اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

11:01 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 14 أكتوبر 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه
هذا النص القراني المعجز جاء في الربع الاخير من سوره الحج‏، وهي سوره مدنيه‏، وعدد اياتها‏78‏ بعد البسمله‏، وهي السوره الوحيده من سور القران الكريم التي جمعت بين سجدتين من سجدات التلاوه‏، وقد سميت بهذا الاسم لورود الامر الالهي فيها الي نبي الله ابراهيم‏(‏ عليه السلام‏)‏ ان يوذن في الناس بالحج‏.‏

المحور الرئيسي للسوره
ويدور المحور الرئيسي للسوره حول عدد من العقائد والتشريعات الاسلاميه التي منها‏:‏
اولا‏:‏ في مجال العقائد‏:‏
‏(1)‏ الايمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا‏، خالقا‏، واحدا‏(‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏)، وان هذا الاله الخالق هو الحق‏، وهو القوي العزيز‏، وانه‏(‏ تعالي‏)‏ مالك الملك‏، وانه هو السميع‏، العليم‏، البصير‏، الذي يهدي من يشاء الي صراط مستقيم‏، ويفعل مايشاء‏، وهو علي كل شيء شهيد‏، وانه‏(‏ تعالي‏)‏ يدافع عن الذين امنوا‏، ويهديهم الي صراط مستقيم‏، وقد اخذ علي ذاته العليه العهد بنصره من ينصره‏، وان من يهن الله فما له من مكرم‏، وان له‏(‏ سبحانه‏)‏ يسجد كل من في السموات والارض‏، وان اليه ترجع الامور‏، وانه‏(‏ تعالي‏)‏ يفصل بين اصحاب الملل المختلفه يوم القيامه‏.‏
‏(2)‏ الايمان بملائكه الله وكتبه ورسله‏، وبخاتم الانبياء والمرسلين وبالكتاب الخاتم الذي انزل اليه‏(‏ القران الكريم‏)، وبان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يصطفي من الملائكه رسلا ومن الناس‏.‏
‏(3)‏ تقوي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ومخافته‏، والاعتصام به‏، وتعظيم شعائره واولها المسجد الحرام الذي وصفه الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله‏:...‏ ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم‏*(‏ الحج‏:25)‏
‏(4)‏ الايمان بالبعث وبالحساب وبالجنه وبالنار‏.‏
‏(5)‏ عدم المجادله في الامور الغيبيه غيبه مطلقه‏، وعدم اتباع خطوات الشيطان‏، وتحريم كل من الشرك بكل صوره‏، وعباده الاوثان‏، وقول الزور والعمل به‏.‏

ثانيا‏:‏ في مجال العبادات‏:‏
(1)‏ الامر باقامه الصلاه وايتاء الزكاه‏.‏
‏(2)‏ الامر بالحج الي بيت الله لكل من استطاع اليه سبيلا‏.‏
‏(3)‏ الامر الي كل قادر بالجهاد في سبيل الله دفعا للظلم‏.‏
‏(4)‏ التواصي بفعل الخيرات ومنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏
‏(5)‏ الامر بالصبر في كل الحالات‏.‏
ويصاحب هذه التكاليف وعد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالنصر للمجاهدين في سبيله‏، وبالتمكين للمومنين به الذين ينهضون لرد كل عدوان غاشم علي المسلمين وعلي غيرهم من خلق الله المسالمين‏، مع تاكيد ان قوه الله لاتحدها حدود‏، وان قوي البشر هزيله‏، محدوده بحدود الضعف البشري مهما بلغت‏..!!‏
وتستشهد السوره الكريمه علي ذلك بمصارع الغابرين من الكفار والمشركين والظالمين‏، وبتاكيد ان ذلك من سنن الله في خلقه‏، وسنن الله نافذه‏، لاتتوقف ولاتتبدل ولاتتخلف‏.‏
