بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 30 سبتمبر 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي
هذا النص القراني المعجز جاء في مستهل سوره الرعد، وهي سوره مكيه/ مدنيه، وعدد اياتها ثلاث واربعون بعد البسمله، وبها سجده تلاوه واحده، وقد سميت بهذا الاسم لورود الاشاره الي حقيقه ان الرعد كغيره من ظواهر الكون يمثل صوره من صور تسبيح الكائنات غير المكلفه لله الخالق الذي انزل في محكم كتابه قوله الحق: تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا*( الاسراء:44)
ويدور المحور الرئيسي لسوره الرعد حول قضيه العقيده ومن ركائزها الايمان بالله الخالق الواحد القهار، وبالوحي الخاتم المنزل من الله الخالق علي خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) وبانه الحق الكامل الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والايمان بملائكه الله وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت، وبالحساب وبالجنه وبالنار.
وتبدا سوره الرعد باربعه من الحروف الهجائيه المقطعه وهي المر وقد وردت مره واحده في القران كله.
وهذه الفواتح الهجائيه( او الحروف المقطعه) هي من اسرار القران الكريم، التي توقف عن الخوض فيها اعداد من علماء المسلمين، مكتفين بتفويض الامر فيها الي الله( تعالي)، بينما يري عدد منهم ضروره الاجتهاد في تفسيرها، وفهم دلالاتها، وان لم يصلوا بعد الي اجماع علي راي واحد في ذلك.
وتوكد سوره الرعد لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) ان القران الذي انزل اليه من ربه هو الحق ولكن اكثر الناس لايومنون; ثم تعرض لعدد من ايات الله في الكون للاستشهاد بها علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في انشاء الخلق، والاستدلال بذلك علي قدرته( سبحانه وتعالي) علي افناء خلقه، واعاده بعثه من جديد، وذلك لان حجه الكافرين والمتشككين في كفرهم او تشككهم كانت ولاتزال هي عجزهم عن فهم امكانيه البعث بعد تحلل الاجساد وتحولها الي تراب، متجاهلين ان قدره الله( تعالي) لاتحدها حدود; ولذلك ترد عليهم الايات بصوره من صور عقاب المكذبين بالبعث يوم القيامه.
وتعجب الايات من استعجال الكافرين لعذاب الله وكانهم لم يعتبروا من قصص الامم السابقه، وتوكد ان الله( تعالي).. لذو مغفره للناس علي ظلمهم وانه( تعالي) لشديد العقاب.
وتعجب الايات كذلك من طلب الكافرين للمعجزات الحسيه من رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وكان القران الكريم علي عظم قدره لم يكن معجزه كافيه لهم، ولقد ارسل الرسول منذرا به وهاديا اليه، كما ارسل كل الرسل الي اقوامهم من قبل; وان الله( تعالي) هو عالم الغيب والشهاده الكبير المتعال وانه( سبحانه) قد اوكل بكل عبد من عباده ملائكه يحفظونه الي ان ياتي امر الله، وانه( تعالي) لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم، وانه( سبحانه) شديد المحال وان له دعوه الحق ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال.
وتعيب الايات علي الكافرين اتخاذهم اولياء من دون الله، لايملكون لانفسهم نفعا ولاضرا، ولم يخلقوا شيئا، والله خالق كل شيء وهو الواحد القهار; وتتساءل:.. هل يستوي، الاعمي والبصير ام هل تستوي الظلمات والنور...؟.
وتتحدث الايات عن مصائر كل من المومنين والكافرين يوم القيامه، وتعرض لشيء من صفات كل منهم، وتوكد ان الله( سبحانه وتعالي) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وانه( تعالي) يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لايحب وتكرر تساول الكافرين عن المعجزات الحسيه وترد عليهم بان الله( تعالي) يضل من يشاء ممن اراد الضلاله، ويهدي من يشاء ممن طلب الهدايه، وان المومنين تطمئن قلوبهم بذكر الله لان القلوب المومنه لاتطمئن الا بذكره.
وتوكد الايات لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) ان الله( تعالي) قد ارسله في امه قد خلت من قبلها امم، ليتلو عليهم الذي اوحي اليه، ويعلن ايمانه بالتوحيد الخالص لله( تعالي)، والتوكل الكامل عليه وحده، والايمان بان مرد كل موجود اليه!!
