بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 16 سبتمبر 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم
16/9/2002
هذه الايه القرانيه الكريمه جاءت في مطلع الثلث الثاني من سوره الانعام، وهي سوره مكيه، ومن طوال السور في القران الكريم اذ يبلغ عدد اياتها165 ايه بعد ايه البسمله; وقد سميت بهذا الاسم لورود ذكر الانعام فيها، ويدور المحور الرئيسي للسوره حول قضيه العقيده، وفي مقدمتها الايمان بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبخاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا; والايمان بحقيقه الوحي، وبوحده رساله السماء; وبحتميه البعث والحساب وبالخلود في الحياه الاخره اما في الجنه ابدا او في النار ابدا...!!
والايمان بالله( تعالي) يقتضي توحيده توحيدا مطلقا فوق كل خلقه، وتنزيهه عن كل وصف لايليق بجلاله من مثل الادعاء الكاذب له بالشريك او الصاحبه او الولد( تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا)، والاقرار له( سبحانه) بطلاقه القدره التي لاتحدها حدود، وعظيم السلطان الذي لاينازعه فيه منازع، وبالالوهيه والربوببيه فوق كل خلقه، وبانه رب هذا الكون ومليكه والمتصرف فيه وحده.
وتبدا سوره الانعام بحمد الله( تعالي):... الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور... وباستنكار شرك المشركين بالله; وقررت عددا من حقائق الكون في الانفس والافاق مستدله بها علي وجود الله( تعالي) وعلي وحدانيته، وطلاقه قدرته; وانه( تعالي) له ملك السماوات والارض، ويعلم السر والجهر، وماتكسب كل نفس....!!
وتنعي السوره الكريمه علي الكافرين اعراضهم عن ايات الله، وتكذيبهم للحق بعد ان جاءهم، وتنطعهم في طلب المعجزات الحسيه من رسول الله( صلي الله عليه وسلم); ولذلك تتهددهم الايات مذكره اياهم بهلاك الامم من قبلهم، وبحتميه جمعهم الي الله( تعالي) في يوم لاريب فيه...!!
وتثبت الايات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بان مالقيه من قومه من تكذيب واستنكار قد لقيه كل الرسل من قبله، وان الكافرين لايكذبونه ولكنهم بايات الله يجحدون، وان الله( تعالي) شهيد بينه وبينهم علي صدق ماجاء به، وان القران الكريم قد انزله الله( تعالي) وحيا من عنده الي خاتم انبيائه ورسله لينذر به قومه، والناس جميعا الي يوم الدين; وان اهل الكتاب يعرفون ذلك فيما بقي من كتبهم كما يعرفون ابناءهم.
وتذكرهم الايات بمباغته الساعه، وباهوال يوم الحشر، وبايقافهم علي النار، وندمهم علي كفرهم ساعه لاينفع الندم، وتذكرهم الايات بانكارهم للبعث، والله( تعالي) يعلم انهم لو ردوا لعادوا الي مانهوا عنه; وتوكد لهم الايات ان الحياه الدنيا لعب ولهو، وان الاخره خير للذين يتقون; وتذكرهم بنعم الله عليهم، وبانه قادر علي اخذها منهم كما منحها لهم، وتتهددهم بالعذاب بغته او جهره.
وتطالب الايات رسول الله( صلي الله عليهم وسلم) ان يبلغ الكافرين بانه لايملك خزائن الله، ولايعلم الغيب، وليس بملك، بل هو بشر ممن خلق الله، لايتبع الا مايوحي اليه، وينذر الذين يخافون ان يحشروا الي ربهم.
وتقرر الايات في سوره الانعام ان الغيب المطلق لايعلمه الا الله، وانه( تعالي) يعلم كل صغيره وكبيره، وكل حركه وسكنه في الوجود، وان كل ذلك مدون في اللوح المحفوظ; وان الله( تعالي) يتوفي الانفس في منامها بالليل، ويبعثها في النهار، ويعلم ماتكسب كل نفس فيه، ويظل الامر كذلك الي انتهاء الاجل، ثم الرجوع الي الله( تعالي) بعد البعث لينبئ كلا بما عمل في حياته الدنيا.
