اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

7:44 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 22 أبريل 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم" 

هذا النص القراني اللافت للنظر جاء في مقدمات سوره الجاثيه‏، وهي سوره مكيه‏، وعدد اياتها سبع وثلاثون‏، وقد سميت بهذا الاسم لورود حقيقه من حقائق الاخره في الايه الثامنه والعشرين منها‏، تقرر بان الخلائق سوف تجثو علي ركبها في انتظار الحساب يوم القيامه من هول الفزع والهلع الذي يجتاحهم في هذا اليوم العصيب الذي نسال الله‏(‏ تعالي‏)‏ ان ينجينا من اهواله‏..!!(‏ امين‏).‏
ويدور محور السوره اساسا حول القران الكريم وما يدعو اليه من ركائز الايمان‏، ويحذر من الاصرار علي مختلف صور الضلال مثل الكفر والشرك وانكار البعث‏، واتباع الهوي‏، والمكابره في الحق ومن عواقب ذلك كله يوم القيامه‏.‏
وقد استهلت سوره الجاثيه بحرفين من الحروف المقطعه‏(‏ حم‏)‏ وهذان الحرفان قد وردا في مطلع سبع من سور القران الكريم المتتابعه‏(‏ من غافر الي الاحقاف‏)، الا انه في سوره الشوري قد استفتحت بهما السوره ثم لحقت بهما ثلاثه حروف اخري في الايه التاليه فيقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ حم‏*‏ عسق
وهذه الفواتح الهجائيه التي جاءت في مستهل عدد من سور القران الكريم هي من اسراره‏، التي حاول عدد من الكتاب استجلاء كنهها‏، ووضع عدد من التفسيرات لها‏، دون ان يجزم احد بالوصول الي جواب نهائي لذلك‏.‏
وتتابع سوره الجاثيه بتقرير ان القران الكريم هو كتاب منزل من الله العزيز الحكيم‏، شامل لكل الرسالات السماويه التي انزلت من قبل‏، فكلها كتاب واحد متكامل في القران الكريم‏، واستدلت السوره بعدد من ايات الله في الانفس وفي الافاق علي صحه الوحي الالهي الحق الذي انزل به هذا الكتاب الكريم‏.‏
وتتساءل السوره‏:‏ اذا لم تكن ايات الله في الانفس والافاق‏، ولا اياته المنزله علي خاتم انبيائه ورسله كافيه لاقناع المكابرين من الخلق فاي حديث اخر يمكن ان يقنعهم بان للكون الها‏، خالقا مبدعا‏، عظيما‏، خلق الكون بكل من فيه وما فيه‏، وخلق الانسان لعباده الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما امر ولحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الارض‏، واقامه عدل الله فيها‏، والايمان بالبعث والحساب والجنه والنار‏، والاستعداد للقاء الله لكي تجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون‏.‏
وتنعي سوره الجاثيه علي المكذبين بكتاب الله‏، الجاحدين لنعمه‏، وتوكد ان الويل لكل كذاب اثيم يسمع ايات الله تتلي عليه ثم يصر علي انكارها من قبيل الاستكبار والعناد كان لم يسمعها‏، واذا علم منها شيئا تطاول علي خالقه بالسخريه منها‏، والاستهزاء بها‏، وتطلب السوره الكريمه من رسول الله صلي الله عليه وسلم ‏(‏ ومن ثم من كل مومن برسالته‏)‏ ان يبشر هذا المنكر وامثاله بعذاب اليم لان جزاء كل من يفعل ذلك عذاب مهين في الاخره‏، وخلود في جهنم التي تنتظرهم في لهفه‏، وفيها لن يغني عنهم شيء مما كسبوا في الحياه الدنيا‏، ولا مما اتخذوا من دون الله من اولياء فجميعهم ينتظرهم عذاب عظيم‏...!!.‏
والواقعه لها سبب محدد ولكن حكمها عام مطلق الي يوم الدين‏، لان العبره في القران الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‏.‏