وتوكد الايات انه لو ان كتابا اذا تليت اياته تحركت بها الجبال عن مواضعها، وتصدعت الارض وغارت اجزاء منها، وخوطب بها الموتي فاجابوا من قبورهم... لكان هو القران الكريم; وعلي الرغم من ذلك فان كثيرا من الكفار والمشركين( قديما وحديثا) في صدود عنه، وتامر عليه وعلي اهله وخاصته، ولله الامر جميعا...!!
وتطمئن الايات المومنين بان الله( تعالي) لو يشاء لهدي الناس جميعا، وانه( تعالي) يعاقب الذين كفروا في الدنيا قبل الاخره، فلا يزالون باعمالهم السيئه تصيبهم القوارع الشديده او تنزل قريبا منهم، حتي ياتي امر الله بافنائهم والقضاء عليهم، والله لايخلف الميعاد.
وتثبت الايات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بان الرسل من قبله قد استهزيء بهم كما استهزا الكافرون والمشركون ولايزالون يستهزئون بما يدعو اليه من الحق، وان من سنن الله( تعالي) ان ياخذ الذين يستهزئون برسله اخذا وبيلا في الدنيا، وان يجعل لهم في الاخره من العذاب ما هو اشد وانكي، وان ليس لهم من واق من عذاب الله ابدا.
وبسبب كفر الكافرين، ومكرهم اضلهم الله، وجعل عقابهم النار، وهو( سبحانه) القائم علي كل نفس بما كسبت، والمجازي كلا بما يستحق، وفي المقابل تعرض الايات لشيء من اوصاف الجنه التي وعد الله المتقين، وتوكد ان من المفروض ان يفرح اهل الكتاب بما انزل الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) لانه الصوره النهائيه التي تكاملت فيها رساله السماء، ولكن قطاعا غفيرا منهم قد كفر بها وجحدها جحودا كبيرا..!! وتوكد الايات ان انزال القران الكريم حكما عربيا هو معجزه الرسول الخاتم والنبي الخاتم، وانه ما كان لرسول ان ياتي بمعجزه الا باذن الله، وان لكل اجل كتاب، وان الله( تعالي) يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب; وانه( تعالي) يحكم ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب...!!
وتشير الايات الي مكر الامم السابقه( والذي لايكاد يختلف عن مكر الامم الكافره والمشركه اليوم، وفي كل زمان) وتوكد ان لله المكر جميعا، فهو( تعالي) يعلم ما تكسب كل نفس، وسوف يعلم الكفار لمن عقبي الدار...!!
وتختتم السوره الكريمه بخطاب موجه الي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بانه اذا كان الكافرون والمشركون والضالون ينكرون بعثته الشريفه فان الله( تعالي) يشهد بصدقها، كما يشهد كل من كان عنده علم من الكتاب، ويكفيه ذلك عن كل شاهد، والايات تنطق بقول الحق( تبارك وتعالي):
ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب* ( الرعد:43).
وتاكيدا علي صدق ما جاء بها من قواعد الدين، وامور الغيب المطلق استشهدت سوره الرعد بعدد كبير من الايات الكونيه التي يمكن ايجازها فيما يلي:
(1) رفع السماوات بغير عمد مرئيه( اي بعمد غير مرئيه او بواسطه اخري غير العمد المرئيه).
(2) تسخير كل من الشمس والقمر، وجعل كل منهما يجري لاجل مسمي، تاكيدا علي نهايه الكون.
(3) مد الارض، وخلق الجبال رواسي لها، ومنابع للانهار الجاريه علي سطحها.
(4) خلق كل شيء في زوجيه واضحه حتي يبقي الله( تعالي) متفردا بالوحدانيه المطلقه فوق كافه خلقه.
(5) اغشاء الليل بالنهار في اشاره واضحه الي دوران الارض حول محورها امام الشمس.
(6) الاشاره الي تقسيم الغلاف الصخري للارض بواسطه شبكه من الصدوع وذلك بالوصف القراني المعجز الذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي): وفي الارض قطع متجاورات...
(7) الاشاره الي تفضيل الله( تعالي) بعض الثمار علي بعضها في الاكل، علي الرغم من تشابهها احيانا وتباين اشكالها في احيان اخري، وعلي الرغم من نموها علي ارض واحده وسقياها بماء واحد.وهي اشاره الي شئ من طلاقه القدره الالهيه في ابداع الخلق.
(8) الاشاره الي علم الله( تعالي) بما تحمل كل انثي، وبما تغيض الارحام وما تزداد، وان كل شئ عنده بمقدار.