وتبدا سوره الحج بدعوه الناس جميعا الي تقوي الله‏، وبتحذيرهم من اهوال الاخره‏، وبوصف جانب من تلك الاهوال‏، موكده حقيقه البعث ومستشهده علي ذلك بخلق الانسان‏، ومحذره من متابعه الشيطان الذي يضل اتباعه ويقودهم الي النار‏، ومركزه علي توحيد الله‏، وانكار الشرك به‏(‏ تعالي‏).‏
وتفيض السوره الكريمه بوصف عدد من مشاهد الاخره‏، ومافيها من نجاه للمومنين‏، وهلاك للكافرين والمشركين والظالمين‏، وتعرض للعديد من الادله الكونيه المثبته لطلاقه القدره الالهيه‏.‏
وتنتقل السوره الي الحديث عمن يضلهم الشيطان فيجادلون في الله‏(‏ تعالي‏)‏ بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير‏، وهولاء لهم في الدنيا خزي‏، ولهم في الاخره عذاب شديد‏.‏
وتضرب سوره الحج مثالا للبعث من تراب‏:‏ خلق الانسان من تراب‏، مرورا بمراحل الجنين المتعاقبه حتي خروجه الي الحياه طفلا‏، ثم بلوغه اشده‏، وحياته كما ارادها له الله‏، وليس له من بعد ذلك الا الموت‏.‏
وتشبه السوره الكريمه خلق الانسان من تراب بخلق النبات من تراب بعد انزال الماء من السماء علي الارض الهامده فتهتز وتربو الي اعلي حتي تنشق فتفسح طريقا سهلا للسويقه المندفعه من البذره النابته فتخرج بقدره الله في زوجيه بهيجه‏، وكذلك يكون احياء الموتي بقدره الله‏.‏
وتشير سوره الحج الي ان من الناس من يعبد الله‏(‏ تعالي‏)‏ طمعا في كريم عطائه فقط‏، فان اصابه خير اطمان به‏، وان ابتلي بفتنه انقلب علي عقبيه فخسر الدنيا والاخره‏، وهذا هو الخسران المبين‏.‏
وحذرت السوره الكريمه من الشرك بالله‏، ووصفته بالضلال البعيد‏، واكدت عجز الشركاء المزعومين عن نفع او ضر من اشركوا بهم‏، واثبتت ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد انزل القران الكريم ايات بينات‏، وانه‏(‏ تعالي‏)‏ يهدي اليه من يريد‏، وفوضت الي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ امر الفصل بين اصحاب الملل والنحل المختلفه في يوم القيامه‏، موكده ان جميع من في هذا الوجود يسجد لله‏(‏ تعالي‏)‏ في عبوديه كامله‏، وخضوع تام يمثلان قمه التكريم للمخلوقات لان من يعرض عن ذلك من اصحاب الاراده الحره فليس له من مكرم‏، ومايزت السوره بين نعيم المومنين في يوم القيامه وعذاب الكافرين‏.‏
واشارت سوره الحج الي ان من صور الكفر بالله‏:‏ الصد عن سبيله‏، وعن المسجد الحرام‏، والظلم والالحاد فيه‏، والي ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد هدي ابراهيم‏(‏ عليه السلام‏)‏ الي التوحيد الخالص‏، والي مكان البيت الحرام‏، وامره برفع قواعده‏، واعاده بنائه‏، والعمل علي تطهيره للطائفين والقائمين والركع السجود‏، و ان يوذن في الناس بالحج ياتوه من كل فج عميق‏، وشرعت بذلك فريضه الحج ومافيها من تعظيم لشعائر الله‏، واكدت تعظيم حرمات الله‏، وامرت بالحلال من الطعام‏، وباجتناب الرجس من الاوثان‏، واجتناب قول الزور‏، واكدت ان امثال هذا النسك كان قد شرع للامم من قبل شكرا لله‏(‏ تعالي‏)‏ علي فضله‏.‏ وتكرر سوره الحج تاكيد وحدانيه الله‏، وطلاقه قدرته‏، ووجوب الخضوع الكامل لجلاله بالاسلام له‏، وتامر خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏)‏ ان يبشر بخيري الدنيا والاخره الذين تخشع قلوبهم بذكر الله‏، والصابرين علي قضائه‏، والذين يقيمون الصلاه‏، وينفقون مما رزقهم الله‏، وتوكد دفاع الله‏(‏ تعالي‏)‏ عن المومنين‏، وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ لايحب كل خوان كفور‏.‏