ثم تعاود سوره الجاثيه مره اخري التاكيد ان القران الكريم هو هدي من الله‏، وان الذين كفروا بايات ربهم لهم عذاب من اشد صور العذاب ايلاما‏.‏
وذكرت السوره عددا من نعم الله وافضاله علي عباده‏، واشارت الي ان تلك النعم والافضال تستدعي التفكير فيها والوصول الي عدد من الاستنتاجات والقناعات من خلال تدبرها‏، فهي من دلائل الربوبيه‏، والالوهيه‏، والوحدانيه‏..‏
ويامر ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في هذه السوره الكريمه ان يطالب المومنين بالتجاوز عما يصدر من الكفار والمشركين من بذاءات موذيه في حق الله ورسوله‏،(‏ من مثل ما يملا صفحات شبكه المعلومات الدوليه اليوم‏)‏ لان الله تعالي سوف يعاقبهم في الاخره بما كانوا يكسبون في الدنيا‏، وسوف يجزي الصالحين باعمالهم الصالحه في الدنيا ومنها الصبر علي ايذاء كل من المشركين والكافرين‏.‏
وتوكد الايات الكريمه ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يجزي كل نفس بما كسبت فمن عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها‏، والي الله سوف ترجع الخلائق‏.‏
وتنعي سوره الجاثيه علي بني اسرائيل تزويرهم للتوراه‏، واختلافهم في الدين من بعد ما جاءهم من العلم بغيا بينهم‏، ومن بعد ما بين الله لهم شرائع الفصل بين الناس‏، وبعد انعام الله تعالي علي اسلافهم بعدد من الطيبات‏، واكرامهم بالنعم الكثيره التي لم يشكروها‏;‏ وتوكد الايات ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يقضي بينهم يوم القيامه فيما كانوا فيه يختلفون‏.‏
وتخاطب السوره الكريمه رسول الله (‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد جعله علي النهج الصحيح للدين الذي انزله‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي فتره من الرسل‏، واكمله واتمه في الوحي الذي اتاه اياه‏، وامره باتباعه‏، والانصراف عن اهواء الذين لا يعلمون لان الظالمين بعضهم اولياء بعض‏، وان الله‏(‏ تعالي‏)‏ ولي المتقين‏.‏
وتعاود سوره الجاثيه للمره الثالثه التاكيد ان القران الكريم هو بينات من الله للناس وهدي ورحمه للذين يومنون به ويوقنون بثوابه وعقابه‏.‏
وتستنكر السوره الكريمه ان يظن الذين اكتسبوا السيئات واقترفوا المعاصي من الكفار والمشركين‏، ان يساويهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ في كل من الحياه والممات بالذين امنوا وعملوا الصالحات‏;‏ وتوكد ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق السموات والارض بالحق ولتجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون‏.‏
وتسال السوره الكريمه خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عن انموذج من البشر يتخذ هواه معبودا‏، يخضع له‏، ويستجيب لشهواته بغير تعقل ولا بصيره‏، فيضله الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي علم‏، ويختم علي سمعه وقلبه‏، ويجعل علي بصره غشاوه‏، فلا يهزه الوعظ‏، ولا تحركه الايات‏، ولا يستطيع ان يري الهدي او ان يميزه من الضلال‏، فهل يمكن لاحد ان يهدي مثل هذا الضال من بعد الله؟ وهذا الضال وامثاله ممن انكروا البعث بالظن الخاطيء دون ادني قدر من العلم او المعرفه فكانت دعواهم في انكار البعث كلما تلي علي مسامعهم القران الكريم وجاء ذكره الا ان قالوا‏:‏ ائتوا بابائنا ان كنتم صادقين‏(‏ الجاثيه‏25)‏ ثم ياتي الجواب القاطع من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بانه هو الذي يحيي الخلق في الدنيا من العدم‏، ثم يميتهم فيها عند انقضاء الاجل ثم يبعثهم من مراقدهم ويجمعهم جميعا الي يوم القيامه لا ريب فيه ولكن اكثر الناس لا يعلمون وان لله ملك السموات والارض ويوم تقوم الساعه يومئذ يخسر المبطلون‏(‏ الجاثيه‏27)‏ ومن مظاهر الهول والهلع‏، والترقب والفزع في هذا اليوم‏، ان جميع الخلائق سوف تجثو علي ركبها وهم يدعون الي كتبهم وسجلات اعمالهم ويقال لهم‏:‏ اليوم تجزون ما كنتم تعملون‏(‏ الجاثيه‏28)‏ ويقال لهم كذلك‏:‏ هذا كتابنا الذي سجلنا فيه تاريخ حياه كل منكم من لحظه ميلاده الي لحظه وفاته ينطق عليكم بالحق‏..‏ انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين ‏(‏ الجاثيه‏29‏ و‏30).‏
واما الذين كفروا بالله‏، وملائكته‏، وكتبه‏، ورسله‏، وكذبوا بالبعث بعد ان اخبروا بحتميته‏، واستمعوا الادله العديده لاثبات امكانيته فيقال لهم توبيخا وتحقيرا‏:..‏ افلم تكن اياتي تتلي عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ‏(‏الجاثيه‏31).‏
وحينئذ يتبين لهولاء المكذبين مدي سوء جرمهم ان كذبوا بايات ربهم‏، فينالهم من العقاب ما يستحقون‏، وحينئذ يقال لهم كذلك‏:‏ ‏...‏ اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا وماواكم النار ومالكم من ناصرين ‏(‏ الجاثيه‏34).‏
اي اليوم تنسون في العذاب كما نسيتم انكم ملاقوا ربكم يوم الحساب‏، ومقركم النار‏، وليس لكم من ناصرين يغيثونكم من عذابها‏، او يمكن لهم ان يخرجوكم منها‏، وذلك جزاء تكذيبكم لايات الله‏، واستهزائكم بها‏، واغتراركم بالدنيا وزخرفها وبهرجاتها ولا عتبي لكم اليوم عندنا‏.‏
وتختتم السوره الكريمه باقرار الحمد لله رب السموات ورب الارض رب العالمين‏، الذي له وحده الكبرياء في السماوات والارض‏، بغير ولد ولا صاحبه‏، ولا منازع‏، ولا شبيه‏، ولا شريك وهو العزيز الحكيم‏.‏
والايات الكونيه التي استشهدت بها سوره الجاثيه علي صدق ما جاء فيها من حقائق ايمانيه ايات عديده منها ما يلي‏:‏
‏1‏ ما في السماوات والارض من ايات‏.‏
‏2‏ تسخير ما في السماوات والارض جميعا لخدمه الانسان‏، ورعايته وحمايته‏.‏
‏3‏ الايات الكثيره في خلق كل من الانسان والحيوان‏.‏
‏4‏ الايات في اختلاف الليل والنهار‏.‏
‏5‏ الايات في انزال الرزق من السماء فتحيا به الارض بعد موتها‏.‏
‏6‏ الايات البينات في تصريف الرياح‏.‏
‏7‏ الايات الواضحات في تسخير البحر لتجري الفلك فيه بامر الله وليبتغي الخلق مما فيه من خيرات الله وفضله لعلهم يشكرون‏.‏
وسوف اختار هنا النقطه السادسه فقط وهي ايات الله البينات في تصريف الرياح‏، وابدا بذكر الرياح في القران الكريم‏.‏

الرياح في القران الكريم
المناطق المناخيه علي سطح الارض ودورها في تصريف الرياح
يعرف‏(‏ الريح‏)‏ بانه الهواء المتحرك‏، وجاء ذكر الريح في تسعه وعشرين‏(29)‏ موضعا من القران الكريم منها‏(14)‏ مره بالمفرد‏(‏ ريح‏).‏ واربع‏(4)‏ مرات بالصياغه‏(‏ ريحا‏)، ومره واحده بالصياغه‏(‏ ريحكم‏)، وعشر‏(10)‏ مرات بصفه الجمع المعرف‏(‏ الرياح‏).‏
كما جاءت الاشاره الي الرياح بعدد من صفاتها مثل‏(‏ الذاريات‏)‏ وهي الرياح التي تذرو التراب وغيره لقوتها‏، و‏(‏العاصفات‏)‏ وهي الرياح الشديده المدمره لمن ترسل عليهم‏، و‏(‏المرسلات‏)‏ وهي الرياح المرسله لعذاب الكافرين‏، والمشركين والمكذبين‏.‏
