اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

8:52 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 8 يوليو 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا
هذه الايه الكريمه جاءت في اول الثلث الثاني من سوره النبا وهي سوره مكيه‏، واياتها اربعون‏، وقد سميت بهذا الاسم لان محورها الرئيسي يدور حول يوم القيامه الذي سماه الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ باسم النبا العظيم وباسم يوم الفصل لما سوف يصاحبه من اهوال تدمير الكون وتبديله‏، وبعث الانفس بعد وفاتها‏، والفصل بين الناس فيما عملوا في الحياه الدنيا‏، وهو يوم يختلف فيه الناس بين مومن به وكافر‏، ومصدق به ومكذب لانه من امور الغيب المطلق الذي لاسبيل امام الانسان لمعرفته الا ببيان من الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)، بيانا ربانيا خالصا لايداخله ادني قدر من التصورات البشريه‏، لان مثل هذه الغيوب المطلقه اذا تركت لتصورات الانسان القاصره فانه يضل فيها ضلالا بعيدا‏...!!‏
وتبدا سوره النبا بهذا الاستفهام الاستنكاري‏، التوبيخي التقريعي للمكذبين بيوم الدين من الكفار والمشركين والمتشككين الذي يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ فيه
عم يتساءلون‏، عن النبا العظيم‏، الذي هم فيه مختلفون‏، كلا سيعلمون‏، ثم كلا سيعلمون‏(‏ النبا‏:1‏ ‏5).‏
وبعد ذلك تستعرض السوره الكريمه عددا من الايات الكونيه الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق للاستدلال بها علي ان الخالق المبدع قادر علي افناء خلقه‏، وعلي اعاده بعثه من جديد‏، ومن ثم فقد قرر لذلك البعث يوما محددا باجل ثابت لايعلمه الا الله‏(‏ تعالي‏)، وخصصه للفصل بين الخلائق‏، وحذر من اهوال ذلك اليوم التي تصف السوره جانبا منها يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ان يوم الفصل كان ميقاتا‏، يوم ينفخ في الصور فتاتون افواجا‏، وفتحت السماء فكانت ابوابا‏، وسيرت الجبال فكانت سرابا‏*‏ ‏(‏النبا‏:17‏ ‏20)‏
وتوكد الايات في سوره النبا حقيقه كل من الجنه والنار‏، وتصف احوال اهل كل من هاتين الدارين الابديتين موكده ان النار تترصد الظالمين من الكفره والمشركين‏، المخالفين لدين الله‏، والمحاربين لاوليائه من المرده العصاه المتجبرين علي خلقه‏(‏ من امثال الصهاينه المجرمين المحتلين لارض فلسطين‏، والمتجبرين علي اهلها من المدنيين العزل الامنين‏، واعوان الصهاينه من الامريكان والبريطانيين الخونه المتامرين‏، والظلمه المتغطرسين‏، ومن شابههم من اصحاب الديانات الباطله‏، والملل الفاسده من الهندوس والبوذيين‏.‏
وتصف الايات جانبا مما سوف يلقاه اهل النار في النار جزاء انكارهم للحساب‏، وتكذيبهم بايات الله الذي احصي عليهم كل كلمه وحركه‏، وسكنه‏، وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ان جهنم كانت مرصادا‏، للطاغين مابا‏، لابثين فيها احقابا‏، لايذوقون فيها بردا ولا شرابا‏، الا حميما وغساقا‏، جزاء وفاقا‏، انهم كانوا لايرجون حسابا‏، وكذبوا باياتنا كذابا‏، وكل شئ احصيناه كتابا‏، فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا‏(‏ النبا‏:21‏ ‏30)‏
وفي المقابل تصف سوره النبا جانبا من احوال المتقين في الجنه فتقول‏:‏
ان للمتقين مفازا‏، حدائق واعنابا‏، وكواعب اترابا وكاسا دهاقا‏، لايسمعون فيها لغوا ولا كذابا‏، جزاء من ربك عطاء حسابا‏.‏ ‏(‏النبا‏:31‏ ‏36)‏
وتختتم السوره الكريمه باستعراض جانب من جوانب عظمه الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)، وتعاود التاكيد علي حقيقه الاخره‏، وتدعو الخلق الي الاستعداد لها‏، وتنذرهم عواقبها‏، ودقه حسابها وندم الكافرين فيها فتقول‏:‏