ويتكرر في سوره الحج الاذن بالقتال الدفاعي للذين ظلموا واخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله‏(‏ كما حدث ولايزال يحدث مع اخواننا اهل فلسطين الذين اخرجوا من ديارهم وارضهم وممتلكاتهم بموامره دوليه قذره اشتركت فيها كل قوي الشر في العالم بقياده بريطانيا في النصف الاول من القرن العشرين‏، وبحلافه الولايات المتحده الامريكيه لها في هذا الشر طوال النصف الثاني من القرن العشرين والي اليوم وحتي ياذن الله تعالي بتطهير الارض من الصهاينه المجرمين الذين دنسوا تلك الارض المباركه باحتلالها ظلما وعدوانا‏، واغرقوا اهلها في بحور من الدماء والدمار والخراب‏، دون ان يكون لهم ادني حق في هذه الارض من دين او تاريخ او عرق لانهم في مجموعهم من حثالات الامم‏، ونفايات الشعوب الاوروبيه والامريكيه الذين احتلوا تلك الارض العربيه الاسلاميه انتقاما لهزيمتهم في الحروب الصليبيه‏، والله غالب علي امره ولكن اكثر الناس لايعلمون‏).‏
وتوكد سوره الحج ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوف ينصر من ينصره حتما وهو القوي العزيز‏، فعلينا بالرجوع الي الله بصدق وهو قادر علي دحر كل المعتدين مهما تعاظمت اسلحتهم وخبث مكرهم‏..!!‏
وتصف الايات انصار الله بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاه واتوا الزكاه وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبه الامور‏*.(‏ الحج‏:41).‏
وتخاطب الايات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بان الكفار والمشركين من اهل الجزيره ان كذبوا ببعثته الشريفه فقد كذبت قبلهم امم من اهل الكفر والكبر والاستعلاء في الارض رسل الله اليهم‏، فاضلهم الله بظلمهم وانزل بهم عذابه في الدنيا قبل الاخره‏، وتندد الايات بالذين يرون اثار الدمار الذي نزل بهولاء الظالمين دون اعتبار‏، وتوكد انه‏..‏ لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور‏*(‏ الحج‏:46)‏ وتندد بمن يستعجل نزول عذاب الله‏، والله لايخلف وعده وان استبعد الكافرون ذلك لطول الاماد عند الله فاليوم عنده بالف سنه مما نعد‏، وتطالب خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بان يعلن للناس كافه انه نذير مبين لهم‏، وتعلمه بان الذين كفروا لايزالون في شك من القران الكريم‏..‏ حتي تاتيهم الساعه بغته او ياتيهم عذاب يوم عقيم‏.(‏ الحج‏:55).‏
وتتحدث سوره الحج في اكثر من موضع منها عن جزاء المهاجرين في سبيل الله‏، والمجاهدين من اجل اعلاء كلمته‏، واقامه عدله في الارض‏.‏
وتقارن بين جزاء المومنين وعقاب المكذبين‏:‏ فالذين امنوا وعملوا الصالحات لهم مغفره ورزق كريم‏*‏ والذين سعوا في اياتنا معاجزين اولئك اصحاب الجحيم‏*.(‏ الحج‏:50‏ و‏51).‏