ومعظم الايات القرانيه التي ذكر فيها ارسال‏(‏ الريح‏)‏ بالافراد‏(‏ اي بلفظ الواحد‏)‏ جاءت في مقام العذاب ومعظم المواضع التي ذكرت فيها‏(‏ الرياح‏)‏ بلفظ الجمع جاءت في مقامات الرحمه والثواب‏.‏
ومن ايات ذكر الريح بالافراد قول الله‏(‏ تعالي‏):‏
‏(1)‏ مثل ما ينفقون في هذه الحياه الدنيا كمثل ريح فيها صر اصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فاهلكته وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون‏(‏ ال عمران‏:117).‏
‏(2)‏ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتي اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبه وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين‏(‏ يونس‏:22).‏
‏(3)‏ مثل الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علي شيء ذلك هو الضلال البعيد ‏(‏ ابراهيم‏:18)‏
‏(4)‏ ام امنتم ان يعيدكم فيه تاره اخري فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا‏(‏ الاسراء‏:69).‏
‏(5)‏ ولسليمان الريح عاصفه تجري بامره الي الارض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ‏(‏الانبياء‏:81).‏
‏(6)‏ حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكانما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق‏ (‏ الحج‏:31)‏
‏(7)‏ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر‏..(‏ سبا‏:12)‏
‏(8)‏ فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب‏.(‏ ص‏:36).‏
‏(9)‏ ومن اياته الجوار في البحر كالاعلام ان يشا يسكن الريح فيظللن رواكد علي ظهره ان في ذلك لايات لكل صبار شكور ‏(‏ الشوري‏:33،32).‏
‏(10)‏ فلما راوه عارضا مستقبل اوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم‏.(‏ الاحقاف‏:34).‏
‏(11)‏ وفي عاد اذ ارسلنا عليهم الريح العقيم ‏(‏ الذاريات‏:41).‏

‏(12)‏ واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتيه ‏(‏ الحاقه‏:6).‏
‏(13)‏ ولئن ارسلنا ريحا فراوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ‏(‏ الروم‏:51).‏
‏(14)..‏ اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها‏ (‏ الاحزاب‏:9).‏
‏(15)‏ فارسلنا عليهم ريحا صرصرا في ايام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياه الدنيا ولعذاب الاخره اخزي وهم لا ينصرون ‏(‏فصلت‏:16).‏
‏(16)‏ انا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر‏.(‏ القمر‏:19).‏
ومن ايات ذكر‏(‏ الرياح‏)‏ بالجمع قول الله‏(‏ تعالي‏):‏
‏(1)...‏ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون‏.‏ ‏(‏ البقره‏:164).‏
‏(2)‏ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون‏.‏ ‏(‏الاعراف‏:57).‏
‏(3)‏ وارسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما انتم له بخازنين ‏(‏الحجر‏:22).‏
‏(4)..‏ فاصبح هشيما تذروه الرياح‏...‏ ‏(‏ الكهف‏:45).‏
‏(5)‏ وهو الذي ارسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وانزلنا من السماء ماء طهورا ‏(‏الفرقان‏:48).‏
‏(6)...‏ ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته‏..(‏ النمل‏:63).‏
‏(7)‏ ومن اياته ان يرسل الرياح مبشرات‏...‏ ‏(‏ الروم‏:46).‏