رب السماوات والارض وما بينهما الرحمن لايملكون منه خطابا‏، يوم يقوم الروح والملائكه صفا لايتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا‏، ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الي ربه مابا‏، انا انذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ماقدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ‏(‏ النبا‏:37‏ ‏40)‏
والايات الكونيه التي استشهدت بها سوره النبا تشمل مايلي‏:‏
‏(1)‏ الاشاره الي تمهيد الارض‏.‏
‏(2)‏ وصف الجبال بانها اوتاد‏.‏
‏(3)‏ التاكيد علي اهميه الزوجيه في خلق الانسان
‏(4)‏ الاشاره الي ان النوم راحه وسكون‏، وان الليل ستر يغشي الناس بظلمته‏، وان النهار بنوره قد خصص للجري علي المعايش‏.‏
‏(5)‏ التاكيد علي ان السماوات سبع شداد‏.‏
‏(6)‏ وصف الشمس بانها سراج وهاج‏.‏
‏(7)‏ الاشاره الي انزال الله‏(‏ تعالي‏)‏ المطر الغزير من المعصرات وهي السحب المليئه بقطيرات الماء‏.‏
‏(8)‏ الاشاره الي اخراج الحب والنبات والجنات الملتفات الاغصان بعد انزال مطر السماء باذن الله‏.‏
‏(9)‏ التاكيد علي حقيقه البعث‏.‏
‏(10)‏ التاكيد علي ان السماء بناء محكم لاينهار الا باذن الله فاذا امر تفصم عراها‏، وتفتتح ابواب عديده فيها‏:‏
‏(11)‏ التاكيد علي ان الجبال سوف تنسف وتسير يوم القيامه حتي تصير سرابا‏.‏
‏(12)‏ الاشاره الي ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يحصي كل شئ‏، ويحفظه ليوم الحساب‏.‏
‏(13)‏ الاشاره الي مابين السماوات والارض‏، وهو الجزء السفلي من الغلاف الغازي المحيط بالارض والحاوي للسحاب‏، مما يوكد علي مركزيه الارض بالنسبه للكون‏.‏
وكل قضيه من هذه القضايا تستحق معالجه خاصه في مقال مستقل‏، ولذلك فسوف اركز هنا علي النقطه السابعه فقط من القائمه السابقه‏، وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من المفسرين السابقين في شرح دلاله هذه الايه الكريمه‏.‏

من اقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي‏:‏ وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا النبا‏:14‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ المعصرات‏:‏ الرياح‏، تستدر المطر من السحاب‏...‏ وهو قول عكرمه والضحاك والحسن والربيع بن انس والثوري‏، واختاره ابن جرير وهو الاظهر‏....‏ وقال الفراء‏:‏ هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد‏....، وعن الحسن وقتاده‏:(‏ من المعصرات‏)‏ يعني السماوات وهذا قول غريب‏، والاظهر ان المراد بالمعصرات السحاب‏، كما قال تعالي‏:(‏ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله‏)‏ اي من بينه‏، وقوله جل وعلا‏:(‏ ماء ثجاجا‏)‏ قال مجاهد‏:(‏ ثجاجا‏):‏ منصبا‏، وقال الثوري‏:‏ متتابعا‏، وقال ابن زيد‏:‏ كثيرا‏، قال ابن جرير‏:‏ ولايعرف في كلام العرب في صفه الكثره الثج‏، وانما الثج الصب المتتابع‏...‏
وجاء في كل من تفسير الجلالين والظلال‏(‏ رحم الله كاتبيهما‏)‏ كلام مختصر مشابه لما جاء في تفسير ابن كثير‏.‏
وذكر صاحب صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحمه الله برحمته الواسعه‏)‏ مانصه‏:‏
‏(‏من المعصرات‏)‏ من السحائب التي قد ان لها ان تمطر لامتلائها بالماء‏.‏ او التي تتحلب بالمطر قليلا‏، ولما تصبه صبا‏.‏ جمع معصر‏،(‏ ماء ثجاجا‏)‏ منصبا بكثره‏..‏ ومطر ثجاج‏:‏ شديد الانصباب جدا‏...‏
وذكر كل من اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم وصاحب صفوه التفاسير كلاما مشابها كذلك‏.‏
وذكر الراغب الاصفهاني‏(‏ رحمه الله رحمه واسعه‏)‏ في معجم مفردات الفاظ القران الكريم مانصه‏:(‏ وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا اي السحائب التي تعتصر بالمطر اي تصب‏، وقيل‏:‏ التي تاتي بالاعصار‏، والاعصار ريح تثير الغبار‏، قال‏:(‏ فاصابها اعصار‏)..
