بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 3 يونيو 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

هذا النص القراني المعجز جاء في مطلع الثلث الاخير من سوره الفرقان، وهي سوره مكيه، واياتها سبع وسبعون، وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بتعظيم الله وتمجيده، الذي انزل القران الكريم علي خاتم انبيائه ورسله، ليكون للعالمين نذيرا، وفارقا بين الحق والباطل في امور الدين بركائزه الاساسيه: العقيده، والعباده، والاخلاق، والمعاملات، وهي من القضايا التي لايمكن للانسان مهما اوتي من اسباب الذكاء والفطنه ان يضع لنفسه فيها ضوابط صحيحه.
وبما ان القران الكريم هو اخر الرسالات السماويه، واتمها، واكملها، فقد تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظه حفظا كاملا: كلمه كلمه، وحرفا حرفا، بنفس لغه الوحي: في صفائه الرباني، واشراقاته النورانيه، وصدق انبائه في كل ماجاء به، ليبقي الي قيام الساعه فارقا بين الحق والباطل، وبين الايمان والكفر، ومن هنا كانت تسميه هذه السوره الكريمه.....!!
ويدور المحور الرئيسي لسوره الفرقان حول قضيه العقيده، ومن ركائزها التوحيد الخالص لله الخالق، والايمان به، وبملائكته، وكتبه ورسله، وباليوم الاخر.
وتوكد السوره الكريمه ان لله ملك السماوات والارض، وانه( تعالي) لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، وانه( سبحانه) خلق كل شيء فقدره تقديرا، بحكمته، ووفق ارادته; وعلي الرغم من وضوح تلك الحقيقه، فان كثيرا من الخلق المكلف قد اتخذ من دونه الهه... لايخلقون شيئا وهم يخلقون، ولايملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا، ولايملكون موتا ولا حياه ولانشورا وتنعي سوره الفرقان علي هولاء الكافرين قدامي ومعاصرين تشككهم في نبوه رسول الله( صلي الله عليه وسلم)، وفي الكتاب الذي انزل اليه، وتكذيبهم بالاخره، وتطاولهم علي الله ورسوله، بطلب الخوارق من المعجزات حتي يومنوا، من مثل طلب انزال الملائكه، او رويه الله جهره.، او القاء كنز من السماء لرسول الله( صلي الله عليه وسلم)، او ان تكون له جنه ياكل منها، وعلي الرغم من انه لم يحقق لهم شيئا من ذلك فقد اتهموه( شرفه الله) بالسحر، وبترديد اساطير الاولين، وتامره السوره الكريمه بمقابله تلك الدعاوي الباطله بترديد قول الحق( تبارك وتعالي): قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض انه كان غفورا رحيما( الفرقان:6).
وتعرض سوره الفرقان لبعض مشاهد الاخره من صور العذاب الذي يلقاه الكافرون المكذبون بالدين، وصور النعيم الذي يلقاه عباد الله المتقون، وشتان مابين الحالين...!!
ومن قبيل التخفيف علي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) تقرر السوره الكريمه ان جميع من سبقوه من الانبياء والمرسلين كان لهم اعداء من المجرمين الكافرين بالله ورسالاته...، وتكرر استنكار تطاول الكافرين علي الله ورسوله باعتراضهم علي تنزل القران الكريم منجما، وكان كل من الكتب السابقه قد انزل جمله واحده.
وعرضت سوره الفرقان لقصص عدد من الامم السابقه، ولتفاعل كل من تلك الامم مع من ارسلوا اليهم من انبياء الله، وعما كان لذلك التفاعل من عقاب او ثواب، وذلك من امثال قوم موسي وهارون، وقوم نوح، واقوام عاد وثمود، واصحاب الرس، وقوم لوط( علي نبينا وعليه السلام)، واقوام بين هولاء جميعا علي مر القرون الكثيره، وتوكد سوره الفرقان اتخاذ الكافرين لاهوائهم اربابا من دون الله لعدم استماعهم الي كلمه الحق، او محاوله تدبرها بعقولهم، وبذلك ينحطون بانفسهم الي مادون مستويات الانعام...!! فيتطاولون علي الله( تعالي) بانكار وجوده....!!، وتامر السوره رسول الله( صلي الله عليه وسلم).. وبالتالي تامر كل من تبعه من المومنين الي يوم الدين بضروره مخالفه الكافرين، وجهادهم بالقران الكريم جهادا كبيرا; وتوكد له انه ما ارسل الا مبشرا ونذيرا للناس كافه، كما تامره بضروره التوكل علي الله( الحي الذي لايموت) والتسبيح بحمده لانه( تعالي) هو الخبير بذنوب عباده.