وتنتقل الايات الي الحديث عن بعض طبائع النفس الانسانيه، وتامر رسول الله( صلي الله عليه وسلم) ومن بعده كل المومنين بعدم الجلوس في مجلس يتجرا الحضور فيه علي الله( تعالي) وعلي اياته، وتامر بهجرالذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياه الدنيا، وتامر الايات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) ان يذكر بالقران الكريم كل الناس مخافه الهلاك بسوء الاعمال وفساد المعتقدات.
وتامر الايات باقامه الصلاه، وبتقوي الله( تعالي) في جميع الاحوال لاننا سوف نحشر اليه فيجازي كلا بعمله، وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق، وهو الذي يقول للشئ كن فيكون، وهو الذي قوله الحق، الذي له الملك في الدنيا والاخره، ويوم الفزع الاكبر، يوم ينفخ في الصور فيخرج الناس من قبورهم كالجراد المنتشر، وهو( تعالي) العليم بكل شئ ماخفي وماظهر، وهو الحكيم في افعاله، الخبير بشئون عباده.
وبعد استعراض عدد من الادله القاطعه بوحدانيه الله، وببطلان الشرك وعباده الاوثان عرجت الي جانب من قصه سيدنا ابراهيم( علي نبينا وعليه من الله السلام)، والي حواره مع ابيه ازر، واستنكاره عباده قومه للاصنام، وكيف اراه الله( تعالي) ملكوت السماوات والارض، واتاه الحجه علي قومه، واكرمه علي الكبر بالذريه الصالحه، فتاكد له ان الامن كل الامن في معيه الله، وان الامن لايتحقق مع الشرك بالله ابدا.....!!
واشارت السوره الكريمه الي عدد من انبياء الله غير ابراهيم( علي نبينا وعليهم اجمعين من الله السلام) منهم نوح، واسحاق، ويعقوب، وداود، وسليمان، وايوب، ويوسف، وموسي، وهارون، وزكريا، ويحيي، وعيسي، والياس، واسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط( علي نبينا وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي التسليم).
واشارت سوره الانعام الي تحريف اليهود للتوراه، واكدت ان القران الكريم قد تكاملت فيه كل الرسالات السابقه; وان الله( تعالي) قد انزله علي خاتم الانبياء والمرسلين لينذر به اهل مكه، واهل الارض جميعا من حولها.
وتستنكر سوره الانعام افتراء الكذب علي الله، او الادعاء الكاذب من قبل بعض الضالين بتلقي الوحي، او ادعاء القدره علي الاتيان بمثل هذا القران، وتستعرض حاله هولاء الضالين، وهم في غمرات الموت، وسكراته فتقول:..... ولو تري اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكه باسطو ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون علي الله غير الحق وكنتم عن اياته تستكبرون، ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مره وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم، وما نري معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ماكنتم تزعمون( الانعام:94،93).
وتعاود السوره المباركه ضرب عدد من ايات الله في الخلق، واستنكار الشرك بالله، وتنزيهه عن كل وصف لايليق بجلاله، فتقول: بديع السماوات والارض اني يكون له ولد ولم تكن له صاحبه، وخلق كل شيء وهو بكل شئ عليم ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو علي كل شئ وكيل لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير( الانعام:101-103).
وتامر الايات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) باتباع ما اوحي اليه من ربه، وبالاعراض عن المشركين الذين لن يومنوا بوحدانيه الخالق العظيم ولو جاءتهم كل ايه، وذلك لان مشاهده المعجزات الحسيه لن تغني من عميت بصائرهم شيئا; وتوكد ان اهل الكتاب يعلمون ان القران الكريم حق، منزل من الله الخالق، وقد تكامل فيه وحي السماء.
وتامر الايات في سوره الانعام بالاكل مما ذكر عليه اسم الله، وقد بين الله( تعالي) الحلال والحرام، واحل الحلال، وحرم الحرام، الا في حالات الاضطرار; وتقرر الفرق الشاسع بين الهدايه والضلال، وان الله( تعالي) يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
وتخاطب الايات كلا من الجن والانس بقول الحق( تبارك وتعالي) لهم يوم القيامه:
يامعشر الجن والانس الم ياتكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا اشهدنا علي انفسنا وغرتهم الحياه الدنيا وشهدوا علي انفسهم انهم كانوا كافرين، ذلك ان لم يكن ربك مهلك القري بظلم واهلها غافلون( الانعام:131،130).