وتختتم سوره الحج بتقرير حقيقه ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يصطفي من الملائكه رسلا ومن الناس‏، وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو السميع‏، البصير‏، العليم‏، الذي اليه ترجع الامور‏، وتوكد عباده الله‏(‏ سبحانه‏)‏ ركوعا وسجودا كما امر‏، وتنصح بفعل الخيرات حتي يفلح العباد‏، وتامر بالجهاد في سبيل الله حق جهاده فهو الذي اجتبي عباده المسلمين‏، واختارهم‏، وتوكد خلو دين الاسلام من اي حرج‏، وتصفه بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏).‏
‏...‏ مله ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس‏...*(‏ الحج‏:78)، ولكي نكون جديرين بهذه الشهاده يامرنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في ختام السوره باقام الصلاه‏، وايتاء الزكاه‏، وبالاعتصام بالله‏(‏ تعالي‏)‏ هو مولانا فنعم المولي ونعم النصير‏.‏

الادله الكونيه
والادله الكونيه التي ساقتها سوره الحج تصديقا لما جاء فيها من امور الغيب المطلق ادله عديده نوجزها فيما يلي‏:‏
‏(1)‏ خلق الانسان من تراب‏، ووصف مراحل الجنين المتتاليه له بدقه بالغه في زمن لم تتوفر وسيله تكبير واحده‏، ومتابعه ذلك بدقه بالغه كذلك حتي يخرج الي الحياه طفلا يحيا ماشاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ له ان يحيا‏، ثم يتوفاه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عند نهايه اجله المحدد‏، والذي يرد منهم الي ارذل العمر تضعف ذاكرته في اغلب الاحوال حتي لا يعلم من بعد علم شيئا‏.‏
‏(2)‏ اهتزاز الارض وارتفاعها وانباتها من كل زوج بهيج بمجرد انزال الماء عليها‏، وتشبيه خلق الانسان من تراب‏، وبعثه من تراب بذلك‏.‏
‏(3)‏ تاكيد سجود جميع من في السماوات والارض لله تعالي طوعا او كرها‏.‏
‏(4)‏ تاكيد نسبيه كل من المكان والزمان‏، وعظمه اتساع الكون وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):..‏ وان يوما عند ربك كالف سنه مما تعدون‏*.(‏ الحج‏:47)‏
‏(5)‏ تاكيد ان الذين اوتوا العلم يعلمون ان القران الكريم هو الحق من الله‏(‏ تعالي‏).‏
‏(6)‏ التعبير عن كل من كرويه الارض‏، ودورانها حول محورها امام الشمس بولوج كل من الليل والنهار في الاخر‏.‏
‏(7)‏ الاشاره الي اخضرار الارض بمجرد انزال الماء عليها من السماء‏.‏
‏(8)‏ تسخير كل مافي الارض للانسان‏، وجري الفلك في البحر بامر الله‏.‏
‏(9)‏ امساك السماء ان تقع علي الارض الا باذن الله‏.‏
‏(10)‏ خلق الانسان من العدم‏، ثم اماتته‏، ثم بعثه من جديد‏.‏
‏(11)‏ عجز المخلوقين عن عمليه الخلق فضلا عن استنقاذ مايسلبهم الذباب‏.‏
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه خاصه‏، ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي النقطه التاسعه في القائمه السابقه التي يمن فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علينا بالامساك بالسماء كي لاتقع علي الارض الا باذنه‏، وقبل الدخول الي ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من كبار المفسرين من القدامي والمعاصرين في شرح هذه الايه الكريمه‏.‏

من اقول المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
