بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 18 مارس 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

هذا النص القراني المعجز جاء في الربع الاخير من سوره غافر وهي سوره مكيه، عدد اياتها85, وقد سميت بهذا الاسم الجليل غافر الذي هو صفه من صفات الله العلا لوروده في مطلع السوره، وفي ثناياها بصيغه الغفار وهو من اسماء الله الحسني.
ويدور محور سوره غافر حول قضيتي الايمان والكفر، وصراع اهليهما عبر التاريخ، ومحاولات اهل الباطل للعلو، في الارض، والتجبر علي الخلق بغير الحق تماما كما تفعل الولايات المتحده الامريكيه وذنبها الاعوج المسمي اسرائيل، وحلفاوهما اليوم وترد ايات السوره الكريمه باستعراض لباس الله الذي ياخذ المتجبرين في الارض اخذ عزيز مقتدر، وتشير الي عدد من مصارع الغابرين الذين طغوا وبغوا في الارض بغير الحق، فكان جزاوهم من الله الافناء الكامل، وماذلك علي الله بعزيز...!!
وتبدا سوره غافر بالحرفين المقطعين حم وبهما تبدا سبع سور من سور القران الكريم وتسمي بالحواميم او ب ال حم والحروف المقطعه التي تفتتح بها تسع وعشرون سوره من سور القران الكريم، والتي تضم اسماء نصف حروف الهجاء العربيه الثمانيه والعشرين تعتبر من اسرار القران التي لم يتم اكتشافها بعد، وان بذلت محاولات عديده من اجل ذلك.
ويلي هذا الاستفتاح بيان من الله( تعالي) بان القران الكريم هو تنزيل من الله العزيز العليم الذي وصف ذاته العليه بقوله: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله الا هو اليه المصير* والغفر هو الستر والمحو والتكفير، و(الطول) هو الفضل والانعام عن غني وسعه واقتدار.
وتخاطب الايات خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالحقيقه الواقعه: انه لا يجادل في ايات الله بغير علم الا الذين كفروا، وانه لا يجوز ان يحزنه تقلب الكافرين في البلاد بشئ من السلطان والبطش( كما ينقلب الامريكان والاسرائيليون واعوانهم اليوم) فان ذلك استدراج لهم، حتي اذا ما بالغوا في جرائمهم اخذهم الله بذنوبهم اخذ من سبقوهم من الامم الكافره والمشركه من امثال قوم نوح والاحزاب الذين افسدوا في الارض افسادا كبيرا، فاخذهم الله اخذ عزيز مقتدر، وتوكد السوره ان مصيرهم الي جهنم وبئس المصير...!!
وتحدثت السوره عن حمله العرش وعمن حولهم من الملائكه الذين يسبحون بحمد الله ويومنون به، ويستغفرون للمومنين من اهل الارض، ويدعون للذين تابوا منهم بالنجاه من عذاب الجحيم، ويسالون الله( تعالي) لهم، ولمن صلح من ابائهم، وازواجهم، وذرياتهم جنات عدن، وان يقيهم السيئات، كما تعرض لشئ من احوال الكافرين والمشركين يتذللون بين يدي الله يوم القيامه في انكسار واضح وهم يقولون: ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الي خروج من سبيل*.
وتستشهد السوره بالعديد من ايات الله في الكون، وتوصي المومنين بالثبات علي التوحيد الخالص لله ولو كره الكافرون، وتصفه( سبحانه وتعالي) بانه: رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق* وهو يوم التقاء الخلق في المحشر، وهو يوم عصيب، يبرز فيه الخلق امام الله( تعالي) لا يخفي علي الله منهم شئ، وينادي فيهم المنادي: لمن الملك اليوم؟ وياتي الجواب حاسما، جازما قاطعا: لله الواحد القهار و(الروح) هنا هي الوحي والنبوه لان القلوب تحيا بهما كما تحيا الاجساد بارواحها...!!
وياتي القرار الالهي: اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان الله سريع الحساب.
وتحذر الايات من اهوال يوم القيامه: اذ القلوب لدي الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع وتوكد ان الله( تعالي) يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور* والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ ان الله هو السميع البصير*.
وتعتب الايات علي الذين لم يعتبروا بمصارع الامم البائده والذين... كانوا هم اشد منهم قوه واثارا فاخذهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله من واق* وتعرض السوره لقصه سيدنا موسي( عليه السلام) مع كل من فرعون وهامان وقارون، ومحاوله فرعون القضاء علي الحق وجنده واتباعه، قمعا للايمان، ونشرا للشرك والكفر والطغيان( تماما كما يفعل الامريكان وحلفاوهم اليوم) وتشير الي مومن ال فرعون الذي كان يخفي ايمانه، وحديثه الي قومه، وتحذيره اياهم من مصائر الغابرين من اقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ومن اهوال يوم التناد، ومن اهمالهم دعوه يوسف( عليه السلام) من قبل، ومن اغترارهم بالدنيا ومتاعها الزائل بينما الاخره هي دار القرار، وذلك كله بشئ من اللطف والحذر.
وتتحدث الايات عن كيف زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل فحاق بال فرعون سوء العذاب في الدنيا( بغرقه في اليم هو وجنده واعوانه ونجاه رسول الله موسي ومن امن معه), وفي قبورهم، كما توكد الايات، ويوم تقوم الساعه حيث يلقون اشد العذاب.
وتعرض الايات للحوار بين الذين اتبعوا والذين اتبعوا وهم في النار، ورجاوهم في مذله باديه الي خزنه جهنم كي يدعوا الله تعالي ان يخفف عنهم يوما من العذاب....!!
وتوكد الايات ان الله تعالي ينصر رسله والذين امنوا في الحياه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد، وتعرض لشئ من اخبار سيدنا موسي( عليه السلام) مع بني اسرائيل، وتامر المصطفي( صلي الله عليه وسلم) بالصبر والاستغفار والتسبيح بحمد الله بالعشي والابكار، والاستعاذه بالله من الكبر الكاذب الذي يتخفي وراءه الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم.
وكما لا يستوي الاعمي والبصير لا يستوي المسيئون والصالحون، وتجزم الايات بان الساعه اتيه لا ريب فيها، وتطالب المومنين بالتوجه الي الله تعالي بالدعاء، فيستجيب لهم، لان الدعاء هو قمه الخضوع لله بالطاعه، وان الذين يستكبرون عن الدعاء سوف يدخلون جهنم داخرين...
وتصف الايات شيئا من احوال المكذبين بكتب الله ورسله من الكفار والمشركين، وتوصي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالثبات علي التوحيد الخالص لله، والصبر علي ما يلقي من عناد الكافرين، وتوكد ان وعد الله حق، وان الله( تعالي) قد ارسل رسلا من قبل، قص شيئا من اخبار بعضهم عليه، ولم يقصص عن البعض الاخر، وانه ما كان لرسول ان ياتي بايه الا باذن الله، فاذا جاءت الايه... وجحد بها المكذبون..! استحقوا حينئذ عقاب رب العالمين فخسروا خسرانا مبينا...!!
وتختتم السوره بعتاب للمره الثانيه علي الذين لم يعتبروا بمصارع الامم البائده من قبلهم والذين كانوا اكثر منهم عددا، واشد منهم قوه واثارا في الارض، فما اغني عنهم ما كانوا يكسبون، لانهم كذبوا رسل الله اليهم، واستعلوا عليهم بما كان عندهم من العلم فحاق بهم ما كانوا به يستهزوون، فلما راوا عقاب الله محيطا بهم قالوا: امنا بالله وحده، وكفرنا بما كنا به مشركين، ولكن ما كان ينفعهم هذا الايمان الاضطراري بعد ان راوا العذاب واقعا بهم، وهي سنه الله التي قد خلت في عباده، وخسر هنالك الكافرون...!!
ومن الايات الكونيه التي استشهدت بها السوره علي توحيد الالوهيه، والربوبيه، وتنزيه الاسماء والصفات لهذا الخالق العظيم، والاستدلال علي طلاقه قدرته في ابداعه لخلقه ما يلي:
(1) انزال الرزق من السماء.
(2) تضاول خلق الناس علي عظمته بجوار خلق السماوات والارض.
(3) حتميه الاخره.
(4) تخصيص الليل لراحه وسكون العباد وجعل النهار مبصرا.
(5) حقيقه الخلق ووحدانيه الخالق.
(6) ان الله( تعالي) قد جعل الارض قرارا، والسماء بناء.
(7) وانه( تعالي) قد صور بني الانسان فاحسن صورهم، ورزقهم من الطيبات.
(8) ان الله( تعالي) خلق الناس من تراب، ثم من نطقه، ثم من علقه، ثم يخرجهم طفلا، تم يبلغوا اشدهم، ثم ليكونوا شيوخا، حتي يبلغوا اجلا مسمي، فيتوفاهم الله ومنهم من يتوفي من قبل.
(9) ان الله( تعالي) هو الذي يحيي ويميت، فاذا قضي امرا فانما يقول له كن فيكون.
(10) خلق الله( تعالي) الانعام ليركب الناس منها، ومنها ياكلون.
(11) مكن الله( تعالي) بقدرته مياه البحار ان تحمل الفلك بقوانين الطفو حتي تكون وسيله لنقل الناس وحمل امتعتهم.
وكل قضيه من هذه القضايا تحتاج الي اكثر من مقال لاستيعابها، ولذلك فسوف اقصر الحديث هنا علي جعل الارض قرارا وابدا بدلاله تلك اللفظه في اللغه العربيه.
مدلول اللفظه( قرارا) في اللغه العربيه
مركز ثقل الارض في قلبها
يقال في العربيه( قر) في مكانه( يقر)( قرارا) اذا ثبت ثبوتا جامدا، واصله من( القر) وهو البرد لانه يقتضي السكون، والحر يقتضي الحركه، و(القرار) المستقر من الارض، و(القرار) في المكان( الاستقرار) فيه تقول:( قررت) بالمكان بالكسر( اقر)( قرارا), و(قررت) ايضا بالفتح( قرارا) و(قرورا), و(استقر) فلان اذا تحري( القرار), و(الاقرار): اثبات الشئ.
قال( تعالي): الله الذي جعل لكم الارض قرارا... اي مستقرا تعيشون فيها، ويسال( سبحانه وتعالي) سوال التبكيت للكافرين بقوله: امن جعل الارض قرارا...( النمل:61) اي مستقرا، وقال( تعالي) في صفه الاخره: وان الاخره هي دار القرار*( غافر:39).
وقال في اصحاب الجنه:
اصحاب الجنه يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا*( الفرقان:24)
وقال سبحانه وتعالي: خالدين فيها حسنت مستقرار ومقاما*( الفرقان:76)
وقال في وصف النار: انها ساءت مستقرا ومقاما*( الفرقان:66)
وقال( عز من قائل): جهنم يصلونها وبئس القرار*( ابراهيم:29)
وقال( سبحانه وتعالي):... ولكم في الارض مستقر ومتاع الي حين* (البقره:36 والاعراف24)
وقال( جل شانه): وهو الذي انشاكم من نفس واحده فمستقر ومستودع..*( الانعام:98).
اقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي): الله الذي جعل لكم الارض قرارا...( غافر:64)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه:.... اي جعلها لكم مستقرا، تعيشون عليها وتتصرفون فيها، وتمشون في مناكبها...
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمه واسعه) ما نصه: اي مكانا لاستقراركم وحياتكم.
وجاء في الظلال:( رحم الله كاتبها رحمه واسعه) ما نصه:.... والارض قرار صالح لحياه الانسان بتلك الموافقات الكثيره التي اشرنا الي بعضها اجمالا....
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران( علي كاتبه من الله الرضوان ما نصه:( الارض قرارا) مستقرا تعيشون فيها..
وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم( جزي الله المشاركين في كتابته خير الجزاء) ما نصه: الله وحده الذي جعل لكم الارض مستقره صالحه لحياتكم عليها.....
وجاء في صفوه التفاسير جزي الله كاتبها خير الجزاء ما نصه: اي جعلها مستقرا لكم في حياتكم وبعد مماتكم، قال ابن عباس: جعلها منزلا لكم في حال الحياه وبعد الموت....
الله الذي جعل لكم الارض قرارا... في مفهوم العلوم المكتسبه:
جاء ذكر هذه الحقيقه في كتاب الله مرتين: اولاهما في سوره النمل حيث يقول ربنا( تبارك وتعالي):
امن جعل الارض قرارا وجعل خلالها انهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا اءله مع الله بل اكثرهم لا يعلمون* ( النمل61)
وتكرر هذا السوال: اءله مع الله؟ خمس مرات في خمس ايات متتاليات من سوره النمل استنكارا لشرك المشركين بالله...!!
وياتي الجواب قاطعا جازما حاسما في كل مره:
بل هم قوم يعدلون ( النمل:60)
بل اكثرهم لا يعلمون ( النمل:61)
قليلا ما تذكرون ( النمل:62)
تعالي الله عما يشركون ( النمل:63)
قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين (النمل:64).
وتسبق هذه الايات الخمس بالحقيقه القاطعه التي يقررها ربنا( تبارك وتعالي) لذاته العليه علي لسان هدهد سليمان بقوله الحق: الله لا اله الا هو رب العرش العظيم* ( النمل:26).
والمره الثانيه التي جاءت فيها الاشاره الي جعل الارض قرارا هي الايه التي نحن بصددها من سوره غافر والتي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي):
الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء وصوركم فاحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين* ( غافر:64)
وواضح من دلاله اللغه، ومن شروح المفسرين ان التعبير جعل الارض قرارا تعني مستقرا في ذاتها، وقرار للحياه علي سطحها، وهما قضيتان مختلفتان ولكنهما متصلتان اتصالا وثيقا ببعضهما علي النحو التالي:
اولا: جعل الارض قرارا... بمعني مستقره بذاتها
الارض ثالثه الكواكب السياره الداخليه جريا حول الشمس، ويسبقها من هذه الكواكب الداخليه قربا من الشمس كل من عطارد والزهره علي التوالي، ويليها الي الخارج اي بعدا عن الشمس بالترتيب: المريخ، المشتري، زحل يورانوس نبتيون، وبلوتو، وهناك مدار لمجموعه من الكويكبات بين كل من المريخ والمشتري يعتقد بانها بقايا لكوكب عاشر انفجر منذ زمن بعيد، كما ان الحسابات الفلكيه التي قام بها عدد من الفلكيين الروس تشير الي احتمال وجود كوكب حادي عشر لم يتم رصده بعد اطلقوا عليه اسم بروسوبينا او بريينا.
وبهذا يصبح عدد كواكب المجموعه الشمسيه احد عشر كوكبا، وهنا يبرز التساول عن امكانيه وجود علاقه ما بين هذه الحقيقه الفلكيه التي لم تكتمل معرفتها الا في اواخر القرن العشرين وبين رويا سيدنا يوسف( علي نبينا وعليه من الله السلام) التي يصفها الحق( تبارك وتعالي) في محكم كتابه بقوله:
اذ قال يوسف لابيه يا ابت اني رايت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رايتهم لي ساجدين*.( يوسف:4)
وان كان ظاهر الامر في السوره الكريمه ان المقصود هو ما تحقق بالفعل بعد تلك الرويا بسنين عديده من سجود اخوه يوسف الاحد عشر وابويه له عند قدومهم الي مصر من باديه الشام، وعلي الرغم من ذلك فان هذه العلاقه لايمكن استبعادها، وهذا السبق القراني بالاشاره اليها لايمكن تجاهله....!!
والارض عباره عن كوكب صخري، شبه كروي له الابعاد التاليه:
متوسط قطر الارض=12,742 كيلو متر
متوسط محيط الارض=40,042 كيلو متر
مساحه سطح الارض=510,000,000 كيلو متر مربع منها:
149مليون كم2 يابسه
361 مليون كم2 ماء
حجم الارض=108,000,000 كيلو متر مكعب
متوسط كثافه الارض=5,52 جرام/للسنتيمتر المكعب
كتله الارض=5520 مليون مليون مليون طن
متوسط كثافه الصخور في قشره الارض=2,5 جرام/للسنتيمتر المكعب
متوسط كثافه الصخور الجرانيتيه المكونه لكتل القارات=2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب
متوسط كثافه الصخور البازلتيه المكونه لقيعان المحيطات=2,9 جرام/للسنتيمتر المكعب
امن جعل الارض قرارا
وبمقارنه متوسط كثافه الصخور المكونه لقشره الارض والتي تتراوح بين2,9,2,5 جرام للسنتيمتر المكعب مع متوسط كثافه الارض ككل والمقدره بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب ثبت ان كثافه الماده المكونه للارض تزداد باستمرار من سطحها في اتجاه مركزها حيث تتراوح الكثافه من10 الي13,5 جرام للسنتيمتر المكعب ويفسر ارتفاع متوسط الكثافه بالقرب من مركز الارض بوجود نسبه عاليه من الحديد، وغيره من العناصر الثقيله في قلب الارض، وتناقص نسبه هذه العناصر الثقيله بالتدريج في اتجاه قشره الارض.
وتقدر نسبه الحديد في الارض بحوالي35,9% من مجموع كتله الارض المقدره بحوالي5520 مليون مليون مليون طن، وعلي ذلك فان كميه الحديد في الارض تقدر بحوالي الالف وخمسمائه مليون مليون مليون طن، ويتركز هذا الحديد في قلب الارض علي هيئه كره ضخمه من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفه من مثل السيليكون، والكربون والفوسفور والكبريت والتي لاتشكل في مجموعها اكثر من1% مما يعرف باسم لب الارض، والذي تشكل كتلته31% من كتله الارض، ويمثل طول قطره حوالي55% من طول قطر الارض، اما باقي الحديد في الارض(5,9% من كتله الارض) فيتوزع علي باقي كتله الارض( وشاح الارض وغلافها الصخري) بسمك يقدر بحوالي ثلاثه الاف كيلو متر(2895 كيلو مترا) في تناقص مستمر يصل بنسبه الحديد في الغلاف الصخري للارض الي5,6%.
وتركيز هذه الكتله الهائله من الحديد وغيره من العناصر الثقيله في قلب الارض من وسائل جعله جرما مستقرا في ذاته.
وهنا تاتي الاشاره القرانيه الي تلك الحقيقه سبقا يشهد للقران الكريم بانه كلام الله الخالق، ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوه وبالرساله لان احدا في زمانه ولا لقرون متطاوله من بعده لم يكن له علم بهذه الحقيقه التي لم يكتشفها الانسان الا في القرن العشرين، وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي): اذا زلزلت الارض زلزالها* واخرجت الارض اثقالها* ( الزلزله:2,1)
ولو ان الزلزال المقصود هنا هو زلزال الاخره عند نفخه البعث، الا ان الحقيقه المصاحبه للهزه الارضيه تبقي واحده، ولو ان المفسرين السابقين قد راوا في اثقال الارض اشاره ضمنيه الي اجساد الموتي( بما تحمل من اوزار) والتي تلفظها الارض من داخل بطنها بسبب هذا الزلزال الاخير، تلفظهم احياء للحساب والجزاء، وان كان رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قد وصف لبعث الاموات صوره مغايره لذلك.
والاثقال جمع ثقل (بكسر فسكون) وهو الحمل الثقيل، او جمع ثقل( بالتحريك) وهو كل نفيس مصون.
وفي الحديث الذي اخرجه مسلم في صحيحه يروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قوله:تلقي الارض افلاذ كبدها امثال الاسطوانه من الذهب والفضه، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا ياخذون منه شيئا.
وهذا الحديث الشريف يوكد ان المقصود باثقال الارض في سوره الزلزله هو الاحمال الثقيله كما اثبتت الدراسات العلميه الحديثه، وليست اجساد الموتي فقط كما تخيل العديد من المفسرين السابقين، وهذا سبق علمي قراني ونبوي معجز لان احدا من البشر لم يكن له علم بان اثقال الارض في جوفها حتي القرن العشرين.
ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بحوالي مائه وخمسين مليونا من الكيلومترات، وهذه المسافه قد حددتها بتقدير من الله الخالق( سبحانه وتعالي) كتله الارض تطبيقا لقوانين الجاذبيه، والتي تنادي بان قوه الجذب بين جسمين تتناسب تناسبا طرديا مع كتله كل منهما، وتناسبا عكسيا مع مربع المسافه بينهما حسب المعادله التاليه:
قوه الجاذبيه بين كتلتين م1, م2= ثابت الجاذبيه* م1*م2/مربع المسافه بينهما
وهذا يعني انه كلما زادت كتله اي من الجسمين زادت قوه الجذب بينهما، وكلما زادت المسافه بينهما قلت قوه الجاذبيه.
والاتزان بين قوه جذب الشمس للارض، والقوه النابذه المركزيه التي دفعت بالارض الاوليه من الشمس هو الذي حدد( بمشيئه الله الخالق) بعد الارض عن الشمس.
والارتباط الوثيق بين كل من كتلتي الارض والشمس بطريقه منتظمه بمعني انه كلما تغيرت كتله احدهما تغيرت كتله الاخر بنفس المعدل، هو من الامور التي تعمل علي تثبيت بعد الارض عن الشمس، وجعلها مستقره في دورانها حول محورها، وفي جريها حول الشمس في مدار محدد مما يودي الي تثبيت كميه الطاقه الشمسيه التي تصل الي الارض وهي من عوامل تهيئتها لاستقبال الحياه واستقرارها، وذلك لان كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب من كواكبها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس، وكذلك تتناسب سرعه جري الكوكب في مداره حول الشمس.
والارض كوكب فريد في صفاته الفيزيائيه والكيميائيه والفلكيه مما اهله بجداره الي ان يكون مهدا للحياه الارضيه بكل مواصفاتها النباتيه، والحيوانيه، والانسيه.
فقد اثبتت دراسات الفيزياء الارضيه ان الارض مبنيه من عدد من النطق المتمركزه حول كره مصمطه من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الارض الصلب او اللب الداخلي للارض، وتقسم هذه النطق الارضيه علي اساس من تركيبها الكيميائي او علي اساس من صفاتها الميكانيكيه علي النحو التالي:
(1) قشره الارض: وتتكون من صخور ناريه ومتحوله صلبه تتغطي بسمك قليل من الصخور الرسوبيه او الرسوبيات( التربه) في كثير من الاحيان، وتغلب الصخور الحامضيه وفوق الحامضيه علي كتل القارات وذلك من مثل الجرانيت والصخور الجرانيتيه( بمتوسط كثافه2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب) ويغلب علي قيعان البحار والمحيطات الصخور القاعديه وفوق القاعديه من مثل البازلت والجابرو(بمتوسط كثافه2,9 جرام/ للسنتيمتر المكعب).
ويتراوح متوسط سمك القشره الارضيه في كتل القارات من35 الي40 كيلو مترا، وان تجاوز ذلك تحت المرتفعات الارضيه من مثل الجبال.
ويتراوح متوسط سمك القشره الارضيه المكونه لقيعان البحار والمحيطات من5 الي8 من الكيلو مترات.
(2) الجزء السفلي من الغلاف الصخري للارض: ويتكون من صخور صلبه تغلب عليها الصخور الحامضيه وفوق الحامضيه في كتل القارات بسمك يصل الي85 كيلو مترا، بينما تغلب عليها الصخور القاعديه وفوق القاعديه تحت البحار والمحيطات بسمك في حدود60 كيلو مترا.
ويفصل هذا النطاق عن قشره الارض سطح انقطاع للموجات الاهتزازيه يعرف باسم الموهو(TheMohoDiscontinuity).
(3) الجزء العلوي من وشاح الارض( نطاق الضعف الارضي):
وتوجد فيه الصخور في حاله لدنه، شبه منصهره( او منصهره انصهارا جزئيا في حدود1%), ويتراوح سمك هذا النطاق بين280 كيلو مترا,335 كيلو مترا، وهو مصدر للعديد من نشاطات الارض من مثل الزلازل، والبراكين، وتحرك الواح الغلاف الصخري للارض، وتكون الجبال والسلاسل الجبليه.
(4) الجزء الاوسط من وشاح الارض: ويتكون من مواد صلبه، كثيفه، ويقدر سمكه بحوالي270 كيلو مترا، ويحده من اسفل ومن اعلي مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل يقع احدهما علي عمق400 كيلومتر من سطح الارض، ويقع الاخر علي عمق670 كيلو مترا من سطح الارض.
(5) الجزء السفلي من وشاح الارض: ويتكون من مواد صلبه تعلو لب الارض السائل، ويحده من اعلي احد مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل علي عمق670 كيلو مترا من سطح الارض، ويحده من اسفل نطاق انتقالي شبه منصهر يفصله عن لب الارض السائل علي عمق2885 كيلو مترا من سطح الارض، ولذا يقدر سمك هذا النطاق بحوالي2215 كيلو مترا.
(6) لب الارض السائل( الجزء الخارجي من لب الارض):
وهو نطاق سائل يحيط بلب الارض الصلب، وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا، ويقدر سمكه بحوالي2275 كيلو مترا( من عمق2885 كيلو مترا الي عمق5160 كيلو مترا تحت سطح الارض), وتفصله عن النطاقين الاعلي والاسفل منطقتان انتقاليتان شبه منصهرتين، اضخمهما المنطقه السفلي والتي يقدر سمكها بحوالي450 كيلو مترا.
(7) لب الارض الصلب( اللب الداخلي للارض): وهو عباره عن كره ضخمه من الحديد(90%) والنيكل(9%) مع القليل من العناصر الخفيفه من مثل السيليكون، الكربون، الكبريت، الفوسفور والتي لاتكاد نسبتها ان تتعدي1%.
وهذا هو نفس تركيب النيازك الحديديه تقريبا، والتي تصل الارض بملايين الاطنان سنويا، ويعتقد بانها ناتجه عن انفجار بعض الاجرام السماويه.
وهذه البنيه الداخليه للارض تدعمها دراسه النيازك التي تهبط علي الارض، كما تويدها قياسات الجاذبيه الارضيه والاهتزازات الناتجه عن الزلازل.
ولولاهذه البنيه الداخليه للارض، ماتكون لها مجالها المغناطيسي، ولا قوتها الجاذبيه، ولولا جاذبيه الارض لهرب منها غلافها الغازي والمائي، ولاستحالت الحياه، ولولا المجال المغناطيسي للارض لدمرتها الاشعه الكونيه المتسارعه من الشمس ومن بقيه نجوم السماء.
والارض تجري حول الشمس في فلك بيضاني قليل الاستطاله، بسرعه تقدر بحوالي30 كيلو مترا في الثانيه، لتتم دورتها في سنه شمسيه مقدارها365.25 يوم تقريبا وتدور حول محورها بسرعه تقدر اليوم بحوالي30 كيلو مترا في الدقيقه عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره24 ساعه تقريبا، يتقاسمه ليل ونهار، بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول السنويه، والتي تنتج بسبب ميل محور دوران الارض علي دائره البروج بزاويه مقدارها66,5 درجه تقريبا.
كذلك فان حركات الارض العديده ومنها حركتها المحوريه، والمداريه، وترنحها في دورانها حول محورها، وتذبذبها(نودانها او ميسانها), وقربها وبعدها من الشمس في حركتها المداريه، والتغير التدريجي في توازن حركاتها مع حركات القمر حولها، ومع باقي كواكب المجموعه الشمسيه ومع الشمس حول مركز المجره، وباتجاه كوكبه الجاتي، ومع المجره، حول مركز التجمع المجري، وكلها حركات تحتاج الي ضبط واحكام حتي تصبح الارض مستقره بذاتها، وقرارا للحياه علي سطحها.
وتكفي في ذلك الاشاره الي دور الجبال في تثبيت الارض والتقليل من ترنحها في دورتها حول محورها تماما كما تقوم قطع الرصاص التي توضع حول اطارات السيارات في التقليل من معدلات ترنحها اثناء جري السياره.
ثانيا: جعل الارض قرارا بمعني قرارا لسكانها
ومن معاني جعل الارض قرارا لسكانها هو جعل الظروف العامه للارض مناسبه للحياه علي سطحها، ومن اولها مقدار جاذبيه الارض الذي يمسك بكل من غلافها المائي والغازي وبالاحياء علي سطحها، والماء هو سر الحياه علي الارض، ولذا جعل ربنا( تبارك وتعالي) كوكب الارض اغني الكواكب التي نعرفها في المياه حتي ليسميه العلماء بالكوكب الازرق او الكوكب المائي، وتقدر كميه المياه علي سطح الارض بحوالي1360 مليون كيلو متر مكعب، ويغطي الماء حوالي71% من مساحه الارض بينما لاتتعدي مساحه اليابسه اليوم29% من مساحه الارض.
كذلك فان غاز الاوكسجين يشكل سرا من اسرار الحياه الراقيه علي الارض فجعل الله( تعالي) لها غلافا غازيا تقدر كتلته بحوالي خمسه الاف مليون مليون طن، ويقدر سمكه بعده الاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر حيث يصل ضغطه الي حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع، ويتناقص مع الارتفاع الي واحد من مليون من ذلك الضغط في اجزائه العليا.
ويضم الجزء السفلي من هذا الغلاف الغازي( من6 الي20 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر) حوالي66% من كتلته، ويتكون من غازات النيتروجين( بنسبه78,1% بالحجم) والاوكسجين( بنسبه21% بالحجم) والارجون( بنسبه0,93% بالحجم), وثاني اكسيد الكربون( بنسبه0,03% بالحجم) بالاضافه الي نسب ضئيله من بخار الماء وغازات اخري. ولولا هذا التركيب للغلاف الغازي ما استقامت الحياه علي الارض.
كذلك فان كتله وابعاد الارض، ومسافتها من الشمس قدرت كلها بدقه بالغه، فلو كانت الارض اصغر قليلا لاندفعت بعيدا عن الشمس ولفقدت الكثير من طاقتها، ولما كان بمقدورها الاحتفاظ بغلافها المائي والغازي، وبالتالي لاستحالت الحياه، ولو كانت اكبر قليلا لاندفعت الي مسافه اقرب من الشمس ولاحرقتها حرارتها، ولزادت قدرتها علي جذب الاشياء زياده ملحوظه مما يعوق الحركه، ويحول دون النمو الكامل للاحياء، ويخل بالميزان الحراري علي سطحها.
وكذلك يعتمد طول السنه الارضيه علي بعد الارض من الشمس، ويعتمد طول يوم الارض علي سرعه دورانها حول محورها، وكل ذلك مرتبط بابعاد الارض، وكذلك يعتمد تبادل الفصول المناخيه علي ميل محور دوران الارض علي دائره البروج فلو لم يكن مائلا ماتبادلت الفصول، ولاختل نظام الحياه علي الارض.
ولولا تصدع الغلاف الصخري للارض، وتحرك الواحه متباعده عن بعضها البعض ومصطدمه ببعضها البعض لما تكونت الجبال، ولا ثارت البراكين، ولاحدثت الهزات الارضيه، وكلها من صور ديناميكيه الارض، ووسائل تجديد وتثبيت غلافها الصخري، واثرائها بالمعادن، وتكوين التربه وتحرك دوره الماء حول الارض ودوره الصخور، وبناء القارات وهدمها، وتكون المحيطات واتساعها ثم اغلاقها وزوالها، وهذه الحركات الارضيه( وغيرها كثير) لعبت و لاتزال تلعب ادوارا اساسيه في جعل الارض كوكبا مهيئا لاستقبال الحياه الارضيه وصالحا للعمران.
هذه بعض ايات الله في جعل الارض كوكبا مستقرا في ذاته علي الرغم من حركاته العديده، وجريه في فسحه الكون، وفي تهيئته ليكون مستقرا للحياه التي اراد الله ان تزدهر علي سطحه، علي الرغم من المخاطر العديده المحيطه به، حتي يومن الناس بقدر الرعايه الالهيه التي يحيطنا الله بها في هذا الكون، ويستشعرون حاجتهم الي هذا الخالق العظيم والي رحمته وعنايته في كل وقت وفي كل حين لاننا لوتركنا لانفسنا طرفه عين او اقل من ذلك لهلكنا...
وسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء وصوركم فاحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ( غافر:64)
وعاتب الكافرين والمشركين والمتشككين بقوله الحق:
امن جعل الارض قرارا وجعل خلالها انهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا اءله مع الله بل اكثرهم لايعلمون ( النمل:61)
إرسال تعليق