(9) التاكيد علي ان الله( تعالي) لاتخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء، وان الغيب المكنون الذي لا تدركه حواس الانسان مكشوف لعلم الله( تعالي)، الذي يتساوي فيه كل من عالمي الغيب والشهاده، في الماضي والحاضر والمستقبل.
(10) الاشاره الي عدد من الظواهر الكونيه المبهره كالرعد، والبرق، والصواعق.
(11) الاشاره الي انشاء السحاب الثقال والي انزال المطر منه.
(12) التاكيد علي سجود كل من في السماوات والارض لله( تعالي) طوعا وكرها، وسجود ظلالهم لله( سبحانه وتعالي) بالغدو والاصال.
(13) الاقرار بان الله( تعالي) هو خالق كل شئ.
(14) التاكيد علي انقاص الارض من اطرافها، وهي حقيقه لم تدرك الا في القرن العشرين.
(15) تشبيه الباطل بزبد السيل، او بزبد الفلزات المصهوره، وتشبيه الحق بما يمكث في الارض مترسبا من ماء السيل من الجواهر والمعادن النفيسه والنافعه، او بما يبقي بعد صهر الفلزات الثمينه والمفيده مع خلطه من المركبات الكيميائيه لتخليصها مما فيها من شوائب تطفو علي هيئه الخبث( الزبد).
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه خاصه، ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي قضيه تسخير كل من الشمس والقمر، وجعل كل منهما يجري الي اجل مسمي وقبل الوصول الي ذلك اري لزاما علي استعراض اقوال عدد من كبار المفسرين في شرح دلاله هذا النص القراني المعجزه.
من اقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي):
... وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي يدبر الامر يفصل الايات لعلكم بلقاء ربكم توقنون*( الرعد:2)
* ذكر ابن كثير( رحمه الله) ما نصه:... وقوله:( وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي) قيل: المراد انهما يجريان الي انقطاعهما بقيام الساعه، كقوله تعالي:( والشمس تجري لمستقر لها)، وقيل: المراد الي مستقرهما وهو تحت العرش...
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) مانصه:...( وسخر) ذلك( الشمس والقمر كل) منهما( يجري) في فلكه( لاجل مسمي) يوم القيامه( يدبر الامر) يقضي امر ملكه( يفصل) يبين( الايات) دلالات قدرته( لعلكم) يا اهل مكه وغيرها( بلقاء ربكم) بالبعث( توقنون)...
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه) مانصه:... ومن الاستعلاء المطلق الي التسخير تسخير الشمس والقمر، تسخير العلو المنظور للناس علي مافيه من عظمه اخاذه; اخذت بالبابهم في اللمسه الاولي، ثم اذا هي مسخره بعد ذلك لله الكبير المتعال،،،!، ثم نمضي مع السياق... فمع الاستعلاء والتسخير الحكمه والتدبير:( كل يجري لاجل مسمي)... والي حدود مرسومه، ووفق ناموس مقدر سواء في جريانهما في فلكيهما،،،، لا يتعديانه ولا ينحرفان عنه. او جريانهما الي الابد المقدر لهما قبل ان يحول هذا الكون المنظور.( يدبر الامر).. الامر كله، علي هذا النحو من التدبير الذي يسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي.. والذي يمسك بالافلاك الهائله والاجرام السابحه في الفضاء فيجريها لاجل لاتتعداه، لاشك عظيم التدبير جليل التقدير. ومن تدبيره الامر انه( يفصل الايات) وينظمها وينسقها، ويعرض كلا منها في حينه، ولعلته، ولغايته( لعلكم بلقاء ربكم توقنون) حين ترون الايات مفصله منسقه، ومن ورائها ايات الكون، تلك التي ابدعتها يد الخالق اول مره، وصورت لكم ايات القران ما وراء ابداعها من تدبير وتقدير واحكام... ذلك كله يوحي بان لابد من عوده الي الخالق بعد الحياه الدنيا، لتقدير اعمال البشر، ومجازاتهم عليها. فذلك من كمال التقدير الذي توحي به حكمه الخلق الاول عن حكمه وتدبير.
