اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

10:43 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 26 أغسطس 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون
26/8/2002
هذه الايه الكريمه جاءت في بدايات سوره يونس‏، وهي سوره مكيه‏، اياتها‏109‏ بدون البسمله‏، وقد سميت باسم نبي الله يونس‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏)‏ وذلك لورود ذكره‏، وذكر قومه‏، وقبول الله لتوبتهم‏، ورفعه العذاب عنهم بعد ان كاد يقع بهم‏، وفي ذلك دعوه للعاصين ان يتداركوا انفسهم بتوبه نصوح الي رب العالمين قبل فوات الاوان‏...!!‏
والمحور الرئيسي للسوره يدور حول قضيه الايمان بالله ربا‏، واحدا‏، احدا‏، بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏، وبالاسلام دينا واحدا‏، انزله الله تعالي علي فتره من الرسل‏، واتمه واكمله في بعثه النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد بن عبد الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)، والذي لا يكمل ايمان العبد بالله الا ان يومن بنبوه هذا الرسول الخاتم وبرسالته‏، وبالكتاب الذي انزل اليه‏، وبكافه كتب الله السابقه ورسله وانبيائه السابقين‏، وبالبعث‏، والحساب‏، والجنه والنار‏، وكلها من ركائز العقيده الاسلاميه‏.‏
وتخص سوره يونس الايمان ب القران الحكيم علي انه ركيزه الركائز في قضيه الدين‏، وذلك بصفته اخر الكتب السماويه‏، واتمها‏، واكملها‏، والكتاب الوحيد من بينها الذي تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظه فحفظ كلمه كلمه‏، وحرفا حرفا بنفس لغه وحيه‏(‏ اللغه العربيه‏)‏ علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد‏، والي ان يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الارض ومن عليها‏، ليبقي معجزه هذه الرساله الخاتمه الي قيام الساعه‏..!!!‏
واستهلت سوره يونس بالحروف المقطعه الثلاث‏(‏ الر‏)، والحروف المقطعه التي جاءت في مطلع تسع وعشرين سوره من سور القران الكريم وتضم اسماء نصف عدد حروف الهجاء العربيه الثمانيه والعشرين‏، تعتبر من اسرار القران الكريم التي لم تكتشف بعد‏، وان كانت هناك محاولات عديده بذلت من اجل ذلك‏، وان اكتفي البعض بتفويض الامر فيها الي الله‏.‏
وبعد هذا الاستهلال تشير سوره يونس الي القران الكريم بقول الحق تبارك وتعالي‏:‏ الر تلك ايات الكتاب الحكيم‏*‏ ‏(‏ يونس‏:1)‏
ثم تتعجب الايات من استنكار كفار مكه لاختيار الله‏(‏ تعالي‏)‏ لرجل منهم كي يحمل رساله الله الخاتمه الي العالمين‏، فاتهموه‏(‏ شرفه الله تعالي‏)‏ بالسحر‏(‏ تماما كما يتهمه كفار اليوم وملاحدته ومشركوه‏)..!‏
وتوكد سوره يونس في سياقها ان ارسال الرسل وانزال الرسالات سنه من سنن الله في خلقه‏، كما قال‏(‏ سبحانه‏)‏ في سوره فاطر مخاطبا خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏ انا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وان من امه الا خلا فيها نذير‏*(‏ فاطر‏:24)‏
