏ م اثناء موتمر عقد في واشنجطن‏/‏ كولومبيا لتحديد خط طول الاساس وكان اختبارا سيئا فرضته الهيمنه البريطانيه الغاشمه في العقود المتاخره من القرن التاسع عشر الميلادي لان زاويه الانحراف المغناطيسي في الجزر البريطانيه كما قيست في سنه‏1972‏ كانت في حدود‏8،5‏ درجه الي الغرب من الشمال وهذه القيمه تتناقص بمعدل نصف درجه تقريبا كل اربع سنوات اذا بقيت تلك المعدلات ثابته‏.‏ يظهر ذلك خصوصيه خط طول مكه المكرمه با نطباق الشمال المغناطيسي علي الشمال الحقيقي‏، ومن هنا كان اختيار الاستاذ الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله لخط طول مكه المكرمه كخط طول اساسي للكره الارضيه واعاده اسقاط خطوط طول الكره الارضيه بدءا منه اي بالنسبه الي مكه المكرمه لتماثل خطوط الطول حول خط طول تلك المدينه المقدسه تماثلا مذهلا وتذكر المراجع العلميه ان هناك خطا من خطوط الطول يمر بمدينه سنسنائي اوهايو تتضاءل عنده زاويه الانحراف المعناطيسي الي قرابه الصفر ويعرف باسم خط انعدام زاويه الانحراف المغناطيسي‏(TheAgonicline)‏ وعلاقه هذا الخط بخط طول مكه المكرمه لم تدرس بعد‏.‏

مكه المكرمه مركز الكون

استقراء لايات القران الكريم ولاحاديث خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم يتضح بجلاء توسط مكه المكرمه بين السماوات السبع والارضين السبع وهي حقيقه دينيه لا يمكن للعلم الكسبي ان يصل اليها وذلك لان الانسان لا يستطيع ان يري من فوق سطح الارض الا شريحه صغيره من السماء الدنيا ووسيلته في ذلك هي النجوم التي تزين السماء الدنيا وحدها لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح‏...‏ ‏(‏الملك‏:5)‏

ومن مبررات ذلك ما يلي‏:‏

‏(1)‏ ورود ذكر الارض في مقابله السماء في عشرات الايات القرانيه علي ضاله حجم الارض اذا ما قورنت بالسماء مما يشير الي تميز موقع الارض بالنسبه الي السماء‏.‏

‏(2)‏ اشاره القران الكريم الي البينيه الفاصله للسماء او السماوات عن الارض‏، في عشرين ايه صريحه‏، وهذه البينيه لا يمكن ان تتم مع تناهي الارض في الضاله وتناهي السماوات في الضخامه الا اذا كانت الارض في المركز بين السماوات السبع والارضين السبع‏.‏

‏(3)‏ اشاره القران الكريم في سوره الرحمن الي اقطار السماوات والارض وقطر اي شكل هندسي هو الخط الواصل بين طرفين من اطرافه مرورا بمركزه‏، واذا كانت اقطار السموات والارض واحده فلابد وان تكون ارضنا في المركز من السماوات السبع‏.‏

‏(4)‏ حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يرويه مجاهد‏(‏ رحمه الله‏)‏ عنه بقوله ان الحرم حرم مناء من السماوات السبع والارضين السبع ولفظه‏(‏ مناء‏)‏ معناها القصد في الاتجاه والاستقامه مع كل من السماوات السبع والارضين السبع اي التواجد بينهما‏، وعلي استقامه مراكزها وتاكد ذلك باثبات توسط الكعبه المشرفه للارض الاولي اي اليابسه‏.‏

‏(5)‏ حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم المروي عنه بقوله‏:‏ البيت المعمور منا مكه ووصف ذلك البيت المعمور في حديث اخر يروي عنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقوله هو بيت في السماء السابعه علي حيال الكعبه تماما حتي لو خر لخر فوقها‏.‏

من ذلك كله تتضح ومضه الاعجاز القراني في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ مخاطبا خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القري ومن حولها والذين يومنون بالاخره يومنون به وهم علي صلاتهم يحافظون فتتضح وسطيه ام القري ليابسه الارض ومن هنا يكون المنذرون هم جميع اهل الارض بلا استثناء‏، ويتضح وضع الكعبه المشرفه في وسط الارض الاولي وهي اليابسه ودونها ست اراضين‏، ويحيط بذلك كله سبع سماوات وفوق الكعبه المشرفه البيت المعمور زادها الله تشريفا وتعظيما‏.‏

والحمد لله علي نعمه الاسلام والحمد لله علي نعمه القران وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم الذي تلقاه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏.‏