وجاء في مختار الصحاح‏(‏ رحم الله كاتبه ومراجعيه رحمه واسعه‏)‏ مانصه‏:...‏ و‏(‏العصر‏)‏ بفتحتين الغبار وهو في الحديث‏...،‏...‏ و‏(‏الاعصار‏)‏ ريح تثير الغبار فيرتفع الي السماء كانه عمود ومنه قوله تعالي‏:(‏ فاصابها اعصار‏)‏ وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق‏..‏

الدلاله العلميه للايه الكريمه
من المعاني اللغويه للفظه‏(‏ المعصرات‏)‏ انها السحائب المشبعه ببخار الماء وقطيراته‏، وهي عاده سحب طباقيه وركاميه عملاقه‏، تكونها بتدبير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ الاعاصير والزوابع الشديده‏، وتتميز بغزاره امطارها التي تصبها صبا فتهطل مئات الملليمترات من الماء في ساعات معدوده ويصحب نزول المطر تكون كل من البرد والثلج‏، وشيوع ظاهرتي البرق والرعد‏، وقد سماها القران الكريم بالمعصرات‏، وسمي الريح التي تحملها باسم الريح العاصف اذا كانت متوسطه الشده‏، وباسم الريح القاصف اذا كانت بالغه الشده‏.‏
ويقسم علماء الارصاد الجويه الرياح حسب شدتها علي ارتفاع عشره امتار فوق مستوي سطح الارض الي اثنتي عشره درجه علي النحو التالي الذي تقابله مسميات قرانيه اكثر دقه‏:‏
وواضح الامر ان كلا من الريح العاصف والريح القاصف له دور رئيسي في تكوين المعصرات حسب اراده الله‏(‏ تعالي‏)‏ ومشيئته‏.‏

تعريف الاعاصير
الاعاصير‏ (Hurricanes، cyclones، tropical cyclones or typhoons‏ هي عواصف هوائيه دواره حلزونيه عنيفه‏، تنشا عاده فوق البحار الاستوائيه‏، خاصه في فصلي الصيف والخريف ولذا تعرف باسم الاعاصير الاستوائيه او المداريه او الاعاصير الحلزونيه لان الهواء البارد‏(‏ ذي الضغط المرتفع‏)‏ يدور فيها حول مركز ساكن من الهواء الدافئ‏(‏ ذي الضغط المنخفض‏)، ثم تندفع هذه العاصفه في اتجاه اليابسه فتفقد من سرعاتها بالاحتكاك مع سطح الارض‏، ولكنها تظل تتحرك بسرعات تزيد عن‏72‏ ميلا في الساعه وقد تصل الي اكثر من‏180‏ ميلا في الساعه‏(‏ اي الي اكثر من‏300‏ كيلو متر في الساعه تقريبا‏)‏ ويصل قطر الدوامه الواحده الي‏500‏ كيلو متر‏، وقطر عينها الي‏40‏ كيلو مترا وقد تستمر لعده ايام الي اسبوعين متتاليين‏.‏
ويصاحبها تكون كل من السحب الطباقيه والركاميه الي ارتفاع‏15‏ كيلو مترا ويتحرك الاعصار في خطوط مستقيمه او منحنيه فيسبب دمارا هائلا علي اليابسه بسبب سرعته الكبيره الخاطفه‏، ومصاحبته بالامطار الغزيره والفيضانات والسيول بالاضافه الي ظاهرتي البرق والرعد‏، كما قد يتسبب الاعصار في ارتفاع امواج البحر الي حد اغراق اعداد من السفن فيه‏.‏
والاعاصير تدور في نصف الكره الشمالي في عكس اتجاه عقارب الساعه‏، وتدور في نصفها الجنوبي مع عقارب الساعه وتنشا بين خطي عرض‏5‏ و‏20‏ شمال وجنوب خط الاستواء‏، حيث تصل درجه حراره سطح الماء في بحار ومحيطات تلك المناطق الي‏27‏ درجه مئويه في المتوسط‏..‏