وتنتهي سوره الفرقان الي استعراض عدد من صفات عباد الرحمن في مقابله رائعه بين صفات اهل الحق وصفات اهل الباطل، ودعوه من الله لعباده بضروره التحلي بمكارم الاخلاق حتي يستحق العبد التكريم بنسبته الي الله فيكون من عباد الرحمن.
وتوكد السوره الكريمه جزاء هذه الطائفه من خلق الله الصالحين بالخلود في جنات النعيم، في حفاوه وتكريم بالغين من الله وملائكته; وتنتهي سوره الفرقان بتاكيد هوان البشريه علي الله، لولا وجود تلك الطائفه من عباده الصالحين الذين يعرفون مدلول الالوهيه الحقه فيجارون الي الله( تعالي) بالدعاء مخبتين...!!
اما المكذبون، الكافرون، المتطاولون علي الله ورسوله، فكان لزاما علي الله( سبحانه وتعالي) ان يجزبهم بسوء اعمالهم ما يستحقون.
هذا، وقد استشهدت سوره الفرقان علي صدق ماجاء بها من بيان بعدد كبير من الايات الكونيه التي منها مايلي:
(1) ان ملك السماوات والارض لله الواحد الاحد، الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك.
(2) ان الله( تعالي) خلق كل شيء فقدره تقديرا.
(3) ان تشقق السماء بالغمام من علامات انهيار النظام الكوني في الاخره.
(4) ان مد الظل وقبضه من الادله العلميه علي دوران الارض حول محورها امام الشمس; واتبعت الايات ذلك بتخصيص الليل للراحه والنوم والسكن، وتخصيص النهار لليقظه والجري وراء المعايش.
(5) ان الله( تعالي) هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، وانه( سبحانه وتعالي) هو الذي ينزل من السحاب( السماء) ماء طهورا، ليحيي به ارضا ميته، ويسقيه مما خلق انعاما واناسي كثيرا.
(6) ان الله( تعالي) هو الذي.... مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا.
(7) ان الله( تعالي هو الذي... خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا....
(8) ان الله تعالي هو الذي.... خلق السماوات والارض ومابينهما في سته ايام....
(9) ان الله تعالي هو الذي... جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا; وفي ذلك تفريق علمي دقيق بين الضوء المنبثق من مصدره، والنور الناتج عن انعكاسه من فوق سطح مظلم.
(10) ان الله( تعالي) هو الذي... جعل الليل والنهار خلفه لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا; وفي ذلك اشاره ضمنيه رقيقه الي دوران الارض حول محورها امام الشمس.
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي مناقشه موضوعيه خاصه بها، ولذلك فسوف يقتصر الحديث هنا علي النقطه الخامسه فقط من هذه النقاط العشر، وهي قضيه ارسال الرياح مبشرات بين يدي رحمه الله، وانزاله الماء الطهور من السماء; وقد سبق لنا مناقشه قضيه ارسال وتصريف السحاب باراده الله وعلمه وحكمته،ولا اري داعيا لاعاده ذلك هنا، وعليه فسوف اقصر الحديث في هذا المقال علي انزال الماء الطهور من السماء، وقبل الولوج في ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من المفسرين السابقين في شرح هذه الايه الكريمه قبل التعرض لشرح دلالاتها العلميه.
من اقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي):
وهو الذي ارسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وانزلنا من السماء ماء طهورا( الفرقان:48)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله)مانصه:... وهذا ايضا من قدرته التامه وسلطانه العظيم، وهو انه( تعالي) يرسل الرياح مبشرات، اي: بمجيء السحاب بعدها، والرياح انواع: فمنها مايثير السحاب، ومنها مايحمله، ومنها مايسوقه، ومنها مايكون بين يدي السحاب مبشرا، ومنها ما يلقح السحاب فيمطر، ولهذا قال( تعالي): وانزلنا من السماء ماء طهورا....