‏..‏ ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه ان الله بالناس لرءوف رحيم‏*.‏ ‏(‏ الحج‏:65).‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:..‏ اي لو شاء لاذن للسماء فسقطت علي الارض فهلك من فيها‏، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه‏، ولهذا قال‏:(‏ ان الله بالناس لرءوف رحيم‏)‏ اي مع ظلمهم‏...‏
‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ مانصه‏:..(‏ ويمسك السماء‏)‏ من‏(‏ ان‏)‏ او لئلا‏(‏ تقع علي الارض الا باذنه‏)‏ فتهلكوا‏(‏ ان الله بالناس لرووف رحيم‏)‏ في التسخير والامساك‏.‏
‏*‏ وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعه‏)‏ مانصه‏:..‏ وهو الذي خلق الكون وفق هذا النظام الذي اختاره له‏، وحكم فيه تلك النواميس التي تظل بها النجوم والكواكب مرفوعه متباعده‏، لاتسقط ولايصدم بعضها بعضا‏...‏ والله سبحانه‏(‏ يمسك السماء ان تقع علي الارض‏)‏ بفعل ذلك الناموس الذي يعمل فيها وهو من صنعه‏(‏ الا باذنه‏)‏ وذلك يوم يعطل الناموس الذي يعمله لحكمه ويعطله كذلك لحكمه‏.‏
‏*‏ وجاء في صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحم الله كاتبه‏)‏ مانصه‏:..‏ امساك السماء ان تقع علي الارض الا بمشيئته تعالي‏....‏
‏*‏ وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ مانصه‏:...‏ وامسك الكواكب في الفضاء بقدرته حتي لايختل نظامها‏، او تقع علي الارض الا اذا اقتضت ارادته ذلك‏، ان الله سبحانه شديد الرافه والرحمه بعباده فيهييء كل سبل الحياه الطيبه لهم‏، فكيف بعد ذلك كله لا يخلصون في شكره وعبادته؟‏.‏
وجاء في تعليق الخبراء بالهامش مايلي‏:‏ تتضمن هذه الايه الكريمه معاني علميه دقيقه‏، فالسماء وهي كل ماعلانا تبدا بغلاف الارض الهوائي‏، فالفضاء‏، فاجرام السماء‏، المشع منها بذاته مثل النجوم فالمجموعات النجميه والسدم والمجرات‏، وغير المشع بذاته كالاقمار‏، والكواكب والمذنبات والنيازك والجزيئات والذرات والغبار الكوني‏، وجميع هذه العوالم تحتفظ بكيانها وتماسكها تحت تاثير عده قوي اهمها الجاذبيه والقوي الناشئه عن الحركه‏، ولقد تجلت مشيئه الله ورافته بالعباد بان هيا للارض غلافا جويا يحتوي علي العناصر الغازيه التي لاغني للحياه عنها‏، كما انه يحمي سكان الارض من الاشعاعات الكونيه‏، واسراب الشهب‏، والنيازك التي تهيم في الفضاء والتي عندما تدنو من الارض تحترق في جوها العلوي‏(‏ احتراقا جزئيا او كليا‏)‏ قبل ان تصل الي السطح‏(‏ العلوي للارض‏).‏
ومن ارادته تعالي ورحمته ان سقوط النيازك التي تدمر سطح الارض نادر الحدوث جدا‏، وهو يتم في الاماكن الخاليه من السكان‏، وهذه الظاهره تدل علي عنايه الله تعالي ورحمته بعباده‏، وفي هذا تاييد وتصديق لقوله تعالي‏:(‏ ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه ان الله بالناس لرووف رحيم‏).‏
‏*‏ وجاء في صفوه التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خيرا‏)‏ مانصه‏:...‏ اي ويمسك بقدرته السماء كي لاتقع علي الارض فيهلك من فيها‏(‏ الا باذنه‏)‏ اي الا اذا شاء‏، وذلك عند قيام الساعه‏....‏

المدلول العلمي للنص الكريم