* وجاء في صفوه البيان لمعاني القران( رحم الله كاتبه برحمته الواسعه) مانصه:... بين الله تعالي في هذه الايه والايتين بعدها عشره ادله من العالم العلوي والسفلي علي كمال قدرته وعظيم حكمته: خلقه السماوات مرتفعه بغير عمد. وتسخيره الشمس والقمر لمنافع الخلق. وخلقه الارض صالحه للاستقرار عليها. وخلقه الجبال فيها لتثبيتها، والانهار لتسقي الزرع. وخلقه زوجين اثنين من كل نوع من الثمرات. ومعاقبته بين الليل والنهار. وخلقه بقاعا في الارض متلاصقه مع اختلافها في الطبيعه والخواص. وخلقه جنات من الاعناب للتفكه. وخلقه انواع الحبوب المختلفه للغذاء. وخلقه النخيل صنوانا وغير صنوان. وجميعها تسقي بماء واحد لاتفاوت فيه، مع اختلاف الثمار والحبوب في اللون والطعم والرائحه والشكل والخواص.....
* وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم( جزاهم الله خيرا) مانصه: ان الذي انزل هذا الكتاب هو الله الذي رفع ماترون من سماوات تجري فيها النجوم بغير اعمده تري ولايعلمها الا الله، وان كان قد ربط بينها وبين الارض بروابط لاتنقطع الا ان يشاء الله، وذلل الشمس والقمر بسلطانه ولمنفعتكم، وهما يدوران بانتظام لزمن قدره الله سبحانه وتعالي، وهو سبحانه يدبر كل شيء في السماوات والارض، ويبين لكم اياته الكونيه رجاء ان توقنوا بالوحدانيه.
* وجاء في صفوه التفاسير( جزي الله كاتبه خيرا) مانصه:
(وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي) اي ذلل الشمس والقمر لمصالح العباد، كل يسير بقدرته تعالي الي زمن معين هو زمن فناء الدنيا( يدبر الامر) اي يصرف بحكمته وقدرته امور الخلق وشئون الملكوت من ايجاد واعدام، واحياء واماته وغير ذلك( يفصل الايات) اي يبينها ويوضحها( لعلكم بلقاء ربكم توقنون) اي لتصدقوا بلقاء الله، وتوقنوا بالمعاد اليه، لان من قدر علي ذلك كله فهو قادر علي احياء الانسان بعد موته.
الدلاله العلميه للنص الكريم
من معاني تسخير كل من الشمس والقمر ضبط حركه كل منهما لما فيه صلاح الكون واستقامه الحياه علي الارض.
ومن معاني ان كلا منهما يجري الي اجل مسمي: ان الكون ليس بازلي ولا بابدي، بل كانت له في الاصل بدايه تحاول العلوم المكتسبه تحديدها، وكل ماله بدايه لابد وان ستكون له في يوم من الايام نهايه لها من الشواهد الحسيه في كل من الشمس والقمر ما يوكد علي حتميتها.
اولا: من جوانب تسخير الشمس:
ان الحقائق القاطعه بتسخير الشمس عديده جدا نوجز منها مايلي:
(1) الاتزان الدقيق بين تجاذب مكونات الشمس وتمددها:
الشمس هي اقرب نجوم السماء الي الارض التي تبعد عنها بمسافه مائه وخمسين مليون كيلو متر في المتوسط; والشمس نجم عادي، متوسط الحجم علي هيئه كره من الغاز الملتهب يبلغ قطرها1،400،000 كيلو متر، وحجمها142 الف مليون مليون كيلو متر مكعب، ومتوسط كثافتها1،4 جرام للسنتيمتر المكعب، ولذلك تقدر كتلتها بنحو الفي تريليون تريليون طن. ويمثل ذلك حوالي99% من كتله المجموعه الشمسيه كلها.
والشمس عباره عن فرن نووي كوني عملاق عمره اكثر من عشره بلايين من السنين، يرتفع الضغط في داخله الي مايساوي اربعمائه مليار ضغط جوي وبذلك تبدا عمليه الاندماج النووي بين نوي ذرات الايدروجين منتجه نوي ذرات الهيليوم وتنطلق الطاقه التي ترفع درجه حراره لب الشمس الي اكثر من15 مليون درجه مطلقه تتناقص بالتدريج الي حوالي سته الاف درجه مطلقه عند سطحها، وان تجاوزت المليون درجه في السنه اللهب المندفعه من داخلها.