وتنعي ايات سوره الانعام علي الكافرين جراتهم علي التحليل والتحريم بغير ماشرع الله، وتتهددهم بان الله( تعالي)... سيجزيهم بما كانوا يفترون*( الانعام:138).
واوضحت الايات ان ماحرم الله( تعالي) علي اليهود من الطعام انما كان بسبب افسادهم في الارض، وعصيانهم لاوامر الله، وتحريفهم للتوراه، وبغيهم علي عباد الله، وطغيانهم بقتل الانبياء، واكل الربا، واستحلال اموال ودماء وممتلكات الناس بالباطل( تماما كما يفعل الصهاينه المجرمون علي ارض فلسطين اليوم)، وفي خواتيم السوره المباركه جاءت بعدد من وصايا الله( تعالي) لعباده يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
قل تعالوا اتل ماحرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولاتقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولاتقربوا الفواحش ما ظهر منها ومابطن ولاتقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولاتقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احس حتي يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط لانكلف نفسا الا وسعها، واذا قلتم فاعدلوا ولوكان ذا قربي وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون( الانعام:151 153).
وتختتم سوره الانعام بختام يهز القلوب والعقول معا يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي) علي لسان خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم): قل انني هداني ربي الي صراط مستقيم دينا قيما مله ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين* قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين قل اغير الله ابغي ربا وهو رب كل شئ ولاتكسب كل نفس الا عليها ولاتزر وازره وزر اخري ثم الي ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما اتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم( الانعام:161 165).
والايات الكونيه التي استشهدت بها سوره الانعام علي صدق ما جاء بها من قضايا، ايات عديده نوجزها فيما يلي:
(1) خلق السماوات والارض بالحق.
(2) جعل الظلمات والنور.
(3) خلق الانسان من طين.
(4) لله خلق يسكنون بالليل وخلق يسكنون بالنهار.
(5) حقيقه ان كل خلق من خلق الله هو امه من امثال امم البشر.
(6) التنبو بان الله( تعالي) سيفتح علي الانسان من ابواب العلم ما نشهده اليوم.
(7) تاكيد حقيقه ان بالكون غيوبا مطلقه لايعلمها الا الله.
(8) تاكيد حقيقه ان النوم صوره من صور الوفاه، وان اليقظه من النوم صوره من صور البعث بعد الموت.
(9) تاكيد ظلمات البر والبحر اي ان الظلمه هي الاصل في الكون.
(10) الاشاره الي وسطيه موقع مكه المكرمه بالنسبه لليابسه.
(11) الاشاره الي معجزه فلق كل من الحب والنوي لحظه الانبات.
(12) الاشاره الي دوران الارض حول محورها بتبادل الليل والنهار.
(13) تشبيه طلوع الصبح بعد ظلام الليل بفلق النواه لحظه الانبات.
(14) الحكمه من جعل الليل للسكن، والنهار للجري وراء المعايش.
(15) تاكيد ان الشمس والقمر يجريان بنظام محكم دقيق يمكن من حساب الزمن، والتاريخ للاحداث ولاداء العبادات في اوقاتها.
(16) خلق النجوم ومن فوائدها للانسان الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر.
(17) خلق السلاله البشريه كلها من نفس واحده.
(18) اخراج الحب المتراكب علي هيئه السنابل من الخضر الذي ينبت في النبات.
(19) اخراج القنوان الدانيه وهي العراجين المتدليه من النخل( جمع قنو، وهو العنق او عنقود التمر) من طلع النخل، وهو اول مايبدو ويخرج من ثمر النجل كالكيزان; واخراج جنات من اعناب، ومن الزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه.
(20) الاشاره الي ان التصعد في السماء بغير وقايه يجعل الصدر ضيقا حرجا حتي يقضي علي الصاعد بالموت.