وتوكد السوره الكريمه ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق السماوات والارض‏، وخالق كل شيء‏، ومن ثم فهو سبحانه المستحق للخضوع له بالعباده والطاعه وحده لانه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو الخالق‏، الرازق‏، المحيي‏، المميت‏، وهو الذي اليه مرجع كل الخلائق‏، ثم يوفيهم حسابهم كل بحسب عمله في هذه الحياه‏.‏
وتستشهد سوره يونس بعدد من ايات الله في الافاق وفي الانفس علي الوهيته‏، وربوبيته‏، ووحدانيته‏، وعلي طلاقه قدرته في ابداعه لخلقه‏، وكمال حكمته في تدبير كل امر من امور هذا الخلق‏.‏ وتعرض السوره الكريمه في اكثر من موقع منها الي الفوارق الهائله بين كل من المومنين والكافرين‏، وبين مصائرهم في يوم الدين‏.‏ وتصف جانبا من جوانب النفس البشريه في حالات الرخاء والشده‏، وتحذرهم من باس الله الذي ياتي بغته‏، وتذكر بهلاك اقوام من القرون البائده لما ظلموا وتجاوزوا حدود ما شرع الله‏، وتشير الي تلقي كفار قريش للقران الكريم بشيء من الصلف‏، والكبر‏، والرفض‏، والمناواه‏(‏ تماما كما يفعل كفار اليوم وملاحدته ومشركوه‏)‏ والي اصرارهم علي الشرك بالله‏(‏ تماما كما يفعل مشركو اليوم‏)، وتذكرهم بيوم القيامه‏، وبحتميه الرجوع الي الله‏(‏ تعالي‏)، وبالوقوف بين يديه للحساب‏، وتهون من امر الدنيا وتحذر من اهوال الاخره‏، وتذكر بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب هذا الكون ومليكه ومدبر امره‏، وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو الرزاق ذو القوه المتين‏.‏
وتعرض السوره الكريمه لموقف مشركي الجزيره العربيه وهو نفسه موقف مشركي اليوم‏، من رساله خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)، وترد علي الذين ادعوا والذين لايزالون يدعون كذبا ونفاقا وزورا ان الرسول الخاتم هو الذي كتب القران الكريم‏، موكده ان هذا الذكر الحكيم لا يمكن ان يفتري‏، اي لا يمكن ان يكون صناعه بشريه‏، وانه جاء مصدقا لما انزل قبله من كتب سماويه‏، ومهيمنا عليها بكماله وتمامه وحفظه‏، وانه يحوي تفاصيل الدين كما انزله رب العالمين‏، وفي ذلك يرد القران الكريم علي هولاء الافاكين باستفهام استنكاري تقريعي يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ام يقولون افتراه قل فاتوا بسوره مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين‏*(‏ يونس‏:38)‏
وتوكد هذه السوره الكريمه ان من الناس من يومن بان القران الكريم هو كلام الله الخالق‏، وان منهم من لا يومن بذلك‏، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ الذي انزله هو اعلم بالمفسدين‏.‏ كذلك تعرض سوره يونس لمواقف الكافرين من مشاهد الاخره‏، وتلوم الذين يتجراون علي الله تعالي‏)‏ بالتحليل والتحريم دون اذن منه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)، كما ترد علي الذين يدعون علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ انه قد اتخذ ولدا‏(‏ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا‏)‏ بهذا الرد الالهي القاطع‏:‏
قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الارض ان عندكم من سلطان بهذا اتقولون علي الله ما لا تعلمون‏*‏ قل ان الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون‏*‏متاع في الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون‏*‏ ‏(‏ يونس‏:68‏ ‏70)‏