وتتحرك عاده من منخفضات استوائيه دافئه بسرعات اقل من‏39‏ ميلا بالساعه‏، ثم تزداد سرعاتها بالتدريج حتي تتعدي‏72‏ ميلا بالساعه‏، فتصل الي اكثر من‏180‏ ميلا بالساعه‏، وعند هذا الحد فانها تسمي باسم الاعاصير العملاقه‏ (Super- Hurricanes or Mega storms)‏ ومثل هذه الاعاصير العملاقه تضرب شواطئ كل من امريكا الشماليه والجنوبيه‏، وافريقيا الجنوبيه‏، وخليج البنغال‏، وبحر الصين‏، وجزر الفلبين‏، واندونيسيا‏، والملايو في حدود ثمانين مره في السنه‏، وتجمع تحت مسمي الاعاصير الاستوائيه‏ (Tropical Cyclones)، اما الاعاصير الحلزونيه فيهب منها سنويا بصفه عامه بين‏30، و‏150‏ اعصارا فوق البحار الدافئه ويصل طول الواحد منها الي‏1500‏ كيلو متر‏، وتقدر قوته التدميريه بقوه قنبله نوويه متوسطه الحجم‏.‏
والاعاصير التي تضرب شواطئ الامريكتين تسمي باسماء خاصه من مثل اعصار اندروم ‏(Andrew Cyclone) واعصار هوجو‏ (Hugo Cyclone) اعصار كاميل ‏(Camille Cyclone)، واعصار فلويد‏
(Floyed Cyclone)، هكذا‏، والاعصار الاخير ضرب الشواطئ الشرقيه لامريكا الشماليه في‏1999/9/8‏ م بحجم تجاوز مئات الكيلو مترات المكعبه‏، وبسرعه بلغت‏250‏ كيلو مترا في الساعه فادي الي هجره ثلاثه ملايين فرد من سكان تلك الشواطئ الذين فروا مفزوعين في طابور من السيارات بلغ طوله‏320‏ كيلو مترا‏، وهدد هذا الاعصار قاعده كيب كينيدي لاطلاق صواريخ الفضاء التي شددت الحراسه عليها خوفا من تدمير قواعد اطلاق الصواريخ والمركبات الفضائيه المخزونه في عنابرها والتي تكلفت الواحده منها اكثر من بليوني دولار امريكي‏، ولولا ان الاعصار تجاوز ولايه فلوريدا متوجها شمالا الي ولايه شمال كارولينا لحدثت كارثه حقيقيه في تلك المنطقه‏، وليس ذلك علي الله بعزيز‏.‏
وقد صاحب اعصار فلويد هذا هطول امطار مدمره علي طول الساحل الشرقي للولايات المتحده الامريكيه‏، وقد تركت تلك الامطار اكثر من خمسين قتيلا ومئات الجرحي‏، وقد تعلق الاف الافراد باغصان الاشجار‏، واسطح المنازل خوفا من الغرق‏، كما ارتفعت الامواج في البحار المجاوره لاكثر من عشرين مترا مما هدد الكثير من المنشات والزوارق البحريه والسفن بالغرق‏.‏

كيف يتكون الاعصار؟‏:‏
عندما يسخن الماء في البحار الاستوائيه الي درجه حراره تتراوح بين‏30،27‏ درجه مئويه فانه يعمل علي تسخين طبقه الهواء الملاصقه له‏، وبتسخينها يخف ضغط الهواء فيتمدد ويرتفع الي اعلي ويكون منطقه ضغط منخفض تنجذب اليها الرياح من مناطق الضغط المرتفع المحيطه فتهب عليها من كل اتجاه مما يودي الي تبخر الماء بكثره وارتفاع هذا البخار الخفيف الي اعلي وسط الهواء البارد فتحمله الرياح التي يصرفها الله‏(‏ تعالي‏)‏ حسب مشيئته‏، وتزجيه اي تدفعه ببطء‏، وتولف بينه‏، وترفعه الي اعلي في عمليه ركم مستمره تودي الي زياده رفعه الي اعلي‏، وزياده شحنه بمزيد من بخار الماء الذي يبدا في التكثف والتبرد فتتكون منه قطرات الماء الشديده البروده‏، وكل من حبيبات البرد وبلورات الثلج‏، وبمجرد توقف عمليه الركم يبدا المطر في الهطول باذن الله بالقدر المحسوب في المكان المكتوب‏.‏
وقد يصاحب هذا الهطول العواصف البرقيه والرعديه‏، والسيول ونزول كل من البرد والثلج‏.‏ ومع مزيد من هذا التكثف لبخار الماء ينطلق قدر من الحراره يزيد من انخفاض ضغط الهواء مما يشجع علي مزيد من الامطار‏، وبتكرار تلك العمليات يزداد حجم منطقه الضغط المنخفض فوق البحار الاستوائيه‏، وبزياده حجمها يزداد حصرها بين مناطق بارده ذات ضغط مرتفع‏، مما يزيد الفرص امام تكون السحب‏، وازجائها‏، والتاليف بينها‏، وركمها‏، وبالتالي يزيد من شحنها ببخار الماء‏.‏ ومن امكانيه انزالها المطر الدافق باذن الله‏(‏ اي تكون المعصرات‏).‏
وتاثرا بدوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق امام الشمس‏، تبدا الكتل الهوائيه ذات العواصف الرعديه والبرقيه في الدوران بعكس اتجاه عقرب الساعه في نصف الكره الشمالي‏، ومع عقارب الساعه في نصف الكره الجنوبي‏، وفي هذا الدوران تحدث عاصفه هوائيه شديده السرعه تعرف باسم العاصفه الاستوائيه او العاصفه المداريه‏، او الاعصار الاستوائي‏(‏ او المداري‏)‏ البحري او باسم الاعصار الحلزوني المداري‏ (Tropical Cyclone)‏ وتاخذ هذه العاصفه في تزايد السرعه الي‏120‏ كيلو مترا في الساعه‏، فتصبح اعصارا حقيقيا له قلب ساكن من الهواء الساخن يسمي عين الاعصار تتراوح سرعه الرياح فيه بين الصفر واربعين كيلو مترا في الساعه‏، وتدور حول عين الاعصار دوامات من العواصف الرعديه المدمره والمصاحبه بتكون السحاب الثقال المليئه ببخار الماء وقطراته‏(‏ المعصرات‏)‏ وبتكون كل من البرد والثلج‏، وهطول الامطار المغرقه وحدوث البرق والرعد‏.‏
من ذلك يتضح ان تسخين ماء البحار والمحيطات يلعب دورا اساسيا في تكوين كل من الاعاصير والمعصرات باذن الله‏، ولكن تسخين الماء وحده لا يكفي لو لم يصرف الله الرياح مواتيه لاتمام تلك العمليه‏، ومن هنا كان الاستنتاج المنطقي ان العواصف الرعديه وما يصاحبها من سحب غنيه ببخار الماء وقطيراته‏(‏ المعصرات‏)‏ كغيرها من ظواهر الكون وسننه هي من صنع الله‏، ومن جنده‏.‏
ومن هنا ايضا كانت الدورات المناخيه التي تكون كلا من ظاهره النينو‏ (El-Nino)‏ التي تدفئ ماء المحيط الهادي‏، واللانينا‏ (LaNina)‏ التي تبرده من العوامل التي تلعب دورا مهما في عمليه تكون الاعاصير‏، وداخله ايضا في زمره جند الله التي يسلطها علي من يشاء من عباده‏، انتقاما من الظالمين‏، وابتلاء للصالحين‏، وعبره للناجين‏.‏
وظاهره النينو هي ظاهره مناخيه تجتاح بحار ومحيطات نصف الارض الجنوبي بطريقه دوريه‏، وعلي فترات متتابعه مده كل منها ثمانيه عشر شهرا تهيمن خلالها هذه الظاهره علي المحيطين الهادي والهندي فتبدا بتسخين الطبقه العليا من ماء هذين المحيطين خاصه الي الغرب من شواطئ امريكا الجنوبيه مما يودي الي سياده الجفاف في بعض المناطق‏، وتكون دوامات هوائيه واعاصير مدمره في مناطق اخري مثل حوض الامازون‏، استراليا‏، الجزر الاندونيسيه والماليزيه وغيرها‏.‏ويعين علي ذلك هبوب رياح شرقيه ضعيفه‏، ورياح غربيه قويه‏.‏
اما ظاهره لانينا فانها تحدث اثرا معاكسا حيث يتكون فيها نطاق من الهواء الساكن بين حزامين من كتل الهواء النشطه مما يعين علي تشكل الاعاصير المصاحبه بالعواصف الرعديه الممطره‏.‏
وباستمرار زياده معدلات التلوث في بيئه الارض‏، ترتفع درجه حراره الطبقه الدنيا من غلافها الغازي‏، وبارتفاعها تزداد فرص تكون الاعاصير البرقيه والرعديه الممطره زياده كبيره في العدد‏، وفي الشده والعنف مما يتهدد اكثر مناطق الارض عمرانا بالدمار الشامل من مثل كل من امريكا الشماليه والجنوبيه‏، استراليا‏، وجزر المحيطين الهادي والهندي‏.‏
فهذه الاعاصير تصل سرعتها الي‏320‏ كيلو مترا في الساعه‏، فتحرك الماء في البحر والمحيطات الي عمق‏180‏ مترا‏، محدثه جدارا من الماء يزيد ارتفاعه علي عشره امتار يندفع الي المدن الساحليه‏، ويعمل علي تدميرها‏، كما حدث لجزيره‏(‏ الدومينيكان‏)‏ في البحر الكاريبي بواسطه اعصاري‏(‏ ديفيد‏)‏ و‏(‏فريدريك‏)
Davidand Frederick cyclones‏ في اغسطس سنه‏1979‏ م‏.‏ وباعصارالن (Allen cycloneفي سنه‏1980‏ م مما ادي الي تدمير‏80%‏ من المساكن‏، وتشريد اكثر من‏75%‏ من سكان تلك الجزيره‏.‏
وكما حدث للعديد من جزر امريكا الوسطي الاخري من مثل جزيرتي الترك وكيكوس‏ TurksandCaicos)‏ واللتين دمرتا تدميرا كاملا بواسطه اعصار كيت (HurricaneKate)
الذي ضرب الجزيرتين في سنه‏1985‏ م‏.‏
ومن مثل الاعاصير التي ضربت وسط فيتنام سنه‏1985‏ م وادت الي مقتل‏875‏ شخصا‏، وتدمير نحو الخمسين الف مسكن تدميرا كاملا‏، والي الاضرار باكثر من‏230،000‏ بيت وبعدد من البنيات الاساسيه‏.‏
وقد اغرفت الامطار مساحات شاسعه من بوليفيا حين ظلت تهطل بغزاره لمده سبعه شهور متواصله تقريبا في الفتره من اكتوبر‏1985‏ م الي ابريل‏1986‏ م علي المنطقه حول بحيره تيتيكاكا‏(Titicaca)‏ مما ادي الي رفع منسوب الماء في البحيره بثلاثه امتار‏، والي اغراق اكثر من عشره الاف هكتار من المزروعات‏، والي تدمير اكثر من‏5،000‏ منزل وتشريد اكثر من‏25،000‏ نسمه‏.‏
كذلك اغرقت فيضانات سنه‏1988‏ م ثلاثه ارباع مساحه بنجلادش فدمرت‏3،6‏ مليون مسكن‏، وشردت‏25‏ مليون نسمه‏، وقضت علي اغلب المحاصيل الزراعيه واتلفت العديد من البنيات الاساسيه‏، واغرق اعصار ميتش ارض هندوراس في سنه‏1998‏ م بفيضانات وسيول مدمره قتلت اكثر من‏5500‏ نفس وشردت عشرات الالاف‏.‏

كيف تتكون الزوابع؟
تعرف الزوابع او الدوامات الهوائيه الممطره باسم الخلايا الرعديه العملاقه (GiantThunderstormCellsMesocyclonicorupdraftSupercells)‏ هي عواصف رعديه عنيفه دواره تحدث فوق اليابسه نتيجه لالتقاء كتل هوائيه متباينه في درجات حرارتها‏(‏ بارده وساخنه‏)‏ وتكون مصاحبه بالامطار الغزيره القصيره‏(‏ الثج‏)‏ وسقوط البرد بحبات كبيره‏.‏
وتضرب الولايات المتحده الامريكيه سنويا اكثر من ثمانمائه دوامه هوائيه تمتد من تكساس في الجنوب الي حدود كندا شمالا‏، ويسمي هذا الحزام من الدوامات الهوائيه باسم ممر الزوابع‏ TheTornadoValley)‏ يهلك فيه سنويا عشرات من الضحايا‏، ويحدث تدميرا كبيرا في المزارع والمنشات والبنيات الاساسيه‏، كما تضرب كلا من استراليا وروسيا اعداد مماثله من تلك الدوامات الهوائيه المدمره‏.‏
وسرعه هذه الدوامات الهوائيه تتراوح من‏150‏ الي‏340‏ كيلو مترا في الثانيه لتصل الي سرعه الصوت‏، ويبلغ قطر الدوامه نحو مائه متر‏، ويصل الضغط الجوي بداخلها الي عشر الضغط الجوي‏، وعندما يقترب مثل هذا الاعصار من اي مبني فان التفريغ الناتج عن الفارق في الضغط بين داخل الاعصار‏، وداخل المبني يودي الي تهدم اسقف ذلك المبني وجدرانه مع حدوث انفجارات مدمره‏، كما يمكن ان يودي ذلك الي اقتلاع الاشجار‏، ورفع كل من السيارات وعربات القطار الي مرتفعات شاهقه‏، وسقوطها من عل وتدميرها‏، وتحطيم كل ما تقع عليه‏، وذلك بواسطه العديد من الدوامات الشديده بداخل الاعصار تعرف باسم نقاط الشفط‏ Suctionpoints)‏ تصاحب مثل هذه الاعاصير الحلزونيه‏(‏ او القمعيه‏)‏ عاده بسقوط الامطار الغزيره‏، وبحدوث البرق والرعد القاصف الذي يشبه صوته صوت الطائرات النفاثه لشدته‏، واذا تحرك هذا الاعصار من اليابسه الي اي سطح مائي‏، فانه يرفع الماء الي اعلي علي هيئه نافورات عملاقه تدمر ما تصطدم به من سفن‏، وقد تودي الي اغراقها‏.‏
وتحدث هذه الاعاصير غالبا في اوقات المساء من كل من فصلي الربيع والصيف خاصه في المناطق المداريه من نصف الكره الشمالي‏، ويعينها علي اثاره السحب المثقله ببخار الماء وقطراته‏(‏ المعصرات‏)‏ ما تثيره من هباءات الغبار التي تعمل كنوي جيده للتكثف‏، فتعين علي شحن السحب بقطيرات الماء‏، وعلي نمو تلك القطيرات الي احجام كبيره نسبيا‏.‏

كيف تحدث الصواعق؟
ثبت علميا ان قطرات الماء تكتسب شحنات كهربيه موجبه عند تجمدها علي هيئه حبات البرد او بلورات الثلج‏، وكذلك عند انصهارها من كل من البرد والثلج الي حاله الماء السائل‏، وعند تفتتها الي قطيرات ادق او تجمعها علي هيئه قطرات اكبر‏، وعند تبخيرها‏، وعند تكثفها اي عند كل تغير من حاله الي حاله اخري من الصلابه والسيوله‏، والحاله الغازيه‏، ويبقي الهواء المحيط بهذا الماء في اشكاله المختلفه مكتسبا شحنات كهربيه سالبه‏، ولذلك فان السحب تشحن بالكهرباء باحتكاكها بالهواء المشحون بها‏، وتتجمع الشحنات الموجبه علي اعلي السحابه واسفلها حيث تتدني درجه الحراره الي ما بين عشر درجات واربعين درجه مئويه تحت الصفر‏، بينما تتركز الشحنات السالبه في وسط السحابه حيث تصل درجه الحراره الي الصفر المئوي‏.‏
وعندما يحدث التفريغ الكهربي بين منطقتين مختلفتي الشحنه في داخل السحابه الواحده‏، او بين سحابتين متجاورتين يصل الفرق في الجهد الكهربي بينهما حدا معينا يحدث البرق علي هيئه شرارات كهربائيه تنتشر في مساحه كبيره من السماء الدنيا‏، وقد يحدث هذا التفريغ الكهربي بين السحابه والهواء المحيط بها‏، وقد يحدث بين السحب والارض وما عليها من مبان عاليه او اشجار‏، وتسمي هذه الظاهره‏، بالصاعقه لما تحدثه من دمار كبير‏، ولمنع حدوث الاثار التدميريه للصواعق تثبت قضبان معدنيه في اعالي المنشات‏، وتوصل بالارض عبر موصل جيد من الاسلاك المعدنيه يحمل الشحنه الكهربائيه الناتجه عن حدوث البرق الي الارض مباشره دون ان تصيب المنشات بايه اضرار‏، وتعرف هذه الشبكه من القضبان المعدنيه الموصله بالارض باسم مانعات الصواعق‏.‏
وعندما تحدث ظاهره البرق‏، ويتم التفريغ الكهربي في الجو‏، فان ومضات البرق المتقاربه يصل طول الواحده منها الي الميل وتتفاوت فترات ومضها بين‏0002، ثانيه وثانيه واحده‏، ونتيجه لحدوث البرق يتمدد الهواء بصوره فجائيه‏، فيندفع الهواء المجاور ليحل محله محدثا اصواتا شديده هي الرعد الذي قد تستمر الموجه الواحده منه الي عده ثوان‏، ويصاحب حدوث العواصف الرعديه عاده سقوط امطار ذات قطرات كبيره‏، وقد تصاحب بحبات البرد وبللورات الثلج التي قد تصل الي الارض متجمده‏، وقد تنصهر الي قطرات مائيه كبيره قبل وصولها الي الارض‏.‏
من هذا الاستعراض يتضح بجلاء ان المعصرات هي مجموعه من السحب الطباقيه والركاميه التي تشحن شحنا كبيرا ببخار الماء وقطراته‏، والتي تحدثها الاعاصير المداريه التي تتكون فوق مساحات شاسعه من الماء في البحار والمحيطات او الدوامات الهوائيه التي تتكون فوق اليابسه علي هيئه سحب طباقيه او تساق ببطء حتي تتالف وتتجمع‏، ثم تركم الي اعلي لتكون السحب الركاميه التي ترتفع الي ما يزيد علي‏15‏ كيلو مترا‏، فتعين البروده الشديده علي تكون كل من البرد والثلج‏، واللذان يتحركان في داخل السحابه بفعل التيارات الهوائيه صعودا وهبوطا‏، وتجمدا وانصهارا‏، فيتولد كل من البرق والرعد اللذين يزيدان بدورهما من تحرك الكتل الهوائيه ويعينان علي مزيد من توفر بخار الماء وقطيراته‏، والتي تجعل هذه السحب الطباقيه والركاميه المشبعه بالماء‏(‏ المعصرات‏)‏ مهياه لاسقاط المطر الغزيره‏(‏ الثجاج‏)‏ والذي قد يستمر في السقوط الي عده ايام دون انقطاع‏.‏
فسبحان الذي انزل من قبل اربعه عشر قرنا قوله الحق‏:‏
وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا‏*.(‏النبا‏14)‏
انزلها علي نبي امي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)، وفي بيئه صحراويه لم تشاهد شيئا من تلك المعصرات‏، ولا ما يحركها من العواصف والاعاصير والدوامات الهوائيه الممطره‏، وذلك لندره سقوط الامطار في تلك البيئات‏، ولبعدها عن المساحات المائيه الشاسعه من البحار المفتوحه والمحيطات‏، وان دلت هذه الدقه العلميه المبهره التي صيغت بها هذه الايه القرانيه الكريمه علي شيء فانها تنطق بان القران الكريم هو كلام الله الخالق‏، وتشهد بالنبوه والرساله لسيدنا محمد صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه‏، وعلي كل من تبع هداه‏، ودعا بدعوته الي يوم الدين‏.‏

إرسال تعليق