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) مانصه:( وهو الذي ارسل الرياح)...( نشرا بين يدي رحمته) متفرقه قدام المطر، وفي قراءه بسكون الشين تخفيفا، وفي اخري بسكونها وفتح النون مصدر، وفي اخري بشرا بسكونها وضم الموحده بدل النون اي: مبشرات، ومفرد الاولي( نشور) ك( رسول)، والاخيره( بشير) ك( قدير)، و(انزلنا من السماء ماء طهورا مطهرا.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه) مانصه: والحياه علي هذه الارض كلها تعيش علي ماء المطر، اما مباشره، وامابما ينشئه من جداول وانهار علي سطح الارض، ومن ينابيع وعيون وابار من المياه الجوفيه المتسربه الي باطن الارض منه، ولكن الذين يعيشون مباشره علي المطر هم الذين يدركون رحمه الله الممثله فيه ادراكا صحيحا كاملا، وهم يتطلعون اليه شاعرين بان حياتهم كلها متوقفه عليه، وهم يترقبون الرياح التي يعرفونها تسوق السحب، ويستبشرون بها، ويحسون فيها رحمه الله ان كانوا ممن شرح الله صدورهم للايمان . والتعبير يبرز معني الطهاره والتطهير:( وانزلنا من السماءماء طهورا) وهو بصدد ما بالماء من حياه.
وذكر صاحب صفوه البيان لمعاني القران( رحمه الله) مانصه:( بشرا) مبشرات بالغيث.
وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه:
وهو الذي سخر الرياح فتسوق السحب وتبشر الناس بالمطر الذي هو رحمه منه لهم، ولقد انزلنا من السماء ماء طاهرا مطهرا مزيلا للانجاس والاوساخ....
وجاء في تعليق الخبراء العلميين بالهامش مايلي: وانزلنا من السماء ماء طهورا: في هذه الايه الكريمه يمن الله( تعالي) علي البشر بانزال الماء طاهرا اليهم من السماء، وتتضمن الايه الاشاره الي ان ماء المطر عند بدء تكونه يكون في اعلي درجات النقاء، وعلي الرغم من ان حمله بعد ذلك مما في الجو من اجسام وذرات فانه يكون في اعلي درجات الطهاره.
وذكر صاحب صفوه التفاسير( جزاه الله خيرا) مانصه:( وهو الذي ارسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) اي: ارسل الرياح مبشره بنزول الغيث والمطر، وانزلنا من السماء ماء طهورا، اي: انزلنا من السحاب الذي ساقته الرياح ماء طاهرا مطهرا تشربون وتتطهرون به، قال القرطبي: وصيغه( طهور) بناء مبالغه في( طاهر) فاقتضي ان يكون طاهرا مطهرا.
مدلول الايه الكريمه في ضوء العلوم المكتسبه
اولا: سبق القران الكريم بالاشاره الي اصل ماء الارض:
في الوقت الذي تضاربت فيه اراء العلماء حول اصل ماء الارض جاء القران الكريم موكدا ان الله( تعالي) قد اخرج كل ماء الارض من داخلها، ودوره بين الارض والسماء في عمليه مستمره دائمه من اجل تطهيره وانزاله ماء طهورا علي هيئه المطر والبرد ليجري علي سطح الارض في اشكال وهيئات متعدده، تلعب ادوارا مهمه في تشكيل سطح الارض، وشق الفجاج والسبل فيه، وتفتيت صخوره، وتكوين تربته، وتركيز ثرواته، وتوفير قدر من الرطوبه في كل من التربه والاجزاء السفلي من الغلاف الغازي للارض.
وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي):
(1) والارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها( النازعات:31،30).
(2) افرايتم الماء الذي تشربون.*اانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون* لو نشاء جعلناه اجاجا فلولا تشكرون( الواقعه:68 70).
(3) وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون(الاعراف:57).
(4) وارسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما انتم له بخازنين
(الحجر:22)
(5) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله فاذا اصاب به من يشاء من عباده اذا هم يستبشرون( الروم:48)
(6) الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يولف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار ( النور:43)
(7) والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الي بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور ( فاطر:9)
(8) ان الله عنده علم الساعه وينزل الغيث.....*( لقمان:34)
(9) وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (النبا:14).
(10) وانزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الارض وانا علي ذهاب به لقادرون...( المومنون:18)
(11)( الم تر ان الله انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض.....( الزمر:21)
ثانيا: تضارب اراء العلماء حول اصل ماء الارض:
تضاربت اراء العلماء حول اصل الماء علي سطح الارض تضاربا كبيرا، ولم يحاول احدهم ربط ذلك بماء المطر علي الرغم من وضوح ذلك. ففي الحضاره اليونانيه القديمه اقترح افلاطون(428 348 ق.م.) وجود خزانات جوفيه هائله علي هيئه عدد من الممرات والقنوات تحت سطح الارض تقوم بتغذيه جميع اشكال الماء علي سطح الارض من جداول وانهار، وبحيرات وبحار ومحيطات وغيرها، وتخيل ان هذا الخزان المائي الهائل ليس له قاع اذ يتخلل الارض كلها، وان الماء يمور فيه بصفه مستمره.
اما ارسطو(385 322 ق.م) فقد رفض هذه الفكره علي اساس ان مثل هذا الخزان لابد ان يكون اكبر من حجم الارض لكي يتمكن من الابقاء علي جميع الانهار متدفقه، ونادي بان هواء باردا في داخل الارض يتحول الي الماء كما يتحول الهواء البارد حول الارض، واقترح ان تضاريس الارض العاليه تعمل عمل قطع الاسفنج الهائله حيث تتشبع بهذا الماء المتكون في داخل الارض من تكثف الهواء الجوفي البارد، وانها تقطر هذا الماء فتغذي به الانهار والجداول والينابيع.
كذلك نادي فيزوفيوس في القرن الاول الميلادي( وهو من مفكري الحضاره الرومانيه) بان الاوديه بين الجبال اكثر حظا من الجبال في غزاره ماء المطر، وان الثلج يبقي فوق الارض لفتره اطول في المناطق المكسوه بالغابات الكثيفه، وانه عند انصهاره يتحول الي ماء فيتخلل فتحات الارض، ويصل في النهايه الي اسافل الجبال التي تسيل منها الجداول وتتدفق.
وظل العديد من العلماء حتي اواخر القرن السابع عشر الميلادي مقتنعين بفكره الكهوف الكبيره في داخل الارض كمصدر رئيسي لماء الانهار، او ان الماء المتجمع تحت سطح الارض ياتي من البحر، وقد لخص هذه الاراء الخاطئه عالم اوروبي باسم اثناسيوس كيرثر(1602-1680 م) مفترضا ان البحر مرتبط بجبال جوفاء تتدفق منها الانهار والجداول. ولم يستطع احد من علماء الغرب ومفكريه تصور امكانيه ان تكون زخات المطر المتفرقه علي مدار السنه كافيه لابقاء الانهار وغيرها من مجاري الماء متدفقه به علي مرور الزمن. علي الرغم من ان فرنسياباسم برنارد باليسي(1510 م-1590م) كان قد اعلن ان الانهار والينابيع لايمكن ان يكون لها مصدر غير ماء المطر، واشار الي ان الماء تبخره حراره الشمس، وتحمل الرياح الجافه التي تضرب الارض هذا البخار فتتشكل السحب التي تتحرك في كل الاتجاهات كالبشائر التي يرسلها الله، وعندما تدفع الرياح تلك الابخره يسقط الماء فوق اجزاء من الارض، وعندما يشاء الله تذوب تلك السحب التي ليست سوي كتله من الماء، وتتحول الي مطر يسقط علي الارض، وعندما يواصل هذ الماء نزوله من خلال شقوق الارض ويستمر في النزول حتي يجد منطقه مغلفه بالص
خور الكثيفه فيستقر عندها علي هيئه مخزون فوق هذا القاع الذي يتدفق منه الماء عندما يجد فتحه توصله الي سطح الارض علي هيئه ينابيع او جداول او انهار.
وواضح ان باليسي هذا قد نقل هذا الكلام عن ترجمات معاني القران الكريم التي كانت قد توافرت للاوروبيين في زمانه، او عن بعض كتابات المسلمين التي قام الاوروبيون بترجمتها في بدء عصر النهضه الاوروبيه الي كل من اللاتينيه واليونانيه بعد نهبها من المكتبات الاسلاميه في كل من الاندلس وايطاليا وصقليه، او خلال الحروب الصليبيه، وذلك لوضوح النبره الاسلاميه في كتابته.
ثالثا: اهميه الماء للحياه علي الارض:
كوكب الارض هو اغني كواكب المجموعه الشمسيه بالماء الذي تقدر كميته علي سطح ذلك الكوكب بنحو1،4 بليون كيلومتر مكعب، ويتوزع اغلب هذا الماء(97،22%) في البحار والمحيطات، ويتجمد اغلب الباقي( في حدود2،15%) علي هيئه سمك هائل من الجليد فوق قطبي الارض، وعلي قمم الجبال، ومابقي بعد ذلك ونسبته لاتكاد تتعدي(0،63%) من مجموع ماء الارض يتوزع بين الماء المختزن تحت سطح الارض( وتبلغ نسبته(0،613%)، والمخزون في البحيرات الداخليه، والجاري في الانهار والجداول، والمتمثل في رطوبه كل من التربه والجو( ونسبته في حدود0.027%).
ويغطي ماء الارض حاليا نحو(71%) من مساحه سطحها المقدره بنحو(510 ملايين كيلومتر مربع)، بينما تشغل اليابسه حوالي(29%) من تلك المساحه فقط، والصراع بين اليابسه والماء كان- ولايزال- من سنن الله في الارض.
والماء سائل شفاف، وهو في نقائه لا لون له، ولا رائحه، ولا طعم، ويتركب جزيء الماء من ذرتين من ذرات غاز الهيدروجين، وذره واحده من ذرات غاز الاوكسجين، وترتبط هذه الذرات الثلاث مع بعضها البعض برابطتين تساهميتين تشكلان فيما بينهما زاويه قدرها(105 من الدرجات)، وقد جعل ذلك لجزيء الماء قطبين كهربيين يحمل احدهما شحنتين موجبتين، ويحمل الاخر شحنه سالبه مكافئه، وهذه الخاصيه وفرت للماء- باراده خالقه- من الصفات الطبيعيه والكيميائيه ماجعل منه اقوي مذيب معروف، وبالتالي جعله من اهم ضرورات الحياه، فاجساد الكائنات الحيه يغلب علي تركيبها الماء الذي تتراوح نسبته في جسم الانسان بين(71%) في الانسان البالغ و(93%) في الجنين ذي الاشهر المعدوده.
هذا بالاضافه الي ان جميع الانشطه الحيويه من مثل الايض والتمثيل الضوئي لايمكن ان تتم في غيبه الماء في اجساد كل من النبات والحيوان والانسان.
فالنبات علي سبيل المثال ياخذ غذاءه من التربه عن طريق مابها من عناصر ومركبات ذائبه في الماء، وهذه العصاره الغذائيه يمتصها النبات بواسطه شعيراته الجذريه، فترتفع في الاوعيه الخشبيه للنبات بقدره خاصه اعطاها الله( تعالي) للماء تعرف باسم الخاصيه الشعريه، تعين العصاره الغذائيه علي الارتفاع الي اعلي في داخل النبته حتي تصل الي قمتها مهما كان ارتفاعها، وخاصيه ثانيه تعرف باسم التوتر السطحي تعين الماء علي التماسك في اسطح افقيه فلا ينهار منها بسهوله.
وبعد الاستفاده بالقدر اللازم من الماء، يطلق النبات الزائد عن حاجته الي الجو بالبخر بعدد من العمليات الحيويه التي اهمها النتج. وبالمثل فان كلا من الانسان والحيوان ياخذ القدر اللازم له من الماء عن طريق الطعام والشراب، ويطرد الزائد عن حاجته بواسطه عدد من العمليات الحيويه التي اهمها التنفس، العرق، الدموع، الاخراج، وغيرها.
رابعا: دوره الماء حول الارض:
تبخر اشعه الشمس كما هائلا من ماء الارض فيرتفع علي هيئه بخار يعلق باجزاء من الغلاف الغازي للارض، ثم يتكثف في اجزاء منها علي هيئه قطيرات دقيقه من الماء مكونا السحب باذن الله.
ويقدر مايرتفع من الارض الي غلافها الغازي سنويا بنحو(380،000 كيلومترا مكعبا) من الماء، يتبخر اغلبه من اسطح البحار والمحيطات(320،000 كيلومترا مكعبا)، ويرتفع الباقي من اليابسه(60،000 كيلومترا مكعبا).
ويعود كل مايتبخر من ماء الارض اليها ثانيه(380،000 كيلومترا مكعبا في السنه) ينزل منه بتقدير الله(284،000 كم3) فوق البحار والمحيطات،(000،.96 كم3) فوق اليابسه، وفي عودته الي الارض يصرفه ربنا( تبارك وتعالي) حسب مشيئته وعلمه، ومن نماذج هذا التصريف الالهي البديع ان الفرق بين البخر من اسطح البحار والمحيطات والمطر فوقها( ناقص36،000 كم3) هو نفسه الفرق بين الامطار علي اليابسه والبخر الصاعد منها( زائد36،000 كم3) والزائد علي اليابسه يفيض الي البحار والمحيطات للمحافظه علي مستوي منسوب الماء فيها في كل فتره زمنيه محدده.
هذه الدوره المائيه المعجزه حول الارض استمرت منذ ان اخرج الله( تعالي) ماء الارض من داخلها الي اليوم الراهن والي ان يرث الله الارض ومن عليها، وبهذه الدوره يتحرك الماء من الغلاف المائي للارض الي غلافها الهوائي ليتطهر مما يتجمع فيه من ملوثات ومواد ذائبه فيه وعالقه به، وتمتد هذه الدوره من نحو الكيلومتر تحت سطح الارض الي ارتفاع يقدر بنحو خمسه عشر كيلومترا فوق مستوي سطح البحر.
وبخار الماء عاده لايكاد يري الا اذا تعرض لعمليات التكثف علي هيئه قطيرات دقيقه من الماء تظل عالقه باجزاء من الغلاق الغازي للارض علي هيئه الندي او الضباب بالقرب من سطح الارص، وعلي هيئه السحب المختلفه في نطاق التغيرات المناخيه المحيطه بالارض، وقد تصل تلك السحب الي الاجزاء السفلي من نطاق التطبق الذي يعلوه.
وقد تتحول قطرات الماء في هذه المستويات العليا الي كل من البرد والثلج، او تنمو الي احجام تمكنها من النزول الي الارض مطرا حسب مشيئه الله وتقديره.
وعند نزول المطر الي الارض قد يتدفق فوق سطحها علي هيئه السيول الجارفه التي قد تودي الي دمار شامل في المناطق الصحراويه، والي فيضانات مغرقه بالانهار والجداول.
كذلك يتسلل قدر من ماء المطر الي التربه، او يصل الي طبقات صخريه عاليه المساميه والنفاذيه فيتحرك راسيا بالجاذبيه الارضيه الي اسفل حتي يصل الي مخزون الماء تحت سطح الارض فيعمل علي تجديد عذوبته، وتعويض مايفيض او يضخ منه.
وهذه الدوره المائيه المعجزه يتم بواسطتها تطهير الماء، وتلطيف جو الارض، وتوفير نسبه معينه من الرطوبه، في كل من غلافها الغازي وتربتها فتسمح للكائنات الحيه بما تحتاجه منها.
وبواسطه هذه الدوره المائيه تتم تسويه سطح الارض، وشق الفجاج والسبل فيه، ويتم تفتيت الصخور، وتكوين كل من التربه والصخور الرسوبيه، وخزن قدر من ماء المطر فيها وفي غيرها من صخور قشره الارض، وتركيز عدد من الخامات الاقتصاديه.
ماء السماء ماء طهور
ان دوره الماء حول الارض لها فوائد كثيره من ابرزها تطهير هذا الماء من عوالقه وشوائبه المختلفه، فحينما ينزل ماء المطر علي الارض ويجري علي سطحها فانه يحمل معه من نفاياتها كما كبيرا الي احواض البحار والمحيطات في عمليه تنظيف وتطهير مستمره لسطح الارض، وغسل لادرانها المختلفه، والماء في جريانه علي سطح الارض يذيب كل مايمكن اذابته من مكوناتها من مختلف العناصر والمركبات، كما يحمل ملايين الاطنان من العوالق غير المذابه والتي تترسب علي طول مجاري الانهار والاوديه ودالاتها وفوق قيعان البحار والمحيطات والبحيرات وغيرها من التجمعات المائيه، وفي هذه الاوساط المائيه يحيا ويموت بلايين الكائنات الحيه ولذلك يتعفن الماء غير الجاري في التجمعات المائيه المحدوده بسرعه كبيره وبدرجات اقل في البحار الواسعه والمحيطات، ويزيد من تلوث هذه الاوساط المائيه مايدفع اليها من مخلفات المصانع والمنازل.
وحينما تبخر اشعه الشمس هذا الماء فانه يتطهر مما فيه من الملوثات، ويصعد الي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي علي هيئه بخار ماء نقي طاهر من كل ماكان فيه من ادران واوساخ واملاح.
