اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

7:36 ص

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ  ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

هذا النص القرآني المعجز جاء في السبع الاول من سوره المائده وهي سوره مدنيه اياتها مائه وعشرون‏، وقد سميت بهذا الاسم لورود ذكر المائده التي طلبها الحواريون من نبي الله عيسي‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏)‏ في ختام السوره‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسوره المائده حول التشريعات اللازمه لاقامه الدوله الاسلاميه‏، وتنظيم مجتمعاتها علي اساس من الايمان بوحدانيه الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)، وربوبيته‏، والوهيته‏، وتفرده بالسلطان في ملكه‏، بغير شريك‏، ولا شبيه ولا منازع‏..‏ ومن ثم فلابد وان تتلقي هذه الدوله الاسلاميه دستور حياتها‏، وجميع تشريعاتها‏، ونظمها‏، وقيمها من وحي السماء كما تكامل في بعثه النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظه فحفظ‏، واول بنود هذا الدستور الاسلامي عقد الايمان بالله ربا وبالاسلام دينا‏، وبسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ نبيا ورسولا‏، وهو العقد الذي تقوم عليه سائر العقود في حياه الناس‏:‏ افرادا ومجتمعات‏...‏ من عقيده‏، وعباده‏، ودستور اخلاق‏، وتشريعات للمعاملات‏..‏ اي يقوم عليه الدين بتفاصيله الربانيه‏، بمعني كل الضوابط السلوكيه‏، والعقائد الغيبيه‏، والشرائع التعبديه كما قررها الله تعالي‏، ومن ذلك نصت السوره الكريمه علي بيان الحلال والحرام في قضايا عديده من مثل قضايا الذبائح‏، والمطاعم‏، والمشارب‏، والزواج وغيرها‏، وعلي شرح العقيده الصحيحه‏:‏ وتوضيح علاقات المسلمين بغيرهم من اصحاب الملل والنحل المنحرفه‏، افرادا‏، وجماعات‏، وامما‏، وتحذرهم من الافتتان بهولاء الكافرين عن بعض ما انزل الله‏، ومن الحيود عن العدل تحت ضغوط المشاعر الشخصيه‏، حتي تصل الي هذا الحكم الالهي القاطع‏:‏
‏...‏ اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصه غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم‏ (‏ المائده‏:3)‏ وتعرض السوره الكريمه للصلاه‏، ولاحكام الطهاره لها‏، ويكل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الانسان في ذلك كله الي التقوي‏، وتامر الايات المومنين ان يكونوا‏:‏ قوامين لله شهداء بالقسط وتبشرهم بالمغفره والاجر العظيم‏، وتتهدد الذين كفروا وكذبوا بايات الله ان مصيرهم الي الجحيم‏، كما تستعرض مواقف بعض اهل الكتاب من مواثيقهم‏، وما احل بالكافرين منهم من دمار نتيجه نقضهم لمواثيقهم من مثل اتباع كل من موسي وعيسي‏(‏ عليهما السلام‏)، وتنادي علي اهل الكتاب بنداء يتكرر عده مرات يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم علي فتره من الرسل ان تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله علي كل شيء قدير ‏(‏ المائده‏:19)‏
ثم تعرض السوره الكريمه لعدد من الاحكام المتعلقه بحمايه النفس‏، والمال‏، والملكيات الفرديه‏، والمجتمعات الانسانيه‏، وصيانتها‏، والسلطه وحقوقها‏، وتقدم لهذا كله بقصه ولدي ادم كرمز للصراع بين الحق والباطل في هذه الحياه‏..!!‏