ان اقرب اجرام السماء الينا هو القمر الذي يبعد عنا في المتوسط بمسافه‏(383942‏ كيلومترا‏)، وتقدر كتلته بنحو سبعين مليون مليون مليون طن‏، ويدور في مدار حول الارض يقدر طوله بنحو‏2.4‏ مليون كيلومتر بسرعه متوسطه تقدر بنحو كيلومتر واحد في الثانيه‏، وهي نفس سرعه دورانه حول محوره‏، ولذلك يري منه وجه واحد لاهل الارض‏.‏
ومدار القمر حول الارض‏، وكذلك مدار الارض حول الشمس بيضاوي الشكل‏(‏ اي انه علي شكل قطع ناقص‏)، ومن قوانين الحركه في المدار البيضاوي‏(‏ او مدار القطع الناقص‏)‏ ان السرعه المحيطيه فيه تخضع لقانون تكافو المساحات مع الزمن‏;‏ وهذا القانون يقتضي اختلاف مقدار السرعه علي طول المحيط‏، فتزداد نسبيا بالاقتراب النسبي من الارض‏، وتزداد بزيادتها قوه الطرد المركزي‏، علي القمر فتدفعه بعيدا عن الارض‏، والا اصطدم القمر بالارض فدمرها ودمرته‏;‏ وتقل السرعه المحيطيه للقمر كلما بعد نسبيا عن الارض‏،فتقل القوه الطارده المركزيه علي القمر لئلا يخرج عن نطاق جاذبيه الارض‏، فينطلق الي فسحه السماء او تبتلعه الشمس‏، واعلي مقدار لسرعه سبح القمر في مداره حول الارض يقدر بما قيمته‏3888‏ كيلومترا في الساعه‏;‏ واقل مقدار لتك السرعه يقدر بنحو‏3483‏ كيلومترا في الساعه‏، وهذا يجعل السرعه المتوسطه لسبح القمر في مداره حول الارض تقدر بنحو‏3675‏ كيلومترا في الساعه‏.‏
ونفس القانون‏(‏ قانون الجري في القطع الناقص‏)‏ ينطبق علي سبح الارض حول الشمس‏، وسبح باقي اجرام السماء كل في مداره حول الجرم الاكبر‏، او التجمع الاكبر‏.‏
ويوكد علماء الفلك ان ابعد كواكب مجموعتنا الشمسيه يبعد عن الشمس بمسافه متوسطه تقدر بنحو سته الاف مليون كيلومتر‏، وان مجرتنا تحوي قرابه تريليون نجم‏.‏
كذلك يحصي علماء الفلك ان بالجزء المدرك من الكون اكثر من مائتي بليون مجره تتفاوت في اشكالها‏، واحجامها‏، وكتلها‏، وسرعه دوران كل منها حول محورها‏، وسرعه جريها في مدارها‏;‏ وسرعه تباعدها عنا وعن بعضها البعض‏، كما تتباين في اعداد نجومها‏، وفي مراحل تطور تلك النجوم‏;‏ فمن المجرات البيضاوي‏، والحلزوني‏، وغير ذلك من الاشكال‏، ومنها المجرات العملاقه التي يصل قطر الواحده منها الي‏(750‏ الف سنه ضوئيه‏)، وتصل كتلتها الي تريليون مره قدر كتله الشمس‏، ومنها المجرات القزمه التي لايكاد يتعدي طول قطرها‏(3.200‏ سنه ضوئيه‏)، ولاتكاد كتلتها تتعدي مليون مره قدر كتله الشمس‏;‏ وتقدر كتله مجرتنا‏(‏ سكه التبانه او درب اللبانه او الطريق اللبني‏)‏ بنحو‏(230‏ بليون‏)‏ مره قدر كتله شمسنا‏(‏ المقدره بنحو الفي مليون مليون مليون مليون طن‏).‏
وتتجمع المجرات في وحدات تضم العشرات منها تعرف باسم المجموعات المحليه‏، وتتجمع تلك في وحدات اكبر تضم المئات الي عشرات الالاف من المجرات وتعرف باسم التجمعات المجريه‏، وتلتقي هذه في تجمعات اكبر تعرف باسم المجموعات المحليه العظمي التي تلتقي بدورها في التجمعات المجريه العظمي‏، ثم تجمعات التجمعات المجريه العظمي‏، الي نهايه لايعلمها الا الله‏.‏
وفي كل الاحوال يدور الصغير حول الكبير في مدار بيضاوي علي هيئه قطع ناقص‏، تحكمه في ذلك قوانين الحركه في مثل هذا المدار‏.‏
