اخر الاخبار

breaking/مقالات الدكتور/9
مقالات الدكتور

2:44 م

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي

بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 4 ديسمبر 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"


روي البخاري ومسلم في صحيحهما عن سعيد بن زيد ‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ انه قال‏:‏ سمعت رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول‏:‏ الكمأة من المن،‏ وماوها شفاء للعين،‏ وجاء الحديث بنفس النص في روايه للترمذي عن ابي هريره‏(‏ رضي الله عنه‏) (‏ والكمأة‏)‏  وحدها (‏ كمء‏)‏ وهي درنه من الفطريات الجذريه التي تنمو تحت الارض بالتكافل مع جذور نباتات معينه الي عمق حوالي ثلاثين سنتيمترا،‏ وتنمو في جماعات من عشره الي عشرين درنه في المكان الواحد من التربه‏.‏
وهذه الدرنات كرويه او شبه كرويه،‏ لحميه الملمس،‏ رخوه،‏ ويتدرج لونها من الابيض الي الرمادي والبني والاسود،‏ ولها رائحه نفاذه‏.‏ والكمأة تنمو في صحاري الوطنين العربي والاسلامي من موريتانيا غربا الي اواسط اسيا شرقا،‏ في بيئات تتراوح بين الرمال العميقه،‏ والحصي الضحل والحجر،‏ ويزدهر نموها بعد مواسم العواصف الرعديه ومن هنا اطلق عليها العرب اسم بنات الرعد‏.‏
وللكمأة انواع عديده،‏ ودرناتها مختلفه الاشكال والالوان وتنمو في الطبقه السطحيه من التربه وتدرك عن طريق تشققات التربه في اتجاهين عموديين وقت نضجها‏.‏ واذا لم تجمع الدرنات فانها سرعان ما يتكون بداخلها ابواغ‏(‏ والبوغ واحد الابواغ،‏ ويطلق عليه ايضا اسم البوغاء،‏ وهو التراب الناعم جدا،‏ والذي يطير من دقته اذا مس‏);‏ وبانفجار كيس الابواغ تنتثر محتوياته في التربه،‏ فاذا جاء موسم المطر في اواخر شهر اكتوبر الذي يتميز بالامطار الرعديه،‏ فان محتوي الابواغ ينبت ليعطي خيوطا فطريه دقيقه تنفذ بقدره الله الي داخل نسيج جذور نباتات ناميه في نفس المنطقه وتتطفل عليها حتي يكتمل نموها علي هيئه الدرنات كامله النضج‏.‏
والكمأة مصدر مهم للبروتينات بين نباتات الصحراء،‏ وتتكون درناتها من‏77%‏ ماء،23%‏ مواد صلبه منها‏60%‏ هيدرات الكربون،7%‏ دهون‏42%‏ الياف،18%‏ مواد بروتينيه،11%‏ تبقي علي هيئه رماد بعد الحرق‏;‏ وقد تم التعرف علي سبعه عشر حمضا من الاحماض الامينيه في بروتينات الكمأة‏.‏
وفي وصف رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ للكمأة بانها من المن تعبير عن انها تنبت بفضل من الله ومنه،‏ لانها لاتزرع ولاتستزرع،‏ فهي منه من الله‏(‏ تعالي‏),‏ لا تحتاج الي مئونه بذر او سقيا،‏ ولا تحتاج الي تعب او نصب من الانسان الا في جمعها،‏ ومن هنا كان وصفها بالمن‏.
واما عن وصف رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ لها بان ماءها شفاء للعين فقد ذكر ابن سينا انه انطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف فان المسلمين كانوا يغلون ماءها ثم يبردونه،‏ ويكتحلون به‏(‏ يقتطرون به‏).‏ وقد قام احد اطباء العيون المصريين‏(‏ وهو الدكتور المعتز المرزوقي‏)‏ بمحاوله تحقيق هذا الحديث الشريف علميا فوصل الي عدد من النتائج الهامه التي منها ان ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في حالات امراض العيون المعروفه باسم الحثر او‏(‏ التراكوما‏)‏ وذلك عن طريق التدخل للحد من تكوين الخلايا المكونه للالياف في مكان الاصابه،‏ فقد اثبتت تجاربه ان استعمال ماء الكمأة في علاج حالات الرمد الحبيبي او التراكوما‏(‏ وهو التهاب مزمن،‏ معد،‏ يقاسي منه معظم سكان العالم العربي وحوض البحر الابيض المتوسط وغيرهم من سكان العالم‏)‏ قد ادي الي نقص شديد في تكون الخلايا الليمفاويه الناتجه عن هذا الالتهاب،‏ والتي تسبب العتامه القرنيه،‏ والتي بمضاعفاتها يمكن ان تودي الي فقدان البصر بالكامل،‏ فقد ثبت ان الرمد الحبيبي بمضاعفاته المختلفه مسئول مسئوليه كامله عن اكثر من ربع حالات فقد البصر في مناطق انتشار المرض وفي احيان كثيره يصاحب الرمد الحبيبي بالرمد الربيعي،‏ فيتضاعف التليف في مكان الاصابه،‏ وقد اثبتت التجارب التي اجراها الدكتور المعتز المرزوقي ان ماء الكمأة يقلل من حدوث هذا التليف في قرنيه العين بدرجه ملحوظه،‏ وذلك بوقف نمو الخلايا المكونه للالياف،‏ وبمعادله التاثير الكيميائي لسموم التراكوما،‏ وبمنع النمو غير الطبيعي للخلايا الطلائيه للملتحمه في العين،‏ لان معظم مضاعفات الرمد الحبيبي تنتج عن تليف قرنيه العين،‏ وماء الكمأة يشفيه‏.‏

وهنا يبرز التساول المنطقي‏:‏ من غير الله‏(‏ تعالي‏)‏ يمكن ان يكون قد علم المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هذه الحقائق العلميه‏:‏ ان الكمأة من المن،‏ وان ماءها شفاء للعين فينطق بها من قبل الف واربعمائه سنه؟ وهنا تتضح قيمه هذه الاشارات العلميه في كل من كتاب الله وسنه خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في الدعوه الي دين الله الخاتم في زمن قصرت فيه المسافات‏.‏ وتلاقت مختلف الحضارات،‏ والمعتقدات والثقافات،‏ وفتن الناس بالعلم ومعطياته فتنه كبيره ولم يعد يقنعهم منطق سواه،‏ بعد ان نسوا الله فانساهم انفسهم‏..!!‏

إرسال تعليق