وهذه هي عمليه التطهير الرئيسيه لماء الارض، ولذلك فان انقي صوره للماء الطبيعي هي ماء المطر، علي الرغم من انه عند نزوله من السماء قد يذيب نسبه ضئيله من مكونات الغلاف الغازي للارض كما قد يحمل معه نسبه لاتكاد تدرك من ذرات بعض الاملاح اللازمه لصحه الانسان وغيره من الكائنات الحيه، وذلك لان الماء الصافي تماما قد يكون ضارا بجسم الانسان، ولايفسد ماء السماء الا الملوثات التي قد يطلقها الانسان، وذلك من مثل اكاسيد الكبريت التي تسبب نزول مايسمي بالامطار الحمضيه او اطلاق بعض الغبار المشع كالذي ينتج من التجارب النوويه او من التسرب من المنشئات القائمه علي مثل هذا النشاط كالمفاعلات النوويه من مثل ماحدث في كل من مفاعل تشرنوبل النووي في الاتحاد السوفيتي السابق( ابريل1986 م) والذي ادي الي سقوط امطار مليئه بالاشعاع عبر كل من اوروبا والمشرق العربي واثر علي كل من الانسان والحيوان والنبات في المنطقه، ومفاعل جزيره الاميال الثلاثه(ThreeMilesIsland)، ومفاعلات شمال اسكتلندا قبل وبعد ذلك التاريخ.
والرسوبيات الملحيه التي تقدر بملايين الاطنان بين مختلف التتابعات الصخريه المكونه لقشره الارض هي من بقايا عمليه تطهير ماء الارض بتبخيره ثم تكثيفه في الغلاف الغازي للارض بطريقه مستمره، ونسب الملوحه المتباينه في كل مياه الارض المالحه والمتزايده بمرور الزمن هي من نواتج عمليه التبخير تلك وهي مستمره مابقيت الارض حتي لا يفسد ماوها بتراكم الاملاح والنفايات وافرازات الكائنات الحيه المختلفه وتكدس بقاياها بعد موتها، وتحلل تلك البقايا وتعفنها. وعلي ذلك فالمصدر الرئيسي للماء النقي علي سطح الارض هو ماء المطر.
وحتي الماء المخزون تحت سطح الارض فان ملوحته تزداد باستمرار مع الزمن لاذابته من املاح الصخور المختزن فيها او لتبخره، وتركيزنسبه مابه من املاح مذابه، ولاتتجدد عذوبه هذا الماء ونسبه الاوكسجين فيه الا بما يصل اليه من ماء المطر.
من هذا الاستعراض يتضح بجلاء ان القران الكريم قد وصف في عدد من اياته حقيقه اخراج كل ماء الارض- علي كثرته- من داخل الارض، وهي حقيقه لم يدركها الانسان الا في العقود المتاخره من القرن العشرين، كما وصف دوره الماء حول الارض بدقه علميه فائقه واثبت ان مختلف صور الماء علي سطح الارض ناتج من هذه الدوره المائيه التي يطهر بها ربنا( تبارك وتعالي) هذا السائل المهم والذي يعتبر ضروره من ضرورات الحياه بطريقه مستمره عن طريق تبخيره الي الغلاف الغازي المحيط بالارض ثم تكثيفه منه وانزاله ماء طهورا بتقدير من الله( تعالي) وحسب مشيئته وارادته.
وهذه حقائق لم تصل الي علم الانسان الا بعد نزول القران الكريم باكثر من عشره قرون علي الاقل، ولم تثبت علميا الا في خلال القرون الثلاثه الماضيه، وحتي وصولها في هذا التاريخ الي علم الانسان يعتقد ان مصدره كان القران الكريم، واحاديث خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) التي نقلت الي الحضاره الغربيه عبر عمليات الترجمه من التراث الاسلامي في كل من بلاد الاندلس، وصقليه، وايطاليا، وبلاد الشام في اثناء الحروب الصليبيه.
وفي ذلك من الاثباتات الماديه القاطعه بان القران الكريم هو كلام الله الخالق وان سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والارض، علي الرغم من كفر الكافرين، ومحاجه المعاندين، وادعاءات المبطلين، فالحمدلله الذي انزل القران( انزله بعلمه)، وتعهد بحفظه فحفظه بنصه ومعناه ومعجزاته، وبلغه وحيه في صفائه الرباني واشراقاته النورانيه التي لاينكرها الا جاحد، وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين والحمدلله رب العالمين اولا واخرا وقبل وبعد كل شيء.
إرسال تعليق