والتجمع المجري الاعظم الذي تنتمي اليه مجرتنا يضم مائه من التجمعات المجريه ينتظمها قرص يبلغ قطره مائه مليون من السنين الضوئيه وسمكه عشر ذلك‏(‏ وهي نفس ابعاد مجرتنا مضروبا في الف‏).‏

وفي ايامنا هذه تدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر ابعادها بنحو‏(150‏ مليون‏*100‏ مليون‏*15‏ مليون من السنين الضوئيه‏)، ووصل اضخمها الي‏250‏ مليون سنه ضوئيه في الطول‏، وقد اطلق عليه اسم الحائط العظيم‏.‏
وهذه الاعداد المذهله مما قد علمنا من اجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا لاتمثل الا نحو‏10%‏ من مجموع كتله ذلك الجزء المدرك‏، وهي ممسوكه بشده الي بعضها البعض‏، والا لزالت‏، وانهارت‏، ولذلك قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏*....‏ ويمسك السماء ان تقع علي الارض الا باذنه ان الله بالناس لرءوف رحيم ‏(‏ الحج‏:65).‏
وقال‏(‏ عز من قائل‏):‏
‏*‏ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا ‏(‏ فاطر‏:41).‏
وقال‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
‏*‏ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي‏....(‏ الرعد‏:2).‏
وقال‏(‏ سبحانه‏):‏
‏*‏ افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت والي السماء كيف رفعت‏(‏ الغاشيه‏:18،17).‏
وقد تمكنت العلوم المكتسبه من التعرف علي عدد من القوي التي تمسك باجرام السماء علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ قوه الجاذبيه‏:‏ وهي اضعف القوي المعروفه علي المدي القصير‏، ولكن نظرا لطبيعتها التراكميه فانها تتزايد باستمرار علي المسافات الطويله حتي تصبح القوه الرابطه لكل اجزاء السماوات والارض باراده الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ حيث تمسك بمختلف اجرام السماء الدنيا علي الاقل‏، وتجمعاتها من الكواكب واقمارها‏، والنجوم وتوابعها‏، وتجمعاتها علي كل المستويات الي نهايه لايعلمها الا الله‏، ولولا هذا الرباط المحكم الذي اوجده الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لانفرط عقد الكون‏.‏
ويفترض وجود قوه الجاذبيه علي هيئه جسيمات خاصه في داخل الذره لم تكتشف بعد واقترح لها اسم الجسيم الجاذب‏، او الجرافيتون الذي يعتقد بانه يتحرك بسرعه الضوء‏، ليربط بين مختلف اجزاء الكون حسب قانون محكم دقيق تزداد فيه قوه الجاذبيه بزياده الكتله للجرمين المتجاذبين‏، وتتناقص بزياده المسافه الفاصله بينهما وقد لعبت الجاذبيه دورا مهما في تكثيف الدخان الكوني الذي نشا عن واقعه الانفجار العظيم‏.‏ علي هيئه كل صور الماده الموجوده في السماء الدنيا‏(‏ علي اقل تقدير‏)‏ كما لعبت ولاتزال تلعب دورا مهما في امساك الارض بغلافيها الغازي والمائي‏، وبكل صور الحياه والهيئات الصخريه من فوقها‏.‏
‏(2)‏ القوه النوويه الشديده‏:‏ وهي القوه التي تقوم بربط الجسيمات الاوليه للماده في داخل نواه الذره‏، والتي تعمل علي التحام نوي الذرات الخفيفه مع بعضها البعض لتكون سلاسل من نوي الذرات الاثقل في عمليات الاندماج النووي‏;‏ وهي اشد انواع القوي المعروفه لنا علي الابعاد المتناهيه الصغر‏، ولكنها تضعف باستمرار عبر المسافات الطويله‏، وعلي ذلك فدورها يكاد يكون محصورا في داخل نوي الذرات‏، وبين تلك النوي ومثيلاتها‏.‏ وتحمل هذه القوه علي جسيمات تسمي باسم القوه اللاحمه او الجليون‏.‏