ولبيان سنه الله في نصره المومنين واهلاك الكافرين‏، اوردت سوره يونس جوانب من قصص عدد من انبياء الله وتفاعل اقوامهم معهم من مثل نوح‏، وموسي‏، وهارون‏، ويونس‏(‏ علي نبينا وعليهم من الله السلام‏).‏
وتختتم السوره الكريمه بتوصيه رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالتمسك بشريعه الله‏، والصبر علي ما يمكن ان يلقي من اذي في سبيل ذلك‏، والخطاب موجه الي كل مسلم سائر علي خطي رسول الله‏، والي كل مسلمه الي يوم الدين‏، لان هذا الطريق ما سلكه احد الا ولقي من العنت ما لقيه رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وصحابته الكرام‏، ويلقاه الدعاه الي يوم الدين‏، ولذلك ياتي ختام السوره بهذه الدعوه المباركه‏:‏
قل يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدي فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل‏*‏ واتبع مايوحي اليك واصبر حتي يحكم الله وهو خير الحاكمين‏*‏ ‏(‏ يونس‏:109،108)‏
والايات الكونيه التي استشهدت بها سوره يونس عديده نوجزها فيما يلي‏:‏
‏(1)‏ خلق السماوات والارض في سته ايام‏(‏ اي في ست مراحل متتاليه‏).‏
‏(2)‏ ان الله تعالي هو الذي يبدا الخلق ثم يعيده‏.‏
‏(3)‏ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب‏.‏
‏(4)‏ له اختلاف الليل والنهار‏.‏
‏(5)‏ هو الذي وهب السمع والبصر وقدم خلق الاول علي الاخرويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويدبر الامر‏.‏
‏(6)‏ وصف الليل بانه للسكن ووصف النهار بانه مبصر‏.‏
‏(7)‏ الاشاره الي مثقال الذره والي ان هناك ماهو اصغر وماهو اكبر منه‏.‏
‏(8)‏ الاشاره الي نجاه فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه ايه‏.‏
‏(9)‏ التحدي بالقران الكريم وبعجز الخلق اجمعين عن ان ياتوا بسوره من مثله‏.‏
وسوف نقتصر هنا علي مناقشه النقطه الثالثه فقط من هذه القائمه الطويله‏، وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الايه الكريمه‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي‏:‏
هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون‏*(‏ يونس‏:5).‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ يخبر تعالي عما خلق من الايات الداله علي كمال قدرته وعظيم سلطانه‏، وانه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء‏، وجعل شعاع القمر نورا‏، هذا فن وهذا فن اخر‏، ففاوت بينهما لئلا يشتبها‏، وجعل سلطان الشمس بالنهار‏، وسلطان القمر بالليل‏، وقدر القمر منازل‏، فاول مايبدو صغيرا‏، ثم يتزايد نوره وجرمه حتي يستوسق ويكمل ابداره‏، ثم يشرع في النقص حتي يرجع الي حالته الاولي في تمام شهر‏، كقوله تعالي‏:(‏ والقمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم‏)‏ وقوله تعالي‏:(..‏ والشمس والقمر حسبانا‏..)،(‏ وقدره‏)‏ اي القمر‏(‏ منازل لتعلموا عدد السنين والحساب‏)‏ فبالشمس تعرف الايام‏، وبسير القمر تعرف الشهور والاعوام‏،(‏ ماخلق الله ذلك الا بالحق‏..)‏ اي لم يخلقه عبثا بل له حكمه عظيمه في ذلك وحجه بالغه‏، كقوله تعالي‏(‏ وماخلقنا السماوات والارض ومابينهما باطلا‏)، وقال تعالي‏:(‏ افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون‏)، وقوله‏:‏ ونفصل الايات اي نبين الحجج والادله‏،(‏ لقوم يعلمون‏)..‏
‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه برحمته الواسعه‏)‏ مانصه‏:(‏ هو الذي جعل الشمس ضياء‏)‏ ذات ضياء‏...(‏ والقمر نورا وقدره‏)‏ من حيث سيره‏(‏ منازل‏)‏ ثمانيه وعشرين منزلا في ثمان وعشرين ليله من كل شهر‏، ويستتر ليلتين ان كان الشهر ثلاثين يوما‏، او‏:‏ ليله ان كان تسعه وعشرين يوما‏(‏ لتعلموا‏)‏ بذلك‏(‏ عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك‏..)‏ المذكور‏(‏ الا بالحق‏)‏ لاعبثا‏، تعالي عن ذلك‏(‏ يفصل‏)‏ بالياء والنون‏:‏ يبين‏(‏ الايات لقوم يعلمون‏)‏ يتدبرون‏.‏
‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمه واسعه‏)‏ مانصه‏:‏
‏(‏هو الذي جعل الشمس ضياء‏)‏ فيها اشتعال‏.(‏ والقمر نورا‏)..‏ فيه اناره‏.(‏ وقدره منازل‏)‏ ينزل في كل ليله منزلا يكون فيه علي هيئه خاصه‏، كما هو مشهود في القمر‏...(‏ لتعلموا عدد السنين والحساب‏)..‏ ولاتزال المواقيت والمواعيد تضبط بالشمس والقمر لكافه الناس‏.‏ هل هذا كله عبث؟ هل هذا كله باطل؟ هل هذا كله مصادفه؟ كلا لايكون كل هذا النظام‏، وكل هذا التناسق‏، وكل هذه الدقه التي لاتتخلف معها حركه‏، لايكون هذا كله عبثا ولا باطلا ولا مصادفه عابره‏:(‏ ماخلق الله ذلك الا بالحق‏)..‏ الحق قوامه‏، والحق اداته‏، والحق غايته‏، والحق ثابت راجح راسخ‏، وهذه الدلائل التي تشهد به واضحه قائمه دائمه‏:(‏ يفصل الايات لقوم يعلمون‏)..‏ فالمشاهد التي تعرض هنا في حاجه الي العلم لادراك التدبير الكامن وراء المشاهد والمناظر‏.‏
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعه‏)‏ مانصه‏:(‏ جعل الشمس ضياء‏..)‏ شروع في بيان ادله كمال قدرته تعالي وعظيم حكمته وتدبيره‏، ردا علي منكري البعث‏.‏ اي هو الذي جعل الشمس ذات ضياء في النهار‏، والقمر ذا نور في الليل‏، وقدر سير القمر في منازله الثمانيه والعشرين في كل شهر‏، تقديرا بديعا محكما‏، ليعرف بذلك ابتداء الشهور والسنين وانتهاءها وعددها والحساب بالاوقات من الاشهر والايام‏.‏ وبذلك تنتظم مصالح في العبادات والمعاملات وسائر الشئون المعاشيه‏..‏ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه يتعاقبان دائما بحسب طلوع الشمس وغروبها‏، ويتفاوتان بحسب الامكنه طولا وقصرا‏.(‏ قدره منازل‏)‏ صير القمر ذا منازل يسير فيها‏.‏
‏*‏ وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خير الجزاء‏)‏ مانصه‏:‏ وربكم الذي خلق السماوات والارض والذي جعل الشمس تشع الضياء‏، والقمر يرسل النور‏، وجعل للقمر منازل ينتقل فيها‏، فيختلف نوره تبعا لهذه المنازل‏، لتستعينوا بهذا في تقدير مواقيتكم‏، وتعلموا عدد السنين والحساب‏، وماخلق الله ذلك الا بالحكمه‏، وهو سبحانه يبسط في كتابه الايات الداله علي الوهيته وكمال قدرته لكي تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم‏.‏
وجاء في تعليق الخبراء بالهامش مايلي‏:...‏ الشمس جرم سماوي ملتهب مضيء بذاته‏، وهو مصدر الطاقات علي الارض ومنها الضوء والحراره بينما القمر جرم غير مضيء بذاته بل يعكس او يرد مايقع عليه من ضوء الشمس فيبدو منيرا‏.‏
وذكر صاحب صفوه التفسير‏(‏ جزاه الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏
‏(‏هو الذي جعل الشمس ضياء‏)‏ الايه للتنبيه علي دلائل القدره والوحدانيه اي هو تعالي بقدرته جعل الشمس مضيئه ساطعه بالنهار كالسراج الوهاج‏(‏ والقمر نورا‏)‏ اي وجعل القمر منيرا بالليل وهذا من كمال رحمته بالعباد‏، ولما كانت الشمس اعظم جرما خصت بالضياء‏، لانه هو الذي له سطوع ولمعان قال الطبري‏:‏ المعني اضاء الشمس وانار القمر‏(‏ وقدره منازل‏)‏ اي قدر سيره في منازل وهي البروج‏(‏ لتعلموا عدد السنين والحساب‏)‏ اي لتعلموا ايها الناس حساب الاوقات‏، فبالشمس تعرف الايام‏، وبسير القمر تعرف الشهور والاعوام‏(‏ ماخلق الله ذلك الا بالحق‏)‏ اي ماخلق تعالي ذلك عبثا بل لحكمه عظيمه‏، وفائده جليله‏(‏ يفصل الايات لقوم يعلمون‏)‏ اي يبين الايات الكونيه ويوضحها لقوم يعلمون قدره الله‏، ويتدبرون حكمته‏، قال ابو السعود‏:‏ اي يعلمون الحكمه في ابداع الكائنات‏، فيستدلون بذلك علي شئون مبدعها جل وعلا‏.‏

الدلاله العلميه للايه الكريمه
اولا‏:‏ في التفريق بين كل من الضياء والنور‏:‏
الضوء‏(‏ الضياء‏)‏ هو الجزء المرئي من الطاقه الكهرومغناطيسيه‏(‏ الكهربيه‏/‏ المغناطيسيه‏)‏ والتي تتكون من سلسله متصله من موجات الفوتونات التي لاتختلف عن بعضها البعض الا في طول موجه كل منها‏، وفي معدل ترددها‏.‏
وتتفاوت موجات الطيف الكهرومغناطيسي في اطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبه الي اقصرها وهي اشعه جاما‏، وبين عده كيلومترات بالنسبه الي اطولها وهي موجات الراديو‏(‏ المذياع او الموجات اللاسلكيه‏)، وياتي بين هذين الحدين عدد من الموجات التي تترتب حسب تزايد طول الموجه من اقصرها الي اطولها‏:‏ الاشعه السينيه‏، والاشعه فوق البنفسجيه‏، والضوء المرئي‏، والاشعه تحت الحمراء‏.‏
وعين الانسان لا تستطيع ان تلتقط من هذه الموجات سوي الضوء المرئي اطوال تتراوح بين‏7000،4000‏ انجستروم ‏(‏ والانجستروم يساوي جزءا من عشره بلايين جزء من المتر‏)‏ وطول الموجه يتناسب تناسبا عكسيا مع ترددها‏(‏ اي عدد مرات ارتفاع الموجه وانخفاضها في الثانيه الواحده‏)، وحاصل ضرب هاتين الكميتين يساوي سرعه الضوء‏(‏ حوالي‏300،000‏ كيلو متر في الثانيه‏)‏ وموجات الضوء المرئي اسرع من موجات الراديو بحوالي بليون مره‏، وبالتالي فان اطوال موجاتها اقصر ببليون مره من اطوال موجات الراديو‏.‏
والضوء الابيض هو عباره عن خليط من موجات ذات اطوال محدده عديده متراكبه علي بعضها البعض‏، ويمكن تحليلها بامرارها في منشور زجاجي او غير ذلك من اجهزه التحليل الطيفي‏، وقد امكن التعرف علي سبع من تلك الموجات اقصرها هو الطيف البنفسجي‏(‏ ويقترب طول موجته من‏4000‏ انجستروم‏)، واطولها هو الطيف الاحمر‏(‏ ويقترب طول موجته من‏7000‏ انجستروم‏)، وبينهما البرتقالي‏، والاصفر‏، والاخضر‏، والازرق‏.‏ وغير ذلك من الالوان المتدرجه في التغير فيما بين تلك الالوان السبع‏، وان كانت عين الانسان لا تستطيع ان تميز منها سوي هذه الالوان السبعه‏.‏
وتنتج طاقه الشمس من عمليه الاندماج النووي والتي يتم فيها اتحاد اربعه من نوي ذرات الايدروجين لتنتج نواه واحده من نوي ذرات الهيليوم‏، وينطلق الفرق بين مجموع كتله الاربع نوي لذرات الايدروجين وكتله نواه الهيليوم علي هيئه طاقه‏(‏ تساوي‏0،0282‏ وحده ذريه لكل تفاعل‏)‏ وهذه الطاقه الناتجه عن تلك العمليه يكون اغلبها علي هيئه اشعه جاما‏(‏ حوالي‏96%)‏ وجزء قليل علي هيئه النيوترينوات‏ Neutrinos (‏ في حدود‏4%)، وسرعان ماتتحول اشعه جاما الي حراره بينما تهرب النيوترينوات في الحال وتفقد‏.‏
وتشير الدراسات الشمسيه الي ان هذا النجم المتواضع قد بدا بتركيب كيميائي يغلب عليه عنصرا الايدروجين‏(‏ حوالي‏90%)، والهيليوم‏(‏ حوالي‏9%)‏ مع اثار طفيفه من عناصر اخري مثل الكربون‏، النتروجين والاوكسجين‏(‏ في حدود‏1%).‏
وبالتركيز التجاذبي لتلك الكتله الغازيه بدات درجه حرارتها في الارتفاع‏، وعند وصول الحراره الي المليون درجه مئويه بدات عمليه الاندماج النووي في التفاعل وانطلقت الطاقه النوويه للشمس التي رفعت درجه حراره لبها الي اكثر من‏15‏ مليون درجه مئويه‏، ورفعت درجه حراره سطحها الي سته الاف درجه مئويه‏.‏
وعمليه الاندماج النووي في داخل الشمس عمليه معقده للغايه ولا داعي للدخول في تفاصيلها هنا حتي لا يغيب عنا الهدف من هذا المقال‏، ولكن محصله هذه العمليه هي الارتفاع بنسبه الهيليوم في قلب الشمس من‏9%‏ الي حوالي‏30%، وانتاج طاقه الشمس المتمثله في الطيف الكهرومغناطيسي‏، الذي زود الارض وغيرها من اجرام المجموعه الشمسيه باغلب الطاقه التي تحتاجها‏.‏
والطيف المرئي من مجموعه اطياف الطاقه الكهرومغناطيسيه المنطلقه من الشمس هو المعروف باسم ضوء الشمس‏، وعلي ذلك فالضوء عباره عن تيار من الفوتونات المنطلقه من جسم مشتعل‏، ملتهب‏، متوقد بذاته سواء كان ذلك بفعل عمليه الاندماج النووي كما هو حادث في داخل الشمس‏، وفي داخل غيرها من نجوم السماء‏، او من جسم مادي يستثار فيه الاليكترونات بعمليه التسخين الكهربائي او الحراري‏، فيقفز الاليكترون من مستوي عال في الطاقه الي مستوي اقل‏، والفارق بين المستويين هو كميه الطاقه المنبعثه‏ (Quantum Energy)‏ علي هيئه ضوء وحراره‏، وتكون سرعه تردد موجات الضوء الناشيء مساويه لسرعه تحرك الشحنات المتذبذبه بين مستويات الذره المختلفه من مثل الاليكترونات‏.‏
وعلي ذلك فان مصادر الضوء هي اجسام ماديه لها حشد هائل من الجسيمات الاوليه المستثاره بواسطه رفع درجه الحراره من مثل الاليكترونات وغيرها من اللبنات الاوليه للماده‏، واهم مصادر الضوء بالنسبه لنا‏(‏ اهل الارض‏)‏ هي الشمس ووقودها هو عمليه الاندماج النووي‏.‏
والمصابيح الكهربائيه تنتج الضوء عن طريق تسخين سلك من معادن الاشعاع‏، وكلما ارتفعت درجه الحراره زادت كميه الضوء المشع وارتفعت معدلات تردد موجاته‏.‏
وبنفس الطريقه يحترق فتيل السراج باشعاله بواسطه احتراق الزيت‏(‏ من مثل زيت الزيتون‏)‏ او النفط‏(‏ الكيروسين‏)‏ او الكحول فيشع بواسطه الترددات التي يمتصها‏، وكلما ارتفعت درجه حرارته زادت قدرته علي اشعاع الضوء‏، وذلك بزياده كميه الضوء الصادر منه‏، وارتفاع معدلات تردده‏.‏
وعلي ذلك فان الجسم المادي عندما يسخن فانه يشع بمقدار الطاقه التي يمتصها برفع درجه حرارته بايه واسطه متاحه‏.‏
وتختلف الصفات البصريه للمواد في درجات الحراره الفائقه‏، وذلك لان ذبذبه اي من الفوتونات او الاليكترونات تتم بعنف شديد فتتداخل موجات الطيف الكهرومغناطيسي‏(‏ ومنها موجات الضوء المرئي‏)‏ مع بعضها البعض تداخلا كبيرا مما يودي الي حدوث الكثير من الظواهر غير المتوقعه‏، وذلك لان الموجات الكهرومغناطيسيه مرتبطه ارتباطا وثيقا بمصادرها وكواشفها‏.‏
وضوء الشمس عند مروره في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للارض يتعرض للعديد من عمليات الامتصاص والتشتت والانعكاس علي كل من هباءات الغبار‏، وقطيرات الماء وبخاره‏، وجزيئات الهواء الموجوده بتركيز عال نسبيا في هذا الجزء من الغلاف الغازي للارض فيظهر بهذا اللون الابيض المبهج الذي يميز فتره النهار‏.‏
كذلك يتعرض ضوء الشمس للعديد من عمليات التشتت والانعكاس عندما يسقط علي سطح القمر المكسو بالعديد من الطبقات الزجاجيه الرقيقه والناتجه عن ارتطام النيازك بهذا السطح‏، والانصهار الجزئي للصخور علي سطح القمر بفعل ذلك الارتطام‏.‏ فالقمر‏(‏ وغيره من اجرام مجموعتنا الشمسيه‏)‏ هي اجسام معتمه بارده لا ضوء لهاولكنها يمكن ان تري لقدرتها علي عكس اشعه الشمس فيبدو منيرا‏، وهذا هوالفرق بين ضوء الشمس ونور القمر‏.‏ فنور القمر ناتج عن تشتيت ضوء الشمس علي سطحه بواسطه القوي التي يبذلها الحقل الكهرومغناطيسي علي الشحنات الكهربيه التي تحتويها كل صور الماده‏.‏ فالحقل الكهرومغناطيسي المتذبذب لضوء الشمس الساقط يحدث قوه دوريه ضاغطه علي كل شحنه اليكترونيه مما يجعلها تقوم بحركه متناسقه مع تردد موجات الطيف الابيض‏.‏
ومن الثابت علميا ان شحنه متذبذبه تشع في جميع الاتجاهات‏(‏ فيما عدا اتجاه حركتها‏)‏ مما يبرر عمليات تشتت الضوء‏، وهي عمليات تعتمد علي عدد وحجم‏، وبنيه‏، وهيئه واتجاهات‏، وتفاعل كل من الجسيمات القائمه بمثل هذه العمليات من التشتت مع بعضها البعض‏، والصفات الحراريه‏/‏ الديناميكيه للوسط الذي تتشتت فيه‏.‏ ومن المعروف ان تردد الضوء الساقط يتفق تماما مع تردد الشعاع الساقط مع تباعد قليل بين خطوط الاطياف المختلفه بسبب حركه الجسم المشتت للضوء الساقط عليه‏، ولذلك تاتي خطوط اطياف الشعاع المشتت بشكل اضعف من خطوط اطياف الشعاع الساقط من اشعه الشمس‏.‏

القران الكريم يفرق بين الضياء والنور
انطلاقا من هذه الحقائق العلميه التي تمايز بين الضوء الصادر من جسم مشتعل‏، ملتهب‏، مضي بذاته‏.‏ في درجات حراره عاليه‏(‏ قد تصل الي ملايين الدرجات المئويه كما هو الحال في قلب الشمس‏)‏ وبين الشعاع المنعكس من جسم بارد يتلقي شعاع الضوء فيعكسه نورا‏، ركز القران الكريم علي التمييز الدقيق بين ضياء الشمس ونور القمر‏، وبين كون الشمس سراجا وكون القمر نورا فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏
‏*‏ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون ‏(‏ يونس‏:5)‏
‏*‏ وقال‏(‏ تبارك اسمه‏):‏ الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا‏، وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا‏.(‏ نوح‏:16،15).