‏(8)‏ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا‏...‏ ‏(‏ الروم‏:48).‏
‏(9)‏ والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا‏...‏ ‏(‏ فاطر‏:9).‏
‏(10)...‏ وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون ‏(‏ الجاثيه‏:5).‏

اقوال المفسرين
تصريف الرياح حول الارض
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ ان في السماوات والارض لايات للمومنين‏، وفي خلقكم وما يبث من دابه ايات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون‏(‏ الجاثيه‏:3‏ ‏5).‏
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ يرشد الله تعالي خلقه الي التفكير في الائه ونعمه‏، وقدرته العظيمه التي خلق بها السماوات والارض وما فيهما من المخلوقات المختلفه الاجناس والانواع‏، من الملائكه والجن والانس والدواب‏، والطيور والوحوش والسباع والحشرات‏، وما في البحر من الاصناف المتنوعه‏، واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران‏، هذا بظلامه‏، وهذا بضيائه‏، وما انزل الله تبارك وتعالي من السحاب‏، من المطر في وقت الحاجه اليه‏، وسماه رزقا لان به يحصل الرزق‏(‏ فاحيا به الارض بعد موتها‏)‏ اي بعد ما كانت هامده لا نبات فيها ولا شيء‏، وقوله عز وجل‏(‏ وتصريف الرياح‏)‏ اي جنوبا وشمالا بريه وبحريه‏، ليليه ونهاريه‏، ومنها ما هو للمطر‏، ومنها ما هو للقاح‏، ومنها ما هو غذاء للارواح‏، ومنها ما هو عقيم لا ينتج‏...‏
وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله رحمه واسعه ما نصه‏:(‏ ان في السماوات والارض‏)‏ اي‏:‏ في خلقهما‏(‏ لايات‏)‏ داله علي قدره الله ووحدانيته تعالي‏(‏ للمومنين‏);(‏ وفي خلقكم‏)‏ اي‏:‏ في خلق كل منكم من نطفه‏، ثم علقه‏، ثم مضغه‏، الي ان صار انسانا‏(‏ و‏)‏ خلق‏(‏ ما يبث‏)‏ يفرق في الارض‏(‏ من دابه‏)‏ هي‏:‏ ما يدب علي الارض من الناس وغيرهم‏(‏ ايات لقوم يوقنون‏)‏ بالبعث‏;(‏ و‏)‏ في‏(‏ اختلاف الليل والنهار‏)‏ ذهابهما ومجيئهما‏(‏ متعاقبين‏، او زياده احدهما ونقصان الاخر‏)(‏ وما انزل الله من السماء‏)‏ اي‏:‏ السحاب‏(‏ من رزق‏)‏ مطر‏، لانه سبب الرزق‏(‏ فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح‏)‏ تقليبها‏، مره جنوبا ومره شمالا‏، وبارده وحاره‏،(‏ وشديده ولينه‏)(‏ ايات لقوم يعقلون‏)‏ الدليل فيومنون‏.‏
وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمه واسعه‏)‏ ما نصه‏:‏ وقبل ان يعرض للقوم وموقفهم من هذا الكتاب‏، يشير الي ايات الله المبثوثه في الكون من حولهم‏، وقد كانت وحدها كفيله بتوجيههم الي الايمان‏، ويوجه قلوبهم اليها لعلها توقظها وتفتح مغاليقها‏، وتستجيش فيها الحساسيه بالله منزل هذا الكتاب‏، وخالق هذا الكون العظيم‏:....(‏ وتصريف الرياح‏)..‏ وهي تمضي شمالا وجنوبا‏، وشرقا وغربا‏، منحرفه ومستقيمه‏، دافئه وبارده‏، وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب‏;‏ وحساب كل شيء فيه حسابا دقيقا لا يترك شيئا للمصادفه العمياء‏..‏ ولتصريف الرياح علاقه معروفه بدوره الارض‏، وبظاهرتي الليل والنهار‏، وبالرزق الذي ينزل من السماء‏، وكلها تتعاون في تحقيق مشيئه الله في خلق هذا الكون‏، وتصريفه كما اراد‏;‏ وفيها‏(‏ ايات‏)‏ معروضه في الكون‏، ولكن لمن؟‏(‏ لقوم يعقلون‏)..‏ فللعقل هنا عمل‏، وله في هذا الميدان مجال‏.‏
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعه‏)‏ ما نصه‏:‏ اشتملت هذه الايات الثلاث علي سته ادله كونيه‏:‏ خلق السموات والارض‏، والمتامل فيهما يعلم انه لابد لهما من صانع حكيم‏، فيومن به‏، وخلق الانسان وانتقاله في اطواره‏، وخلق ما علي الارض من صنوف الحيوان‏;‏ والمتامل فيهما وفي ارتباط تكونهما بالعالم العلوي يصل بالتامل الي مرتبه اليقين‏، والحوادث المتجدده في كل وقت من اختلاف الليل والنهار‏، ونزول المطر الذي به حياه الارض بالنبات‏;‏ وتقلب الرياح واثارها في البر والبحر‏;‏ والتامل فيها يودي الي استحكام العلم وقوه اليقين‏، وذلك لا يكون الا بالعقل الكامل‏;‏ ولذا اختتمت كل ايه بما يناسب ما سبق فيها من الدليل‏...‏
و‏(‏يبث‏)‏ اي ينشر ويفرق‏...(‏ وتصريف الرياح‏)‏ تقلبها من جهه الي اخري‏، ومن حاله الي حاله‏.‏ وهنا اشار الي الايه‏(164)‏ من سوره البقره حيث ذكر في تفسير قوله تعالي‏:(‏ وتصريف الرياح‏)‏ ما نصه‏:‏ تقليبها جنوبا وشمالا ودبورا‏، حاره وبارده‏، عاصفه ولينه‏، عقيما ولواقح‏، بالرحمه تاره وبالعذاب اخري‏، وتصريف مصدر مضاف للمفعول‏، والفاعل هو الله‏، اي وتصريف الله الرياح او مضاف للفاعل‏، والمفعول السحاب‏، اي‏:‏ وتصريف الرياح السحاب‏.‏
وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:...‏ وفي اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر‏، والنور والظلام مع تعاقبهما علي نظام ثابت‏، وفيما انزل الله من السماء من مطر فاحيا به الارض بالانبات بعد موتها بالجدب‏;‏ وبتصريف الرياح‏(‏ في جهات متعدده مع اختلافها بروده وحراره‏، وقوه وضعفا علامات واضحه علي كمال قدره الله لقوم فكروا بعقولهم فخلص يقينهم‏.‏
وجاء في صفوه التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خير الجزاء‏)‏ ما نصه‏:.....(‏ ان في السماوات والارض لايات للمومنين‏)‏ اي ان في خلق السماوات والارض وما فيهما من المخلوقات العجيبه‏، والاحوال الغريبه‏، والامور البديعه‏، لعلامات باهره علي كمال قدره الله وحكمته‏، لقوم يصدقون بوجود الله ووحدانيته‏(‏ وفي خلقكم وما يبث من دابه ايات لقوم يوقنون‏)‏ اي وفي خلقكم ايها الناس من نطفه ثم من علقه‏، متقلبه في اطوار مختلفه الي تمام الخلق‏;‏ وفيما ينشره تعالي ويفرقه من انواع المخلوقات التي تدب علي وجه الارض‏;‏ ايات باهره ايضا لقوم يصدقون عن اذعان ويقين بقدره رب العالمين‏(‏ واختلاف الليل والنهار‏)‏ اي وفي تعاقب الليل والنهار‏، دائبين لا يفتران‏، هذا بظلامه وذاك بضيائه‏، بنظام محكم دقيق‏(‏ وما انزل الله من السماء من رزق‏)‏ اي وفيما انزله الله تبارك وتعالي من السحاب‏، من المطر الذي به حياه البشر في معاشهم وارزاقهم‏...(‏ فاحيا به الارض بعد موتها‏)‏ اي فاحيا بالمطر الارض بعد ما كانت هامده يابسه لا نبات فيها ولا زرع‏،...(‏ وتصريف الرياح‏)‏ اي وفي تقليب الرياح جنوبا وشمالا‏، بارده وحاره‏(‏ ايات لقوم يعقلون‏)‏ اي علامات ساطعه واضحه علي وجود الله ووحدانيته‏، لقوم لهم عقول نيره وبصائر مشرقه‏....‏

تصريف الرياح في منظور العلوم المكتسبه