ثم تعرج السوره الكريمه الي شيء من مواساه رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في مواجهته لكفر الكافرين‏، وكذبهم‏، واكلهم السحت‏، وتنتقل الي قضيه الحكم بما انزل الله‏، وجريمه الخروج علي ذلك‏، لان حق التشريع بالحل والحرمه هو لله وحده ولذلك كان قبول شرع الله‏، والرضي بحكمه هو اقرار لله بالالوهيه‏، والربوبيه‏، والوحدانيه‏، والقوامه علي خلقه بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏.‏ وتوكد سوره المائده قضيه الولاء والبراء علي انها من الوسائل النفسيه الاساسيه للتربيه الاسلاميه‏، ولضبط سلوك الافراد والجماعات المسلمه‏، وتعرج السوره الي عدد من الاحكام الشرعيه في الايمان‏..‏ وتوكد تحريم كل من الخمر‏، والميسر‏، والانصاب‏، والازلام‏، وتضع ضوابط للصيد‏، ومنها تحريمه والعبد في احرامه‏، وتدعو الي تعظيم الكعبه المشرفه والاشهر الحرم‏، كما تعرض لانحراف اهل الكتاب عما قد انزل اليهم‏، وتامر بطاعه الله ورسوله‏، وتنهي عن مخالفتهما خشيه عذاب الله‏، وتذكر بحتميه الاخره‏.‏
وتلمح السوره الكريمه لعدد من الضوابط التربويه الاخري في حياه المسلمين‏:‏ افرادا وجماعات‏، ومنها عدم الانبهار بكثره الخبيث‏، واداب التعامل مع الله ورسوله‏، وابطال ما كان قد بقي من تقاليد الجاهلين المبتدعه‏، وحكم الاشهاد علي الوصيه في حاله السفر وغير ذلك من التشريعات التي ربطتها كلها بمراقبه الله وتقواه ومخافه معصيته‏...‏ ومن الاحكام التي تناولتها سوره المائده ما يلي‏:‏ احكام العقود‏، الذبائح‏، الصيد‏، الاحرام‏، زواج الكتابيات‏، حد الرده‏، احكام الطهاره‏، حد السرقه‏، حد البغي والافساد في الارض‏، احكام الخمر والميسر‏، كفاره اليمين‏، تحريم قتل الصيد في الاحرام‏، احكام الوصيه عند الموت‏، احكام البحيره والسائبه‏، حكم من ترك العمل بشريعه الله‏، واحكام الولاء والبراء‏.‏
وتختتم السوره الكريمه بذكر يوم القيامه الذي يجمع الله تعالي فيه كل الخلق وفي مقدمتهم الانبياء والمرسلون‏.‏ وذلك للحساب والجزاء‏، وبالاشاره الي عدد من المعجزات التي ايد الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها عبده ورسوله عيسي بن مريم‏، ومنها انزال المائده من السماء‏، ثم الي تبرئه السيد المسيح‏(‏ علي نبينا وعليه السلام‏)‏ وتبرئه امه الصديقه مما الصق بهما من دعاوي الالوهيه الكاذبه فالله واحد احد‏، فرد صمد‏، لا منازع له في سلطانه‏، ولا شريك له في ملكه‏...‏

ومن الايات العلميه المعجزه في هذه السوره الكريمه ما يلي‏:‏
‏1‏ تحريم كل من الميته‏، والدم‏، ولحم الخنزير‏، وما اهل لغير الله به‏، والمنخنقه‏، والموقوذه‏، والمترديه‏، والنطيحه‏، وما اكل السبع الا ما ذكي‏.‏
‏2‏ التاكيد علي ان لله ملك السموات والارض وما بينهما في موضعين متتابعين من السوره‏(18،17)، وما فيهن‏(120).‏
‏3‏ التاكيد علي ان اليهود قد حرفوا دينهم‏(41).‏
‏4‏ وانهم سماعون للكذب اكالون للسحت‏(42).‏
‏5‏ وان كثيرا من الناس لفاسقون‏(49).‏
‏6‏ وان كثيرا من اليهود يسارعون في الاثم والعدوان واكلهم السحت‏..(62)‏
‏7‏ وان اشد الناس عداوه للذين امنوا اليهود والذين اشركوا‏، وان اقربهم موده للذين امنوا الذين قالوا انا نصاري‏..(82).‏

‏8‏ تحريم كل من الخمر‏، والميسر‏، والانصاب‏، والازلام‏(90).‏
‏9‏ جعل الكعبه المشرفه قياما للناس‏ (97).‏
‏10‏ التاكيد علي انزال المائده التي طلبها حواريو عيسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ من السماء‏(115،114).‏
‏11‏ التاكيد علي معجزات السيد المسيح‏(‏ عليه السلام‏)(111،110)، وعلي بشريته الكامله‏(117).‏
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي معالجه مستقله في مقال او اكثر من مقال‏، ولكني سوف اقصر الكلام هنا علي قضيه واحده وصفها القران الكريم بما بين السماوات والارض‏.‏
التعبير برب السماوات والارض وما بينهما في القران الكريم ورد التعبير القراني رب السماوات والارض وما بينهما في عشرين موضعا من القران الكريم علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا ان اراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن في الارض جميعا ولله ملك السماوات والارض وما بينهما يخلق ما يشاء والله علي كل شيء قدير‏.(‏ المائده‏:17)‏
‏(2)‏ وقالت اليهود النصاري نحن ابناء الله واحباوه‏، قل فلم يعذبكم بذنوبكم‏، بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والارض وما بينهما واليه المصير‏ (‏ المائده‏18)‏
‏(3)‏ وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق وان الساعه لاتيه فاصفح الصفح الجميل‏ (‏ الحجر‏:85)‏
‏(4)‏ وما تتنزل الا بامر ربك له ما بين ايدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والارض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ‏(‏ مريم‏:65،64)‏
‏(5)‏ تنزيلا ممن خلق الارض والسماوات العلي الرحمن علي العرش استوي له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثري‏(‏ طه‏:4‏ ‏6).‏
‏(6)‏ وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين‏ (‏ الانبياء‏:16)‏
‏(7)‏ الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في سته ايام ثم استوي علي العرش الرحمن فاسال به خبيرا‏(‏ الفرقان‏:59)‏
‏(8)‏ قال فرعون ومارب العالمين قال رب السماوات والارض ومابينهما ان كنتم موقنين
‏(‏الشعراء‏:23‏ ‏24)‏
‏(9)‏ او لم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمي وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون‏(‏ الروم‏:8)‏
‏(10)‏ الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في سته ايام ثم استوي علي العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع افلا تتذكرون ‏(‏السجده‏:4).‏
‏(11)‏ ان الهكم لواحد‏، رب السماوات والارض وما بينهما ورب المشارق‏(‏ الصافات‏:5،4).‏
‏(12)‏ ام عندهم خزائن رحمه ربك العزيز الوهاب‏، ام لهم ملك السماوات والارض وما بينهما فليرتقوا في الاسباب‏(‏ ص‏:10،9).‏
‏(13)‏ وما خلقنا السماء والار ض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين  كفروا من النار ‏(‏ ص‏:27)‏
‏(14)‏ رب السماوات والارض وما بينهما العزيز الغفار‏ (‏ ص‏:66).‏
‏(15)‏ وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله وهو الحكيم العليم‏.‏ وتبارك الذي له ملك السماوات والارض وما بينهما وعنده علم الساعه واليه ترجعون‏(‏ الزخرف‏:85،84).‏
‏(16)‏ رب السماوات والارض  وما بينهما ان كنتم موقنين‏ (‏ الدخان‏:7).‏
‏(17)‏ وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون‏(‏ الدخان‏:38).‏
‏(18)‏ ما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمي والذين كفروا عما انذروا معرضون‏(‏ الاحقاف‏:3)‏
‏(19)‏ ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في سته ايام وما مسنا من لغوب ‏(‏ق‏:38).‏
‏(20)‏ رب السماوات والارض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا ‏(‏ النبا‏:37).‏
‏(‏ بين‏)‏ في اللغه العربيه بالتخفيف ظرف مكان او زمان بمعني وسط‏، او موضوع للخلاله بين الشيئين او الزمنين‏، ووسطهما‏، يقال‏، لقد تقطع بينكم اي ما‏(‏ بينكم‏)‏ علي الحذف فان جعلته اسما فاعلا اعربته تقول‏:‏ لقد تقطع‏(‏ بينكم‏)‏ اي وصلكم‏، ف‏(‏ البين‏)‏ هو الوصل‏، وهو‏(‏ البينونه‏)‏ ايضا الفراق لانه من الاضداد‏، و‏(‏ البون‏)‏ و‏(‏البين‏)‏ هو الفضل والمزيه او البعد‏، يقال‏:‏ بينهما‏(‏ بون‏)‏ او‏(‏ بين‏)‏ بعيدا‏، والواو افصح‏;‏ فاما بمعني البعد فيقال‏:‏ ان بينهما‏(‏ بينا‏)‏ لا تميد‏.‏

ما بين السماوات والارض في اقوال المفسرين
في قوله‏(‏ تعالي‏):‏ لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا ان اراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن في الارض جميعا ولله ملك السماوات والارض وما بينهما يخلق ما يشاء والله علي كل شيء قدير‏*‏ وقالت اليهود والنصاري نحن ابناء الله واحباوه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والارض وما بينهما واليه المصير‏*‏ ‏(‏ المائده‏18،17)‏
جاء التعبير القراني‏، ولله ملك السماوات والارض وما بينهما مرتين قال ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ في تفسير الاولي منهما‏:‏ اي جميع الموجودات ملكه وخلقه‏، وفي تفسير الثانيه قال‏:‏ اي الجميع ملكه‏، وتحت قهره وسلطانه‏...‏ وقال صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمه واسعه‏):‏ اي ان الله هو المالك لكل شيء‏.‏
وذكر صاحب صفوه التفاسير‏(‏ جزاه الله خيرا‏)‏ في الاولي‏:‏ اي من الخلق والعجائب وفي الثانيه‏:‏ اي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه وفي التعليق علي نص مشابه‏(‏ في الايه‏59‏ من سوره الفرقان ذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه ان هذا النص يشير الي سائر اجرام السماء من نجوم وكواكب واقمار واتربه كونيه وغازات وطاقات يتالف الكون منها‏.‏ والحقيقه ان هناك ايتين من ايات القران الكريم تلقيان بعض الضوء علي دلاله ما بين السماوات والارض‏، في اولاهما يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابه وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون‏*(‏ البقره‏:164)‏
ومن هذه الايه الكريمه يفهم ان السحاب هو مما بين السماء والارض‏.‏
وفي الايه الثانيه يقول ربنا‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله علي كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما‏*(‏ الطلاق‏:12)‏
ومن هذه الايه الكريمه يفهم ان الامر الالهي هو مما يتنزل بين السماوات السبع والارضين السبع‏.‏
وفي الحديث المروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول فيه‏(‏ عليه الصلاه والسلام‏):‏ سبحان الله عدد ما خلق في السماء‏، سبحان الله عدد ما خلق في الارض‏، سبحان الله عدد ما خلق بينهما‏، سبحان الله عدد ما هو خالق‏...‏
ويقول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في حديث اخر‏:‏ اطت السماء اطا وحق لها ان تئط‏...‏ ما من اربع اصابع الا وفيها ملك قائم او راكع او ساجد يعبد ربه‏...‏ لو علمتم ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا‏...‏

ما بين السماوات والارض في العلوم المكتسبه
وصل معظم المفسرين من القدامي والمعاصرين الي ان من دلالات قوله‏(‏ تعالي‏):‏ رب السماوات والارض وما بينهما انه‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب العوالم علويها وسفليها‏، فلا ربوبيه لغيره‏، ولا شريك له في ملكه‏;‏ وهذا صحيح‏، ولكنه لا يفسر لنا ماهيه الموجود بين السماوات والارض‏، الذي تشير الايات القرانيه الكريمه والاحاديث النبويه الشريفه والعلوم المكتسبه الي انه يشمل‏:‏
‏(1)‏ المكان والزمان في حدود نطاق يفصل بين السماوات والارض‏.‏
‏(2)‏ الماده والطاقه في هذا النطاق‏.‏
‏(3)‏ السحاب المسخر بين السماء والارض في هذا النطاق‏.‏
‏(4)‏ الملائكه وغيرهم من الخلائق في هذا النطاق‏.‏
‏(5)‏ الاوامر الالهيه المتنزله في هذا النطاق وعبره‏.‏
والسوال الذي يفرض نفسه هنا هو‏:‏ لماذا اعتبر القران الكريم ان هناك فاصلا بين السماوات والارض؟ وماذا تقول العلوم المكتسبه عن هذا الفاصل؟
تجمع العلوم المكتسبه في مجالي علم الفلك والفيزياء الفلكيه علي ان خلق كل من المكان والزمان والماده والطاقه قد تزامن مع عمليه الانفجارالعظيم‏;‏ فلا يوجد في الكون الذي نعرفه مكان بلا زمان‏، ولا زمان بلا مكان‏، كما لا يوجد مكان وزمان بغير ماده وطاقه‏.‏
فالماده والطاقه موجودتان بين كل من الارض والشمس‏، وبينهما وبين كافه اجرام المجموعه الشمسيه‏، ليس هذا فقط بل بين النجوم وحولها‏، وبين المجرات وحولها‏، بل في الجزء المدرك من الكون كله‏.‏
وعلماء الفلك والطبيعه الفلكيه يتحدثون اليوم عن الماده حول الكواكب‏ (Circum-Planetarymatter)، وبين الكواكب‏ (Inter-Planetarymatter)‏ وحول النجوم‏ (Cirlum-SyellarMarrer)‏ وبينها‏ (Inter-StellarMatter)‏ وحول المجرات‏ (Circum-galacterMatter)‏ وبينها‏ (Inter-galacticmatter)، وبين كل تجمع سماوي مهما تعاظم حجمه وفسحه السماء‏، وذلك لان تحرك كل من الماده والطاقه بين اجرام السماء وبين المكان والزمان والمحيطين بهما من الامور التي اكدتها الدراسات الفلكيه موخرا‏، ومن اثقلتها تخلق النجوم من الدخان الكوني وعودتها اليه في دوره حياه النجوم‏، ومن امثله الماده المنتشره بين الارض والسماء ما يلي‏:‏
‏(1)‏ الماده بين الكواكب‏  (TheInter-PlanetaryMatter)
وهي عباره عن خليط من الغازات والجسيمات الصلبه المتناهيه في دقه الحجم‏(‏ من‏0،001‏ من الملليمتر الي‏0،1‏ من المليمتر في القطر وان كانت اقطار تلك الجسيمات الصلبه قد تصل في حالات نادره الي اقطار كل من النيازك والكويكبات‏)‏ وتنتشر ماده ما بين الكواكب بين الارض والشمس‏، وبينهما وبين بقيه كواكب المجموعه الشمسيه‏، وتتراوح كثافه تلك الماده بين‏(10-21)‏ و‏(10-23)‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏، وتقدير كميتها في مدار الارض بحوالي واحد من مائه مليون من كتله الارض‏(10-8)‏ من كتله الارض‏)‏ وتتكون هذه الماده اساسا من غاز الايدروجين المتاين‏(‏ اي من البروتونات والاليكترونات‏)‏ ومن نوي ذرات الهيليوم‏.‏
ويقدر ما يصل الي الارض من ماده الشهب والنيازك بحوالي عشر الطن الي مائه طن في اليوم الواحد‏، وتختلف حركه الجسيمات الصلبه في ماده ما بين الكواكب حسب اختلاف اقطارها وحسب قوانين الميكانيكا السماويه‏.‏
وفي نفس الوقت يتصاعد من فوهات البراكين الارضيه كميات هائله من الغازات والابخره التي يغلب علي تركيبها بخار الماء‏(‏ حوالي‏70%)‏ بالاضافه الي اخلاط من الغازات المختلفه التي تترتب حسب نسبه كل منها علي النحو التالي‏:‏ ثاني اكسيد الكربون‏، الايدروجين‏، ابخره حمض الكلور‏، النيتروجين‏، فلوريد الايدروجين‏، ثاني اكسيد الكبريت‏، كبريتيد الايدروجين‏، غازات الميثان والامونيا وغيرها‏، بالاضافه الي بعض الجسيمات الصلبه‏.‏
الغلاف الغازي للارض‏:‏ باختلاط ما يتصاعد من فوهات البراكين مع ما حول الارض من ماده ما بين الكواكب تكون الغلاف الغازي للارض وهو خليط من كل من ماده الارض وماده السماء الدنيا‏، ومن هنا كان حديث القران الكريم عن السماوات والارض وما بينهما‏.‏
وتقدر كتله الغلاف الغازي للارض باكثر من خمسه الاف مليون طن‏(5،2*10-15‏ من الاطنان‏)، ويقدر سمكه بعده الاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر‏، ويتناقص ضغطه من نحو الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع عند هذا المستوي الي واحد من المليون من ذلك في اجزائه العليا‏.‏
ويقسم الغلاف الغازي للارض الي قسمين رئيسيين علي النحو التالي‏:‏
‏(‏ا‏)‏ الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض‏:‏ ويتكون اساسا من خليط من جزئيات النيتروجين والاوكسجين وعدد من الغازات الاخري ويعرف باسم النطاق المتجانس ويقسم الي ثلاثه نطيقات متميزه من اسفل الي اعلي علي النحو التالي‏:‏

‏(1)‏ نطيق التغيرات الجويه‏(‏ نطيق الطقس او الرجع‏) (TheTroposphere)‏
وهو الملامس للارض مباشره ويمتد من مستوي سطح البحر الي ارتفاع حوالي‏17‏ كم فوق خط الاستواء‏، متناقصا في السمك الي ما بين‏6‏ كم‏،8‏ كم فوق القطبين‏، ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجويه‏، فينكمش الي ما دون السبعه كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض ويمتد الي حوالي‏13‏ كم في مناطق الضغط المرتفع‏.‏
ويضم هذا النطيق حوالي ثلثي كتله الغلاف الغازي للارض‏(66%)، وتتناقص درجه الحراره فيه باستمرار مع الارتفاع بمعدل سته درجات مئويه كل كيلو متر ارتفاع في المتوسط حتي تصل الي ستين درجه مئويه تحت الصفر في قمه هذا النطيق المعروفه باسم مستوي الركود الجوي ‏(TheTropopause) وذلك لتناقص الضغط فيه الي حوالي عشر الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏
ويحدث ذلك نتيجه للبعد عن سطح الارض وهو مصدر التدفئه الصاعده الي هذا النطاق بعد امتصاص جزء من حراره الشمس في كل نهار واعاده اشعاعه الي جو الارض‏.‏ ويتكثف بخار الماء الصاعد من الارض في نطيق الثغيرات الجويه‏، وتتكون السحب فيه‏، ويهطل كل من المطر والبرد والثلج منه‏، وتحدث ظواهر الرعد والبرق‏، والعواصف‏، والدوامات‏، وتيارات الحمل الهوائيه وغير ذلك من حركات الرياح فيه ولذا يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه‏:‏
‏...‏ والسحاب المسخر بين السماء والارض‏...(‏ البقره‏:164)‏ ويتركب هذا النطيق اساسا من جزيئات كل من غازات النيتروجين‏(‏ بنسبه‏78.1%‏ بالحجم‏)‏ والاوكسجين‏(‏ بنسبه‏21%‏ بالحجم‏)، والارجون‏(‏ بنسبه‏0،93%‏ بالحجم‏)، وثاني اكسيد الكربون‏(‏ بنسبه‏0،03%‏ بالحجم‏)، بالاضافه الي نسب ضئيله من بخار الماء‏، واثار طفيفه من كل من غازات الميثان‏، واكاسيد النيتروجين‏، واول اكسيد الكربون‏، والايدروجين‏، والهيليوم‏، والاوزون‏، وبعض الغازات الخامله مثل الارجون‏.‏

‏(2)‏ نطيق التطبق‏ (Thestratosphere)‏
ويمتد من فوق مستوي الركود الجوي الي قرابه الخمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏(‏ ويتراوح سمكه بين‏44،33‏ كيلو مترا‏)‏ وينتهي بمستوي الركود الطبقي‏، (Thestratospause)‏
وترتفع درجه الحراره في هذا النطيق من حوالي الستين مئويه تحت الصفر عند قاعدته الي نحو الثلاث درجات مئويه فوق الصفر عند قمته‏، ويرجع ذلك الي امتصاص قدر من الاشعه فوق البنفسجيه القادمه مع اشعه الشمس بواسطه جزيئات الاوزون المنتشره فيما يسمي باسم حزام الاوزون‏ (TheozoneBelrortheozonosphere)‏ الموجود في الجزء السفلي من هذا النطيق‏(‏ بين ارتفاعي‏30،18‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏)‏ ويتركز غاز الاوزون في هذا الحزام بنسبه‏0،001%‏ ولكنها علي ضالتها تعتبر نسبه كافيه لحمايه الحياه علي الارض من اضرار الاشعه فوق البنفسجيه وهي اشعه حارقه ومدمره لكافه الخلايا الحيه‏، ولولا هذه الحمايه الربانيه والعديد غيرها من صور الحمايه التي وضعها الخالق سبحانه وتعالي بين السماء والارض والتي لا يتسع المقام لسردها لاستحالت الحياه علي سطح الارض‏، ويستمر الضغط الجوي في الانخفاض في نطيق التطبق من قاعدته الي قمته حتي يصل الي واحد من الالف من الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏
‏(3)‏ النطيق المتوسط‏ (theMesosphere):‏
ويمتد من مستوي الركود الطبقي الي ارتفاع‏80‏ ‏90‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏(‏ فيتراوح سمكه بين‏40،30‏ كم‏)‏ وتنخفض درجه الحراره في هذا النطيق بمعدل ثلاث درجات لكل كيلو متر ارتفاع تقريبا حتي تصل الي نحو مائه درجه مئويه تحت الصفر عند حده العلوي والمعروف باسم مستوي الركود الاوسط ‏(theMesopause) وان كانت درجه الحراره تلك‏.‏ تتغير باستمرار مع تغير الفصول المناخيه‏.‏
كذلك يستمر الضغط في الانخفاض مع الارتفاع حتي يصل في قمه هذا النطيق الي اربعه من المليون من الضغط الجوي عند سطح البحر‏.‏
‏(‏ب‏)‏ الجزء العلوي من الغلاف الغازي للارض‏.‏
وهذا الجزء من الغلاف الغازي للارض يختلف اختلافا كليا عن جزئه السفلي ولذا يعرف باسم غلاف التباين‏ (TheHeterosphere)‏ وتبدا جزئيات مكوناته في التفكك الي ذراتها وايوناتها بفعل كل من اشعه الشمس والاشعه الكونيه‏، كذلك تسود فيه ذرات الغازات الخفيفه مثل الايدروجين والهيليوم علي حساب الذرات الكثيفه نسبيا مثل الاوكسجين والنيتروجين‏.‏
وتواصل درجات الحراره الارتفاع في هذا الجزء حتي تصل الي اكثر من الفي درجه مئويه‏، ويواصل الضغط في الانخفاض حتي يصل في قمته الي اقل من واحد في المليون من الضغط الجوي علي سطح الارض‏، ويحوي هذا الجزء من الغلاف الغازي للارض علي نطيقين متميزين هما من اسفل الي اعلي كما يلي‏:‏
‏(1)‏ نطيق الحراره‏ (TheThermosphere)‏
ويمتد من مستوي الركود المتوسط الي عده مئات من الكيلو مترات في مستوي سطح البحر‏(‏ ويقدر سمكه عده كيلومترات‏)، وتواصل درجه الحراره في الارتفاع فيه من نحو مائه درجه مئويه الي مابين‏500،227‏ درجه مئويه عند ارتفاع مائه وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏، وتبقي درجه الحراره ثابته تقريبا عند درجه‏500‏ م الي ارتفاع يتراوح بين‏400،300‏ كم‏.‏
فوق مستوي سطح البحر‏، ثم تقفز بعد ذلك الي مابين‏2000،1500‏ درجه مئويه في نهايه النطيق وتزيد عن ذلك في فترات النشاط الشمسي‏.‏
‏(2)‏ النطيق الخارجي‏ (TheExosphere):
ويعلو النطاق الحراري مباشره‏، وتثبت فيه درجه الحراره نسبيا‏، ولذا يطلق عليه احيانا اسم نطاق التساوي الحراري‏ (theIsothermalsphere)، ويتضاءل الضغط فيه وتتمدد الغازات بشكل كبير وتتحرك ذراتها بحريه كامله في مساراتها فتقل فرص التلاقي بينها بعد ارتفاع يطلق عليه اسم الارتفاع الحرج او خط ركود الضغط الجوي او قاعده العوالم الخارجيه عن الارض‏.‏ وعند هذا الحد يبدا الغلاف الغازي للارض في الالتحام بقاعده السماء الدنيا او ما يطلق عليه اسم الماده بين السماء والارض‏.‏
وهنا تتضاءل سيطره الجاذبيه الارضيه علي ذرات الجزء العلوي من هذا النطيق الخارجي مما يزيد من قدرات تلك الذرات علي الانفلات من قيود الجاذبيه الارضيه والهروب بعيدا عن الارض‏.‏
وفي المنطقه من قمه النطاق المتوسط الي اقصي الحدود العلويه للغلاف الغازي للارض تتاين ذرات الغازات بفعل كل من الاشعه فوق البنفسجيه والسينيه القادمه مع اشعه الشمس‏، وبعض جسيمات كل من الاشعه الشمسيه والكونيه‏.‏
ويطلق علي هذا السمك اسم نطاق التاين‏ (TheIonosphere)‏ والمنطقه التي تفوق فيها طاقه الايونات الطاقه الحراريه فانها تتحرك بين خطوط قوي مجال الجاذبيه الارضيه مكونه منطقه تعرف باسم النطاق المغناطيسي للارض‏ (TheMagnelosphere)‏ وتمتد الي نهايه الغلاف الغازي للارض‏.‏ وقد تتداخل في نطاق الماده بين الكواكب‏.‏
كذلك تم اكتشاف زوجين من الاحزمه الاشعاعيه‏ (TheradiationBelrs)‏ التي تحيط بالارض علي هيئه هلاليه مزدوجه تزيد في السمك عند خط الاستواء وترق رقه شديده عند القطبين‏، وفيها تحتبس الايونات واللينات الاوليه للماده التي يقتنصها المجال المغناطيسي للارض فتتحرك عبر ذلك المجال من احد قطبي الارض الي الاخر وبالعكس في حركه دائبه‏.‏
وهذه الحقائق لم يدركها العلماء الا في بدايه الستينات من القرن العشرين‏، وهي تمثل فاصلا حقيقيا بين الارض والسماء‏، ومن هنا تاتي الاشارات القرانيه بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ رب السماوات والارض وما بينهما في اكثر من عشرين موضعا من كتاب الله سبقا علميا يقطع بان القران الكريم هو كلام الله الخالق ويشهد بالنبوه وبالرساله للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه فصلي الله وسلم وبارك عليه والحمد لله رب العالمين‏.‏

إرسال تعليق