والشمس تتكون اساسا من غازي الايدروجين(81،76%) والهيليوم(18،17%) بالاضافه الي اثار يسيره( لاتتعدي0،07%) من عدد من العناصر الاخري، وعلي ذلك فان الشمس عباره عن خليط ملتهب من غازي الايدروجين والهيليوم بنسبه حجميه تقدر بحوالي4:1 وهي نفس النسبه المطلوبه لاتحاد اربع من نوي ذرات الايدروجين مع بعضها البعض لتكوين نواه ذره هيليوم واحده، وتنطلق الطاقه; والشمس تحول في كل ثانيه من عمرها الحالي حوالي655 مليون طن من الايدروجين الي حوالي650 مليون طن من الهيليوم، ويتحول الفرق بين الكتلتين( والمقدر بحوالي الخمسه ملايين طن) الي طاقه تمثل الطاقه المنبعثه من الشمس في كل ثانيه من وجودها.
ونظرا للجاذبيه الرهيبه التي تحدثها كتله الشمس الهائله علي مكوناتها فانها تتجاذب كلها في اتجاه المركز تجاذبا تنتج عنه ضغوط هائله ترفع درجه حراره لب الشمس الي المستوي الذي يسمح ببدء واستمرار عمليه الاندماج النووي فيه.
ونظرا للتوازن الدقيق بين جاذبيه الشمس لمكوناتها في اتجاه مركزها، ودفع تلك المكونات بعيدا عن المركز بواسطه القوي الناتجه عن تمدد الغازات المكونه لها بفعل الحراره الفائقه في مركزها، فقد بقيت الشمس مستمره في الوجود تحت هذا التوازن العجيب علي مدي عشره بلايين من السنين( علي اقل تقدير) والي ان يرث الله( تعالي) الكون ومن فيه; ولولا هذا التوازن الدقيق لانفجرت الشمس كقنبله نوويه عملاقه، او لانهارت علي ذاتها تحت ضغط جاذبيتها خاصه انها مجرد كره ضخمه من الغازات.
وعلي ذلك فان تقدير حجم وكتله الشمس بهذه الدقه البالغه هو الذي مكنها من تحقيق هذا التوازن الدقيق بين قوي الدفع الي الخارج، وقوي التجاذب الي الداخل، ومن البقاء في حاله غازيه او شبه غازيه، ملتهبه، متوهجه بذاتها، ولو تغير حجم وكتله الشمس ولو قليلا لتغير سلوك مادتها تماما، او انفجرت او انهارت علي ذاتها، وذلك لان السبب في اندلاع عمليه الاندماج النووي في قلب النجم وانطلاق الطاقه منه هو تكونه من كتله وحجم معينين يحافظان علي الاتزان الدقيق بين التمدد والتجاذب، وهل هناك من التسخير صوره ابلغ من ذلك؟.
(2) تسخير طاقه الشمس من اجل ضبط حركه الحياه علي الارض:
تطلق الشمس من مختلف صور الطاقه مايقدر بحوالي خمسمائه الف مليون مليون مليون حصان في كل ثانيه من ثواني عمرها، ويصل الي الارض من هذا الكم الهائل من الطاقه حوالي الواحد في الالف، ومجموع ميزانيات دول العالم لاتكفي ثمنا لهذا الكم من الطاقه الشمسيه التي تصل الينا فتمثل كل مصادر الطاقه المباشره وغير المباشره علي الارض( باستثناء الطاقه النوويه)، وبدون هذه الطاقه الشمسيه تستحيل الحياه علي كوكبنا، لان كلا من النبات، والحيوان، والانسان يعتمد في وجوده بعد اراده الله الخالق سبحانه وتعالي علي قدر الطاقه الذي يصله من اشعه الشمس، كذلك فان كل الظواهر الفطريه التي تحدث علي الارض ومن حولها تعتمد علي الطاقه القادمه الينا من الشمس: فتصريف الرياح، وارسال السحاب، وانزال المطر وبقيه دوره الماء حول الارض، وما يصاحب ذلك من تسويه وتمهيد لسطح الارض، وشق للفجاج والسبل فيها، وتفجير للانهار والجداول من حجارتها، وخزن للماء تحت سطح الارض، وتكوين للتربه والصخور الرسوبيه، وتركيز للعديد من الركائز المعدنيه، وحركات الامواج في البحار والمحيطات وعمليات المد والجزر وغير ذلك من عمليات وظواهر تحركها طاقه الشمس باراده الله تعالي.