(21) انشاء جنات من المعروشات وغير المعروشات والنخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه، وكل قضيه من هذه القضايا العديده تحتاج الي معالجه مستقله، وسوف اقصر حديثي هنا علي النقطه الخامسه عشره التي تشير الي جريان كل من الشمس والقمر بنظام محسوب بدقه بالغه مما يعين علي حساب الزمن، والتاريخ للاحداث، واداء الحقوق والواجبات والعبادات في اوقاتها المحسوبه، وقبل الدخول الي ذلك لابد من الاستعراض السريع لاقوال عدد من كبار المفسرين السابقين في شرح دلاله هذه الايه الكريمه.
من اقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي):
فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم( الانعام:96).
* ذكر ابن كثير يرحمه الله مانصه:( فالق الاصباح وجعل الليل سكنا) اي خالق الضياء( النور) والظلام كما قال في اول السوره( وجعل الظلمات والنور) اي فهو سبحانه يغلق ظلام الليل عن غره الصباح فيضئ الوجود، ويستنير الافق، ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه، ويجئ النهار بضيائه( بنوره) واشراقه،..... وقوله( والشمس والقمر حسبانا) اي يجريان بحساب مقنن مقدر لايتغير ولايضطرب، بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء، فيترتب علي ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا كما قال:( وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل) الايه، وكما قال:( لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)، وقال:( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره)، وقوله:( ذلك تقدير العزيز العليم) اي الجميع جار بتقدير العزيز الذي لايمانع، ولايخالف، العليم بكل شئ فلا يعزب عن علمه مثقال ذره في الارض ولا في السماء، وكثيرا ما اذا ذكر الله تعالي خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزه والعلم....
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) مانصه:( فالق الاصباح) مصدر بمعني الصبح اي شاق عمود الصبح، وهو: اول مايبدو من نور النهار عن ظلمه الليل...( سكنا) يسكن فيه الخلق من التعب،( الشمس والقمر) بالنصب عطفا علي محل الليل..( حسبانا) حسابا للاوقات، والباء محذوفه، وهو حال من مقدر اي: يجريان بحسبان...( ذلك) المذكور(تقدير العزيز) في ملكه( العليم) بخلقه.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه) مانصه: ان فالق الحب والنوي هو فالق الاصباح ايضا، وهو الذي جعل الليل للسكون، وجعل الشمس والقمر محسوبه حركاتهما، مقدره دوراتهما.. مقدرا ذلك كله بقدرته التي تهيمن علي كل شئ، وبعلمه الذي يحيط بكل شئ.
وانغلاق الاصباح من الظلام حركه تشبه في شكلها انغلاق الحبه والنواه، وانبثاق النور في تلك الحركه، كانبثاق البراعم في هذه الحركه، وبينهما من مشابه الحركه والحيويه والبهاء والجمال سمات مشتركه، ملحوظه في التعبير عن الحقائق المشتركه في طبيعتهما وحقيقتهما كذلك... وبين انغلاق الحب والنوي وانغلاق الاصباح، وسكون الليل صله اخري.... ان الاصباح والامساء، والحركه والسكون، في هذا الكون او في هذه الارض ذات علاقه مباشره بالنبات والحياه.
ان كون الارض تدور دورتها هذه حول نفسها امام الشمس، وكون القمر بهذا الحجم، وبهذا البعد من الارض، وكون الشمس كذلك بهذا الحجم، وهذا البعد، وهذه الدرجه من الحراره... هي تقديرات من( العزيز) ذي السلطان القادر( العليم) ذي العلم الشامل... ولولا هذه التقديرات ما انبثقت الحياه في الارض علي هذا النحو، ولما انبثق النبت والشجر، من الحب والنوي... انه كون مقدر بحساب دقيق. ومقدر فيه حساب الحياه، ودرجه هذه الحياه، ونوع هذه الحياه... كون لا مجال للمصادفه العابره فيه....
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران( رحم الله كاتبه برحمته الواسعه) ما نصه:( فالق الاصباح) الاصباح: مصدر سمي به الصبح، اي شاق ظلمه الصبح وهو الغبش في اخر الليل الذي يلي الفجر المستطيل الكاذب عن بياض النهار; فيضئ الوجود ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بسواده ويجئ النهار بضيائه( والاصح هو بنوره).( وجعل الليل سكنا) يسكن اليه من يتعب بالنهارويستانس به لاسترواحه فيه.( والشمس والقمر حسبانا) اي يجريان في الفلك بحساب مقدر معلوم، لايتغير ولا يضطرب حتي ينتهيا الي اقصي منازليهما، بحيث تتم الشمس دورتها في سنه، ويتم القمر دورته في شهر، وبذلك تنتظم المصالح المتعلقه بالفصول الاربعه وغيرها. والحسبان: مصدر حسبت المال حسبا من باب فتل احصيته عددا.
وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم( جزاهم الله خيرا) مانصه: وهو الذي يشق غبش الصبح بضوء( والصحيح هو بنور) النهار، ليسعي الاحياء الي تحصيل اسباب حياتهم، وجعل الليل ذا راحه للجسم والنفس، وجعل سير الشمس والقمر بنظام دقيق يعرف به الناس مواقيت عباداتهم، ومعاملاتهم. ذلك النظام المحكم، تدبير القادر المسيطر علي الكون المحيط بكل شئ علما.
وجاء في صفوه التفاسير( جزي الله كاتبه خيرا) مانصه:
( فالق الاصباح) اي شاق الضياء( والصحيح هو النور) عن الظلام وكاشفه، قال الطبري: شق عمود الصبح عن ظلمه الليله وسواده( وجعل الليل سكنا) اي يسكن الناس فيه عن الحركات ويستريحون( والشمس والقمر حسبانا) اي بحساب دقيق يتعلق به مصالح العباد، ويعرف بهما حساب الازمان والليل والنهار( ذلك تقدير العزيز العليم) اي ذلك التسيير بالحساب المعلوم تقدير الغالب القاهر الذي لايستعصي عليه شئ، العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم.
شرح الايه الكريمه في ضوء المعارف المكتسبه
تشير هذه الايه الكريمه الي حقيقه كونيه موداها ان الله جلت قدرته) قد قدر للارض ان تدور حول محورها امام الشمس( كما قدر لكل جرم من اجرام السماء ان يدور حول محوره، وان يسبح في فلكه)، وبذلك فانه( تعالي) يفصل بالتدريج بين الارض عن ليل السماء بطبقه نور النهار الرقيقه( التي لايتعدي سمكها مائتي كليومتر بالنسبه الي المسافه بين الارض والشمس المقدره بنحو150 مليون كيلومتر)، وبذلك فهو( سبحانه) يغلق هاتين الظلمتين المتداخلتين بالتدريج فيحل النهار محل ظلمه الارض، ويبقي ظلمه السماء، ولذلك وصف ذاته العليه بانه فالق الاصباح اي الصبح ولايقوي علي ذلك احد غيره.
ثم يضيف وصفا اخر لتلك الذات العليه هي.... وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا...، ويصف تقدير ذلك بانه:.... تقدير العزيز العليم.
وجاء التعبير فالق الاصباح وجعل الليل سكنا اشاره الي تبادل كل من النهار والليل، والي جعل النهار لعماره الارض، واقامه عدل الله فيها، وللجري وراء المعايش، وللكدح من اجل كسب الرزق الحلال، وجعل الليل للسكن والاستجمام، والراحه والاسترخاء، والتامل والعباده بعد كدح النهار; وتبادل كل من الليل والنهار لايتم الا بدوران الارض حول محورها امام الشمس.
وهذه الدوره الارضيه التي تعرف باسم الدوره المحوريه، او المغزليه، او الدورانيه تتم بسرعه تقدر بنحو الثلاثين كيلومترا في الدقيقه(465 مترا في الثانيه*60=27.9 كيلومتر في الدقيقه*60=1674 كيلومترا في الساعه) لتتم دوره كامله في يوم مقداره24 ساعه(23 ساعه،56 دقيقه،4 ثوان في المتوسط)، يتقاسمه ليل ونهار بتفاوت قليل في طول كل منهما، وذلك بسبب ميل محور دوران الارض علي مستوي مدار الارض حول الشمس، مما ينتج عنه تبادل فصول السنه: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء.
ويوم الارض( الناتج عن دورانها دوره كامله حول محورها) يختلف طوله علي مدار السنه بسبب تغيير سرعه سبح الارض في فلكها حول الشمس( سرعه الحركه المدارسه للارض) تبعا لبعدها عن الشمس، وبسبب اثار ظاهرتي المد والجزر، والدوران الفعلي للغلاف الغازي المحيط بالارض، وبسبب بعض التغيرات في لب الارض.
وقد جددت الثانيه كوحده للزمن علي اساس انها الفتره الزمنيه المكافئه ل1:86.400 من متوسط طول اليوم الشمسي علي مدار السنه(24 ساعه*60 دقيقه*60 ثانيه=86.40 ثانيه).
ولتفادي ماثبت من تناقص سرعه دوران الارض حول محورها، وبالتالي زياده متوسط طول اليوم الشمسي بنحو0.001 من الثانيه في القرن الواحد، فقد تم الاتفاق علي تعيين طول الثانيه ذريا بانها الفتره التي يتردد منها قفز الاليكترون من مدار الي اخر حول نواه ذره نظير عنصر( السيزيوم 133) نحو تسعه بلايين مره(9.192.631.770 مره)، كما يمكن تقسيم الثانيه الي وحدات اقل.
ومع دوران الارض حول محورها امام الشمس من الغرب الي الشرق يبدو لنا هذا النجم( الشمس) صاعدا من جهه الشرق، وغائبا في جهه الغرب في حركه ظاهريه تحدد لنا كلا من ليل ونهار، ويوم الارض; وباستخدام كل من المزوله، او البندول المعلق من سقف مرتفع، او الساعات( باختلاف انواعها ودرجه دقتها حتي الساعه الذريه) يمكن تقسيم كل من الليل والنهار الي الساعات والدقائق والثواني، وفي بعض الحالات الي اجزاء من الثانيه.
والدوره اليوميه الناشئه عن دوران الارض حول محورها دوره كامله في كل يوم تجعل جميع مانراه في صفحه السماء الدنيا، وكانه يدور من حولنا، وليست الشمس وحدها; فبالمثل يبدو القمر وكانه يطلع علي الارض من جهه الشرق، ويغيب عنها في جهه الغرب، وهذه دوره ظاهريه، وللقمر دوره حقيقيه حول محوره المائل علي مستوي مداره امام الارض بسرعه متوسطه تقدر بنحو3675 كيلومترا في الساعه، اي نحو واحد في الثانيه، وهي نفس سرعه سبحه حول الارض في مدار به دائري يقدر طوله بنحو2.4 مليون كيلومتر لتتم هذه الدوره في اكثر قليلا من السبعه والعشرين يوما(27.3217 يوم)، ولكن نظرا لسبح الارض حول الشمس في نفس الوقت مما يودي الي تباعد نقطه البدايه في كل دوره قمريه عن سابقتها فان القمر يتم دورته الشهريه فعلا في نحو29.5 يوم(29.5309 يوم) هي مده الشهر القمري; ويقدر متوسط بعد القمر عن الارض بنحو384 الف كيلومتر، وبذلك يكون يوم القمر هو الشهر القمري للارض، وهو يوم يقدر طول كل من ليله ونهاره بنحو14.5 يوم ارضي.
ويشترك في تحديد الشهر القمري كل من الشمس، والقمر، والارض باوضاعها المحدده بالنسبه لبعضها البعض، وكل من حركاتها الحقيقيه، والظاهريه; فالقمر في سبحه في مداره حول الارض، وهو يواجهها بوجه واحد يتم دورته في شهر قمري يتراوح طوله بين30،29 يوما( بمتوسط29.53 يوم فيبدا بالخروج من دور المحاق( طور الاقتران)، وبميلاد الهلال الجديد، ثم بزياده مساحه الجزء المنير من سطح القمر بالتدريج يتحرك الي التربيع الاول، ثم الاحدب الاول، ثم البدر الكامل( طور الاستقبال)، وبعد ذلك تبدا مساحه الجزء المنير من سطح القمر في التناقص بالتدريج الي الاحدب الثاني، ثم التربيع الثاني، ثم الهلال الاخير حتي يدخل في طور المحاق، فيختفي نور القمر بالكامل لمده يوم او يومين حسب طول الشهر القمري، ويعاود الظهور في اول الشهر القمري التالي بميلاد هلال جديد، وهكذا الي ان يرث الله( تعالي) الكون بما فيه، ومن فيه.
