
هذه الايه الكريمه جاءت في نهايه الثلث الاول من سوره الانبياء، وهي سوره مكيه، يدور محورها الرئيسي حول قضيه العقيده شانها في ذلك شان كل السور المكيه وسميت باسم الانبياء لورود ذكر عدد كبير من انبياء الله فيها، وقصصهم مع اممهم، والمعجزات التي اجراها الله( تعالي) علي ايدي كل منهم، وهم حسب تسلسل ورود اسمائهم في السوره الكريمه: ابراهيم، لوط، اسحاق، يعقوب، نوح، داود، سليمان، ايوب، اسماعيل، ادريس، ذا الكفل، ذا النون( يونس)، زكريا، يحيي، وعيسي بن مريم( علي نبينا وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي التسليم).
وتبدا سوره الانبياء بتذكير الناس ان وقت الساعه قد اقترب، وهم في غفله منشغلون عنها بالدنيا، وهي سوف تاتيهم بغته، وقلوبهم لاهيه عما انزل اليهم ربهم من ذكر في رسالته الخاتمه، لذلك انطلقوا يشككون في بعثه الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم)، واتهموه زورا( شرفه الله عن ذلك) بالكذب، والسحر، والشعر، استهزاء به كما استهزئ برسل من قبل فحاق بهم ما كانوا به يستهزئون، فما من امه رفضت الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر الا وعاقبها الله عقابا شديدا.
وطالبوه بالايات الماديه الملموسه، وايات الله وسننه في الكون من المعجزات الدائمه لو تدبروها، فهي ناطقه بالشهاده لخالقها( سبحانه) بطلاقه القدره، وعظيم الصنعه، وتمام الحكمه، وبالوحدانيه المطلقه، والربوبيه والالوهيه.
ومن رحمته بنا لم يكلنا ربنا( تبارك وتعالي) للتعرف عليه من خلال التامل في انفسنا، وفي الخلق من حولنا، وفي الافاق البعيده عنا، فارسل الرسل، وبعث الانبياء برساله الهدايه لخلقه، واقتضت حكمته( تعالي) ان يكون الانبياء والمرسلون كلهم من البشر، وعلي ذلك فليس بمستغرب ان يكون الرسول الخاتم بشرا( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي جميع انبياء الله ورسله)، وليس بمستغرب ايضا ان تنقطع المعجزات والخوارق بعد تمام الرساله الخاتمه، وتعهد الله بحفظها بنفس لغه الوحي والي قيام الساعه.
ومن سنن الله في الكون غلبه الحق علي الباطل، وان طالت دولته،4 ونجاه المومنين وهلاك المسرفين، حتي يرث الارض عباد الله الصالحون.
وتحدثت السوره عن فضل انزال القران الكريم، وعن عقاب الامم الظالمه من السابقين، واستبدالهم باخرين، وعن موقف الذل الذي سوف يقفه الظالمون، وباس الله محيط بهم من كل جانب.
واستعرضت السوره الكريمه بعض مشاهد القيامه، كما استعرضت لقطات سريعه من سير عدد من الانبياء، وقصصهم مع اممهم، وبعض المعجزات التي اجراها ربنا( تبارك وتعالي) علي ايديهم.
واكدت السوره وحده الامه المومنه عبر التاريخ، وتوحيدها لله( تعالي)، كما اكدت وحده رساله السماء مع تعدد الرسل، وتباعد ازمانهم، وربطت بين الايمان بالله الواحد، الاحد، الفرد، الصمد، وبملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الاخر واحداثه ومشاهده، وبين الايات الكونيه التي استعرضتها، والتي تشهد بوحدانيه الخالق( سبحانه)، فكما ان الكون قائم علي الحق الذي قامت به السماوات والارض، فان الايمان بالله وتنزيهه عن الشبيه، والشريك، والمنازع، والولد هو حق كذلك، بل هو احق الاعتقاد واصدقه في هذا الوجود.
وتختتم سوره الانبياء ببلاغ للناس كافه ان الرسول الخاتم ( صلي الله عليه وسلم)، قد بعثه ربنا( تبارك وتعالي) رحمه للعالمين، بالدين الذي يرتضيه من عباده، فمن اطاعه فقد نجا من فتن الدنيا، وعذاب الاخره، ومن لم يستجب لندائه فقد نفض رسول الله( صلي الله عليه وسلم) يده منه، وهولاء لا يعلم مصيرهم الا الله الذي يعلم العلانيه وما تخفي الصدور، وقد يكون في ذلك فتنه لهم ومتاع الي حين!!
لذلك يتوجه رسول الله( صلي الله عليه وسلم) الي( ربه) طالبا حكمه العادل الحق بينه وبين المستهزئين به، والغافلين عن دعوته، ومستعينا بالله( تعالي) علي تكذيبهم وكيدهم، والله هو المستعان علي كل ما يصف الكفار وما يقولون.
ومن بديع ايات الله في الخلق التي استشهد بها( سبحانه وتعالي) في سوره الانبياء: خلق السماوات والارض بالحق من جرم واحد، فتقه ربنا ( تبارك وتعالي) فتحول الي سحابه من دخان، خلق منه( سبحانه) السماوات والارض وما بينهما، وما فيهما من مخلوقات من مثل الملائكه الذين يسبحون الله ليلا ونهارا لا يفترون، ومنها خلق كل حي من الماء، والتاكيد علي وحده الحياه مصدرا، وفناء، ومصيرا، وخلق الجبال رواسي للارض، وشق السبل والفجاج من بينها، وحفظ السماء سقفا محفوظا، وخلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون، وانقاص الارض من اطرافها، وطي السماء يوم القيامه كطي السجل للكتب.
وهذه القضايا تحتاج الي مجلدات لشرحها، ولذا فاني سوف اقتصر هنا علي ايه واحده منها، والتي اتخذتها عنوانا لهذا المقال، وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض الدلاله اللغويه للالفاظ الاساسيه الوارده في الايه الكريمه، واستعراض اقوال المفسرين فيها.
الدلاله اللغويه
(1) يقال في اللغه العربيه:( خلق)،( يخلق)،( خلقا)، بمعني قدر، يقدر، تقديرا، و(الخلق) اصله التقدير المستقيم، ويستخدم في ابداع الشيء من غير اصل ولا احتذاء، اي علي غير مثال سابق، ولفظه( الخلق) تستخدم في معني( المخلوق)، و(الخليقه) والفطره، والجمع( خلائق)، و(الخلائق) ايضا هم( خليقه) الله، وهم( خلق) الله، ومضغه( مخلقه) اي تامه( الخلق)، و(الخلق) بضم اللام وسكونها: السجيه، ويقال: فلان( يتخلق) بغير( خلقه) اي يتكلفه، ويقال: فلان( خليق) بكذا، اي جدير به كانه مخلوق فيه، و(الخلاق): النصيب، او ما اكتسبه الانسان من الفضيله بخلقه. ويقال: ثوب( خلق) اي بال، يستوي فيه المذكر والمونث لانه في الاصل مصدر( الاخلق) وهو الاملس، والجمع( خلقان)، ويقال:( خلق) او( اخلق) الثوب اي بلي، و(اخلقه) صاحبه لانه يتعدي ويلزم، و(الخلوق) ضرب من الطيب، ويقال:( خلقه)( تخليقا) اي طلاه به( فتخلق).
ويقال( خلق) الافك،( اختلقه) و(تخلقه)( اختلاقا) اي افتراه افتراء.
(2) والفلك هو مجري اجرام السماء في المدار الذي يجري فيه كل جرم منها، وجمعه( افلاك) و(فلك).
3 و(السبح) هو المر السريع في الماء او في الهواء، يقال( سبح)( يسبح)( سبحا) و(سباحه) اي عام عوما، واستعير لحركه النجوم الانتقاليه في افلاكها، ولسرعه الذهاب والمنقلب في العمل، و(السبح) ايضا هو الفراغ، او التصرف في المعاش.
شروح المفسرين
في تفسير قوله( تعالي): وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون( الانبياء:33)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه:( وهو الذي خلق الليل والنهار) اي هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه( نوره) وانسه، يطول هذا تاره ثم يقصر اخري وعكسه الاخر، و(الشمس والقمر) هذه لها نور( ضياء) يخصها وحركه وسير خاص، وهذا بنور اخر وسير اخر وتقدير اخر،( وكل في فلك يسبحون) اي يدورون. قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكه، قال مجاهد: فلا يدور المغزل الا بالفلكه ولا الفلكه الا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون الا به ولا يدور الا بهن...
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمه واسعه) ما نصه:
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل) تنوينه عوض عن المضاف اليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم،( في فلك) اي: مستدير كالطاحونه في السماء وهو مدار النجوم،( يسبحون) يسيرون بسرعه كالسابح في الماء، وللتشبيه به اتي بضمير جمع من يعقل( اي يسبحون).
وجاء في الظلال( رحم الله كاتبها رحمه واسعه): والليل والنهار ظاهرتان كونيتان، الشمس والقمر جرمان هائلان لهما علاقه وثيقه بحياه الانسان في الارض، وبالحياه كلها.. وبالتامل في توالي الليل والنهار، في حركه الشمس والقمر بهذه الدقه التي لا تختل مره، وبهذا الاطراد الذي لا يكف لحظه.. جدير بان يهدي القلب الي وحده الناموس، ووحده الاراده، ووحده الخالق المدبر القدير.
وجاء في صفوه البيان لمعاني القران ما نصه:( كل في فلك يسبحون) اي كل واحد من الشمس والقمر يسير في فلكه بسرعه( كالسابح في الماء، من السبح وهو المر السريع في الماء او الهواء...
وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه: والله هو الذي خلق الليل والنهار، والشمس والقمر، وكل من هذه يجري في مجاله الذي قدره الله له، ويسبح في فلكه لا يحيد عنه.
وجاء في الهامش التعليق التالي: لكل جرم سماوي مداره الخاص الذي يسبح فيه، واجرام السماء كلها لا تعرف السكون، كما انها تتحرك في مسارات خاصه هي الافلاك، ونحن نري هذه الحقيقه ممثله واضحه في الشمس والقمر، كما ان دوران الارض حول محورها يجعل الليل والنهار يتعاقبان عليها كانهما يسبحان.
وجاء في صفوه التفاسير ما نصه:... اي وهو تعالي بقدرته نوع الحياه فجعل فيها ليلا ونهارا، هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه( نوره) وانسه، يطول هذا تاره ثم يقصر اخري وبالعكس، وخلق الشمس والقمر ايتين عظيمتين دالتين علي وحدانيته،( كل في فلك يسبحون اي كل من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار يجرون ويسيرون بسرعه كالسابح في الماء.
حركات الارض في القران الكريم
في الوقت الذي ساد فيه اعتقاد الناس بثبات الارض، وسكونها، تنزل القران الكريم بالتاكيد علي حركتها، وعلي حركه باقي اجرام السماء، ولكن لما كانت تلك الحركات خفيه علي الانسان بصفه عامه، جاءت الاشارات القرانيه اليها لطيفه، رقيقه، غير مباشره، حتي لا تصدم اهل الجزيره العربيه وقت تنزل القران فيرفضوه، لانهم لم يكونوا اهل معرفه علميه، او اهتمام بتحصيلها، فلو ان الاشارات القرانيه العديده الي حركات الارض جاءت صريحه صادعه بالحقيقه الكونيه في زمن ساد فيه الاعتقاد بسكون الارض وثباتها واستقرارها، لكذب اهل الجزيره العربيه القران، والرسول، والوحي، ولحيل بينهم وبين الهدايه الربانيه، ولحرمت الانسانيه من نور الرساله الخاتمه، في وقت كانت قد حرمت فيه من انوار الرسالات السماويه السابقه كلها فشقيت واشقت!!!
من هنا فان جميع الاشارات القرانيه الي حقائق الكون التي كانت غائبه عن علم الناس كافه في عصر تنزل الوحي السماوي ومنها الاشارات المتعدده الي حركات الارض والي كرويتها، جاءت باسلوب غير مباشر، ولكن بما انها بيان من الله الخالق فقد صيغت صياغه محكمه بالغه الدقه في التعبير، والشمول، والاحاطه في الدلاله، حتي تظل مهيمنه علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها، لكي تبقي شاهده علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلي ان خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والارض، وانه لا ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي.
ومن تلك الاشارات القرانيه ما يتحدث عن جري الارض في مدارها حول الشمس، ومنها ما يتحدث عن دوران الارض حول محورها امام الشمس، وقد استعاض القران الكريم في الاشاره الي تلك الحركات الارضيه بالوصف الدقيق لسبح كل من الليل والنهار، واختلافهما وتقلبهما، واغشاء كل منهما للاخر، وايلاج كل منهما في الاخر، وسلخ النهار من الليل، ومرور الجبال مر السحاب كما يتضح من الايات القرانيه التاليه:
اولا: سبح كل من الليل والنهار:
يقول ربنا تبارك وتعالي في وصف حركات كل من الارض والشمس والقمر:
(1) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( الانبياء:33)
(2) لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (يس:40).
فالليل والنهار ظرفا زمان لابد لهما من مكان، والمكان الذي يظهران فيه هو الارض، ولولا كرويه الارض ودورانها حول محورها امام الشمس لما ظهر ليل ولا نهار، ولا تبادل كل منهما نصفا سطح الارض، والدليل علي ذلك ان الايات في هذا المعني تاتي دوما في صيغه الجمع كل في فلك يسبحون، ولو كان المقصود سبح كل من الشمس والقمر فحسب لجاء التعبير بالتثنيه يسبحان، كما ان السبح لا يكون الا للاجسام الماديه في وسط اقل كثافه منها، والسبح في اللغه هو الانتقال السريع للجسم بحركه ذاتيه فيه من مثل حركات كل من الارض والشمس والقمر في جري كل منها في مداره المحدد له، فسبح كل من الليل والنهار في هاتين الايتين الكريمتين اشاره ضمنيه رقيقه الي جري الارض في مدارها حول الشمس، والي تكورها ودورانها حول محورها امام الشمس.
ثانيا: مرور الجبال مر السحاب:
وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي: وتري الجبال تحسبها جامده وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء انه خبير بما تفعلون* ( النمل:88).
ومرور الجبال مر السحاب هو كنايه واضحه علي دوران الارض حول محورها، وعلي جريها حول الشمس ومع الشمس، لان الغلاف الهوائي للارض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالارض بواسطه الجاذبيه وحركته منضبطه مع حركه الارض، وكذلك حركه السحاب فيه، فاذا مرت الجبال مر السحاب كان في ذلك اشاره ضمنيه الي حركات الارض المختلفه التي تمر كما يمر السحاب.
ثالثا: اغشاء كل من الليل والنهاربالاخر:
يقول الحق( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
... يغشي الليل النهار ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون* ( الرعد:3)
ويقول( عز من قائل):
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها*...( الشمس:1 4).
ويقول( سبحانه وتعالي):
والليل اذا يغشي* والنهار اذا تجلي* ( الليل:2،1).
وغشي في اللغه تاتي بمعني غطي وستر، يقال غشيه غشاوه وغشاء بمعني اتاه اتيان ما قد غطاه وستره، لان الغشاوه ما يغطي به الشيء.
والمقصود من يغشي الليل النهار ان الله تعالي يغطي بظلمه الليل مكان النهار علي الارض فيصير ليلا، ويغطي مكان الليل علي الارض بنور النهار فيصير نهارا، وهي اشاره لطيفه لحقيقه دوران الارض حول محورها امام الشمس دوره كامله كل يوم( اي في كل اربع وعشرين ساعه) يتعاقب فيه الليل والنهار بصوره تدريجيه. اي يحل احدهما محل الاخر في الزمان والمكان مما يجعل زمن كل منهما يتعاقب بسرعه علي الارض.
والليل والنهار يشار بهما في مواضع كثيره من القران الكريم الي الزمان والمكان( اي الارض) والي اسباب تبادلهما( اي دوران الارض حول محورها امام الشمس)، كما يشار بهما الي الظلمه والنور، والي العديد من لوازمهما!!
ويتضح ذلك من قول الحق تبارك وتعالي: والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها* اي يقسم ربنا تبارك وتعالي( وهو الغني عن القسم) بالنهار اذا اظهر الشمس واضحه غير محجوبه، وبالليل اذ يغيب فيه ضياء الشمس ويحتجب، وقوله( عز من قائل): والليل اذا يغشي* والنهار اذا تجلي* حيث يقسم ربنا( تبارك وتعالي) بالليل الذي يحجب فيه ضوء الشمس فيعم الارض الظلام، وبالنهار اذ تشرق فيه الشمس فيعم الارض النور، ومن هنا كانت منه الله( تعالي) علي عباده ان جعل لهم الليل لباسا وسكنا، وجعل لهم النهار معاشا وحركه ونشاطا حيث يقول ربنا تبارك وتعالي:
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ان في ذلك لايات لقوم يسمعون* ( يونس:67).
ويقول: وجعلنا الليل لباسا* وجعلنا النهار معاشا* ( النبا:11،10).
ويقول( عز من قائل):
قل ارايتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بضياء افلا تسمعون* قل ارايتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون* ( القصص:71 73).
رابعا: ايلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
(1) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل... ( ال عمران:27).
(2) ذلك بان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وان الله سميع بصير* ( الحج:61).
(3) الم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري الي اجل مسمي وان الله بما تعملون خبير* ( لقمان:29).
(4) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير* ( فاطر:13).
(5) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور* ( الحديد:6).
والولوج لغه هو الدخول، ولما كان من غير المعقول دخول زمن علي زمن اتضح ان المقصود بكل من الليل والنهار ليس الزمن ولكن المكان الذي يتغشاه كل من الليل والنهار، وهو الارض. وعلي ذلك فمعني قوله تعالي: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ان الله تعالي يدخل الجزء من الارض الذي يخيم عليه الليل بالتدريج في مكان الجزء الذي يعمه نور النهار، ويدخل الجزء من الارض الذي يعمه نور النهار في مكان الجزء الذي يخيم عليه الليل وذلك باستمرار، وبطريقه متدرجه، الي ان يرث الله الارض ومن عليها.
وليس هنالك من اشاره ادق من ذلك في التاكيد علي حقيقه دوران الارض حول محورها امام الشمس، وهذه الاشاره القرانيه تلمح ايضا الي كرويه الارض، لانه لو لم تكن الارض كرويه الشكل، ولو لم تكن الكره تدور حول محورها امام الشمس ما امكن لليل والنهار ان يتعاقبا بطريقه تدريجيه ومطرده.
خامسا: سلخ النهار من الليل:
يقول ربنا تبارك وتعالي:
وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون* ( يس:37)
والسلخ لغه هو نزع جلد الحيوان عن لحمه، ولما كان من غير المعقول ان يسلخ زمن النهار من زمن الليل، كان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو مكان كل منهما علي الارض، الذي يتبادل فيه النور والظلام، وليس زمانه، وعلي ذلك فمعني قوله تعالي: وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون ان الله تعالي ينزع طبقه النهار من اماكن الارض التي يتغشاها الليل كما ينزع جلد الحيوان عن لحمه، ولا يكون ذلك الا بدوران الارض حول محورها امام الشمس، وفي تشبيه ازاله نور النهار من غلاف الارض بنزع جلد الحيوان عن لحمه تاكيد علي ان نور النهار انما ينشا في طبقه رقيقه من الغلاف الغازي للارض تحيط بكوكبنا( كما يحيط جلد الحيوان بجسده)، وان هذا النور مكتسب اصلا من ضوء الشمس وليس ذاتيا، وانه ينعكس من سطح الارض ويتشتت في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي المحيط بها، والذي يصبح ظلاما ببعده عن اشعه الشمس، كما ان الظلام سائد في الفضاء الكوني بصفه عامه لعدم وجود جسيمات كافيه فيه لاحداث التشتت لضوء الشمس ولضوء غيرها من النجوم، وهذا الضوء لا يظهر الا بالانعكاس علي اسطح الكواكب واسطح غيرها من الاجرام المعتمه او بالتشتت في اغلفتها الجويه ان كانت بها جسيمات كافيه للقيام بهذا التشتت.
