
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نشر في جريدة الأهرام تحت عمود "من أسرار القرآن" بتاريخ 12 ديسمبر 2001 ضمن سلسلة "من الآيات الكونية في القرآن الكريم"
روي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) انه قال: تعود جزيره العرب مروجا وانهارا وهذا الحديث الشريف من المعجزات العلميه التي تصف حقيقه كونيه لم يدركها العلماء الا في العقود المتاخره من القرن العشرين، حين ثبت لهم بادله قاطعه ان جزيره العرب كانت في القديم مروجا وانهارا، كما تشير الدراسات المناخيه الي ان تلك الصحراء القاحله في طريقها الان للعوده مروجا وانهارا مره اخري; وذلك لان كوكب الارض يمر في تاريخه الطويل بدورات مناخيه متقلبه تتم علي مراحل زمنيه طويله ومتدرجه، كما قد تكون قصيره فجائيه، ومتسارعه.
فعلي سبيل المثال ادرك علماء الارض منذ قرن ونصف تقريبا ان ارضنا قد مرت بعدد من دورات زحف الجليد علي اليابسه تعرف باسم الدورات الجليديه يتحرك خلالها الجليد من احد قطبي الارض( او منهما معا) في اتجاه خط الاستواء ومن قمم الجبال الي سفوحها والسهول المحيطه بها; وينحسر في عدد من المرات في الدوره الواحده; وقد وضعت نظريات عديده لتفسير كيفيه دخول الارض في هذه الدورات الجليديه تتلخص في نقص كميه الطاقه الشمسيه الواصله الي ذلك الكوكب نتيجه للتغيرات الدوريه في شكل مداره حول الشمس، وميل محوره علي هذا المدار، واختلاف معدل ترنحه حول محوره; يضاف الي ذلك زحف القارات عبر المناطق المناخيه المختلفه كنتيجه حتميه لتحرك الواح الغلاف الصخري للارض.
وفي اثناء الزحف الجليدي علي اليابسه تتحول البلاد في مناطق خطوط العرض العليا الي صحاري جليديه قاحله تموت فيها النباتات، وتهرب الحيوانات، بينما يتحول الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربا الي اواسط اسيا شرقا الي منطقه مطر غزير; وفي اثناء هذه الدورات المطيره شقت كل الاوديه الجافه التي تنتشر في صحاري تلك المنطقه اليوم، وكانت انهارا متدفقه في القديم، ثم جفت مع تناقص كميه الامطار; فهذه الاوديه الجافه لايمكن ان يكون سبب شقها عاملا غير المياه الجاريه.
وبدراسات متانيه ثبت لنا ان جزيره العرب قد مرت في خلال الثلاثين الف سنه الماضيه بسبع فترات مطيره تخللت ثماني فترات جافه، نمر حاليا بالفتره الثامنه منها.
وتشير الدراسات المناخيه الي اننا مقدمون علي فتره جديده شواهدها بدايات زحف للجليد في نصف الكره الشمالي باتجاه الجنوب، وانخفاض ملحوظ في درجات حراره فصل الشتاء; ولولا التزايد المطرد في معدلات التلوث البيئي التي تزيد من ظاهره الاحتباس الحراري لشاهدنا زحف الجليد علي كل من امريكا الشماليه وشمال كل من اوروبا واسيا في زماننا الراهن.