‏(3)‏ القوه الذريه الضعيفه‏:‏ وتحمل علي جسيمات تسمي باسم اليوزونات وهي اما سالبه او عديمه الشحنه‏، وتربط الاليكترونات الدائره في فلك النواه‏، وهي لضعفها تودي الي تفكك تلك الجسيمات الاوليه للماده كما يحدث في تحلل العناصر المشعه‏.‏
‏(4)‏ القوه الكهرومغناطيسيه‏:‏ وتحمل علي هيئه فوتونات الطاقه او مايعرف باسم الكم الضوئي‏، وهذه الفوتونات تنطلق بسرعه الضوء لتوثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربائيه‏، ومن ثم فهي تودي الي تكون الاشعاع الكهرومغناطيسي وتوثر في جميع التفاعلات الكيميائيه‏.‏
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسيه في قوه واحده‏، يحاول العلماء جمع هذه القوه مع القوه الذريه الضعيفه‏، فيما يعرف باسم القوه الكهربائيه الضعيفه لانه لايمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحراره العليا‏.‏ وفي نظريات التوحيد الكبري يحاول عدد من العلماء جمع القوه الكهربائيه الضعيفه مع القوه النوويه الشديده في قوه كبري واحده‏;‏ بل ضم تلك القوه الكبري مع قوه الجاذبيه فيما يسمي باسم الجاذبيه العظمي التي تربط كل صور الماده في الكون اليوم‏، والتي يعتقد انها كانت القوه الوحيده السائده في درجات الجراره العليا عند بدء خلق الكون‏، ثم تمايزت الي القوي الاربع المعروفه لنا اليوم والتي تعتبر وجوها اربعه لتلك القوه الكونيه الواحده التي تشهد لله‏(‏ تعالي‏)‏ بالوحدانيه المطلقه فوق كل خلقه‏، ومن هنا ظهرت نظريه الخيوط فائقه الدقه التي تفترض تكون اللبنات الاساسيه للماده من خيوط فائقه الدقه تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهيه الضاله في الحجم مشابهه بذلك شريط الحمض النووي في داخل نواه الخليه الحيه الذي يتكدس علي ذاته في حيز لايزيد علي الواحد من مليون من الملليمتر المكعب ولكنه اذا فرد يبلغ طوله قرابه المترين‏، يضمان‏18.6‏ بليون قاعده كيميائيه في ترتيب غايه في الاحكام وغايه في الاتقان‏، وتقترح نظريه الخيوط فائقه الدقه‏، وجود ماده خفيه تتعامل مع الماده الظاهره بواسطه قوه الجاذبيه‏.‏
وهنا تتضح روعه النص القراني المعجز الذي نحن بصدده‏، والنصوص الاخري المشابهه له في التعبير عن العديد من الحقائق العلميه التي لم يصل اليها ادراك الانسان الا بعد مجاهده استغرقت الاف العلماء‏، وعشرات العقود حتي وصلوا الي ادراك شئ منها في السنوات المتاخره من القرن العشرين‏.‏
وورود تلك الحقائق في كتاب الله الذي انزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله من قبل الف واربعمائه سنه‏، في مجتمع سادته اميه القراءه والكتابه‏، واميه العلم لمما يقطع بالشهاده للقران الكريم بانه لايمكن ان يكون صناعه بشريه‏، بل هو كلام الله الخالق‏، ويشهد للنبي والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوه‏، وبالرساله فصلي الله وسلم‏، وبارك عليه‏، وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏، والحمد لله رب العالمين‏.‏

إرسال تعليق