كذلك فان الله( تعالي) قد اعطي الشجر الاخضر القدره علي خزن جزء من طاقه الشمس علي هيئه عدد من الروابط الكيميائيه التي تمثل المصدر الرئيسي لكل انواع الطاقه الحراريه والضوئيه والكهربائيه والكيميائيه من مثل الحطب والقش والخشب، وكلا من الفحم النباتي والحجري، والنفط والغاز الطبيعي، والزيوت والدهون النباتيه والحيوانيه وكلها ترجع الي الطاقه الشمسيه.
3 تكوين نطق الحمايه المختلفه للارض بفعل طاقه الشمس:
شاءت اراده الله( تعالي) ان يحمي الحياه علي سطح الارض بعدد من نطق الحمايه التي لعبت اشعه الشمس( ولا تزال تلعب) الدور الاول في تكوينها( بعد اراده الله) واولها من الخارج الي الداخل: النطاق المغناطيسي للارض (The Magnetosphere)، واحزمه الاشعاع (The Radiation Belts)، والنطاق المتاين (The Ionosphere)، ونطاق الاوزون (The Ozonosphere)، وهذه النطق تتعاون في حمايه الارض من كل من الاشعه فوق البنفسجيه والكونيه ومن العديد من الجسيمات الكونيه الدقيقه والكبيره والتي منها النيازك والشهب; ولو لم تكن هذه النطق موجوده لاستحالت الحياه علي الارض، ولو لم تكن الشمس موجوده ما تكونت تلك النطق علي الاطلاق ووجودها صوره من صور التسخير التي لم تكن معروفه في زمن الوحي بالقران الكريم، ولا بعد قرون متطاوله بعد نزوله حتي نهايات القرن العشرين.
(4) تحديد الزمن:
يتحدد كل من الليل والنهار ويوم الارض وشهورها وفصولها وسنينها بدوره الارض حول محورها، وبسبحها في مدارها حول الشمس وبذلك يستطيع الانسان ادراك الزمن وتحديد الاوقات والتاريخ للاحداث، فبدوره الارض حول محورها امام الشمس يتبادل الليل والنهار، ويتحدد يوم الارض.
وبسبح الارض في مدارها حول الشمس بمحور مائل علي الافق تتحدد الفصول المناخيه من الربيع والصيف والخريف والشتاء كما تتحدد سنه الارض التي يتقاسمها اثنا عشر شهرا شمسيا تحددها بروج السماء الاثنا عشر المتتابعه.
ثانيا: تسخير القمر:
القمر تابع صغير للارض يبعد عنها بمسافه تقدر بحوالي384،400 كيلو متر في المتوسط، وهو علي هيئه شبه كره من الصخر، يقدر قطرها بحوالي3474 كيلو مترا، ومساحه سطحها بحوالي38 مليون كيلو متر مربع، وحجمها بحوالي22 مليون مليون كيلو متر مكعب، ومتوسط كثافتها بحوالي3،34 جرام للسنتيمتر المكعب، وكتلتها بحوالي735 مليون مليون طن، ويتمثل تسخير القمر في النقاط التاليه:
(1) تحديد الشهر القمري بدوره القمر حول الارض:
يدور القمر حول الارض في مدار شبه دائري يقدر طوله بحوالي2،4 مليون كيلو متر بسرعه متوسطه تقدر بحوالي كيلو متر واحد في الثانيه ليتم دورته الاقترانيه حول الارض في حوالي29،5 يوم من ايام الارض، هي الشهر القمري الاقتراني للارض.
(2) تسخير اطوار شكل القمر لتقسيم الشهر الي اسابيع وايام:
ان كلا من منازل القمر، واطواره المتتاليه والتي يحددها مساحه وشكل الجزء المرئي من سطح القمر المنير وهو يتزايد سعه من الهلال الوليد حتي يصل الي البدر الكامل، ثم يبدا في التناقص حتي يصل الي الهلال الاخير ومن بعده يدخل في طور المحاق لمده يوم او يومين الي ميلاد الهلال الجديد يمكن تقسيم الشهر القمري الي اسابيع متتاليه وتقسيم كل اسبوع الي ايام متتابعه بدقه فائقه.
(3) اضاءه سماء الارض بمجرد غياب الشمس:
سطح القمر معتم تماما، وعلي الرغم من ذلك فان الله( تعالي) قد اعطاه القدره علي عكس ماقيمته7،3% من اشعه الشمس الساقطه عليه، وبذلك ينير سماء الارض بمجرد غياب الشمس، وذلك بمراحله المتتاليه من الهلال الوليد، الي ميلاد الهلال الجديد في اول الشهر التالي. وعلي ذلك فان القمر في دورته الشهريه حول الارض قد سخره ربنا( تبارك وتعالي) مصدرا للنور في ليل الارض.