والارض تسبح حول الشمس في فلك محدد لها( ومعها قمرها) لتتم دوره كامله في سنه شمسيه يقدر طولها في زماننا الراهن بنحو(365.25 يوم) موزعه علي اثنتي عشر شهرا بعد بروج السماء.
ونظرا لميل محور دوران الارض فان فصول السنه تتبادل: الربيع، والصيف والخريف، والشتاء، وذلك بتقدير العزيز الحكيم.
ولقد شاءت اراده الله الخالق( سبحانه وتعالي) ان يتحدد يوم الارض( بليله ونهاره) عن طريق دوران الارض حول محورها امام الشمس، وان يتحدد شهر الارض القمري بواسطه دوره القمر الشهريه حول الارض، ويتحدد شهرها الشمسي عن طريق بروج السماء، وان يقسم شهرها القمري الي اسابيع، وايام بواسطه منازل القمر، واطواره المتتاليه في كل شهر.
والسنه القمريه هي الفتره الزمنيه التي يتم فيها القمر اثنتي عشره دوره كامله حول الارض، ويستغرق ذلك(354.37 يوم)، وكسر اليوم يجمع ليكون يوما في كل ثلاث سنوات تقريبا، ومن هنا اعتبرت السنه القمريه البسيطه354 يوما، والكبيسه355 يوما; بينما تستغرق السنه الشمسيه365.25 يوم.
ومن الناحيه الشرعيه فان الشهر القمري يبدا برويه الهلال الجديد بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين او الثلاثين من الشهر القمري السابق، وينتهي برويه الهلال الجديد الذي يليه بعد غروب شمس التاسع والعشرين او الثلاثين منه; وعلي ذلك فان الفتره الزمنيه للشهر القمري تكون عددا صحيحا من الايام، اما تسعه وعشرين يوما، او ثلاثين يوما.
ومن المعلوم ان الطول الفعلي للشهر القمري يتراوح بين(29 يوما،5 ساعات)، و(29 يوما،19 ساعه او اكثر قليلا)، وعلي ذلك فان مدته الوسيطه تقدر بنحو(29 يوما،12 ساعه،44 دقيقه)، وانطلاقا من ذلك فان الاشهرالكامله قد تتوالي مره او مرتين، كما قد تتوالي الاشهر الناقصه مره او مرتين، وسطح الارض منقسم الي قسمين يفصل بينهما خط اتحاد المطالع، وجميع الاماكن التي تقع الي الغرب من هذا الخط اذا رات الهلال بدا عندها الشهر القمري الجديد من اليوم التالي للرويه، بينما جميع الاماكن الواقعه الي الشرق من خط اتحاد المطالع فانها لاتري الهلال الا في اليوم التالي.
واليوم يبدا في التقويم القمري من غروب الشمس الي غروبها التالي، وبذلك يكون الليل سابقا للنهار; وفي التقويم الشمسي يبدا اليوم من منتصف الليل الي منتصفه التالي.
وعلي ذلك فقد اصبحت حركات كل من الارض والقمر والشمس معلومه لنا بدقه كبيره لدرجه ان الساعات الزمنيه تضبط اليوم علي حركاتها، وصدق الله العظيم الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق: فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم( الانعام:96).
وصدق ربنا( العزيز الحكيم) الذي انزل كذلك قوله الحق: والشمس والقمر بحسبان( الرحمن:5).
اي بحساب محكم دقيق يعين الانسان علي ادراك الزمن وحسابه والتاريخ للاحداث، واداء العبادات، والحقوق، ولولا ذلك لتعذرت الحياه علي الارض، وهي قضايا لم يدركها الانسان الا في ازمنه متاخره بقرون طويله بعد تنزل القران الكريم، مما يقطع بانه كلام الله الخالق، ويشهد بالنبوه، والرساله للرسول الخاتم الذي تلقاه بحق، وابلغه بامانه، وصدق، وجاهد في سبيله حتي اتاه اليقين، فصل الله وسلم وبارك عليه، وعلي اله وصحبه، ومن تبع هداه، ودعا بدعوته الي يوم الدين.. واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق