
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 4 ديسمبر 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"
روي البخاري ومسلم في صحيحهما عن سعيد بن زيد ( رضي الله عنه) انه قال: سمعت رسول الله( صلي الله عليه وسلم) يقول: الكمأة من المن، وماوها شفاء للعين، وجاء الحديث بنفس النص في روايه للترمذي عن ابي هريره( رضي الله عنه) ( والكمأة) وحدها ( كمء) وهي درنه من الفطريات الجذريه التي تنمو تحت الارض بالتكافل مع جذور نباتات معينه الي عمق حوالي ثلاثين سنتيمترا، وتنمو في جماعات من عشره الي عشرين درنه في المكان الواحد من التربه.
وهذه الدرنات كرويه او شبه كرويه، لحميه الملمس، رخوه، ويتدرج لونها من الابيض الي الرمادي والبني والاسود، ولها رائحه نفاذه. والكمأة تنمو في صحاري الوطنين العربي والاسلامي من موريتانيا غربا الي اواسط اسيا شرقا، في بيئات تتراوح بين الرمال العميقه، والحصي الضحل والحجر، ويزدهر نموها بعد مواسم العواصف الرعديه ومن هنا اطلق عليها العرب اسم بنات الرعد.
وللكمأة انواع عديده، ودرناتها مختلفه الاشكال والالوان وتنمو في الطبقه السطحيه من التربه وتدرك عن طريق تشققات التربه في اتجاهين عموديين وقت نضجها. واذا لم تجمع الدرنات فانها سرعان ما يتكون بداخلها ابواغ( والبوغ واحد الابواغ، ويطلق عليه ايضا اسم البوغاء، وهو التراب الناعم جدا، والذي يطير من دقته اذا مس); وبانفجار كيس الابواغ تنتثر محتوياته في التربه، فاذا جاء موسم المطر في اواخر شهر اكتوبر الذي يتميز بالامطار الرعديه، فان محتوي الابواغ ينبت ليعطي خيوطا فطريه دقيقه تنفذ بقدره الله الي داخل نسيج جذور نباتات ناميه في نفس المنطقه وتتطفل عليها حتي يكتمل نموها علي هيئه الدرنات كامله النضج.
والكمأة مصدر مهم للبروتينات بين نباتات الصحراء، وتتكون درناتها من77% ماء،23% مواد صلبه منها60% هيدرات الكربون،7% دهون42% الياف،18% مواد بروتينيه،11% تبقي علي هيئه رماد بعد الحرق; وقد تم التعرف علي سبعه عشر حمضا من الاحماض الامينيه في بروتينات الكمأة.
وفي وصف رسول الله( صلي الله عليه وسلم) للكمأة بانها من المن تعبير عن انها تنبت بفضل من الله ومنه، لانها لاتزرع ولاتستزرع، فهي منه من الله( تعالي), لا تحتاج الي مئونه بذر او سقيا، ولا تحتاج الي تعب او نصب من الانسان الا في جمعها، ومن هنا كان وصفها بالمن.
واما عن وصف رسول الله( صلي الله عليه وسلم) لها بان ماءها شفاء للعين فقد ذكر ابن سينا انه انطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف فان المسلمين كانوا يغلون ماءها ثم يبردونه، ويكتحلون به( يقتطرون به). وقد قام احد اطباء العيون المصريين( وهو الدكتور المعتز المرزوقي) بمحاوله تحقيق هذا الحديث الشريف علميا فوصل الي عدد من النتائج الهامه التي منها ان ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في حالات امراض العيون المعروفه باسم الحثر او( التراكوما) وذلك عن طريق التدخل للحد من تكوين الخلايا المكونه للالياف في مكان الاصابه، فقد اثبتت تجاربه ان استعمال ماء الكمأة في علاج حالات الرمد الحبيبي او التراكوما( وهو التهاب مزمن، معد، يقاسي منه معظم سكان العالم العربي وحوض البحر الابيض المتوسط وغيرهم من سكان العالم) قد ادي الي نقص شديد في تكون الخلايا الليمفاويه الناتجه عن هذا الالتهاب، والتي تسبب العتامه القرنيه، والتي بمضاعفاتها يمكن ان تودي الي فقدان البصر بالكامل، فقد ثبت ان الرمد الحبيبي بمضاعفاته المختلفه مسئول مسئوليه كامله عن اكثر من ربع حالات فقد البصر في مناطق انتشار المرض وفي احيان كثيره يصاحب الرمد الحبيبي بالرمد الربيعي، فيتضاعف التليف في مكان الاصابه، وقد اثبتت التجارب التي اجراها الدكتور المعتز المرزوقي ان ماء الكمأة يقلل من حدوث هذا التليف في قرنيه العين بدرجه ملحوظه، وذلك بوقف نمو الخلايا المكونه للالياف، وبمعادله التاثير الكيميائي لسموم التراكوما، وبمنع النمو غير الطبيعي للخلايا الطلائيه للملتحمه في العين، لان معظم مضاعفات الرمد الحبيبي تنتج عن تليف قرنيه العين، وماء الكمأة يشفيه.
وهنا يبرز التساول المنطقي: من غير الله( تعالي) يمكن ان يكون قد علم المصطفي( صلي الله عليه وسلم) هذه الحقائق العلميه: ان الكمأة من المن، وان ماءها شفاء للعين فينطق بها من قبل الف واربعمائه سنه؟ وهنا تتضح قيمه هذه الاشارات العلميه في كل من كتاب الله وسنه خاتم انبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) في الدعوه الي دين الله الخاتم في زمن قصرت فيه المسافات. وتلاقت مختلف الحضارات، والمعتقدات والثقافات، وفتن الناس بالعلم ومعطياته فتنه كبيره ولم يعد يقنعهم منطق سواه، بعد ان نسوا الله فانساهم انفسهم..!!
إرسال تعليق