(4) تسخير القمر وسيله من وسائل اتمام عمليتي المد والجزر
وهما قوتان من قوي الارض يعملان علي تفتيت صخور الشواطئ، وتكوين انواع عديده من الرسوبيات والصخور الرسوبيه علي طول تلك الشواطيء، كما تعملان علي تركيز العديد من الثروات المعدنيه في رمالها.
هذا قليل من كثير من صور التسخير التي اعدتها الاراده الالهيه بحكمه بالغه لكي يكون كل من الشمس والقمر لبنات صالحه في بناء الكون وفي انتظام حركه الحياه علي الارض.
ثالثا: من الشواهد الحسيه علي حتميه فناء كل من الشمس والقمر:
جاءت الاشاره القرانيه الي تسخير كل من الشمس والقمر والي جريهما الي اجل مسمي او لاجل مسمي في اربعه مواضع من القران الكريم علي النحو التالي:
(1) الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي علي العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي يدبر الامر يفصل الايات لعلكم بلقاء ربكم توقنون( الرعد:2)
(2) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه مايملكون من قطمير (فاطر:13)
(3) خلق السماوات والارض بالحق يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي الا هو العزيز الغفار (الزمر:5)
(4) الم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري الي اجل مسمي وان الله بما تعملون خبير ( لقمان:29)
ومعني ذلك ان كلا من الشمس والقمر يجري الي نهايته المحتومه بقيام الساعه وان هذا الاجل المسمي صوره من صور التسخير; والساعه لا تاتي الا بغته كما جاء في قول الحق( تبارك وتعالي):
يسالونك عن الساعه ايان مرساها قل انما علمها عند ربي لايجليها لوقتها الا هو ثقلت في السماوات والارض لا تاتيكم الا بغته يسالونك كانك حفي عنها قل انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لايعلمون*( الاعراف:187)
ولذلك فقد ابقي ربنا( تبارك وتعالي) في صفحه السماء من الشواهد الحسيه ما يوكد لكل ذي بصيره حتميه فناء كل من الشمس والقمر.
فالشمس تفقد في كل ثانيه من عمرها( علي هيئه طاقه) مايعادل4،6 مليون طن من كتلتها، مما يعني ان الشمس تحترق بتدرج واضح ينتهي بها حتما الي الفناء التام، ولكن الاخره لن تنتظر فناء الشمس باحتراقها بالكامل، وذلك لان الاخره امر الهي بكن فيكون، وعلي ذلك لا تاتي الا بغته دون انتظار لحركه السنن الراهنه والتي ابقاها الله( تعالي) شاهده علي حتميه الاخره، وان كانت الاخره لن تتم بواسطتها..!!
ولما كانت الشمس تفقد من كتلتها باستمرار، فلابد ان تفقد الارض من كتلتها قدرا متناسبا من اجل بقاء المسافه بينهما ثابته، وهي محكومه بكتلتي هذين الجرمين ويتحدد بواسطتها قدر الطاقه التي تصل من الشمس الي الارض، والتي ان زادت احرقت الارض ومن عليها، وان قلت جمدت الارض ومن عليها. والارض تفقد من كتلتها ملايين الاطنان من الغازات والابخره والاتربه عن طريق نشاطها البركاني، ويعود جزء من ذلك مره اخري الي الارض، بينما تهرب الغازات والابخره والهباءات الخفيفه الي فسحه السماء متفلته من عقال جاذبيه الارض بالقدر الكافي الذي يبقي المسافه بين الارض والشمس ثابته وذلك كله بتقدير من الخالق الحكيم الخبير العليم.