‏*‏ وقال‏(‏ سبحانه‏):‏ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ‏(‏ الفرقان‏:61)‏
‏*‏ وقابل الظلمات بالنور وليس بالضياء في ايات كثيره من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏ الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون‏.‏ ‏(‏الانعام‏:1)‏
‏*‏ ووصف الشمس بانها سراج وبانها سراج وهاج فقال‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏ وجعلنا سراجا وهاجا‏.‏ ‏(‏النبا‏:13)‏
‏*‏ وحينما وصف خاتم انبيائه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بانه سراج‏(‏ بمعني انه مضيء بذاته‏)‏ واضاف الي وصف السراج انه منير فقال‏(‏ عز سلطانه‏):‏ يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‏، وداعيا الي الله باذنه وسراجا منيرا‏.‏ ‏(‏الاحزاب‏:46،45)‏
‏*‏ وحينما وصف النار وصفها بالضياء ووصف اشعتها الساقطه علي من حولها بالنور فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون‏.‏ ‏(‏البقره‏:17)‏
‏*‏ ووصف اشعه البرق بانها ضوء فقال‏(‏ وهواصدق القائلين‏):‏ يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا‏....‏ ‏(‏البقره‏:20)‏
‏*‏ ووصف‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الزيت بانه يضئ ووصف سقوط ضوئه علي ما حوله بالنور فقال‏(‏ تعالي‏):...‏ المصباح في زجاجه الزجاجه كانها كوكب دري يوقد من شجره مباركه زيتونه لا شرقيه ولا غربيه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم‏.‏ ‏(‏النور‏:35)‏
‏*‏ وقال عن غيبه الشمس‏:‏
قل ارايتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بضياء افلا تسمعون‏.(‏ القصص‏:71)‏
هذه الدقه البالغه في التفريق بين الضوء المنبعث من جسم ملتهب‏، مشتعل‏، مضئ بذاته‏، وبين سقوط هذا الضوء علي جسم مظلم بارد وانعكاسه نورا من سطحه لا يمكن ان يكون لها مصدر من قبل الف واربعمائه سنه الا الله الخالق‏، فهذا الفرق الدقيق لم يدركه العلماء الا في القرنين الماضيين‏، ولا يزال في زماننا كثير من الناس لا يدركونه‏.‏
فسبحان الذي انزل القران الكريم‏، انزله بعلمه‏، علي خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)، وتعهد بحفظه فحفظ علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد بنفس لغه الوحي‏(‏ اللغه العربيه‏)‏ دون زياده حرف واحد‏، او نقص حرف واحد‏، وابقي فيه تلك الومضات النورانيه من حقائق الكون وسنن الله فيه شاهده علي صدقه‏، وحجه علي اهل عصرنا واهل كل عصر ياتي من بعده الي قيام الساعه‏، فاعتبروا يا اولي الالباب‏!!‏ والحمد لله علي نعمه الاسلام‏، والحمد له علي نعمه القران‏، والحمد لله علي ارسال النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الي الله باذنه وسراجا منيرا فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏.‏

إرسال تعليق