وفي فترات المطر كسيت الجزيره العربيه بالمروج الخضراء، وتدفقت الانهار بالمياه الجاريه، وتحولت المنخفضات الي بحيرات زاخره بالحياه المائيه، وعمرت اليابسه بمختلف صور الحياه الارضيه كما وصفها حديث رسول الله( صلي الله عليه وسلم) الذ ي نحن بصدده.. وحتي صحراء الربع الخالي التي تعتبر اليوم واحده من اكثر اجزاء الارض قحوله وجفافا ثبت ان بها اعدادا من البحيرات الجافه، والمجاري المائيه القديمه المدفونه تحت رمالها السافيه، وان تلك البحيرات والمجاري المائيه كانت زاخره بالحياه، ومتدفقه بالمياه الي زمن قوم عاد الذين اقاموا في جنوب الجزيره العربيه حضاره ماديه لم يكن يدانيها في ازدهارها المادي حضاره اخري في زمانها، وكانت تلك الحضاره تصدر الي اوروبا( البدائيه في ذلك الوقت) الفواكه المجففه، والبذور، والعطور، والبخور، والاخشاب، والذهب والفضه، فلما جاء الي قوم عاد نبيهم ورسولهم سيدنا هود ( عليه السلام) بالهدايه الربانيه، بدعوه التوحيد الخالص لله( تعالي) وعبادته بما امر، والقيام بواجبات الاستخلاف في الارض وعمرانها، واقامه عدل الله فيها، كفروا بربهم، وجحدوا باياته، وعصوا رسله، وكذبوهم، واستكبروا في الارض بغير الحق، فحجز الله( تعالي) عنهم المطر، وارسل عليهم الريح العقيم فطمرت حضارتهم برمالها، وقطعت دابرهم، وجعلتهم الكرحيم، وقد وصف الحضاره الماديه لقوم عاد اثناء ازدهارها اثنان من المورخين القدامي كان اولهما بطليموس الاسكندري، الذي كان امينا لمكتبه الاسكندريه وقام برسم الانهار المتدفقه في منطقه الربع الخالي الحاليه بتفرعاتها، والبحيرات التي كانت تفيض اليها وكان ثانيهما هو بليني الكبير احد مورخي الحضاره الرومانيه والذي وصف حضاره عاد بانها لم يكن يدانيها في زمانها حضاره اخري.
وتمثل فتره الامطار الغزيره الاخيره في شبه الجزيره العربيه، في خلال الثلاثين الف سنه الماضيه نهايات العصر الجليدي الاخير الذي عم الارض خلال المليوني سنه الاخيره في دورات متتاليه من زحف الجليد وانحساره تركت بصماتها واضحه علي اشكال سطح الارض الحاليه بصفه عامه، وفي نصفها الشمالي بصفه خاصه; وقد حصي العلماء من تلك الدورات عشرين دوره استغرقت كل منها حوالي المائه الف سنه، كان نصفها دورات زحف جليدي تخللتها عشر دورات من دورات انحسار هذا الزحف الجليدي، ونعيش اليوم في نهايه اخر دوره من دورات هذا الانحسار الجليدي، ويبشر العلماء ببدايه دوره جليديه جديده قريبا ان شاء الله بدات شواهدها بالفعل.
وليس دخول الارض في دوره من دورات زحف الجليد علي اليابسه بالامر المستغرب فقد حدث ذلك في تاريخ الارض الطويل عده مرات، اثارها مدونه بدقه فائقه في صخور الارض منها اثنتان في احقاب ماقبل الكمبري احداهما في حدود بليوني سنه مضت، والاخري منذ ستمائه مليون سنه مضت، واثنتان في صخور احقاب الحياه القديمه اولاهما في حدود400 الي440 مليون سنه مضت( العصر الاوردوفيشي السيليوري) والاخري في حدود250 300 مليون سنه مضت ( العصرين الكربوني واليرمي) وقد تركت الاولي اثارها علي الثلث الشمالي من الجزيره العربيه، وكان الزحف الجليدي فيها قادما من شمال افريقيا، وتركت الثانيه اثارها علي ثلثها الجنوبي وكان الزحف الجليدي فيها قادما من شبه القاره الهنديه التي كانت في ذلك الوقت موجوده في جنوب الجزيره العربيه وملتحمه معها ومع كل من القارات الافريقيه، والاستراليه، والامريكيه الجنوبيه مكونه قاره عظمي واحده اطلق عليها العلماء اسم ارض جندوانا هذه الحقائق لم يتوصل الانسان الي معرفتها الا في العقود المتاخره من القرن العشرين، واشاره المصطفي ( صلي الله عليه وسلم) اليها في حديثه الكريم تعود جزيره العرب مروجا وانهارا مما يشهد له بالنبوه وبالرساله، وبأنه ( عليه افضل الصلاه وازكي التسليم) كان دوما موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السموات والارض.
إرسال تعليق