كذلك فان المسافه بين القمر والارض تحكمها بعد اراده الله تعالي قوانين الجاذبيه المعتمده علي كتله كل منهما; ولما كانت الارض تفقد من كتلتها بمعدلات ثابته، ومتوازيه مع ماتفقده الشمس، كان لابد للقمر لكي يبقي علي نفس المسافه من الارض ان يفقد من كتلته قدرا موازيا. ولكن هذا لا يتحقق. كذلك فانه لما كان مدار القمر حول الارض، ومدار كل من الارض والقمر حول الشمس مدارا بيضاني الشكل( اي علي هيئه القطع الناقص)، ولما كان من قوانين الحركه في مدار القطع الناقص ان السرعه المحيطيه تخضع لقانون تكافو المساحات مع الزمن، بمعني اختلاف مقدار السرعه علي طول المحيط باختلاف مقدار البعد عن مركز الثقل، فان القمر عندما يقترب من الارض في مداره حولها تزداد سرعته المحيطيه فتزداد قوه الطرد المركزي له من الارض، والا ارتطم بها فدمرها ودمرته. وعندما يبتعد القمر عن الارض وهو يسبح في مداره حولها فان سرعته المحيطيه تقل، فتقل قوه الطرد المركزي له، والا انفلت من عقال جاذبيه الارض حتي يضيع في فسحه السماء او تلتهمه الشمس; ولذلك تتراوح سرعه سبح القمر في مداره حول الارض بين3888،3483 كيلو مترا في الساعه، بمتوسط3675 كيلو مترا في الساعه، اي في حدود كيلو متر واحد في الثانيه تقريبا وهي نفس سرعه دورانه حول محوره، ولذا نري منه وجها واحدا.
ولكن نظرا لوجود غلاف مائي غامر لثلاثه ارباع سطح الارض تقريبا، ووجود غلاف غازي ممتد لالاف الكيلو مترات حول الارض، وانعدام ذلك تقريبا حول القمر وعلي سطحه، فقد ثبت ان الارض تفقد من سرعه دورانها حول محورها بفعل كل من الامواج البحريه( خاصه عمليتي المد والجزر في البحار الضحله)، وحركه الرياح مايقدر بحوالي الواحد من الالف من الثانيه في كل قرن من الزمان.
وهذا النقص في سرعه دوران الارض حول محورها علي ضالته يودي الي تزايد مطرد في سرعه دوران القمر حول محوره مما يدفعه الي التباعد عن الارض بمعدل ثلاثه سنتيمترات في كل سنه، ويقدر علماء الفلك ان هذا التباعد التدريجي للقمر سوف يخرجه حتما في لحظه من اللحظات من نطاق اسر الارض له الي نطاق جاذبيه الشمس فتبتلعه وتكون في ذلك نهايته الحتميه وهنا تكفي الاشاره الي سبق القران الكريم بتقرير حتميه ابتلاع الشمس للقمر من قبل الف واربعمائه سنه وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي): فاذا برق البصر* وخسف القمر* وجمع الشمس والقمر* ( القيامه:7 9)
وقد يقول قائل اننا اذا عرفنا معدل ما تفقده الشمس من كتلتها او معدل تباعد القمر عن الارض في كل سنه فانه بامكاننا ان نحدد لحظه ابتلاع الشمس له، ولحظه انهيارها وفنائها وهي بدايه الاخره، والاخره من الغيب المطلق الذي لايعلمه الا الله( تعالي). وللرد علي ذلك اكرر ان الاخره امر الهي، لا علاقه له بسنن الدنيا، ولكن الله( تعالي) من رحمته بنا قد ابقي لنا في صخور الارض، وفي صفحه السماء، من الشواهد الحسيه مايقطع بحتميه فناء الكون حتي لايتشكك متنطع في الايمان بحتميه الاخره فانها اذا لم تقع بالامر الالهي( كن فيكون) كما لايريد الكافرون ان يومنوا فسوف تقع حتما بالسنن القائمه الحاكمه لدنيانا الراهنه، وهي واضحه لكل ذي بصيره..!!
هذه الحقائق العلميه لم يصل اليها العلم الكسبي الا في اواخر القرن العشرين.
كذلك فان في قوله( تعالي) في اربعه مواضع من القران الكريم بتسخير الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي او الي اجل مسمي، تاكيد علي حتميه فناء الكون.
فسبحان الذي انزل القران الكريم: انزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله، وتعهد بحفظه بنفس لغه وحيه( اللغه العربيه)، فحفظه حفظا كاملا علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد، والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها، حفظه الله( تعالي) بصفائه الرباني، واشراقاته النورانيه، وحقائقه الكونيه، وعقائده الصحيحه، وعباداته المفروضه من الله( تعالي)، ودستوره الاخلاقي الفريد، وتشريعاته العادله، واستعراضه التاريخي الدقيق لعدد من الامم البائده، وصدق انبائه بالغيب،، فالحمد لله علي نعمه الاسلام، والحمدلله علي نعمه القران، وصلي الله وسلم وبارك علي الرسول الخاتم الذي تلقاه، وعلي من تبعه باحسان الي يوم الدين، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق