بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 18 سبتمبر 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"

هذه الايه الكريمه جاءت قرب نهايه النصف الاول من سوره الرحمن، التي سميت بتوقيف من الله( تعالي) بهذا الاسم الكريم لاستهلالها باسم الله الرحمن، ولما تضمنته من لمسات رحمته، وعظيم الائه التي اولها تعليم القران، ثم خلق الانسان وتعليمه البيان.
وقد استعرضت السوره عددا من ايات الله الكونيه المبهره للاستدلال علي عظيم الائه، وعميم فضله علي عباده ومنها: جريان كل من الشمس والقمر بحساب دقيق( كرمز لدقه حركه كل اجرام السماء بذاتها، وفي مجموعاتها، وبجزيئاتها، وذراتها، ولبناتها الاوليه)، وسجود كل مخلوق لله، حتي النجم والشجر، ورفع السماء بغير عمد مرئيه، ووضع ميزان العدل بين الخلائق، ومطالبه العباد بالا يطغوا في الميزان، وان يقيموا عدل الله في الارض، ولا يفسدوا هذا الميزان، وخلق الارض وتهيئتها لاستقبال الحياه، وفيها من النباتات وثمارها، ومحاصيلها ما يشهد علي ذلك، وخلق الانسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، وتكوير الارض وادارتها حول محورها، والتعبير عن ذلك بوصف الحق( تبارك وتعالي) بانه رب المشرقين ورب المغربين، ومرج كل نوعين من انواع ماء البحار دون اختلاط تام بينهما، واخراج كل من اللولو والمرجان منهما، وجري السفن العملاقه في البحر، وهي تمخر عباب الماء وكانها الجبال الشامخات، وحتميه الفناء علي كل المخلوقات، مع الوجود المطلق للخالق( سبحانه وتعالي)، صاحب الجلال والاكرام، الحي القيوم، الازلي بلا بدايه، والابدي بلا نهايه، والاشاره الي مركزيه الارض من الكون، وضخامه حجمها التي لا تمثل شيئا في سعه السماوات وتعاظم ابعادها، وذلك بتحدي كل من الجن والانس ان ينفذوا من اقطارهما، وتاكيد انهم لن يستطيعوا ذلك ابدا، الا بسلطان من الله، وان مجرد محاوله ذلك بغير هذا التفويض الالهي سوف يعرض المحاول لشواظ من نار ونحاس فلا ينتصر في محاولته ابدا....!!!
ثم ياتي الحديث عن الاخره واحوالها، ومنها انشقاق السماء علي هيئه الورده المدهنه، كالمهل الاحمر ومنها معرفه المجرمين بعلامات في وجوههم( من الزرقه والسواد)، وما سوف يلاقونه من صور الاذلال والمهانه، وهم يطوفون بين جهنم وبين حميم ان( اي ماء في شده الغليان); وعلي النقيض من ذلك تشير السوره الكريمه الي احوال المتقين، ومقامهم في جنات الخلد، جزاء احسانهم في الدنيا، وتصف جانبا مما في هذه الجنات من نعيم.
وبين كل ايه من ايات الله في هذه السوره التي سماها رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) باسم عروس القران لما لخواتيم اياتها من جرس رائع، نجد ايه: فباي الاء ربكما تكذبان التي ترددت في سوره الرحمن احدي وثلاثين مره من مجموع ايات السوره الثماني والسبعين ( اي بنسبه40% تقريبا) في تقريع شديد، وتبكيت واضح للمكذبين من الجن والانس بالاء الله وافضاله وعلي راسها دينه الخاتم الذي بعث به النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم)، والذي لا يرتضي ربنا( تبارك وتعالي) من عباده دينا سواه بعد ان حفظه للناس كافه في القران الكريم، وفي سنه الرسول الخاتم بنفس لغه الوحي علي مدي اربعه عشر قرنا والي ان يرث الله الارض ومن عليها، وتختتم السوره بقول الحق( سبحانه): تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام.
والاشارات الكونيه في سوره الرحمن، والتي يفوق عددها السبع عشره ايه صريحه نحتاج في شرح كل ايه منها الي مقال مستقل، ولذلك ساقف هنا عند قول الحق( تبارك وتعالي):
يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان* فباي الاء ربكما تكذبان* يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.. (الرحمن:33 35)
وقبل ذلك لابد من استعراض الدلالات اللغويه لالفاظ تلك الايات الكريمات واقوال المفسرين السابقين فيها.
الدلاله اللغويه
(1)( نفذ): يقال في العربيه:( نفذ) السهم في الرميه( نفوذا) و(نفاذا)، والمثقب في الخشب اذا خرق الي الجهه الاخري، و(نفذ) فلان في الامر( ينفذ)( نفاذا)، و(انفذه)( نفاذا)، و(نفذه)( تنفيذا)، وفي الحديث الشريف: نفذوا جيش اسامه; والامر( النافذ) اي المطاع، و(المنفذ) هو الممر( النافذ)، قال( تعالي): ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان* بمعني ان تخرقوا السماوات والارض من جهه اقطارها الي الجهه الاخري.
(2)( اقطار): قطر كل شكل وكل جسم الخط الواصل من احد اطرافه الي الطرف المقابل مرورا بمركزه.
قال( تعالي): ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض وقال( عز من قائل): ولو دخلت عليهم من اقطارها..( الاحزاب:14); ويقال في اللغه:( قطرته) بمعني القيته علي( قطره)، و(تقطر) اي وقع علي( قطره)، ومنه( قطر) المطر اي سقط في خطوط مستقيمه باتجاه مركز الارض، ويسمي لذلك( قطرا)، وهو كذلك جمع( قطره)، و(قطر) و(تقطير) الشئ تبخيره ثم تكثيفه قطره قطره من اجل تنقيه الماء وغيره من السوائل تساقطه( قطره)( قطره) وجمعه( قطر) بضمتين و(قطرات) بضمتين ايضا، و(قطره) غيره يتعدي ويلزم، و(تقاطر) القوم جاءوا ارسالا( كالقطر)، ومنه( قطار الابل) و(القطر) بالضم الناحيه والجانب وجمعه( اقطار); و(قطران) الماء( تقاطره) قطره قطره و(القطران) ما يتقطر من الهناء(= القار); و(قطر) البعير طلاه( بالقطران) فهو( مقطور) او( مقطرن).
قال( تعالي): سرابيلهم من قطران...( ابراهيم:50) اي من القار، وقرئ( من قطر ان) اي من نحاس منصهر قد اني( اي عظم) حره( اي زادت درجه حرارته) لان( القطر) هو النحاس.
وقال ربنا( تبارك وتعالي):... اتوني افرغ عليه قطرا* ( الكهف:96) اي نحاسا منصهرا.
(3) شواظ:( الشواظ) في العربيه ( بضم الشين وكسرها) اللهب الذي لادخان له.
(4) نحاس: الاصل في اللغه العربيه ان النحاس هو اللهب بلادخان، والنحاس ايضا عنصر فلزي لونه يميل الي الحمره ( بين القرمزي والبرتقالي) قابل للطرق والسحب، موصل جيد لكل من الكهرباء والحراره، ومقاوم للتاكل، وقد سمي بهذا الاسم لتشابه لونه مع لون النار بلا دخان.
قال( تعالي): يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس..* ( الرحمن:35).
و(النحس) ضد السعد، وقرئ في قوله تعالي: ... في يوم نحس مستمر* ( القمر19).
علي الصفه، والاضافه اكثر واجود... في يوم نحس مستمر* ويقال:( نحس) الشئ فهو( نحس) وفيه جاء قول ربنا( تبارك وتعالي): فارسلنا عليهم ريحا صرصرا في ايام نحسات....* ( فصلت:16) وقرئ ( نحسات) بالفتح اي مشوومات، او شديدات البرد واصل النحس ان يحمر الافق فيصير كالنحاس او كاللهب بلاد خان، فصار ذلك مثلا للشوم.
اقوال المفسرين
في تفسيرقوله( تعالي): يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان* فباي الاء ربكما تكذبان* يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران*. (الرحمن:33 35)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله): اي لا تستطيعون هربا من امر الله وقدره، بل هو محيط بكم لا تقدرون علي التخلص من حكمه، اينما ذهبتم احيط بكم....( الا بسلطان) اي الا بامر الله.... ولهذا قال تعالي:( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) قال ابن عباس: الشواظ هو لهب النار، وعنه: الشواظ الدخان، وقال مجاهد: هو اللهب الاخضر المنقطع، وقال الضحاك:( شواظ من نار) سيل من نار، وقوله تعالي:( ونحاس) قال ابن عباس: دخان النار، وقال ابن جرير: والعرب تسمي الدخان نحاسا، روي الطبراني عن الضحاك ان نافع ابن الازرق سال ابن عباس عن الشواظ فقال: هو اللهب الذي لا دخان معه... قال: صدقت، فما النحاس؟ قال: هو الدخان الذي لا لهب له وقال مجاهد: النحاس الصفر....
وجاء في تفسير الجلالين ما نصه:( يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا) تخرجوا( من اقطار) نواحي( السماوات والارض)[ هاربين من الحشر والحساب والجزاء]( فانفذوا) امر تعجيز[ اي: فلن تستطيعوا ذلك]( لا تنفذون الا بسلطان) بقوه، ولا قوه لكم علي ذلك...( يرسل عليكما شواظ من نار) هو لهبها الخالص من الدخان او: معه( ونحاس) اي: دخان لالهب فيه[ او هو النحاس المذاب....].
وجاء في الظلال ما نصه: يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا... وكيف؟ واين؟ لا تنفذون الا بسلطان، ولا يملك السلطان الا صاحب السلطان..
ومره اخري يواجههما بالسوال: فباي الاء ربكما تكذبان؟ وهل بقي في كيانهما شئ يكذب او يهم بمجرد النطق والبيان؟
ولكن الحمله الساحقه تستمر الي نهايتها، والتهديد الرعيب يلاحقهما، والمصير المردي يتمثل لهما: يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران..
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران ما نصه:.....( لا تنفذون الا بسلطان) اي لا تقدرون علي الخروج من امري وقضائي الا بقوه قهر وانتم بمعزل عن ذلك،( يرسل عليكما) يصب عليكما( شواظ من نار) لهب خالص من الدخان( ونحاس) اصفر مذاب، وقيل النحاس: الدخان الذي لا لهب فيه. اي انه يرسل عليهما هذا مره وهذا مره.
وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه: يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تخرجوا من جوانب السماوات والارض هاربين فاخرجوا، لا تستطيعون الخروج الا بقوه وقهر، ولن يكون لكم ذلك، فباي نعمه من نعم ربكما تجحدان؟! يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب، فلا تقدران علي رفع هذا العذاب.
وجاء في تعليق هامشي ما يلي: ثبت حتي الان ضخامه المجهودات والطاقات المطلوبه للنفاذ من نطاق جاذبيه الارض، وحيث اقتضي النجاح الجزئي في رياده الفضاء لمده محدده جدا بالنسبه لعظم الكون بذل الكثير من الجهود العلميه الضخمه في شتي الميادين... فضلا عن التكاليف الماديه الخياليه التي انفقت في ذلك ومازالت تنفق، ويدل ذلك دلاله قاطعه علي ان النفاذ المطلق من اقطار السماوات والارض التي تبلغ ملايين السنين الضوئيه لانس او جن مستحيل.
والنحاس هو فلز يعتبر من اول العناصر الفلزيه التي عرفها الانسان.. ويتميز بان درجه انصهاره مرتفعه جدا نحو1083 درجه مئويه) فاذا ما صب هذا السائل الملتهب علي جسد، مثل ذلك صنفا من اقسي انواع العذاب الما واشدها اثرا.
الدلاله العلميه لقول الحق( تبارك وتعالي):
يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان* فباي الاء ربكما تكذبان* يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران* ( الرحمن:33 35)
هذه الايات الثلاث التي تحدي القران الكريم فيها كلا من الجن والانسن تحديا صريحا بعجزهم عن النفاذ من اقطار السماوات والارض، وهو تحد يظهر ضاله قدراتهما مجتمعين امام طلاقه القدره الالهيه في ابداع الكون، لضخامه ابعاده، ولقصر عمر المخلوقات، وحتميه فنائها، والايات بالاضافه الي ذلك تحوي عددا من الحقائق الكونيه المبهره التي لم يستطع الانسان ادراكها الا في العقود القليله المتاخره من القرن العشرين، والتي يمكن ايجازها في النقاط التاليه:
اولا: بالنسبه للنفاذ من اقطار الارض:
اذا كان المقصود من هذه الايات الكريمه اشعار كل من الجن والانس بعجزهما عن النفاذ من اقطار كل من الارض علي حده، والسماوات علي حده، فان المعارف الحديثه توكد ذلك، لان اقطار الارض تتراوح بين(12756) كيلو مترا بالنسبه الي متوسط قطرها الاستوائي،(12713) كيلو مترا بالنسبه الي متوسط قطرها القطبي، وذلك لان الارض ليست تامه الاستداره لا نبعاجها قليلا عند خط الاستواء، وتفلطحها قليلا عند القطبين.
ويستحيل علي الانسان اختراق الارض من اقطارها لارتفاع كل من الضغط والحراره باستمرار في اتجاه المركز مما لا تطيقه القدره البشريه، ولا التقنيات المتقدمه التي حققها انسان هذا العصر، فعلي الرغم من التطور المذهل في تقنيات حفر الابار العميقه التي طورها الانسان بحثا عن النفط والغاز الطبيعي فان هذه الاجهزه العملاقه لم تستطع حتي اليوم تجاوز عمق14 كيلو مترا من الغلاف الصخري للارض، وهذا يمثل0،2% تقريبا من طول نصف قطر الارض الاستوائي، وعند هذا العمق تعجز ادوات الحفر عن الاستمرار في عملها لتزايد الضغط وللارتفاع الكبير في درجات الحراره الي درجه قد تودي الي صهر تلك الادوات، فمن الثابت علميا ان درجه الحراره تزداد باستمرار من سطح الارض في اتجاه مركزها حتي تصل الي ما يقرب من درجه حراره سطح الشمس المقدره بسته الاف درجه مئويه حسب بعض التقديرات، ومن هنا كان عجز الانسان عن الوصول الي تلك المناطق الفائقه الحراره والضغط، وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي) مخاطبا الانسان: ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا*.
(الاسراء:37)
ولو ان الجن عالم غيبي بالنسبه لنا، الا ان ما ينطبق علي الانس من عجز تام عن النفاذ من اقطار السماوات والارض ينطبق عليهم.
والايات الكريمه قد جاءت في مقام التشبيه بان كلا من الجن والانس لا يستطيع الهروب من قدر الله او الفرار من قضائه، بالهروب الي خارج الكون عبر اقطار السماوات والارض حيث لا يدري احد ماذا بعد ذلك، الا ان العلوم المكتسبه قد اثبتت بالفعل عجز الانسان عجزا كاملا عن ذلك، والقران الكريم يوكد لنا اعتراف الجن بعجزهم الكامل عن ذلك ايضا، كما جاء في قول الحق( تبارك وتعالي) علي لسان الجن:
وانا ظننا ان لن نعجز الله في الارض ولن نعجزه هربا* ( الجن:12) وذلك بعد ان قالوا: وانا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا*. ( الجن:8)
ثانيا: بالنسبه للنفاذ من اقطار السماوات:
تبلغ ابعاد الجزء المدرك من السماء الدنيا من الضخامه ما لا يمكن ان تطويها قدرات كل من الانس والجن، مما يشعر كلا منهما بضالته امام ابعاد الكون، وبعجزه التام عن مجرد التفكير في الهروب منه... او النفاذ الي المجهول من بعده...!!!
فمجرتنا( سكه التبانه) يقدر قطرها الاكبر بمائه الف سنه ضوئيه (100.000*9.5 مليون مليون كيلو متر تقريبا)، ويقدر قطرها الاصغر بعشره الاف سنه ضوئيه (10.000*9.5 مليون مليون كيلو متر تقريبا)، ومعني ذلك ان الانسان لكي يتمكن من الخروج من مجرتنا عبر قطرها الاصغر يحتاج الي وسيله تحركه بسرعه الضوء( وهذا مستحيل) ليستخدمها في حركه مستمره لمده تصل الي عشره الاف سنه من سنيننا، وبطاقه انفلات خياليه لتخرجه من نطاق جاذبيه الاجرام التي يمر بها من مكونات تلك المجره، وهذه كلها من المستحيلات بالنسبه للانسان الذي لا يتجاوز عمره في المتوسط خمسين سنه، ولم تتجاوز حركته في السماء ثانيه ضوئيه واحده وربع الثانيه فقط، وهي المسافه بين الارض والقمر، علي الرغم من التقدم التقني المذهل الذي حققه في رياده السماء.
ومجموعتنا الشمسيه تقع من مجرتنا علي بعد ثلاثين الفا من السنين الضوئيه من مركزها، وعشرين الفا من السنين الضوئيه من اقرب اطرافها، فاذا حاول الانسان الخروج من اقرب الاقطار الي الارض فانه يحتاج الي عشرين الف سنه وهو يتحرك بسرعه الضوء لكي يخرج من اقطار مجرتنا وهل يطيق الانسان ذلك؟ او هل يمكن ان يحيا انسان لمثل تلك المدد المتطاوله؟ وهل يستطيع الانسان ان يتحرك بسرعه الضوء؟ كل هذه حواجز تحول دون امكان ذلك بالنسبه للانسان، وما ينطبق عليه ينطبق علي عالم الجان...!!!
ومجرتنا جزء من مجموعه من المجرات تعرف باسم المجموعه المحليه يقدر قطرها بنحو ثلاثه ملايين وربع المليون من السنين الضوئيه (3.261.500) سنه ضوئيه، وهذه بدورها تشكل جزءا من حشد مجري يقدر قطره باكثر من سته ملايين ونصف المليون من السنين الضوئيه (6.523.000) سنه ضوئيه، وهذا الحشد المجري يكون جزءا من الحشد المجري الاعظم ويقدر قطره الاكبر بمائه مليون من السنين الضوئيه وسمكه بعشره ملايين من السنين الضوئيه.
وتبدو الحشود المجريه العظمي علي هيئه كرويه تدرس في شرائح مقطعيه تقدر ابعادها في حدود150*100*15 سنه ضوئيه، واكبر تلك الشرائح ويسميها الفلكيون مجازا باسم الحائط العظيم يزيد طولها علي مائتين وخمسين مليونا من السنين الضوئيه.
وقد تم اخيرا اكتشاف نحو مائه من الحشود المجريه العظمي تكون تجمعا اعظم علي هيئه قرص يبلغ قطره الاكبر بليونين من السنين الضوئيه.
والجزء المدرك من الكون وهو يمثل جزءا يسيرا من السماء الدنيا التي زينها ربنا ( تبارك وتعالي) بالنجوم وقال( عز من قائل): ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير (الملك:5).
هذا الجزء المدرك من السماء الدنيا يزيد قطره علي العشرين بليون سنه ضوئيه، وهي حقائق تجعل الانسان بكل انجازاته العلميه يتضاءل تضاولا شديدا امام ابعاد الكون المذهله، وكذلك الجان، وكلاهما اقل من مجرد التفكير في امكان الهروب من ملك الله الذي لا ملجا ولا منجي منه الا اليه...!!!
ثالثا: بالنسبه للنفاذ من اقطار السماوات والارض معا:
تشير الايات الكريمه الي ان التحدي الذي تجابه به الجن والانس هو النفاذ من اقطار السماوات والارض معا ان استطاعوا، وثبت عجزهما عن النفاذ من اقطار اي منهما، وعجزهما اشد اذا كانت المطالبه بالنفاذ من اقطارهما معا، اذا كان هذا هو مقصود الايات الكريمه، فانه يمكن ان يشير الي معني في غايه الاهميه الا وهو توسط الارض للكون; وهو معني لا تستطيع علوم الفلك اثباته لعجز الانسان عن الاحاطه بابعاد الكون، ولكن يدعم هذا الاستنتاج ما رواه كل من قتاده والسدي ان رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال يوما لاصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله اعلم. قال( صلي الله عليه وسلم): فانه مسجد في السماء بحيال الكعبه لو خر لخر عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون الف ملك اذا خرجوا منه لم يعودوا اخر ما عليهم.
وتوسط الارض للكون معني حازت فيه عقول العلماء والمفكرين عبر التاريخ. وعجزت العلوم المكتسبه والتقنيات الفائقه عن اثباته، ولكن ما جاء في هذه الايات الكريمه، وفي هذا الحديث النبوي الشريف يشير اليه، ويجعل المنطق السوي يقبله.
رابعا: بالنسبه الي ارسال شواظ من نار ونحاس علي كل من يحاول النفاذ من اقطار السماوات والارض بغير سلطان من الله تعالي:
في الايه رقم35 من سوره الرحمن يخاطب ربنا( تبارك وتعالي) كلا من الجن والانس بقوله عز من قائل:
يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران وقد اجمع قدامي المفسرين ومحدثوهم علي ان لفظه شواظ هنا تعني اللهب الذي لا دخان له. وكلمه نحاس تعني الدخان الذي لا لهب فيه او تعني فلز النحاس الذي نعرفه جميعا وهو فلز معروف بدرجه انصهاره العاليه (1083 م) ودرجه غليانه الاعلي (2567 م).
ومن الثابت علميا ان العناصر المعروفه لنا تتخلق في داخل النجوم بعمليه الاندماج النووي لنوي ذرات الهيدروجين فينتج عن ذلك نوي ذرات العناصر الاثقل بالتدريج حتي يتحول لب النجم الي حديد.
والتفاعل النووي قبل تكون ذرات الحديد هو تفاعل منتج للحراره التي تصل الي بلايين الدرجات المئويه، ولكن عمليه الاندماج النووي المنتجه للحديد عمليه مستهلكه للحراره وبالتالي لطاقه النجم حتي تضطره الي الانفجار مما يودي الي تناثر العناصر التي تكونت بداخله بما فيها الحديد في صفحه السماء لتدخل هذه العناصر في مجال جاذبيه اجرام تحتاج اليها بتقدير من الله تعالي.
اما العناصر ذات النوي الاثقل من ذره الحديد فتتخلق باضافه اللبنات الاوليه للماده الي نوي ذرات الحديد السابحه في صفحه السماء حتي تتكون بقيه المائه وخمسه من العناصر المعروفه لنا،وهذه ايضا تنزل الي جميع اجرام السماء بقدر معلوم. ولما كان عنصر النحاس اعلي من الحديد في كل من وزنه وعدده الذري ( الوزن الذري لنظائر الحديد57،56،54 والوزن الذري للنحاس63.546 والعدد الذري للحديد26 بينما العدد الذري للنحاس29)، وبناء علي ذلك فان عنصر النحاس يتخلق في صفحه السماء الدنيا باندماج نوي ذرات الحديد مع بعض اللبنات الاوليه للماده، وهذا يجعل صفحه السماء الدنيا زاخره بذرات العناصر الثقيله ومنها النحاس.
هذه الملاحظه تشير الي ان لفظه نحاس في الايه الكريمه تعني فلز النحاس، لان التاويل هنا لا داعي له علي الاطلاق، فالنحاس وهو منصهر وتغلي قطراته في صفحه السماء يعد عقابا رادعا لكل محاوله انسيه او جنيه لاختراق اقطار السماوات والارض.
وقد اتصل بي اخ كريم هو الدكتور عبدالله الشهابي واخبرني بانه زار معرض الفضاء والطيران في مدينه واشنجطن دي سي الذي يعرض نماذج الطائرات من بداياتها الاولي الي احدثها، كما يعرض نماذج لمركبات الفضاء، وفي المعرض شاهد قطاعا عرضيا في كبسوله ابو اللو واذهله ان يري علي سطحها خطوطا طوليه عديده غائره في جسم الكبسوله ومليئه بكربونات النحاس( جنزار النحاس)، وقد لفتت هذه الملاحظه نظره فذهب الي المسئول العلمي عن تلك الصاله وساله: هل السبيكه التي صنعت منها الكبسوله يدخلفيها عنصر النحاس؟ فنفي ذلك نفيا قاطعا، فاشار الي جنزار النحاس علي جسم الكبسوله وساله: من اين جاء هذا؟ فقال له: من نوي ذرات النحاس المنتشره في صفحه السماء التي تضرب جسم الكبسوله طوال حركتها صعودا وهبوطا من السماء، وحينما تعود الي الارض وتمر بطبقات بها الرطوبه وثاني اكسيد الكربون فان هذه الذرات النحاسيه التي لصقت بجسم الكبسوله تتحول بالتدريج الي جنزار النحاس. ويقول الدكتور الشهابي انه علي الفور تراءت امام انظاره الايه القرانيه الكريمه التي يقول فيها ربنا تبارك وتعالي: يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلاتنتصران.
هذه الملاحظه اكدت لي ما ناديتبه طويلا بان لفظه نحاس في الايه تعني فلز النحاس ولاتحتاج الي ادني تاويل. فسبحان الذي انزل هذه الايات الكريمه من قبل1400 من السنين وحفظها لنا في كتابه الكريم علي مدي14 قرنا او يزيد لتظهر في زماننا زمان رحلات الفضاء برهانا ماديا ملموسا علي ان هذا القران الكريم هو كلام الله الخالق وان النبي الخاتم الذي تلقاه ( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
إرسال تعليق