سادسا: اختلاف الليل والنهار:
وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي:
(1) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابه وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون* ( البقره:164).
ويقول( عز من قائل):
(2) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب* ( ال عمران:190).
ويقول جل وعلا:
(3) ان في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والارض لايات لقوم يتقون* ( يونس:6).
ويقول ربنا تبارك وتعالي:
(4) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار افلا تعقلون* ( المومنون:80).
ويقول:
(5) واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون* ( الجاثيه:5).
ويقول عز من قائل:
(6) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا* ( الفرقان:62).
وفي تلك الايات يوكد القران الكريم كرويه الارض، ودورانها حول محورها امام الشمس بالوصف الدقيق لتعاقب الليل والنهار، كما سبق ان اكد ذلك في ايات سبح كل من الليل والنهار،، ومرور الجبال مر السحاب، والتكوير والاغشاء، والولوج، والسلخ، وهي تصف حركه تولد الليل من النهار، والنهار من الليل، وصفا غايه في البلاغه و الدقه العلميه.
سابعا: تقليب الليل والنهار:
دوران الارض حول محورها امام الشمس
كذلك يشير القران الكريم الي ذلك ايضا بقول الحق( تبارك وتعالي):
يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبره لاولي الابصار* ( النور:44).
حركات الارض في العلوم الحديثه
الارض هي احد كواكب المجموعه الشمسيه، وتمثل الكوكب الثالث بعدا عن الشمس، وتبعد عنها بمسافه تقدر بحوالي المائه وخمسين مليون كيلومتر. ولما كانت كل اجرام السماء في حركه دائبه، فان للارض عده حركات منتظمه، منها دورتها حول محورها امام الشمس والتي يتبادل بواسطتها الليل والنهار، وجريها في مدارها حول الشمس بمحور مائل فيتبادل كل من الفصول والاعوام، وحركتها مع الشمس حول مركز للمجره، ومع المجره حول مراكز اكبر الي نهايه لا يعلمها الا الله.
وقد عرف من حركات الارض ما يلي:
اولا: حركات الارض حول محور دورانها:
(1) الحركه المحوريه( الدورانيه او المغزليه) للارض:
وفيها تدور الارض حول محورها الوهمي من الغرب الي الشرق امام الشمس بسرعه(1674) كيلومترا في الساعه لتتم دوره كامله في يوم مقداره حوالي الاربع وعشرين ساعه(23 ساعه،56 دقيقه،4 ثوان) يتقاسمه ليل ونهار بتفاوت في طول كل منهما نظرا لميل محور دوران الارض بمقدار23.5 درجه عن العمود النازل علي مستوي مدارها، ويعرف هذا اليوم باسم اليوم النجمي، اما اليوم الشمسي فيبلغ مدي زمنه24 ساعه تماما.
(2) الحركه الترنحيه للارض (Precession):
وهي حركه بطيئه تتمايل فيها الارض من اليمين الي اليسار بالنسبه الي محورها العمودي، وتودي هذه الحركه الي تارجح( زحزحه) محور دوران الارض حول نفسها تدريجيا مما يودي الي تغير موقع كل من قطبي الارض الشمالي والجنوبي، وهما يمثلان نقطتي تقاطع المحور الوهمي لدوران الارض مع السطح الخارجي لذلك الكوكب، ويتارجح محور الارض المائل بقدر يكفي لرسم دائره كامله مره كل حوالي26.000 سنه(25.800 سنه)، وبذلك يرسم المحور مخروطين متعاكسين تلتقي قمتاهما في مركز الارض.
(3) حركه الميسان( النودان او التذبذب) للارض (Nutation):
وهي حركه تجعل من ترنح الارض حول محورها مسارا متعرجا بسبب جذب كل من القمر والشمس للارض، ويودي ذلك الي ابتعاد الدائره الوهميه التي يرسمها محور الارض في اثناء ترنحها( كنهايه للمخروطين المتقابلين براسيهما في مركز الارض) عن كونها دائره بسيطه الي دائره مولفه من اقواس متساويه، ويقدر عدد الذبذبات التي ترسمها الارض في مدارها بهذه الحركه بدءا من مغادره محورها لنقطه القطب السماوي وحتي عودته اليها ب1400 ذبذبه( قوس) نصفها الي يمين الدائره الوهميه، والنصف الاخر الي يسارها، ويستغرق رسم القوس الواحد مده18.6 سنه، اي ان هذه الحركه تتم دوره كامله في(26.040 سنه) تقريبا.
(4) حركه التباطو في سرعه دوران الارض حول محورها:
ويتم هذا التباطو بمقدار جزء من الثانيه في كل قرن من الزمان، بينما يسرع القمر في دورته المحوريه بنفس المعدل، ويودي ذلك الي تغير تدريجي في حاله التوازن بين الارض والقمر مما يودي في النهايه الي انفلات القمر من عقال جاذبيه الارض، وارتمائه في احضان الشمس، وصدق الله العظيم الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
وجمع الشمس والقمر.( القيامه9)
(5) الحركه الانتقاليه المداريه للارض( سبح الارض):
وفيها تجري الارض في مدار بيضاني( اهليلجي) حول الشمس بسرعه تقدر بحوالي الثلاثين كيلومترا في الثانيه(29.76 كم/ث) لتتم دوره كامله في مده سنه شمسيه( مقدارها365.24 يوم شمسي) يتقاسمها اثنا عشر شهرا قمريا، واربعه فصول.
(6) حركه استداره فلك الارض:
وبها يتم تقريب مدار الارض الاهليلجي حول الشمس الي مدار اقرب ما يكون الي شكل الدائره، وتستغرق هذه الحركه(92.000) سنه لكي تقترب بورتا مدار الارض من بعضهما البعض حتي تتطابقا، ثم تعاودان التباعد من جديد.
(7) حركه جري الارض مع المجموعه الشمسيه في مسار باتجاه كوكبه الجاثي بسرعه تقدر بحوالي عشرين كيلومترا في الثانيه.
(8) حركه جري الارض مع بقيه المجموعه الشمسيه حول مركز المجره التي تتبعها ( سكه التبانه) في مدار لولبي بسرعه تقدر بحوالي206 كيلومترات في الثانيه (741.600 كيلومتر في الساعه) لتتم دوره كامله في مده تقدر بحوالي المائتين وخمسين مليون نسمه.
(9) حركه جري الارض والمجموعه الشمسيه والمجره بسرعه تقدر بحوالي980 كيلومترا في الثانيه (3.528.000 كيلومتر في الساعه) لتودي الي ظاهره اتساع السماء بتباعد مجرتنا عن بقيه المجرات في السماء الدنيا. وقد يكون للارض حركات اخري لم تكتشف بعد.
من هذا الاستعراض يتضح ان حركات الارض حول محورها، وجريها في مدارها حول الشمس، ومع الشمس في مدارات متعدده هي من حقائق الكون الثابته، واشاره القران الكريم اليها في اكثر من عشرين ايه من اياته في زمن سياده الاعتقاد بثبات الارض وسكونها لمما يقطع بان القران الكريم هو كلام الله الخالق، ويوكد ان الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 21 يناير 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 21 يناير 2002 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"
إرسال تعليق