يعرف الريح بانه الهواء المتحرك بالنسبه للارض‏، والذي يمكن ادراكه الي ارتفاع يصل الي‏65‏ كم تقريبا فوق مستوي سطح البحر‏، والي هذا الارتفاع تحكم حركه الرياح نفس العوامل التي تحكمها فوق سطح البحر وهي‏:‏ الجاذبيه الارضيه‏، قدر الاحتكاك بسطح الارض‏، وتدرج معدلات الضغط الجوي‏، اما في المستويات الاعلي من ذلك فان عوامل اخري تسود من مثل الكهربيه الجويه‏، المغناطيسيه‏، وعمليات المد والجزر الهوائيين‏.‏
وبما ان‏99%‏ من كتله الغلاف الغازي للارض تقع دون ارتفاع‏50‏ كم فوق مستوي سطح البحر اي دون مستوي الركود الطبقي‏ (TheStratopause)، فان دراسه حركه الرياح تتركز اساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض‏.‏

وتقسم الرياح بالنسبه الي ارتفاعها عن سطح الارض الي ما يلي‏:‏
‏(1)‏ رياح سطحيه وتمتد من مستوي سطح البحر الي بضعه كيلو مترات قليله فوقه‏.‏
‏(2)‏ رياح متوسطه وتمتد فوق الرياح السطحيه الي ارتفاع‏35‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏.‏
‏(3)‏ ورياح مرتفعه وتمتد في المستوي من‏35‏ الي‏65‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏.‏

وتقسم الرياح السطحيه حسب شدتها علي النحو التالي‏:‏
ويصف القران الكريم الصنفين الاول والثاني من هذا التصنيف باسم الريح الساكن‏، والاصناف من الثالث الي السادس باسم الريح الطيبه‏، والاصناف من السابع الي التاسع باسم الريح العاصف‏، والاصناف من التاسع الي الثالث عشر باسم الريح القاصف‏، وهذا سبق قراني باكثر من عشره قرون للمعرفه العلميه المكتسبه في هذا المجال‏.‏
ويمكن تصنيف الرياح بحسب القوي المحركه لها واهمها التاثير المشترك للعوامل التاليه‏:‏ التوازن الاشعاعي للشمس‏، وتوزيع درجات الحراره عبر خطوط العرض المختلفه‏، ودوران الارض حول محورها امام الشمس‏، بالاضافه الي التضاريس الارضيه المختلفه‏.‏
ويقدم كم الطاقه الشمسيه التي تصل الي الارض الطاقه اللازمه لحركه الرياح‏، وذلك لان اشعه الشمس التي تتعامد علي خط الاستواء وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين تودي الي التباين في توزيع درجات الحراره علي سطح الارض‏، هذا التباين الذي ينتج عنه حركه صاعده للهواء الساخن حول خط الاستواء‏، وحركه هابطه للهواء البارد فوق القطبين‏.‏
كذلك فان دوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق يودي الي دفع الهواء المحيط بالمنطقه الاستوائيه في اتجاه الغرب‏، والحقيقه ان الدوره الفعليه للرياح لها عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الارض‏، وعند تحرك كتله من الهواء من فوق خط الاستواء باتجاه احد القطبين فانه نتيجه لحفظ العزم الزاوي للهواء المتحرك فوق ارض تدور فان الهواء المتحرك في اتجاه القطب لابد ان ينحرف شرقا‏، والهواء المتحرك فوق خط الاستواء لابد ان ينحرف في اتجاه الغرب‏، وبالمثل الرياح السطحيه تتجه الي الشرق‏، بينما تتجه الرياح الوسطي الي الغرب‏.‏
والنتيجه هي دوره عامه للرياح شديده الانتظام حول الارض‏، وذات عده دوائر كبيره بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الارض منها دوائر حاره فوق المناطق الاستوائيه‏، ودوائر بارده فوق القطبين‏، ودوائر معتدله الحراره بينهما‏، مع وجود عدد من الجبهات الهوائيه بين تلك الدوائر‏، وبالاضافه الي ذلك تتدخل الظروف الجغرافيه المحليه فيكون الهواء دافئا ورطبا فوق المحيطات المداريه‏، وحارا جافا فوق الصحاري‏، وباردا جافا فوق المناطق المكسوه بالجليد‏، وتتداخل هذه الكتل الهوائيه‏، وتتكون بذلك السحب ومنها الممطر والعقيم وتحدث الاعاصير بمراحلها المختلفه وتتحرك كتل الهواء الساخن من المناطق الاستوائيه في اتجاه القطبين‏، كما تتحرك كتل الهواء البارد من القطبين في اتجاه خطوط العرض العاليه‏، في تموجات واضحه تظهر اثارها علي كل من اسطح البحار‏، وفي شواطئها‏(‏ نيم البحر‏)، وفي تموجات اسطح الكثبان الرمليه‏(‏ علامات النيم‏)‏ وغير ذلك من اثار حركات كل من الرياح وامواج البحار‏.‏
ومن الظروف الجغرافيه المحليه التي توثر في حركه الرياح تضاريس سطح الارض مثل السلاسل الجبليه‏، والتلال‏، والهضاب‏، والسهول والمنخفضات‏، والكتل المائيه المختلفه‏، ففي الصيف تسخن اليابسه بسرعه اكبر من المحيطات‏، وفي الشتاء يحتفظ ماء المحيطات بالحراره لمده اطول فتكون ادفا من اليابسه‏، وينشا عن تلك الفروق نسيم البر والبحر‏، كما ينشا عن فروق التضاريس دوره الرياح بين الجبال والاوديه والمنخفضات‏، وهذه الحركات الافقيه للكتل الهوائيه تصاحبها حركات راسيه‏، فاذا ارتفعت درجه حراره كتله من الهواء بحيث تصبح ادفا من الهواء المحيط بها‏، فان الهواء الساخن يصعد الي اعلي‏، فيتناقص ضغطه وتنخفض درجه حرارته‏، وتبدا ما فيه من رطوبه في التكثف اذا وصلت درجه الحراره الي نقطه التشبع‏(‏ نقطه تكون الندي‏)، وبذلك تتكون السحب وتتهيا الفرص لهطول المطر باذن الله‏.‏
من هذا العرض يتضح ان الرياح التي تبدو للمراقب من الناس هوجاء عاصفه لها في الحقيقه توزيع دقيق علي سطح الارض‏، تحكمه قوانين شديده الانضباط‏، وقد وصف القران الكريم هذه الدقه في التوزيع والانضباط في الحركه بوصف معجز هو تصريف الرياح‏، بمعني ان الرياح لا تتحرك هذه الحركات العديده بذاتيتها‏، ولكن بقدره الله الذي يصرفها بعلمه وبحكمته كيفما يشاء‏، والرياح تقوم بدور رئيسي ‏(‏ باذن الله‏)‏ في تكوين السحب‏، وانزال المطر‏، واتمام دوره الماء حول الارض والا فسد‏، وفي تفتيت الصخور وتعريتها‏، وتكوين التربه والرمال السافيه وتحريكها‏، وفي تلطيف الجو وتكييفه‏، وتطهيره من الملوثات التي تحملها حركه الرياح جنوبا وشمالا في اتجاه قطبي الارض وغير ذلك من المهام الرئيسيه في جعل الارض صالحه للعمران‏.‏ فسبحان مصرف الرياح‏، ومجري السحاب‏، ومنزل القطر الذي انزل في محكم كتابه‏، وعلي خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من قبل الف واربعمائه من السنين هذا الوصف المعجز‏(‏ تصريف الرياح‏)، وهو وصف لم يدرك العلم الكسبي دلالته الا في القرن العشرين وبعد مجاهده استغرقت جهود الاف من المتخصصين‏، وهو مع دقته يوكد ان حركه الرياح وان فهمنا بعض القوي الدافعه لها تبقي من جند الله‏، يجريها وفق مشيئته بالخير لمن يشاء من عباده‏، كما يجريها وفق ارادته لاباده العاصين من الكفار والمشركين المتجبرين في الارض والمحاربين لعباد الله فيها‏، ففهمنا لميكانيكيه الحدث لا يخرجه عن اطار كونه من جند الله‏، خاضعا لارادته ومشيئته‏، فالحمد لله الذي انزل القران بعلمه‏، وعلمه خاتم انبيائه ورسله‏، وابقاه شاهدا علي حقيقه نبوته ورسالته‏، وحفظه بلغه وحيه حفظا كاملا علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد والي يوم الدين‏، هاديا لطلاب الحق في كل مكان وزمان‏.‏
وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد‏.‏

إرسال تعليق